تسعة اولاد
الرئيسية » حقائق » متى نشأت عادة التصفيق ؟ وهل هي عادة مفيدة أم ضارة؟

متى نشأت عادة التصفيق ؟ وهل هي عادة مفيدة أم ضارة؟

عادة التصفيق

عادة التصفيق عادة قديمة تدل على أكثر من دلالة، لكن الإعجاب والرضا يعتبران أكثر الأشياء التي تعبر عنها هذه العادة، هيا بنا نتعرف عليها.

تُعتبر عادة التصفيق واحدة من أقدم العادات التي لجأ إليها الإنسان واستمر عليها حتى وقتنا الحالي، فالتصفيق كان ولا يزال طبيعة بشرية خالصة، حتى وإن كان اكتشافها قد جاء في القرن السادس قبل الميلاد، وحتى ولو كان الغرض من الاكتشاف مختلفًا، لكن في النهاية يبقى التصفيق واحدة من العادات الهامة، أجل، فربما يعتقد البعض أنه فعل عادي غير مُبرر وليس له فائدة، لكن الحقيقة أن الطِباع البشرية التي فُطر عليها الإنسان لا يوجد فيها أبدًا ما هو دون فائدة، بل بالعكس، لكل شيء هدفه الذي يُرجى، ومن ضمن أهداف التصفيق كما ذكرنا التعبير عن الإعجاب والرضا، وهناك أيضًا التشجيع، وخاصةً إذا كان ذلك الفعل يتم عمله للأطفال، وكلنا كنا أطفال ونعرف أن لحظة سماع التصفيق من الأصدقاء بأمر المُعلم تعتبر من أسعد اللحظات في حياتنا، عمومًا، دعونا في السطور القادمة نتعرف سويًا على عادة التصفيق ووقت نشأتها، وهل يُمكن أن تكون تلك العادة ضارة أم أنها مفيدة فقط؟

مفهوم عادة التصفيق

دائمًا ما نجد كلمة التصفيق مقرونة بكلمة عادة، وهذا إن دل فيدل على أن طبيعة الإنسان تُجبره طوال الوقت على أن يستخدم التصفيق، وهو يعني ببساطة إطباق اليدين والضرب بهما بانتظام، وقد يكون أيضًا إطباق القدمين، لكن هذا أمر شائع بنسبه أكبر في الحيوانات، وشرط التطبيق الذي لا يجب اعتبار التصفيق تصفيقًا بدونه أن يُصدر ارتطام اليدين صوتًا عاليًا، قد يبدو للبعض صاخبًا لكنه في النهاية يُنذر بعاصفة من الإعجاب أو الاندهاش، فلا يُمكن أبدًا أن يكون التصفيق دلالة على الامتعاض أو عدم القبول، بل هو دائمًا إعجاب ورضا، وسوف نتبين ذلك أكثر عندما نتعرف على الفوائد التي تُستخدم من أجلها عادة التصفيق، لكن قبل ذلك ثمة أمر هام جدًا يجب معرفته، وهو تاريخ عادة التصفيق وكيفية نشأتها، لأن كيفية نشأتها تُبين كذلك أسبابها.

نشأة عادة التصفيق

قد يظن البعض عندما نتحدث عن التصفيق أننا نتحدث عن عادة راقية نشأت قبل قرون عندما بدأ الناس يعرفون البدل والرونق، لكن هذا ليس صحيحًا في الحقيقة، فقد نشأت عادة التصفيق منذ وقت طويل، وكان أول شاهد على ذلك موجود قبل ستة قرون كاملة من الميلاد، وتحديدًا في الحضارة الرومانية، حيث كان يُقال أن الناس كانوا يتجمعون في الساحات والأماكن العامة من أجل الاستماع إلى القصص والحكايات، وكانوا عندما يستحسنون قصة من القصة يقومون بالتصفيق، فلم يكن التهليل والإشادة بالصوت وقتها أمرًا مقبولًا أو معروفًا من الأساس.

مع الوقت بات الناس يدركون أن التصفيق ليس مقتصرًا فقط على التشجيع، بل هو أيضًا نوع أنواع تبجيل الملك، فكان الملك إذا ظهر في السوق بين حاشيته يتجمع الناس حوله ثم يشرعون في التصفيق في دلالة على حبهم له، والحقيقة أن هذا الأمر لم يكن باختيارهم، بل كانوا يُجبرون على ذلك الأمر في أغلب الأحيان، وكان من يجبرونهم هم حاشية الملك، وكان الناس لا يملكون شيئًا سوى الطاعة المطلقة، لأن عصيان الأمر يعني استحقاق العقاب، وأنتم بالتأكيد ليس لديكم فكرة عن أنواع العقاب التي كان يتعرض لها الضعفاء قديمًا، فقط أقل ما يُقال عنها أنها كانت كارثية.

عادة التصفيق والحيوان

الحيوان بالمناسبة ليس جاهلًا فيما يتعلق بعادة التصفيق، فقد عُرف عنه كذلك استخدام هذه العادة، لكن ربما ثمة اختلاف بسيط، وهو أن الإنسان قد يستخدم أثناء التصفيق يديه فقط، مع اختلاف شكل التصفيق، لكن الحيوان قد يستخدم اليدين والقدمين وكل مكان في جسمه يُمكن أن يُضرب بالآخر فيُصدر صوتًا، وقد قيل أن الحيوان كان يستخدم هذه العادة من أجل طلب زوجته إلى الفراش أو بمعنى أدق للدلالة على أنه جاهز الآن لعملية الإنجاب، أما إذا قام بها الأطفال من الحيوانات فهذا يعني أنهم يطلبون الطعام، وهو أمر جدير طبعًا بالاهتمام ويستدعي اختلاق حركة مثل هذه من أجل جذب الانتباه، عمومًا، أكثر الحيوانات عرفوا التصفيق حتى قبل أن يعرفه الإنسان، وهذا يؤكد على أن ما يُقال بشأن استئثار الإنسان بالتصفيق عارٍ تمامًا من الصحة.

استخدامات عادة التصفيق

منذ أن وجد الإنسان نفسه على هذه الأرض وهو يعرف جيدًا أنه لا يجب أن يوجد شيء قبل أن يتأكد من أنه سيستخدمه، وإذا كنا سنعترف بأن التصفيق واحدة من الأشياء التي اختلقها الإنسان، وبما أنها لا تزال موجودة حتى الآن، فهذا يعني أنه يستخدمها في الكثير من الأمور الهامة، وسوف نتناول سويًا بعض تلك الاستخدامات لنعرف هل كان الإنسان محقًا أم أن التصفيق مجرد ضرب من العبث، ولتكن البداية مع الاستخدام في التحفيز والتشجيع.

التحفيز والتشجيع من أجل الفوز

الإنسان دائمًا في حاجة إلى من يُشجعه ويدعمه من أجل الفوز، ذلك التشجيع لا يُمكن أن يستمر طوال الوقت في صورة هتافات وكلمات، بل كان يجب أن يأخذ في فترة من الفترات منحنى آخر ويُصبح ذا شكل أفضل، وهذا ما نجح التصفيق بفعله بالضبط، حيث بات طريقة مثالية ومُبتكرة للتشجيع والتحفيز، ودعونا من الإنسان الأول ولنفكر في أنفسنا قليلًا، هل تذكرون ذلك الشعور الذي كان يصيبنا بعد أن يأمر المدرس الزملاء بالتصفيق لنا؟ إنه بالضبط الهدف الرئيسي الذي من أجله كان التصفيق أسلوب تحفيز وتشجيع.

التصفيق بعد الاستحسان

في الأوبرا أو في قاعات السينما أو ملاعب كرة القدم، عندما يُبدع الشخص ويُعجب الآخرين بإبداعه فإنهم على الفور يبدؤون في التصفيق له، هذا هو بالضبط الاستحسان الذي نتحدث عنه، وهو يُمكن كذلك أن يُعتبر نوع من أنواع تحفيز، لكن بما أننا نتحدث عن شيء قد انتهى بالفعل وظهرت نتيجته فلا مجال لاعتبار ذلك الأمر سوى استحسان.

الرضا الشديد

من ضمن استخدامات عادة التصفيق كذلك أنها تُستعمل عند الرضا الشديد، وقد كان هذا الاستخدام قديم للغاية، حيث بدأ تقريبًا في القرن الثالث قبل الميلاد حين كانت مسرحيات اليونانية القديمة تُعرض ويُقوم المخرج أو المؤلف المشرف على المسرحية بالتصفيق للمثلين كدلالة على رضاه عن الأداء الذي يُقدموه، وفي حالة أنه لم يقم بالتصفيق فهذا يعني أنه غير راضٍ عن الأداء، وهو ما يستوجب إعادة الكرة مرة أخرى.

الاعتراض، في بعض الثقافات

على عكس كل ما سبق فإن بعض الحضارات قد تستخدم التصفيق كزريعة من أجل الاعتراض على فعل ما، فمثلًا عندما تُعرض مسرحية ويكون الناس مستمتعين بها فإنهم يصمتون تمامًا، لكن حين يُقدم الأداء السيئ ويذهب الاستمتاع فإنهم على الفور يبدؤون في التصفيق كدلالة منهم على الاعتراض، والواقع أن ذلك الغرض يُستخدم من أجل التصفيق في حالات نادرة جدًا تكاد تقترب من شبه المنعدمة، لكنها في النهاية تظل موجودة ومُعترف بها كأحد استخدامات التصفيق.

التشويش وإحداث ضجة

في بعض الأحيان يكون التصفيق لسبب آخر لا يُستخدم على نطاق واسع، وهو الرغبة في إحداث ضجة وتشويش على الآخرين، فمثلًا عندما يكون هناك عرض مسرحي أو إلقاء لقصيدة من القصائد فإن الطريقة الأولى والفعالة من أجل إيقاف ذلك الشيء الذي يُعرض ولا يلقى استحسان البعض أن تحدث ضجة وتشويش عليه، ذلك التشويش يأتي في صورة تصفيق، وهو طبعًا يُحدث ضجة، وبالتالي فإن الشيء الذي لا يُريده الناس لن يكون قادرًا على الاستمرار وسط هذه الضجة، وحتى لو استمر فلن تصل رسالته بالشكل اللازم، عمومًا الأمور كلها نسبية كما ذكرنا، ففي ظروف أخرى يكون التصفيق أثناء العرض دلالة شديدة على الاستحسان والإعجاب.

التصرف بصورة غير لائقة

الاستخدام الأخير من استخدامات عادة التصفيق هو التصرف بصورة غير لائقة، ويعني ذلك ببساطة أن يقوم البعض بإساءة الأدب من خلال التصفيق عند مرور موكب أو أي شيء لا يُحبذونه عمومًا، هذا التصرف يصل إلى الفريق الآخر بأنه اعتراض، وسبحان الله، قد يكون هناك موقف آخر بنفس التفاصيل ويحدث فيه التصفيق أيضًا لكن يتم اعتباره إشادة ومدح واعتراف بالفضل، الأمر يتوقف في النهاية كما أسلفنا على الحضارة أو الثقافة التي تستخدم خاصية التصفيق.

بدائل أخرى لعادة التصفيق

كل المهام والاستخدامات التي ذكرناها الآن لعادة التصفيق يُمكن أن يقوم بها بدائل أخرى، بمعنى أدق، هناك أمور أخرى قادرة على إيصال نفس الرسالة التي يُراد إيصالها من استخدام عادة التصفيق، وعلى رأس تلك البدائل مثلًا الصفير، فكل ما مضى يتواكب جدًا مع الصفير، وبالمناسبة، الصفير يُعد الأقدم والأكثر استخدامًا من الإنسان، كما أنه أيضًا لا يزال قائمًا حتى الآن، الفارق الوحيد بينه وبين التصفيق أن الصفير لا يُمكن أن يُفهم حاليًا سوى بالصورة الخاطئة، أما التصفيق فهو يؤخذ بالمعنيين ويُفهم في الأغلب بالصورة الصحيحة.

القرع على الطبول كذلك يُعتبر من بدائل التصفيق، لكنه ليس منتشرًا مثل الصفير لأن القرع على الطبول يحتاج في الأساس إلى وجود الطبل، وهو أمر مع الوقت وتقدم الزمن بات من الصعب توافره، وأيضًا هناك النفخ في الأبواق، فهي كذلك واحدة من الطرق التي يؤدى من خلالها نفس الدور الذي يؤديه الصفير والتصفيق والقرع على الطبول، لكن النفخ في الأبواق قد اختفى تمامًا في وقتنا الحالي، وأصبح التصفيق هو المسيطر، يليه بمسافة بعيدة الصفير، ثم بمسافة أبعد بكثير يأتي القرع على الطبول.

هل التصفيق عادة مفيدة أم ضارة؟

عندما نسأل عن عادة ونتبين من كونها مفيدة أم ضارة فسوف يتبادر إلى أذهان الجميع بصورة شبه تلقائية أننا نتحدث عن عادة سيئة مثل عادة التدخين، لكننا الآن في الحقيقة نتحدث عن عادة التصفيق ونعي تمامًا أنها قد تحمل الإيجابيات مثلما تحمل السلبيات تمامًا، فمن نحية الإيجابيات فقد ذكرنا الكثير منها عن التحدث عن استخدامات عادة التصفيق وكيف أنها تُعد دافع للتحفيز والتشجيع وكل هذه الأمور الجيدة، لكن هل ثمة أضرار؟

أضرار التصفيق في الحقيقة تتفاوت من شخص إلى آخر ومن حضارة إلى أخرى، فإذا كنا نسأل ذلك السؤال لمجتمع راقي متحضر فإن الإجابة المباشرة سوف تكون لا، أي لا توجد أي أضرار لعادة التصفيق لأنها لا تتسبب في أذية من أي نوع لأي شخص، لكن الحضارات المتعنتة فربما ترى أن التصفيق يدل على عدم الاحترام أو إنه قد يجلب المشاكل باعتبار ما ذكرناه عن كون التصفيق أداة اعتراض في بعض الحضارات، عمومًا التصفيق ليس ضار جسديًا، وهذا أمر متفقٌ عليه.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

واحد × أربعة =