تسعة اولاد
الرئيسية » شخصيات وعلماء » كريستيان هيوجنس : تعرف على مخترع عداد الوقت القديم

كريستيان هيوجنس : تعرف على مخترع عداد الوقت القديم

كريستيان هيوجنس

كان اختراع أداة قادرة على قياس الوقت حلمًا للكثيرين في العصور الوسطى، و كريستيان هيوجنس هو من قام بهذه المهمة عندما اخترع عداد الوقت التقليدي أو الساعة.

كثيرة هي الاختراعات، وكثيرون هم المُخترعون، لكن ما فعله كريستيان هيوجنس قبل عدة قرون لم يستطع أحد تجاوزه حتى الآن، فالوقت هبة ثمينة، لا تُقدر أبدًا بثمن، لكن حِساب الوقت شيء أثمن من ذلك بكثير، فالذين عاشوا قبل كريستيان هيوجنس لم يفرقوا بين الحياة سوى بليلها ونهارها، أما كريستيان، فقد استطاع عام 1657 اختراع ما يجعل اليوم أربعة وعشرين جُزءً، لكل جزء قيمته وأهميته، وهذا ما يُدركه جيدًا كل الذين عاشوا بعد كريستيان هيوجنس، فاختراع الساعة يعني إعطاء حياة جديدة فوق التي كان يعيشها الإنسان من قبل، فدعونا نتعرف في السطور التالية على كريستيان هيوجنس، مُخترع عداد الوقت.

كيف اخترع كريستيان هيوجنس أول عداد للوقت في التاريخ؟

من هو كريستيان هيوجنس؟

في الرابع عشر من أبريل عام 1629 ولد كريستيان هيوجنس في هولندا، وتحديدًا في مدينة صغيرة تُدعى لاهاي، وقد كانت هولندا في هذا الوقت دولة كبيرة لها شأنها، وتمتلك عدة مُستعمرات مثلها مثل بريطانيا وفرنسا، حتى أنها كانت تُنازعهما في زعامة العالم، وربما يتضح ذلك أكثر من طفولة كريستيان هيوجنس وبيئته التي مهدت لهذا الاختراع.

طفولة كريستيان هيوجنس

عاش كريستيان هيوجنس طفولة نموذجية بكل ما تعنيه الكلمة من معان، فقد كان من أسرة ذات صيتٍ وشأن كبير في المجتمع الهولندي، بدايةً من والده الدبلوماسي والشاعر العضو في مجلس الدولة، ووالدته، الشاعرة أيضًا، والتي كانت تترأس سيدات المجتمع الهولندي، وكذلك الحال مع أخوته الذين كانوا شعراء ودبلوماسيين أيضًا، وقد كانوا أربعة أشقاء، خامسهم كريستيان، والذي لم يُسعفه الحظ للتمتع بأمه أكثر من خمس سنوات، ثم ماتت بعدها، لتكون بذلك الشيء الأسوأ في طفولته.

كانت أسرة كريستيان هيوجنس ميسورة ماديًا إلى حدٍ كبير، هذا إذ لم تكن من طبقة الأثرياء، فقد كان والده يمتلك بيتًا كبيرًا أشبه بالقصر، عاش فيه هو وأولاده الخمسة حتى وافته المنية عندما كان كريستيان يُكمل عقده الثاني، ثم ذهب بعد ذلك كل واحد من أخوته بحثًا عن حياته في مكانٍ آخر، ليفرغ القصر ويتفرع كريستيان هيوجنس لاختراعاته واكتشافاته، والتي كانت دراسة الرياضيات سببًا رئيسيًا فيها.

كريستيان هيوجنس والدراسة

منذ طفولة كريستيان هيوجنس بدا عليه شغفه الكبير بدارسة الرياضيات، فقد أنهى تعليمه التمهيدي في سن السادسة عشر والتحق بالجامعة الأم في هولندا، وهناك بدأ في دراسة الرياضيات بشكل أكثر تعمقًا، وقد يُثير هذا الأمر تعجب البعض، لأنه من المعروف أن دراسة الرياضيات غير مُحبذة خاصةً من قِبل الأطفال، فهي تحتاج إل إعمال عقل وجهد كبيرين، لكن كريستيان لم يكن كذلك أبدًا، بل دأب على دراسة كل ما يتعلق بالرياضيات طوال ثلاثة عقود، حتى تمكن في النهاية من اختراع ما هو، في نظر الكثيرين، أثمن من الرياضيات، بندول الساعة.

كريستيان هيوجنس واختراع الساعة

أُثير الكثير من الجدل فيما يتعلق باختراع الساعة، أو بندول الساعة تحديدًا، فعلى الرغم من أن الإيطالي الشهير جاليليو قد أخترع ما يُشبه هذا البندول إلا أنه لم يتم توثيقه أو تطويره أو حتى الاعتراف به، لكن بندول كريستيان هيوجنس لقى قبولًا وحفاوة، والأهم من كل ذلك اعترافًا من التاريخ بنسب اختراع البندول إلى كريستيان، وهو نفس التاريخ الذي رفض إجماع البعض بأسبقية العالم الإسلامي ابن يونس فيما يتعلق بهذا الأمر واختراعه ما يُشبه البندول قبل ثلاثة قرون من ولادة كريستيان، لكن، ما يسعنا قوله، وهو ما خلده التاريخ أيضًا، أن كريستيان هيوجنس المخترع الحقيقي للساعة في صورتها الحالية أو شبه الحالية، وهذا ما يأخذنا إلى القول بوجود الساعة قبل كريستيان.

ما قبل كريستيان هيوجنس

بغض النظر عن مسألة جاليليو وابن يونس، كان هناك عدة محاولات لقياس الوقت قبل وصول كريستيان هيوجنس إلى بندول الساعة، وهذه المحاولات بالطبع تم مشاهدتها في الأفلام التي تتناول العصور القديمة والكتب والروايات التاريخية، وهي تبدأ من الساعة الرملية مرورًا بالساعة المائية والضوئية، كلها محاولات كانت تأمل في الوصول إلى مقياس حقيقي للوقت، حتى الشمس والقمر والنجوم تم استخدامهم لهذا الغرض، لكن المحاولة الأهم والأكثر تأثيرًا بالطبع كانت محاولة كريستيان هيوجنس عام 1657، والذي تم فيها اختراع بندول الساعة، وهذا بالطبع لا يجعلنا نختزل ذلك الرجل في هذا الاختراع فقط، فهناك أيضًا الكثير من الإنجازات لكرستيان هيوجنس، لكنها فقط لم تأخذ حقها ومكانتها.

إنجازات كريستيان هيوجنس

بخلاف بندول الساعة، كان لكرستيان هيوجنس العديد من الإنجازات والاكتشافات، منها مثلًا اكتشافه الهام لحلقة زحل، والذي عُرف فيما بعد بقمر تيتان، كما تمكن أيضًا من اكتشاف عدة نجوم بحكم كونه في الأصل عالم فلك، ولا يجب بالطبع أن ننسى اكتشافه لحركة ودوران المريخ وابتكاره لعلم الاستقطاب، والعديد غيرها من الاكتشافات التي ربما لم يتم تخليدها مثل باقي الاكتشافات، فقد قضى كريستيان آخر سنوات من عمره في فرنسا، وقام فيها بعدة أبحاث ودراسات هامة، استفاد منها فيما بعد الأجيال الناشئة، لكن أحدًا منهم لم يكن على قدر كريستيان أو يقترب منها حتى، اللهم إلا تلميذه النجيب نيوتن.

تلميذ كريستيان النجيب

ربما لا يعرف البعض أن العالم العبقري نيوتن، الذي اكتشف الجاذبية، هو في الأصل تلميذ عاشق لكرستيان هيوجنس، فقد ذكر نيوتن في أغلب مُذكراته وكتبه أنه بدأ منذ الطفولة في قراءة أبحاث ودراسات كريستيان هيوجنس، وقال أيضًا أن تلك الأبحاث كانت مصدر إلهام للكثير من الأفكار التي راودته، وأنه مدين بالفضل في كل ما وصل إليه لكرستيان هيوجنس الذي جاهد كثيرًا حتى يصل إلى ما وصل إليه، وبالطبع قد يكون هناك بعض التلامذة المُتشبعين بأفكار كريستيان هيوجنس إلا أنهم لم يحظوا بما حظي به نيوتن، ولذلك لم يتم ذكرهم.

وفاة كريستيان هيوجنس

في عام 1965، وفي ساعة من ساعات كريستيان التي قام باختراع البندول الخاص بها، توفي هذا العالم الكبير في مسقط رأسه هاج وهي، وقد كان وقت وفاته أشهر عالم فلك ورياضيات في العالم، والغريب، أنه استمر على ذلك حتى يومنا هذا، مهما جاء بعده من مخترعين ومُكتشفين، فمن فعلًا يُمكنه أن يحل محل كريستيان هيوجنس؟ الرجل الفذ الذي اخترع بندول الساعة وجعل للوقت مقياسًا بعد ملايين المحاولات الفاشلة.

تخليد كريستيان هيوجنس

كالعادة، بعد موت العظماء يسعى الجميع إلى تخليدهم بكل الطرق الممكنة، على الأقل من أجل ترك صورة جيدة وقدوة يمكن أن تقتضي بها الأجيال المقبلة، وقد كان تخليد كريستيان هيوجنس حتى وقتٍ قريب يتمثل في تمثال كبير تم نحته في منتصف إحدى الميادين الشهيرة بهولندا، وتحديدًا المدينة التي شهدت مسقط رأسه، ثم جاء أحد أصحاب مصانع الساعات منتصف القرن المنصرم وأطلق ماركة جديدة تحمل اسم كريستيان، هذا بخلاف المدارس والمستشفيات والطرق التي تحمل اسمه وتعج بها مدن هولندا، لكن التخليد الحقيقي لكرستيان هو بندول الساعة الذي قام باختراعه، والذي سيجعل كل من ينظر في ساعتها يتذكر هذا الرجل وكيف كان مُخترعًا عظيمًا أفنى عمره في العالم بالرغم من حالته المادية التي تقترب من الملوك، وإن كان قد أصبح ملكًا فعلًا، لكن في شيء أهم، وهو العلم.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

12 + 8 =