تسعة مجهول
الرجل الفيل
الرئيسية » غرائب » الرجل الفيل : قصة حياته من البداية إلى النهاية

الرجل الفيل : قصة حياته من البداية إلى النهاية

الرجل الفيل قصته واحدةٌ من القصص التي ستترك فيك أثرًا وستكون عبرةً وموعظةً للآخرين تخبرهم أن الشكل لم يكن يومًا كل شيء، نتعرف معًا على قصة الرجل الفيل .

الرجل الفيل قصته واحدةٌ من القصص التي ستترك فيك أثرًا غائرًا وستكون عبرةً وموعظةً للآخرين تخبرهم أن الشكل لم يكن يومًا كل شيء، وأن الإنسان قد توضع روحه النخرة العفنة في قالبٍ من الجمال الفاتن لكنه سيبقى نخرًا من الداخل وسينفرك ببشاعة روحه ما إن تقترب منه، لكن المفتقرين للجمال يكونون الأكثر معاناةً بسبب ميل الجميع للأخذ بالمظاهر والحكم من خلالها، فإن افتقرت للجمال تجنبوك دون أن يفكروا في النظر عبر قالبك المتواضع لروحك النقية، ولكن ماذا لو لم تكن مفتقرًا للجمال فحسب وإنما ألم بك المرض ليجعلك نصف فيلٍ نصف إنسان؟ ليجعلك الرجل الفيل؟!

الرجل الفيل : تعرف على قصته من البداية للنهاية

من هو الرجل الفيل ؟

هو جوزيف ميريك إنجليزي الأصل والنشأة ولد في عام 1862، لكن الأسماء لم تكن تعني شيئًا بالنسبة له حينها فقد كان معروفًا باسم الرجل الفيل لمدة غير هينةٍ من حياته القصيرة والتي لم تتجاوز السبعة وعشرين ربيعًا حتى فارق هذا العالم القاسي الذي لم يجد في قلبه شيئًا من الرأفة تحول دون تحويل حياة هذا الشخص البريء الرقيق لجحيم، عند مولد جوزيف كان طفلًا طبيعيًا يشبه أطفال البشر جميعًا لكن عندما قارب على بلوغ عامه الثاني بدأت أعراض التشوهات في الظهور عليه، في البداية بدأت تكتلاتٌ غريبةٌ تظهر تحت جلده خاصةً في منطقة الصدر والرقبة والرأس، ثم بدأت أجزاءٌ من جسده في الانتفاخ بشكلٍ مرعب وظهرت نتوءاتٌ في ظهره ورأسه زادت من حجمه وجعلته أقرب للضخامة، ولم يكن شكله هو العائق الوحيد أمامه وإنما تسببت الأعضاء المتضخمة في المشاكل له كأن واجه صعوبةً في الكلام بسبب انتفاخ شفتيه ولسانه وأجرى عمليةً ذات مرة للتقليل من حجم شفته التي كان تضخمها يجعله يشبه الفيل، كما عجز عن تحريك ذراعيه بسهولة وعن النوم على ظهره لأنه كان يعجز عن التنفس حينها لذلك وجب عليه النوم على جنبه دائمًا.

ردود أفعال المجتمع على شكله الغريب

بطبيعة الحال كانت أمه أول من بدأ بملاحظة أعراضه لكن ما إن تطورت فبدأ المجتمع المحيط به يلاحظه، كان أحد التفسيرات القاسية التي واجه الناس بها شكله الغريب أن والدته قد اُغتصبت من قِبل فيل سيرك لذلك فهو نصف فيلٍ نصف إنسان، وقد عاش المسكين جزءًا غير هينٍ ولا يسيرٍ من حياته ضحيةً لهذه الأكذوبة ومصدقًا أنه غير بشري، بل إن جميع من حوله كانوا يعتبرونه غير بشريٍ ولا إنسان وإنما مسخٌ هجينٌ بين البشر والفيلة، إن من المرعب أن نلاحظ كيف يستطيع الخيال والقسوة معًا أن يحفرا قبر إنسانٍ لم يكن له أي ذنبٍ فيما أصابه.

تعامل الآخرين معه

كان الآخرون يكرهونه وينفرون منه ويتجنبونه ويحاولون الابتعاد عنه قدر الإمكان، وعندما كان صغيرًا لم يكن يسلم من المضايقات والتحرشات والسخرية خاصةً من الأطفال الآخرين في الشارع، فكانوا يتعمدون إهانته وإلقاء الأشياء عليه ووصفه بأقذع الألفاظ، كان الشخص الوحيد الحنون والداعم في حياته هو أمه التي ضمته إلى صدرها تحاول حمايته من كل ما اتجهت به الألسنة القاسية إليه وتتلمس طرق التخفيف عنه، لكن الحياة أبت أن تعطي ذلك المسكين لفحةً من النسيم العليل في نيران حياته المستعرة فأخذ الموت أمه الحنونة وهو ما بعد صغيرٌ في الثانية عشر من عمره، رحلت الأم وتركت ابنها لزوجٍ سكيرٍ قاسٍ غير عابئٍ ولا مهتمٍ وإنما رأى ابنه المشوه حملًا وعبئًا عليه تمنى لو تخلص منه، تركت ابنها لعالمٍ كان أكثر قسوةً من الأب السكير ذاك.

السيرك

بعد موت الأم تزوج الأب فجاءت الزوجة حاقدةً كارهةً للطفل البريء وما كان منها إلا أن طردته من البيت شر طردة، ولم يكن هناك أحدٌ ليدافع عنه أو يعيده للبيت ثانيةً وإنما سعد الجميع بالتخلص منه وعدم اعتباره فردًا من العائلة، واجه جوزيف حياة التشرد الصعبة وحاول بجهدٍ بالغٍ الحصول على أي عملٍ يعيش من أجره لكن أحدًا لم يقبل بتوظيفه ونفر الجميع منه وطردوه وتجنبوه، دخل بعد ذلك دارًا للمشردين والفقراء قضى فيها وقتًا بسيطًا ولم يتحمل الحياة فيها فهرب منها لتشرد الشارع ثانيةً، حتى عثر عليه أحد الجشعين الذي كان مديرًا لنوعٍ لا آدميٍّ من السيرك، كان سيركًا للمعاقين والمشوهين! الذين بلغ منهم التشوه والإعاقة حدًا غريبًا وعنيفًا جعلهم يظهرون أبعد ما يكون عن المظهر الآدمي المعتاد، فيرتحل بهم ويطلب منهم الصعود على المسرح أمام الناس يعرضون أمراضهم وتشوهاتهم وعيوبهم تحت الأضواء وأمام العيون القاسية المهينة، وكان الناس يسافرون لحضور تلك العروض ومشاهدة جوزيف وأمثاله على المسرح فيلقون عليهم النظرات المشمئزة وثمرات الطماطم وأحيانًا الأحجار الصغيرة مستمتعين بآلامهم وعذابهم.

عندما فقد العمل الوحيد الذي حصل عليه

لم تكن حياة السيرك رغدةً أو جميلة بل إنها كانت جحيمًا مستعرًا فكان جوزيف يقيم في قفصٍ قذرٍ مثله مثل أحد الحيوانات، وصاحب السيرك يعرضه على الناس ويجني من وراء آفته ومأساته المال، وكان جوزيف مضطرًا لمقابلة كل تلك الإهانات والمآسي بالقبول وتجرعها بصمتٍ وانكسار لأنه لم يجد خيارًا آخر، لكن بعد ذلك بفترةٍ قصيرة أغلقت السلطات ذلك النوع اللا آدمي من السيرك وحظرته تعاطفًا مع أصحاب الإعاقات لكنها لم توفر لهم بديلًا فعادوا للتشرد في الشوارع، كان الطبيب تريفيس قد رأى جوزيف في أحد المرات وتعاطف معه ومع حالته وعرض عليه تقديم العون لكن كبرياء جوزيف منعه من القبول قائلًا بأنه ليس شحاذًا، لكن بعد التشرد الأليم ثانيةً لم يجد بدًا من اللجوء للدكتور تريفيس مرةً أخرى لعله يقدم له المساعدة.

الحياة تبتسم له قليلًا

عرفت ملكة بريطانيا بحكاية الرجل الفيل وأبدت تعاطفها معه وأعطت دكتور تريفيس الصلاحيات لإيواء جوزيف وعلاجه فأدخله إحدى المستشفيات في لندن وقدموا له في تلك المستشفى ما لم يذقه ولم يحلم به في حياته كلها، فهناك وجد الرعاية والاهتمام والفراش الدافئ المريح والطعام الساخن وعندما بدأ الجميع في التعامل معه والاقتراب منه وأخذه من مأخذٍ إنسانيّ كانت المفاجأة! برغم كل ما مر به جوزيف فقد فوجئ الناس بأنه كان إنسانًا رقيق القلب حساسًا متدفق المشاعر مثقفًا ومتفتح العقل يجيد القراءة والكتابة، رغم أن عددًا غير هينٍ من الإنجليز في ذلك الوقت كانوا يعانون من الأمية، بعد أن ظل الناس ينفرون منه طوال حياته بسبب شكله صاروا يتقربون إليه ويحبونه ويتغاضون عن شكله الغريب يتلمسون الوصول لروحه والنهل من ثقافته وعذب حديثه، ووجدوه يكتب الأدب والشعر وينقد مسرحيات شكسبير ويصنع المجسمات الهندسية المصغرة المتقنة وظهر خلف القالب المخيف إنسانٌ بغاية الجمال، وبعد أن كان الناس يقصدونه للسخرية منه في عروض السيرك صار المثقفون والنبلاء والأميرات والفنانون يقصدونه للحديث معه وسؤاله في الأدب والفن فيفتح لهم قلبه ويخبرهم بأجمل مما جاؤوا ليسمعوا، وتم نقله بوصاية إحدى الأميرات للمستشفى الملكي والتكفل برعايته وعلاجه بالكامل وعرفت عنه الصحف والجرائد وجعلت منه موضوع عناوينها الرئيسية.

نهايته

كانت نهاية الرجل الفيل حزينةً ومؤسفة فكما ذكرنا أنه كان عاجزًا عن النوم على ظهره ولكن في إحدى الليالي ولا أحد يدري إن كان ذلك بقصدٍ أو بدون قصد نام على ظهره فاختنق ومات، مات صغيرًا حزينًا لأن قلبه كان كغيره من الشبان ظمآنا للحب والعشق، تمنى لو أن ضريرةً تسمعه فتعجب به وتحبه دون أن تكون قادرةً على رؤيته والفزع من شكله أو على الأقل دون أن يحول شكله المرعب بينه وبين قلبها، لكنه مات قبل أن تتحقق أمنيته وبرغم كل ما عاناه في حياته فقد كانت روحه أجمل وأنقى من أن يفسدها الألم.

غفران حبيب

طالبة بكلية الصيدلة مع ميولٍ أدبية لعل الميل الأدبي يشق طريقه يومًا في هذه الحياة

أضف تعليق

1 × 2 =