تسعة مجهول
دا تشوا
الرئيسية » اسطورة » دا تشوا : الشيطانة التي تتصيد النائمين خلال النوم

دا تشوا : الشيطانة التي تتصيد النائمين خلال النوم

دا تشوا امرأة صينية عجوزة تتواجد في الأساطير التابعة لقبيلة المونغ، حيث يؤمن أتباع تلك القبيلة أن تمتلك المرأة تمتلك قدرات خارقة وتقتل الرجال خلال نومهم.

عندما تتحدث عن الأساطير فلا يجب أن تغفل الأساطير اليابانية والصينية بالذات، وإذا تحدثنا عن الأساطير الصينية فلا يجب أن نترك أساطير قبيلة المونغ الشهيرة، وإذا وصل الأمر إلى قبيلة المونغ فليس هناك مناص من التحدث عن أسطورة دا تشوا العجيبة، تلك الأسطورة التي ظهرت قبل عشرات القرون وتحدثت عن امرأة صينية غامضة تذهب إلى الناس خلال نومهم ثم تقوم بقبض أرواحهم بكل سهولة وكأنهم أشياء لا وجود لها، الأدهى أنها تُجهز عليهم في أكثر من مرة على انقطاع وبالرغم من ذلك لا يستطيعون المقاومة لأنها حسب الزعم تمتلك قوة خارقة لا يُمكن لأحد التصدي لها، والدليل على ذلك أنها ظلت تفعل ما تفعله لسنوات طويلة وأسقطت الآلاف من القتلى دون أن يكون هناك أية رد من جانب البشر، عمومًا، في السطور القليلة المقبلة سوف نتوغل أكثر داخل عالم الأسطورة دا تشوا ونعرف كيف نشأت؟ وكيف وصلت إلى ما وصلت إليه؟ وهل هي أسطورة حقيقية أم أنها مجرد أسطورة مُختلقة لا أساس لها؟

أسطورة دا تشوا

امرأة مؤذية، غيورة، حقودة، مُتسلطة على الرجال وترغب دائمًا في قتلهم، هذه ببساطة أوصاف تلك المرأة التي تتواجد في الأسطورة التي نتحدث عنها، والتي يُرجح أن أصلها صيني، وطبعًا الأساطير الصينية غنية عن التعريف تمامًا، فمجرد ذكر اسم الصين يجعلنا نُفكر في ملايين الأساطير الأخرى التي هزت العالم ولا تزال حاضرة حتى الآن في الكثير من المُسلسلات والأفلام الصينية وغير الصينية، لكن أسطورة دا تشوا بالذات تحظى بمكانة كبيرة لأكثر من سبب، وأهم هذه الأسباب أنها قد تمكنت من الحفاظ على مكانتها بين بقية الأساطير حتى وقتنا الحالي.

تُصيب أسطورة دا تشوا الأطفال الذكور بدرجة أكبر من غيرهم، لكنها عامةً تنتشر في الرجال حتى سن الأربعين، والحقيقة أنه لا أحد يعرف حتى الآن التداعيات التي تُمهد لظهورها أو الأسباب بمعنى أدق، كل ما يعرفها مُرددي تلك الأسطورة أن امرأة عجوز تظهر في ليلي من الليالي وتُهاجم الرجال ثم تخنقهم حتى الموت، لكن يا تُرى متى بدأت دا تشوا عملها؟

بداية أسطورة دا تشوا

طبعًا كما ذكرنا من قبل، تتميز الأساطير الصينية بقدمها، وهذا لسبب بسيط جدًا، وهو أن الصين نفسها قديمة، والحقيقة أنه كلما كانت البلاد أقدم كلما كانت أساطيرها أكثر وقابلة للتصديق بدرجةٍ كبيرة، عمومًا، يُرجح أن تلك الأسطورة قد بدأت قبل خمسة آلاف سنة، لكن الانتشار الحقيقي والتداول المُطلق ربما يرجع أصله إلى القرون العشر الأخيرة، وهذا غالبًا هو الوقت الذي سطت فيه كل الأساطير القديمة، لكن الفارق بينها وبين أسطورة دا تشوا التي نتحدث عنها أن الأخيرة قد حجزت مكانًا أساسيًا وثابتًا في عقول الناس، بينما الأساطير الأخيرة تتلاشى مع الزمن بسهولة.

يُقال كذلك أن أسطورة دا تشوا قد بدأت بخيانة رجل لزوجته، وعلى الرغم من كون هذا الأمر بسيط ومُتكرر الحدوث إلا أن دا تشوا هذه كانت تحب زوجها كثيرًا، وكانت تظن أنه يُبادلها نفس الحب، ولذلك كانت هذه الخيانة بمثابة ضربة قاضية لها، وهذا ما جعلها تبدأ في قتل الذكور وخنقهم خلال النوم على سبيل الانتقام من زوجها الخائن.

ما الذي تفعله دا تشوا؟

المقصود باسم دا تشوا تلك المرأة العجوزة المُتشحة بالسواد والمُستمتعة بالظهور للناس ليلًا خلال أوقات النوم، فهي روح شريرة يُشبهها البعض بالشيطان، وهناك من يرأف بوصفها فيدعي أنها شبح، لكن أيًّا كانت صفاتها فإنها في النهاية تظهر على هيئة امرأة عجوز تبلغ من العمر أرذله، ومع أن فترة العجائز هي الضعف إلا أن دا تشوا قوية بما يكفي لخنق الرجل أثناء نومه وجعله يُعاني أشد المعاناة، تلك المُعاناة التي تنتهي غالبًا بالموت البطيء المؤلم.

المُدهش حقًا في دا تشوا أن كل ما يحدث للشخص أثناء النوم من خنق وضرب لا يشعر به سوى الشخص نفسه، وذلك في أحلامه فقط، بمعنى أدق، يُمكن لتلك العجوز أن تخنق الرجل بجوار أسرته وجمع كبير من الناس دون أن يعلم أي شخص من الحاضرين بما يجري لذلك الشخص المسكين، لكن الشرط الوحيد لحدوث كل ذلك هو أن تكون خالدًا في النوم، وقتها فقط سوف تسقط كفريسة لتلك العجوز المتعطشة لدماء الرجال.

كيف تهرب من دا تشوا؟

هناك من يقول أنه ليس من الضروري أن يكون نومك طريقًا مُختصرًا إلى الموت، بمعنى أدق، لا يُشترط أن تضعك دا تشوا في ذهنها وتخلد إلى النوم فتموت، بل ثمة بعض الحلول التي أولها مُستحيل بالطبع، وهو ألا تخلد إلى النوم من الأساس، فهذه هي الحالة الأولى التي ستهرب فيها من ذلك الجحيم، لكنها حالة مُستحيلة بكل تأكيد لأنه لم يثبت أبدًا أن شخص ما قد استطاع الامتناع عن النوم لأكثر من يومين أو ثلاثة على أقل تقدير، النوم في الأصل لون من ألوان الحياة، إذا لم تستطع النوم فستموت بالطبع، وإذا غفوت وكانت دا تشوا تنتظرك فستموت أيضًا.

الحل الثاني الذي قد يُمكنك من الهروب من دا تشوا المرعبة أن تلجأ إلى بعض الطقوس التي لجأت إليه قبيلة المونغ، وهذه الطقوس بالطبع لا يُمكن تعلمها بسهولة أو إجادتها من قِبل أي شخص، بل يجب أن يتمتع بمواصفات وقدرات خاصة، وهذا الأمر غالبًا ما ينطبق على شخص أو شخصين بالكثير في كل قبيلة من القبائل التابعة للمونغ، لكن الجيد في الأمر حقًا أن الأشخاص المُجيدين للطقوس يُمكنهم تجريبها على الأشخاص الذين يتعرضون لهجوم من دا تشوا، لأنه قد سبق وذكرنا بأنها تأخذ أكثر من ليلة حتى تقتلك تمامًا.

الجزء المُرعب من الأسطورة

طبعًا كل ما ذكرناه من قبل عن أسطورة دا تشوا مُرعبًا ومُخيفًا إلى أبعد حد ممكن، فنحن نتحدث عن امرأة تمتهن قتل الناس خلال نومهم، لكن الجزء الأكثر رعبًا في الحقيقة هو الجزء الذي لم نذكره بعد في هذه الأسطورة، حيث يُقال أن دا تشوا إذا تتبعت فردًا من أفراد العائلة وقامت بقتله فهذا يعني أنها قد وضعت العائلة بأكملها على القائمة، أو بمعنى أدق رجال العائلة مُجتمعين، فإذا افترضنا مثلًا أنه ثمة منزل به عشرة رجال وتمكنت دا تشوا من قتل أحد رجاله قبل أن يتم إنقاذه خلال أيام المعاناة فإن رجال العائلة المُتبقين يبدؤون في توديع ذويهم، هذا لأن كل شيء سوف يكون شبه منتهي تمامًا، سيموت الجميع بكل أسف، ووقت الإنقاذ لن يكون موجودًا.

أسلوب دا تشوا في القتل أنها إذا تمكنت من أحد رجال العائلة دون أي تخليص من يديها فإن بقية الرجال المُتبقين لن يُمكنهم إنقاذ أنفسهم، وكأن سُبل الموت تُصبح أسهل مع إسقاط الرجل الأول، المشكلة الحقيقية أنك مهما فعلت لن تنجو بأي طريقة، فساحة القتل لتلك المتوحشة هي النوم، وهل ينجو أي شخص من النوم؟ بالتأكيد لا، إذًا لنقم الآن بتبديل السؤال، هل ينجو شخص من دا تشوا؟ الإجابة لا أيضًا.

هل أسطورة دا تشوا حقيقية؟

في الحقيقة يُمكن الخروج بحكم مُتسرع كعادة كل الأحكام التي تخرج فور معرفة تعلق الأمر بأسطورة، فالجميع لديه اعتقاد سائد بأن الأساطير مجرد حكايات خرافية لا قيمة لها، لكن هذه المرة بالذات يُمكننا أن نتوقف على ذلك التعميم ونعترف أنه ثمة حقًا أسطورة يُمكن أن تكون حقيقية، وأن تلك الأسطورة التي نزعم أنها حقيقية هي ببساطة أسطورة دا تشوا، وهذا ليس لشيء سوى أن الكثير من الأدلة تؤكد وجودها وتُبرهن عليه، ولا نقصد بالأدلة تلك القصص الخرافية، وإنما الحالات التي ثبت أنها تعرضت لبعض آثار دا نشوا ونجت من الموت بأعجوبة لتقص لنا ما شاهدته خلال تجربتها تلك.

أيضًا الطب الأمريكي وفي كل مكان بالعالم اعترف بأن ثمة بعض الحالات التي تم علاجها من داء تشوا، وهو توهم الموت، أو ما كان يُعتقد أنه مجرد توهم، هذا قبل أن يتضح كونه دا خطير غالبًا ما ينتهي بالموت، ولكي نُقرب صورة صحة أسطورة دا تشوا أكثر دعونا نُلقي الضوء على أحد مرات ظهورها على شاشة التلفاز ونعرف كيف تمت معالجتها في أحد أهم شاشات العالم، الشاشة الأمريكية.

أسطورة دا تشوا على الشاشة

الحكايات والقصص الغريبة غالبًا ما تظهر على الشاشة، لكن النادر حقًا أن نرى أحد الأساطير وهي يتم تناولها بكثيرٍ من الاهتمام، الأدهى من ذلك أننا نتحدث عن أسطورة صينية، وبالرغم من هذا فقط ظهرت على الشاشات الأمريكية في المسلسل الطبي الشهير هاوس، ذلك المسلسل الذي بدأ عرضه في عام 2004 واستمر حتى عام 2012 وتمكن خلال هذه الفترة من تحقيق أرضية واسعة جعلته من أكثر المسلسلات مشاهدة على الإطلاق، عمومًا، ما يعنينا في ذلك أنه في أحد الحلقات ظهرت أسطورة دا نشوا واستمرت كموضوع رئيسي لحلقة تتجاوز مدتها الستين دقيقة.

تناول تلك الأسطورة جاء من خلال دخول طفل إلى المستشفى وهو مُصاب بداء لم يتمكن أي طبيب مُعالجته، حيث كان يرى خلال النوم امرأة عجوز تقوم بخنقه، وفي كل مرة كان يظن فيها الأطباء والأهل أن الطفل مجرد ساذج يتوهم أشياء لا وجود لها كانت آثار الخنق تظهر جلية وتؤكد على وجود ذلك الخنق، ليتضح في النهاية أن أسطورة دا تشوا حقيقية وتنتهي الحلقة بالتخلص من تلك العجوز عن طريق المعالجة الروحانية التي يقوم بها جد الطفل في المسلسل، عمومًا ما يعنينا أن الولايات المتحدة الأمريكية نفسها قد اعترفت بقوة تلك الأسطورة حتى ولو كان ذلك من خلال حلقة في مسلسل.

أساطير أخرى على الدرب

إذا ما تتبعنا الأساطير التي تكون من نفس نوعية أسطورة دا تشوا فسنجد أنها كثيرة جدًا، حيث أن العديد من الأساطير اليابانية والصينية والأسيوية بشكلٍ عام تشتمل على شخص يأتي إليك في النوم ثم يقوم بقتلك، طبعًا مع اختلاف طرق وكيفية القتل بين تلك الأساطير، لكن النهاية واحدة، وهي القتل عند النوم، أما أولئك الذين ينتهجون سبيل العلم ولا يعترفون بتلك الأساطير فهؤلاء يرون أن دا تشوا أو أي أسطورة أخرى مجرد جنون مُصطنع، وأن الحقيقة تكمن في وجود مُتلازمة تُدعى الخنق عند المنام، حيث يقوم الإنسان بخنق نفسه حتى الموت، عمومًا، مهما كانت الطريقة فإن النهاية، وهي الموت خنقًا خلال النوم، تُعد من أغرب طرق الموت على الإطلاق.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

19 + ستة =