تسعة مجهول
قضية دباتلوف
الرئيسية » جريمة » قضية دباتلوف المحيرة والجريمة التي لم تحل حتى الآن

قضية دباتلوف المحيرة والجريمة التي لم تحل حتى الآن

قضية دباتلوف واحدة من أهم القضايا التي هزت المجتمع الروسي القديم، وقد احتوت تلك القضية الغامضة على أكثر من سبب لبث الرعب.

مما لا شك فيه أن الألغاز المحيرة في هذا العالم يُمكن أن تُعد على أصابع اليد الواحدة، لكن قضية دباتلوف الغامضة بالتأكيد سوف تجد مكانًا لها على رأس هذه القائمة الطويلة، فقد احتوت القضية على أكثر من حدث مرعب في نفس الوقت، ليس هذا فقط، بل إن الملابسات التي صاحبت القضية كانت أكبر من كل عقل، وأخيرًا النظريات والتفسيرات التي لا تقل رعبًا عما سبق ذكره، كل هذا جعل من القضية لغزًا طويل الأمد، لم ينجح أحد في الوصول إلى حل منطقي له حتى الآن، كما أن الرحلات إلى الجليد قد توقفت في هذا الوقت بروسيا لفترة طويلة، الجميع كان خائف، والجميع كذلك كان يمتلك الأسباب التي تُبرر ذلك الخوف، حتى العالم عندما شاهد الفيلم الذي يُحاكي جزء بسيط من الحكاية قد أُصيب بالخوف الشديد، فما هي يا تُرى قضية دباتلوف المرعبة، ومن هم أبطالها؟ وكيف حدث ما حدث؟ كل هذه الأسئلة وأكثر سوف نحاول الإجابة عليها سويًا من خلال الأسطر القادمة، فهل أنتم مستعدون؟

بداية قضية دباتلوف : اللغز المُحير

البداية هي كل شيء، وبداية قصتنا التي هي محل الحديث الآن أن تسعة أشخاص، ست شبان وشابتين، قد قرروا الخروج في رحلة من الرحلات الجليدية التي لم يكن هناك ما هو أكثر منها في روسيا، كان ذلك في عام 1959، وكانت روسيا لا تزال حاملة لأسم الاتحاد السوفيتي، لكن هذا لم يُشكل فارقًا، ففي النهاية الجليد موجود وجبل الموت الشهير موجود، وبالتأكيد سوف تكون رحلة لا مثيل لها في المتعة، أو هكذا ظن هؤلاء المساكين.

في الثاني من فبراير القابع في عام 1959 انطلقت الرحلة، حزم الجميع حقائبه وتوجه لمكان التجمع حيث الانطلاقة الأخيرة، وقد كان من المفترض أن تستمر تلك الرحلة لأسبوع واحد فقط، كانت الأمتعة جاهزة لقضاء تلك المدة فقط، لكن، مع مرور أكثر من عشرة أيام دون أي خبر بدأ الأهالي يقلقون ويجرون الاتصالات للتأكد من كون ذويهم بخير، لكن لم يصل أحد لشيء، وهنا كان على الشرطة التدخل للتقصي عن الأمر.

اكتشاف الكارثة

البداية الحقيقية للكارثة، التي تحمل اسم قضية دباتلوف، كانت عندما ذهبت الشرطة إلى جبل الموت وتتبعت آثار الأقدام، فهناك عثرت الشرطة على الخيام، ثم بجوارها ثمانية جثث أقل ما يُقال عن حالتها أنها قد عانت كثيرًا قبل موتها، وإذا كنتم تسألون عن الجثة التاسعة فهي في الحقيقة لم تكن موجودة، لسبب بسيط جدًا، وهو أن ثمة شخص قد شعر بالمرض في بداية الرحلة فعاد أدراجه، بمعنى أدق، ثمة شخص لم يُكتب له الموت بهذه الطريقة الوحشية، وكان الشيء الوحيد القادر على إنقاذه هو المرض الذي نزل به.

منظر الجثث كان مربكًا بحق، فهناك من كان مُقتلع العينين، وهناك من كانت بلا لسان، أما الجميع فلم يسلم من تكسير العظام، وكأنهم قد خاضوا حربًا شرسة مع أكثر شيء مرعب في هذه الحياة، وطبعًا الجليد لم يترك الفرصة لأغلب الجثث وقام بمحوها، لكن البحث في النهاية تمكن من استخراج الجثث الثمانية، لكن الأهم الآن هو إجابة السؤال الذي كان يطرحه كل من يسمع بتلك القضية التي لاقت انتشارًا كبيرًا سريعًا، ما الذي حدث؟

نظريات وتفسيرات

في الحقيقة كانت قضية دباتلوف واحدة من أكثر القضايا التي أثارت جدلًا، فلا أحد يجذم بما حدث، وهذا يعني أنه ثمة باب مفتوح للتكهنات، وكلنا نعرف أن التكهنات تأتي بنظريات وتفسيرات بعضها ممكن وبعضها غير قابل للتصديق، وسوف نتناول سويًا في السطور القادمة كل هذه الأنواع من النظريات، ولتكن البداية بالنظرية التي تُشير بإصبع من ذهب إلى رجل الثلج، فمن هو رجل الثلج هذا؟

رجل الثلج، النظرية الخرافية

أولى النظريات التي قال بها المفسرون أن أسطورة رجل الثلج كانت حاضرة بقوة في هذه الأحداث، حيث يُقال إنه ثمة كائن أسطوري يعيش في الجليد الروسي يُسمى رجل الثلج، ومهمته أن يُبعد كل من يقترب من بيته وأسرته، ولهذا فإن التفسير الوحيد لوجوده في القصة هو قيام بعض الشباب المسافرين من اقتحام عزلته، وهنا تدخل الرجل وقام بمنعهم عن طريق القتل، وربما هذا ما يُفسر الحالة السيئة التي آلت عليها الجثث، لكنها في النهاية مجرد أسطورة، وأول ما يفعله أي عاقل هو استبعادها دون تفكير شديد في الأمر.

الاختبارات النووية، أمر وارد

النظرية الثانية فيما يتعلق بالمعجزة التي تحمل اسم قضية دباتلوف أن الشباب قد دخلوا دون قصد ضمن منطقة معروف عنها إجراء الاختبارات النووية العسكرية باستمرار، فهذه الاختبارات تتطلب وجود مكانًا بعيدًا، وهذا ما يتوافر في جبل الموت، وكل ما هنالك أنه قد حدث خطأ في خط سير الشباب، وعمومًا فإن كمية الإشعاعات التي كانت موجودة في أجساد الضحية عندما اقتربت من تأكيد الأمر جاءت معضلة العظام المكسورة لتنفي الاحتمال برمته، لأنه لا يُعقل أبدًا أن تتسبب الإشعاعات النووية في كسور بالعظام وسائر الجسم.

ظهور الكائنات الفضائية

في أي قضية اختفاء أو قتل غريبة تحدث في هذا العالم نجد أنه ثمة نظرية وتبرير شبه ثابت في كل هذه القضايا، وهو ذلك الذي يتعلق بظهور بعض الكائنات الفضائية وقيامها بالأمر، وكأن الكائنات الفضائية منذ القرن التاسع عشر قد تسببت في هوس كبير برأس الناس، لكن الحقيقة أنه في هذا المرة ثمة إثبات قوي على أن الكائنات الفضائية لها دخل في الأمر، وهو ذلك الذي يتعلق برؤية البعض لضوء خاطف برتقالي في السماء، وكأنه بقايا تلك الزيارة، وأيضًا ظهرت أعراض الشيب على شعر الجثث بالرغم من أن أصحابها كانوا لا يزالون في مقتبل العمر، وهذا ما يفتح الباب أمام رؤيتهم لشيء صادم إلى حدٍ كبير، لكن العقلاء أيضًا قد نفوا تلك النظرية، بل ونفوا كل النظريات السابقة بحجة كونها غير منطقية، وطبعًا كان من الطبيعي أن يستبدلوها ببعض النظريات المنطقية حسبما يعتقدون، وعلى رأسها الانهيار الجليدي.

حدوث انهيار جليدي

أصحاب النظرية الأولى المنطقية في قضية دباتلوف يقولون إن ما حدث كان سببه في المقام الأول حدوث انهيار جليدي، وطبعًا كلنا نعرف الانهيار الجليدي عندما يحدث وما الذي يُمكن أن يؤدي إليه من أضرار، وقد استدل هؤلاء على قولهم بأن الجثث كانت مُغطاة، لكن بالبحث خلف هذه النظرية اتضح أن ذلك المكان لم يحدث به أي انهيار جليدي خلال هذه الفترة، كما أن الأغراض والخيم كانت كما هي، وهذا يعني استبعاد تلك النظرية تمامًا.

حدوث موجات السمعية

الرأي المنطقية الآخر يقول إن ما حدث كان عبارة عن حرب نفسية بحتة، فالرياح عندما تشتد تُصدر صوتًا مُرعبًا بعض الشيء، وهذا ما يُفسر حالة الهلع التي أصابت الجميع فور حدوث ما حدث، لكن، هذا أيضًا لا يضع أي تفسيرات للضرب وسحق العظام اللذان تعرضت الجثث لهما، ولهذا فإنه رأي مستبعد كذلك.

ضلوع قبيلة مانسي

نظرية أخرى من النظريات المنطقية بعض الشيء تقول إن قبيلة مانسي، وهي قبيلة تعيش في هذه المناطق، ظنت أن الفوج الشبابي كان قادمًا من أجل الاعتداء عليها، ولأنها معزولة تمامًا عن العالم الخارجي فلم تفكر لوهلة في التخلص من هذا الفوج وقتله عن بكرة أبيه، لكن ما تم رصده في موقع الحادثة لا يقول ذلك أبدًا، فتقريبًا كان كل شيء كما هو، ولم تكن هناك آثار أقدام لأي شخص غريب عن الفوج، كما أن هذه الطريقة ليست المعهودة عند قبيلة مانسي في القتل.

الشجار الداخلي

في الحقيقة هذه النظرية يُمكن اعتبارها الأقرب للإقناع، وهي التي تقول بأن شيئًا مما تحدثنا عنه قد وقع، فكل ما هنالك أن الشباب في الفوج قد تشاجروا على الفتاتين، كل شخص كان يُريد أن يظفر بما يريد، وهنا نشب الشجار الذي أسقطهم جميعًا أموات، لكن هل سمعنا عن شجار مميت يُقتل فيه كل الأطراف؟ في الواقع لا، لكن من فسروا هذا الرأي قالوا إن من تبقى قد مات بسبب الجوع والعطش، ولهذا كانت تلك النظرية هي الأقرب للإقناع كما ذكرنا.

القتل على يد المخابرات

أمر آخر قد يبدو غريبًا بالنسبة لكم لكنه مطروح وبشدة، وهو أن ذلك الفوج المسكين سيء الحظ قد تم قتله على يد الجهة الوحيدة التي لا يتوقع أي شخص أن تفعل ذلك الأمر، وهي جهة المخابرات، أو الحكومة الروسية نفسها بمعنى أدق، فقد قال أصحاب هذه النظرية بأن الفوج عن طريق الخطأ أقدم على اقتحام منطقة عسكرية محظورة، وتلك المنطقة كان يُجرى فيها بعض الاختبارات السرية على أسلحة جديدة، ولم يكن مسموحًا لأي شخص رؤيتها مهما تكلف الثمن.

لذلك فعندما شاهد الفوج الشبابي تلك التجارب كان لابد من التخلص منه والتخلص من السر الذي تسرب في نفس الوقت، وقد استدل أصحاب تلك النظرية على ذلك الأمر بأن البعض يقول إنه شاهد طيف برتقالي، ومن المعروف أن الطيف البرتقالي يكون غالبًا ضمن مخلفات تجارب الأسلحة الجديدة، كما أن التبرير الثاني المنطقي من وجهة نظر أصحاب هذه النظرية أن رئيس التحقيق في تلك القضية قد قال في لقاء فيما بعد أن الجهات المسئولة قد طلبت منه إغلاق التحقيق في هذه القضية والتخلص من كل الملفات المتعلقة به بأسرع وقت ممكن، وكأنه يقول أنه عندما اقترب من كشف الحقائق تم إيقافه من قِبل الذين يتم اعتبارهم المسئول الأول عن تلك الواقعة المؤلمة!

الرد على النظرية

بالتأكيد لم يكن البعض ليسمح بالتجريح في الحكومة الروسية لمجرد إثبات بعض الأمور في قضية دباتلوف، بل كان هناك رد منطقي كذلك على تلك الاتهامات الباطلة من وجهة نظر البعض، وذلك الرد يكمن في أن الجيش الروسي أو المخابرات الروسية لم تكن لتترك أي أثر خلفها لو كانت هي فعلًا من أشرفت على تنفيذ تلك الجريمة، فتلك الوحدات تمتلك قوات عمليات خاصة على أعلى مستوى ممكن، وهم ليسوا هواة ليتركوا أي دليل يُمكن اقتفائه فيما بعد، كما أن القوات الروسية أصلًا لم تكن لتقتل شباب من الروس حتى ولو شاهدوا تجارب الأسلحة، بل إنهم لو كانوا جواسيس لقدمتهم إلى المحاكمة أولًا ثم قامت بإعدامهم، فما بالكم بشباب روسي لا ناقة له ولا جمل، عمومًا، لا تزال تلك القضية تشكل لغزًا كبيرًا حتى الآن، وقد سميت باسم قضية دباتلوف نسبةً إلى اسم قائد الفوج الشبابي المغدور.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

19 − 14 =