تسعة مجهول
الأمراض الفتاكة
الرئيسية » غرائب » الأمراض الفتاكة : أمراض وأوبئة أدت إلى وفاة الملايين

الأمراض الفتاكة : أمراض وأوبئة أدت إلى وفاة الملايين

تحصد الأمراض الفتاكة الأرواح بشكل يفوق الحروب والمجاعات والكوارث مجتمعة، في هذه السطور نتعرف على مجموعة من الأمراض الفتاكة التي أدت إلى وفيات بالملايين.

الأمراض الفتاكة تنافس الحروب في حصد أرواح البشر الذين كانوا وما زالوا ضحية لكل ما هو قاتل. ربما تكون الحروب أكثر دموية وبشاعة فبطريقة قتلها للملايين من البشر وحصد أرواحهم ولكن تبقى الأمراض الفتاكة هي الأشد خطراً. فربما يستطيع الإنسان أن يحتمي من الحروب ويلجأ إلى مكان يتقي فيه شرها وخرابها. وربما يكون للحروب موعد يعلمه أو اتجاه تأتي منه فيكون الاحتماء منها متيسر، ولكن الأوبئة لا يدرك الإنسان من أين تأتي ولا متى تهجم ولا حتى سببها أو كيفية الوقاية منها. فيعيش في رعب وخوف هو أشد وقعاً عليه من المرض نفسه. فلا يعلم إلى أين يلجأ ولا كيف يحتمي من المرض الذي يتسلل إليه من كل اتجاه. أصيب البشر على مر العصور بأنواع عديدة من الأوبئة قضت على الملايين، وخلفت من بعدها أجيالاً مشوهة وأسر ممزقة ونفوس ضعيفة. في هذا المقال نستعرض أخطر وأعنف هذه الأمراض الفتاكة التي أصابت البشرية على مر العصور في مختلف بقاع الأرض فأتت على الأخضر واليابس.

مجموعة من الأمراض الفتاكة أدت إلى وفيات بالملايين

الموت الأسود

يطلق لفظ الموت الأسود على أحد أخطر الأمراض الفتاكة وهو الطاعون الذي اجتاح أوروبا بين عامين 1347 و 1352. اختلف المؤرخون حول أول مكان ظهر فيه هذا المرض قبل انتقاله إلى أوروبا حيث قال البعض أن أو ظهور له كان آسيا الوسطى وقال البعض أنه كان في شمال الهند ومن ثم انتقل إلى أوروبا ليجتاح القارة بأكملها. أما الطاعون فهو مرض معدٍ ينتشر بسرعة كبيرة بين البشر عن طريق الرذاذ والعطس والحكة. والمرض هو عبارة عن بكتيريا تسمى يرينسيا، تحمل هذه البكتيريا أنواع معينة من القوارض وتنتقل إلى البشر عن طريق العض أو بعض البراغيث التي تحملها هذه القوارض.

تسبب هذا المرض في فناء عدد مهول من البشر لم تشهده الإنسانية من قبل ولم تتسبب فيها كثير من الأمراض الفتاكة الأخرى. حيث أدى الطاعون إلى وفاة ما يقارب ثلث سكان قارة أوروبا. بالفعل هي كارثة كبرى أصابة القارة وتركت من بقى على قيد الحياة يعيش في رعب لا ينتهي. لم يتوقف هذا الوباء عن الانتشار حيث اجتاح عدد كبير من المناطق المجاورة للقارة وصل إلى الشرق الأوسط وكان عدد ضحاياه في مصر يصل إلى 40% من سكان مصر. أما في أوروبا و فرنسا وإيطاليا فكانت الفاجعة أكبر بكثير، حيث قضى أكثر من 80% من سكان هذه البلاد حتفهم. ووصل عدد الذين قضى عليهم المرض إلى قرابة 200 مليون شخص بين أطفال ونساء وشيوخ ورجال. إنها مأساة حقيقة يتسبب فيها أخطر الأمراض الفتاكة على الإطلاق وأكثرها بشاعة. مدن كاملة لم يعد أحد فيها على قيد الحياة، وصارت رائحة الموت تزكم الأنوف. لم يستطع الأطباء السيطرة على المرض لأنهم لم يكن لديهم الوقت ليتعرفوا على سبب هذا الوباء، فالانتشار المرعب للمرض جعل الجميع في حالة زعر وفزع. ظل الطاعون يحصد أرواح الملايين طيلة أربعة أعوام كاملة ولم يدرك أحد أن هذه الفئران هي سبب هذا الوباء.

إنفلونزا أسبانيا 1918

في عام 1918 عادت الأمراض الفتاكة لتضرب من جديد ولكن هذه المرة لا تستهدف الأطفال والنساء وأصحاب المناعة الضعيفة كما هو المعتاد بل على العكس تماماً فأغلبية الوفيات من الشباب. سميت هذه الإنفلونزا بالإسبانية رغم أن إسبانيا لم تكن أول الدول التي ينتشر فيها المرض بل كانت إحداها، ومع ذلك جرى التعارف على تسميتها بهذا الاسم. انتشرت هذه الإنفلونزا في أعقاب الحرب العالمية الأولى وخلفت ما بين 50 إلى 100 مليون من الوفيات، وهو ما يعادل ضعف عدد قتلى الحرب العالمية الأولى تقريباً. تشير الإحصائيات إلى أن 99% من حالات الوفاة كانت بين من هم تحت سن 65 عاماً بينما نصف عدد الوفيات كان بين من يتراوح عمرهم بين 20 إلى 40 عاماً. وكان سبب الوفاة هو نزيف رئوي حاد ناتج عن الإصابة بالفيروس. ربما لم يكن هذا المرض أكثر الأمراض الفتاكة خطورة ولكن احتل مركزاً متقدماً. حيث وصل عدد الذي أصيبوا بهذا المرض خلال عام واحد إلى ما يقارب 500 مليون شخص حول العالم. وربما ساعدت الحرب العالمية في انتشار الإنفلونزا بطريقة أو بأخرى، حيث أن الثكنات والعنابر العسكرية التي امتلأت بعدد كبير من الجنود أثناء الحرب ساهم بشكل كبير في نقل العدوى. كما أن التغذية السيئة والمناعة الضعيفة لدى الجنود جعلتهم فريسة سهلة للمرض.

الملاريا

من الممكن ألا نعتبر الملاريا من الأمراض الفتاكة بل من الأمراض الخطيرة وسريعة الانتشار. فعدد الذين يصابون بمرض الملاريا بشكل سنوي في أفريقا وحدها يتراوح بين 300 مليون إلى 500 مليون شخص سنوياً. ولكن عدد صغير جداً من هؤلاء المصابين بالمرض ينتهي بهم الأمر إلى الموت. لذلك فإن أفريقيا تعتبر موطنا لمرض الملاريا. كانت الحرب العالمية الأولى والثانية مسرحاً لسقوط أكبر عدد من ضحايا هذا المرض المصابون بالملاريا. فقد لقي ما يقارب 100 ألف من الجنود حتفهم ليس نتيجة الحرب بل نتيجة إصابتهم بالملاريا. يرجع تاريخ المرض إلى آلاف السنين ومازال حتى يومنا هذا يصيب الملايين من البشر. ينتقل المرض عن طريق البعوض. ويصيب المرض كرات الدم الحمراء ويعمل على تدميرها ومن أعراضه الحمى وفقر الدم تضخم الطحال.

الكوليرا

هذا النوع المختلف من الأمراض الفتاكة التي لا تتوقف عن حصد أرواح البشر. الكوليرا هو مرض يصيب المعدة تسببه بكتيريا تسمى “ضمة الكوليرا”. تنتقل هذه البكتيريا عن طريق الطعام أو الشراب الذي يحتوي على هذه البكتيريا. يعد الكوليرا من أكثر الأمراض فتكاً ليس بسبب حصده الكثير من الأرواح فحسب ولكن لكونه أسرع الأمراض قضاءً على حياة الإنسان. فالبكتيريا تحتاج فقط إلى 18 ساعة من ظهور أعراض المرض على الشخص لتتركه جثة هامدة، وفي بعض الأحيان تصل هذه المدة إلى أربعة أيام. وصلت عدد المرات التي انتشر فيها المرض كوباء يصب البشر إلى سبعة مرات خلال 150 عاماً فقط مخلفاً مئات الآلاف من الوفيات في كل مرة. كان أشرس هذه الهجمات بداية من عام 1816م حيث لم تختلف الكوليرا عن أي من الأمراض الفتاكة الأخرى. فقد حصد أرواح 15 مليون شخص في الهند، و2 مليون في روسيا، بالإضافة إلى انتشار المرض في كل من الصين والهند وبريطانياً ليبلغ إجمالي عدد الوفيات 23 مليون شخص.

كل هذه الأمراض ما زالت تفتك بالبشر بقوة وتسبب الكثير من الوفيات رغم التقدم العلمي الذي وصل إليه العالم. ولكن لا يمكن أن ننكر أن التقدم الطبي تمكن من مقاومة الكثير من الأمراض والحد من خطورتها. ويبقى السؤال مطروحا ما سبب انتشار هذه الأمراض ولماذا تظهر الأوبئة فجأة لتحصد أرواح الملايين؟ هل البشر هم المسئولون عن هذا نتيجة إهمالهم وتدميرهم للطبيعة وتلويثهم للبيئة. فحب الإنسان للابتكار ورغبته في تجريب كل ما هو جديد دون دراسة للعواقب ربما أدت إلى نتائج وخيمة في النهاية. أم أن هذه الأمراض الفتاكة ناتجة عن الطبيعة نفسها، فبالتالي لابد أن نتعايش معها ونقاومها بما أوتينا من قوة؟ ففي النهاية لا مكان نعيش فيه غير هذه الأرض. تبقى هذه الأسئلة في حاجة إلى من يجيب عليها.

معاذ يوسف

مؤسس ورئيس حالي لفريق ثقافي محلي، قمت بكتابة رواية لكنها لم تنشر بعد.

أضف تعليق

اثنا عشر + ثلاثة =