تسعة اولاد
الرئيسية » شخصيات وعلماء » برتراند راسل : تعرف على حياة الفيلسوف والمفكر الشهير برتراند راسل

برتراند راسل : تعرف على حياة الفيلسوف والمفكر الشهير برتراند راسل

برتراند راسل

يعد برتراند راسل واحدًا من أهم مفكري القرن العشرين، فنظرياته في الفلسفة والاجتماع، وكذلك علم الرياضيات تعد من النظريات المميزة، هيا نلقي نظرة على حياته.

هنالك العديد من القصص المثيرة التي تخص حياة برتراند راسل في جوانب متعددة، وبشكل عام فإنه من أهم المفكرين في القرن العشرين، فهو أولاً عالم رياضيات صاحب تأثير بالغ في مجاله، كما أنه من أهم علماء المنطق، وأيضًا هو فيلسوف ومفكر اجتماعي أثر كثيرًا على المدارس الفكرية خلال حياته وبعد وفاته، وقد اشترك أيضًا في عدد كبير من الفعاليات والمظاهرات السياسية واشتهر بآراءه الداعمة لحركات السلام ونزع السلاح خاصةً في الحرب العالمية الأولى والتي سجن بسببها أكثر من مرة، ولديه العديد من الآراء الجريئة في علم الاجتماع والتي سببت له مشاكل كثيرة في حياته وأصبح لديه أعداء كثر يتربصون له الأخطاء، ومع ذلك فقد ظل ثابتًا على مواقفه حتى موته وقد ترك عدد ضخم من المؤلفات في مجالات علمية وفكرية متعددة.

برتراند راسل الفيلسوف والرياضياتي

ما هي أهمية برتراند راسل؟

برتراند راسل هو من أشهر الشخصيات الفكرية في القرن العشرين، وفي الواقع فإن هناك الكثير من الأسباب التي تدفعنا إلى قول هذا، ففي المقام الأول هو فيلسوف أخرج العديد من الأفكار الهامة خاصةً في التحليل الفلسفي، وهو عالم رياضي له شأن وقد كتب العديد من الدراسات الرياضية المؤثرة بالإضافة إلى كتاباته في المنطق، وفي نفس الوقت فقد كتب في التاريخ وفي النقد المجتمعي، وأيضًا كانت له أنشطة سياسية مع أنه رفض الانخراط في المجتمع السياسي بشكل بارز، وعلى مدار حياته اعتبر نفسه يتبع مدارس سياسية مختلفة مثل الليبرالية والاشتراكية وفي أوقات أخرى قال أنه من محبي السلام، لكنه لم يتصرف بشكل واضح يجعله ضمن أي من تلك المدارس، وقد حاز على جائزة نوبل في الأدب في سنة 1950، ولعل نشأة راسل هي المحرك الأقوى الذي دفعه إلى التفكير والرغبة في الإنجاز، فقد ولد لأسرة أرستقراطية من أغنى وأرقى العائلات في المملكة المتحدة قاطبةً، لذا فإنه رأى التقاليد البالية التي لازال المجتمع الأرستقراطي يتمسك بها بالرغم من دخول العالم في عصر الثورة الصناعية وقد بدأت الملكية بالانهيار في عدد كبير من الدول لتظهر الليبرالية الجديدة والنظام العلماني في أكبر دول العالم، لذا فإنه حاول دومًا في كتابته دعوة الشعب البريطاني للثورة ضد القيم المثالية.

مفكر ضد الحرب

لعل السنين الطويلة التي عمّرها برتراند راسل جعلته من أنضج الفلاسفة في التاريخ، فقد توفى في سن ناهز السابعة والتسعين، حيث ولد في 18 مايو 1872 وتوفى في 2 فبراير 1970، وهذا يعني أنه شهد أهم التحولات التي حدثت للعالم في العصر الحديث وشهد الحرب العالمية الأولى والثانية وأهم الصراعات السياسية والتي أبدى فيها آراءه، وبصورة عامة فإن راسل كان ناشطًا ضد الحرب ويعتبر أيضًا من المعادين للإمبريالية العالمية وقد حذر كثيرًا من حدوث الحرب النووية، وبسبب آراءه المسالمة فقد تم الزج به في السجن خلال الحرب العالمية الأولى، وفي الثانية نظم حملات ضخمة معادية للنازي أدولف هتلر، وهاجم النظام الشمولي الذي اتبعه جوزيف ستالين في حكم الاتحاد السوفيتي، كما أن له آراء شجاعة نادرًا ما نجدها من الفلاسفة الغربيين المشهورين في مهاجمة الولايات المتحدة خاصةً في تدخلها في حرب فيتنام، كما أنه كان من الداعمي لنزع السلاح النووي.

الطفولة

ولد برتراند راسل في مقاطعة مونموثشاير التي تعج بالمنازل الفارهة والقصور للعائلات الغنية، فوالده هو اللورد فيسكونت أمبرلي وهو سياسي مشهور، وجده هو جون راسل الذي خدم مرتين كرئيس وزراء المملكة المتحدة، وعائلته هي من أهم العائلات وقد حفظت مكانتها على مر قرون طويلة، وبدأت قوتهم بالازدهار عند ظهور سلالة تيودور الحاكمة، وشاركت العائلة في أهم الأحداث السياسية في البلاد، لكن المميز في عائلة برتراند راسل أنها لم تكن كبقية العائلات الأرستقراطية التقليدية، فبالرغم من أن إنجلترا لم تعرف التفتح بالمعنى الحديث في نهاية القرن التاسع عشر، إلا أن والده كان من رواد الفكر الحديث وكان يدعو إلى العلمانية بشكل صريح، وفي الواقع فإنه كان ملحدًا ومن مناصري التحكم بالنسل وعمليات الإجهاض، بل أن زوجته خانته مع عالم الأحياء دوجلاس سبالدنج الذي كان يعمل كمدرس خصوصي لأطفالهما، فوجهها بأن تقوم بعملية إجهاض، وقد أراد الأب أن يكون ابنه بعيدًا عن الدين بشكل كامل، لذا فقد طلب من الفيلسوف المادي جون ستوارت ميل أن يكون الأب الروحي العلماني لابنه، لكنه مات بعد سنة واحد من ميلاد الطفل، ومع ذلك فإن كتاباته أثرت كثيرًا على فكر برتراند راسل وقد نجحت تربية والده في إدخال أفكاره العلمانية إليه في سن مبكرة.

النشأة

نشأة برتراند راسل كانت مليئة بالرغد والترفيه، لكن في نفس الوقت كان يضطر إلى اتباع التعاليم الصارمة لأسرته الأرستقراطية، أما فترة المراهقة فكانت الوحدة هي العامل الأكثر حضورًا، وقد ذكر في مذكراته الخاصة أنه فكر كثيرًا في الانتحار في تلك الفترة بالرغم من صغر سنه وعدم تعرضه لأي قهر نفسي أو احتياج للمال، وذكر أيضًا أن اهتماماته الأولى كانت حول الرياضيات والدين، وأن الرياضيات هي التي منعته من اتخاذ قرار الانتحار، وقد جلب له والده عدد كبير من أكبر الأساتذة الخصوصيين، وفي سن الحادية عشر قدم إليه شقيقه فرانك أعمال إقليدس وهي التي غيرت منحى حياته.

التعليم وفصله من العمل في الجامعة

بعد ذلك التحق برتراند راسل بكلية ترينتي في كامبريدج التي تعتبر من أبرز الكليات المرموقة في بريطانيا وأوروبا وضمت نخبة من الأساتذة، لكن أكثرهم تأثيرًا هو الفيلسوف والرياضي الإنجليزي ألفريد نورث وايتهيد الذي لمح ذكاء برتراند راسل وموهبته الاستثنائية في المنطق والرياضيات، لذا فإنه أخذ على عاتقه الرعاية العلمية والتربوية لهذا الشاب، وفي السنة الثانية تم انتخاب راسل ضمن مجموعة هي من أكثر المجموعات النخبوية في كامبريدج وهي مجموعة أبوستليس (Apostles) وقد بدأ نشاطها منذ سنة 1820 وتضم أبرز العقول المفكرة، وقد ساهمت في صقل أفكاره بشكل واسع، وهناك قابل العديد من المفكرين مثل ج. لوز ديكنسون وج. إي. مور وجون ماكتاجريت، وبعد فترة تعرف إلى جون ماينارد كيينز ولايتون ستراتشي، وهذا الجيل من المفكرين هو الذي ساهم في تطوير الثقافة الإنجليزية ونقلها إلى مستوى آخر تمامًا في تلك الفترة الحرجة وخلال الحروب العالمية، ويقول برتراند راسل عن تلك الزمرة من المفكرين: “آمنا جميعًا بتحقيق التقدم عبر وسائل السياسة والنقاش الحر”، وبعد تخرجه بقي راسل في كامبريدج كزميل لكلية ترينتي وعمل كمحاضر لمادة الفلسفة. وفي سنة 1916 تم فصله من الجامعة بسبب اعترافه أنه كتب منشورات تحرض الرأي العام على سياسات بريطانيا في الحرب العالمية الأولى.

الزواج الأول وكتبه الأولى

في 1894 وبعد صراع شديد مع أسرته الأرستقراطية، تزوج برتراند راسل من فتاة أمريكية تدعى آليز بيرسال سميث، ويبدو أن شهر العسل طال للغاية وأصبح عبارة عن سنوات عديدة من الترحال في أوروبا والولايات المتحدة، ولكن راسل استثمر بعض الأوقات في إلقاء المحاضرات، وأيضًا بدأ بتجميع بعض المحاضرات عن السياسة الاشتراكية وتاريخها في ألمانيا، وكتب “مقالة في أساسيات الهندسة”، مع العلم أن هذه المقالة هي السبب الأول في شهرته بشكل واسع بين العلماء.

فيلسوف وعالم رياضيات

أما سنة 1900 فكانت نقطة تحول في حياة برتراند راسل ، فقد تقابل وجهًا لوجه مع الإيطالي جيسوبي بيينو وهو من أشهر منظريّ الرياضيات في ذلك الوقت، وبدأ بالاطلاع على أعماله بشكل مكثف وتأثر به وأعاد صقل أفكاره الخاصة حول أساسيات الرياضيات، وفي تلك الفترة أنهى الجزء الأكبر من عمله الأهم وهو “مبادئ الرياضيات”، وقد قال عن تلك الفترة أنها كانت بمثابة نقطة التحول الأهم في حياته بأكملها، وفي خلال السنوات التالية أصبحت أفكار برتراند راسل قوية ولكنها مترددة في نفس الوقت، حيث قال أنه أصبح مقتنعًا في بعض الأوقات أن الرياضيات هي عبارة عن حشو لصيغ مختلفة من المبادئ الأساسية، وقد عمل مع أستاذه وايتهيد على إنجاز مشروع ضخم لإثبات أن الرياضيات هي عبارة عن عمليات حسابية بشكل خاص ولكن بشكل عام فإن كل الرياضيات هي توسع للمنطق، وكنتيجة لهذه الدراسات نشر كتابه الأشهر في ثلاثة مجلدات فيما بين أعوام 1910-1913، ودفع مبلغ 50 يورو لتكاليف النشر، وبالرغم من وجود بعض الأخطاء البيّنة في الكتاب والتعديلات التي تم إدخالها عليه في السنوات التالية وبعد عقود أيضًا، فإن هذا الكتاب يعتبر من أهم كتب الرياضيات في العصر الحديث بصورة مطلقة. وخلال الفترة التي تم سجنه فيها في سنة 1918 والتي كانت عبارة عن ستة أشهر من الحجز التعسفي بسبب كتابته لمقالة تشجب أعمال الجيشين الأمريكي والبريطاني في الحرب العالمية الأولى، فقد استغل برتراند راسل فترة السجن وكتب “مقدمة في فلسفة الرياضيات”.

نظرية المعرفة والميتافيزيقيا

آراء راسل في نظرية المعرفة والعلوم الاجتماعية هي متواضعة إلى حد كبير بالمقارنة مع أفكاره في المنطق والرياضيات، ومع ذلك فإنه علينا ألا ننكر ريادته في بعض الجوانب، ولكن بشكل عام فإن الباحثين يؤكدون على أن مجمل أعماله كانت مجرد تطوير وتحسين للأفكار الفلسفية التي اعتاد الإنجليز على اعتناقها، وقد قال برتراند راسل أن البيانات التي يستشعرها الإنسان بنفسه هي الأشياء التي يعرفها بصورة مباشرة، وفي كتابه “معرفتنا للعالم الخارجي” حاول أن يثبت أن الأشياء الملموسة هي عبارة عن بنايات منطقية مخرجة من الإحساس الحقيقي والمحتمل الذي يستشعره الإنسان وفي كتابه تحليل العقل الذي صدر في سنة 1921 تمادى برتراند راسل في تطرف أفكاره وقال أن الاستشعار الذاتي يمكن أن يكون عبارة عن مكونات محايدة، يمكن أن تبني العقل والمادة، وفي كتابه “بحث في المعنى والحقيقة والمعرفة الإنسانية” عرض راسل آراء مستفزة بالنسبة للمفكرين حول الطرق التي يمكن للإنسان أن يصل عن طريقها إلى الحقيقة المطلقة، ووضع مجموعة مبادئ لكي يستخدمها المفكرون للوصول إلى صحة الاستنتاج عن طريق الاستقراء، وقد تكون هذه المبادئ هي مجموعة الأفكار الأكثر تنظيمًا وتأثيرًا في كتاباته الاجتماعية، وفي نفس الوقت علينا أن نتذكر أن راسل هو رجل رياضيات في المقام الأول، لذا فإن أفكاره كلها مبنية على حسابات منطقية، وهذا ما دعى بعض الباحثين إلى اعتبار أعماله في الميتافيزيقيا بلا أهمية على الإطلاق، وأن أفكاره المعرفية تسعى في كل الأوقات إلى إيجاد حلول سريعة لتحديد ماهية الحقيقة باعتبار الأشياء الملموسة منطق يمكن للإنسان أن يستشعره ذاتيًا، ومع هذا الاختلاف الشاسع بين آراء المفكرين والباحثين إلا أننا لا نستطيع في النهاية إلا أن نقول أن هذا الاختلاف نتج عنه العديد من الأفكار المميزة وفتح مجالاً للكثيرين لتطوير تلك الأفكار في العلوم الإنسانية وبالتحديد الجيل الجديد من المفكرين مثل جيل دولوز ونعوم تشومسكي وغيرهما.

الدخول إلى معترك السياسة

بعد نهاية الحرب العالمية الأولى زار برتراند راسل كل من الصين والتي كانت تمر بمرحلة حرجة في تاريخها ثم زار الاتحاد السوفيتي، وبالتحديد منذ تلك الفترة والسنين التالية بدأ الجدال يحوم حول شخصية المفكر وحول انتماءاته السياسية، فزيارته كانت عبارة عن تأييد ضمني للحركة الشيوعية التي ظهرت، ومع ذلك فإنه أبدى اعتراضات واضحة على النظام الشيوعي وبالتحديد الثورة البلشفية والأفكار اللينينية-الستالينية التي كونت أفكار الحزب الحاكم في الاتحاد السوفيتي لعقود والتي اعتمدت عليها الحركة الماوية التي سيطرت على الصين فيما بعد، وفي نفس الوقت فقد تمسك ببعض مبادئ الاشتراكية ولكنه كان يتحدث دومًا عن الحرية، لذا فإن الشيوعيين اعتبروه عدوًا لهم، ونظر إليه الاشتراكيون باعتباره غير مخلص لفكرهم، واعتبره الليبراليون غير محايد في أفكاره، وخلاصة أفكاره نجدها في كتابه “ممارسة ونظرية البلشفية” التي دعى فيها الحكومة إلى الاهتمام بالحرية باعتبارها القيمة الإنسانية الأكثر أهمية، وفي خضم اهتماماته السياسية شرع في الدخول في معترك السياسة ورشح نفسه لمقعد البرلمان ثلاث مرات لكنه لم يفز في أية مرة بسبب عدم اتفاقه مع أي فصيل سياسي بشكل صريح كما أشرنا.

كتاب تاريخ الفلسفة الغربية

نشر راسل هذا الكتاب في سنة 1945 وهو يعتبر أشهر كتبه على الإطلاق خاصةً بين عامة القراء، وهو شبيه بالكتب الأكاديمية التي تحاول اختصار تاريخ الأفكار الفلسفية منذ بدايتها في الحضارة اليونانية وحتى عصرنا الحالي، إلا أنه تفوق على غيره من الكتاب بسبب سلاسة أسلوبه وفي نفس الوقت تقديم المحتوى الدقيق، ويبدأ الكتاب منذ مرحلة ما قبل سقراط، أي أنه يتحدث عن فيثاغورث والمدرسة الفيثاغورية وعن ديمقريطس وغيرهم، وقد أبدى اهتمامًا خاصًا بالفيلسوف هرقليطس الذي لم يصلنا من أعماله سوى شذرات ووضح أن مبدأ التغير الظاهر في تلك الشذرات ونظرة الفيلسوف المتشائمة والحانقة على المجتمع هي من أهم الأفكار التي ظهرت في تلك الفترة، ثم يبدأ بالدخول في المرحلة الأهم وهي مرحلة سقراط وأفلاطون وأرسطو، ليفرد بعضها صفحات كاملة للفلسفة الإسلامية والفلسفة الشرقية بصورة عامة، ثم ينتقل إلى العصور الحديثة وظهور الفلسفة الوجودية بكل فروعها مثل الفلسفة العبثية والعدمية وغيرهما، وقد تم نشر الكتاب عبر مؤسسة سيمون وشوستر الشهيرة في نيو يورك، وظهرت ترجمة عربية للكتاب بواسطة الدكتور زكي نجيب محمود ونشرته الهيئة المصرية العامة للكتاب ودور نشر أخرى.

الاتجاه نحو العمل الاجتماعي والتعليمي

في سنة 1927 بدأ راسل بالابتعاد عن السياسة والدخول في مجالات الإصلاح الاجتماعي، وأسس مع زوجته الثانية دورا مدرسة تقدمية في مدينة بيكون هيل، وهناك طبق نظرياته في التعليم والتي جمعها في كتابه “التعليم بصورة خاصة في مرحلة الطفولة المبكرة” وأيضًا كتاب “التعليم والنظام الاجتماعي” وقد نشرهما في سنة 1932. في أواخر الثلاثينيات عمل برتراند راسل كمحاضر بصورة دورية في الولايات المتحدة، وفي 1940 تم تعيينه كمدرس في جامعة نيو يورك، ولكنه تعرض إلى نقد لاذع من المجتمع المدني ورجال الدين بسبب آراءه المتطرفة بالنسبة لهم، ولكن شدة النقد زادت والتحقت الصحافة بالمهاجمين عندما انتشر كتاب “الزواج والأخلاقيات” والذي قد نشره سابقًا في سنة 1929، فهذا الكتاب يضم مجموعة من الأفكار الحديثة التي لم يعتد عليها المجتمع الأمريكي في ذلك الوقت، ومنها فكرته بتزويج الطلاب بصورة مؤقتة في مرحلة الجامعة.

هجوم على راسل

بسبب هذا الكتاب رفع البعض قضايا في المحكمة لإدانة برتراند راسل ، وبالرغم من عدم إثبات أية تهمة عليه إلا أن القاضي وصفه بأنه مخلوق غريب وأنه يدعو إلى أفعال تنافي الأخلاق العامة، ولكن هذا الكتاب يعتبر الآن من أهم الكتب التي تتحدث عن مؤسسة الزواج، كما أن راسل نفسه قال أنه الكتاب الذي أوصله إلى جائزة نوبل، فقد قال ما نصه: “عندما تم استدعائي إلى مدينة ستوكهولم في أواخر سنة 1950 لاستلام جائزة نوبل – والتي كانت مفاجأة بالنسبة لي، وذلك في مجال الأدب عن كتابي الزواج والأخلاقيات – كنت خائفًا عندما تذكرت أنه منذ حوالي 300 سنة تم استدعاء ديكارت إلى إسكندنافيا عن طريق الملكة كريستينا في فصل الشتاء وهناك مات من البرد”. ولكن ما صرحت به لجنة الجائزة لا يتضمن أية إشارة إلى الكتاب وقالت أن سبب حصوله على الجائزة ما نصه: “بسبب كتاباته الدقيقة والرائدة والتي يشجع فيها على الأفكار المثالية الإنسانية وحرية التفكير”. وبعد الجدل الذي حدث في أمريكا أتى عرض إلى برتراند راسل عن طريق مؤسسة بارنيس المهتمة بالأدب والفن والتي تقع في ولاية بينسيلفانيا كي يلقي فيها المحاضرات، وفي الواقع فلقد كانت من أهم المحاضرات التي ألقاها راسل في حياته وهذا ما شهد به الناس كافة، وكانت المحاضرات هي نواة كتاب “تاريخ الحضارة الغربية”.

العودة إلى الوطن

في سنة 1944 عاد برتراند راسل إلى إنجلترا وتم إعادة انتخابه كزميل لكلية ترينتني في كامبريدج، وفي تلك الفترة بدأت التكريمات بالهطول عليه بالرغم من الأحداث المثيرة للجدل وآراء المحافظين تجاهه حيث حصل على زمالة فخرية من الأكاديمية البريطانية بعدها بخمس سنين، وفي نفس السنة حصل على وسام الجدارة وهو من أرفع الأوسمة في بريطانيا، وفي السنة التالية حصل على جائزة نوبل في الأدب، ولكن هناك موقف غريب حدث لراسل عند اندلاع الحرب العالمية الثانية، فقد تخلى فجأة عن آراءه المعادية للحروب بالرغم من المجازر التي كانت تحدث كل يوم في الحروب، إلا أنه أفاق بسرعة وعاد لاستكمال مسيرته، وشارك في مظاهرات لمنع قصف القنابل على المناطق التي يوجد فيها مدنيون، وفي ذلك الوقت كان في التاسعة والثمانين من عمره، لذا فقد شارك في المظاهرة وهو على كرسي متحرك، وقد تعرض للحبس لمدة أسبوع بسبب هذا، كما أن مواقفه الشجاعة استمرت عندما حاول التدخل ومنع الكارثة النووية التي كانت ستحدث أثناء أزمة الصواريخ الكوبية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وهو الموقف الذي يعتبر من أخطر مواقف الحرب الباردة على الإطلاق.

برتراند راسل : الإنسان والمفكر

كما يخبرنا أصدقاء راسل وزملاءه، فقد كان إنسانًا خجولاً وفي نفس الوقت ذكي ولماح وقادر على الإمساك بخيوط الحوارات المختلفة، كان يقظًا للغاية وقادرًا على إقناع الآخرين عن طريق التتابع المنطقي والاستنتاج والاستقراء، كما أنه كان يقدّر قيمة الصداقة طوال حياته، وبالرغم من ضآلة جسمه إلا أنه كان ممتلئًا بالحيوية طوال الوقت وكان مستعدًا للنزول إلى الشوارع للمشاركة في المظاهرات حتى وهو في آخر أيام حياته، وفي الوقت الذي كان فيه مثيرًا للجدل وكانت أفكاره مليئة بالفسق والفجور في نظر البعض إلا أنهم احترموا شخصيته وثباته على مواقفه، ومع أنه لم يرض عن زيجاته الثلاث الأولى إلا أن زواجه في المرة الأخيرة من إيديث فينش في سنة 1952 كان باعثًا للسعادة في قلبه وجعله يستمر في مسيرة العطاء.

علي سعيد

كاتب ومترجم مصري. أحب الكتابة في المواضيع المتعلقة بالسينما، وفروع أخرى من الفنون والآداب.

أضف تعليق

11 + 1 =