تسعة اولاد
الرئيسية » تاريخ وحضارات » القعقاع بن عمرو : القائد المسلم صاحب الإنجازات الضخمة

القعقاع بن عمرو : القائد المسلم صاحب الإنجازات الضخمة

القعقاع بن عمرو

القعقاع بن عمرو التميمي أحد شجعان الدولة الإسلامية على امتداد تاريخها وقد كان له دور كبير لا يُستهان به في الكثير من المعارك، والتي أهمها حروب الردة وفتح القادسية، ولابد أن الأكثر حاجة لمعرفة سيرة هذا البطل هم الأطفال الصغار والناشئة.

يُعتبر الصحابي الجليل القعقاع بن عمرو أكبر مثال على أن التاريخ الإسلامي كان حافلًا بالكثير من الأبطال والشجعان، وربما لا يُمكننا الحديث عن القعقاع بخير دون أن نستدل بقول أحد أصدق الخلق أبي بكر الصديق، فقد وصفه الصديق بأنه رجل بألف، وهذا بالطبع ما أثبتته المواقف والحروب التي خاضها، إذ أنه كان من الكافي فقط أن يصرخ القعقاع صرخته المعتادة ويزأر حتى تهتز قلوب الأعداء من أماكنها، فقد وصل خبره إلى العجم، ولم يعرف قادة الكفر والضلال في كل مكان سيف أثقل عليهم من سيف القعقاع بن عمرو ، وبالتأكيد كل هذه الأمور الرائعة التي تحدثنا عنها سوف تحتاج إلى المزيد من الشرح في السطور القليلة المُقبلة، وذلك سيحدث من خلال تناول سيرة القعقاع بالتفصيل ونقف على أهم الأسئلة المُتعلقة به وأهم الإنجازات والغزوات التي شارك بها، فهل أنتم مستعدون لاستكشاف هذا الرجل العظيم معنا؟ حسنًا لنبدأ سريعًا.

من هو القعقاع بن عمرو ؟

قبل أن نُسهب الحديث في فتوحات وإنجازات القعقاع بن عمرو فلابد وأنك عزيزي القارئ سوف تود أولًا التعرف عليه عن قرب، فهو القعقاع بن عمرو التميمي المولود سنة 636 ميلاديًا، وهو مولود في أرض العرب الأهم شبه الجزيرة العربية، أيضًا لا يخفى على أحد أن القعقاع منذ يومه الأول في هذه الحياة وهو يتعلم الفروسية والقتال وكأنه قد ولد على ظهر حصان، حيث ظهرت سمات الفارس عليه منذ الصغر وأصبح من صغار القادة، لكن ربما لا يكون القعقاع قد حظي بأي ذكر سوى في فترة حروب الردة التي كان خليفة المسلمين فيها هو أبو بكر الصديق، وهو ما يفتح الباب أمام سؤال في غاية الأهمية يُردده المؤرخون بقوة، هل القعقاع بن عمرو صحابي؟

هل القعقاع صحابي؟

غالبًا ما يكون الشرف الأول والأهم الذي يحصل عليه رجل في التاريخ الإسلامي هو أن يكون ضمن الصحابة ويحصل على لقب الصحابي، والصحابي لمن لا يعرف هو الشخص الذي حضر النبي صلى الله عليه وسلم وكان من أصحابه، أيضًا يُطلق الوصف بشكل عام على كل شخص كان له شرف التواجد على قيد الحياة رفقة النبي، ولأن القعقاع لم يظهر ذكره سوى في أيام حروب الردة وخلافة أبو بكر ومن بعده عمر فإن البعض ادعى أنه ليس صحابيًا، لكن هذا القول تم رده من خلال مجموعة م الأحاديث والأخبار التي أهمها ما روي عن القعقاع نفسه بأنه قد حضر يوم وفاة النبي، هذا بخلاف الحديث الذي جاء كذلك على لسان القعقاع والذي قال فيه بأن النبي قد سأله عما أعدده للقتال فأجابه القعقاع بأنه أعد طاعة الله ورسوله، إلى آخر الحديث الذي نستدل منه في النهاية على كون القعقاع صحابي أم لا.

أيضًا من الدلائل التي تُشير إلى كون القعقاع واحد من الصحابة أنه قد ذُكر في كتاب شهير يحمل اسم معجم الصحابة، هذا بخلاف الكثير من الكتب الأخرى التي كانت تتحدث كلها عن الصحابة وحياتهم ثم جاء ذكر القعقاع بن عمرو فيهم، ولا ننسى أن القعقاع قد حارب مع خالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح والكثير من الذين تأكد كونهم من الصحابة، لذلك فإنه من البديهي أن يكون صاحبهم القعقاع من الصحابة كذلك، على العموم، سواء كان القعقاع صحابي أم لا فإنه في النهاية رجل لا يُذكر إلا ويُذكر خلفه كل خير وثناء، فهو واحد من الشجعان والفرسان، وهذا ربما ما سنتأكد منه مع ذكر فضائله وبطولاته.

القعقاع وحروب الردة

ربما يكون الذكر الأول للصحابي القعقاع بن عمرو حسب كافة الروايات التاريخية هو ما جاء في حروب الردة من صراع شرس خاضه القعقاع ضد علقمة بن عمرو، وهو أحد الذين ارتدوا بعد وفاة الرسول وقام بتكوين جيش كبير أرسل إليه أبي بكر الصديق القعقاع على رأس سرية وأمر بالحضور ومعه خبر علقمة من حيث إعلان توبته أو رأسه، وقد طارده القعقاع وقتل كثير من جنده حتى جاءت النهاية بسقوط علقمة ذليل هو وأولاده، ثم أعلن إسلامه لاحقًا وتاب إلى الله، لكن يبقى الخبر الذي انتشر هو خبر المهانة والذل اللذان أذاقهما القعقاع للمرتدين.

القعقاع رجل بألف

في بداية فتوحات وحروب المسلمين في العراق كان أسد الله خالد بن الوليد يقود جيشًا كبيرًا ويستعد للذهاب إلى أرض العراق، لكن عندما عزم خالد على التوجه للعراق خرج عنه عدد كبير من الجنود وفقد الجيش جزء كبير من قوته، فما كان من خالد إلا أن طلب من أبي بكر الصديق أن يُرسل له مددًا من عنده فأرسل له الصديق رجل واحد فقط، وهو القعقاع بن عمرو التميمي، وعندما تعجب الناس من ذلك وسألوا الصديق عن الأمر أخبرهم صراحةً بأنه قد أرسل لهم رجل ليس عادي بالمرة، وإنما رجل يُعادل ألف، ثم قال عندها جُملته الشهيرة، لا يُهزم جيش فيه القعقاع، وبسبب هذه المقولة ذاع صيت القعقاع أكثر وأصبح ذكر اسمه يُلقي الأمان في قلوب المسلمين والخوف في قلوب الأعداء.

بطولة ذات السلاسل

لا نزال مع البطولات والإنجازات التي حققها القعقاع بن عمرو طوال خدمته للجيش الإسلامي والمسلمين بشكل عام، وهذا المرة نتحول إلى معركة ذات السلاسل التي وقعت بين المسلمين والفرس بقيادة هرمز، ففي تلك المعركة أراد خالد بن الوليد، قائد جيش المسلمين في هذا التوقيت، القتال مع هرمز قائد جيش معسكر الفرس لكي يقضي عليهم قبل أن تبدأ المعركة من الأساس، لكن المفاجئة هنا أن هرمز كان ينوي القيام بنفس الأمر لكن من خلال الخداع والغش، حيث أنه قد كلف فرقة من الجند بمهاجمة خالد والانقضاض عليه في جماعة لقتله وإنهاء أمر المسلمين، بيد أن ذلك التدبير لم يفلح بسبب وجود القعقاع الذي داهم فرقة المشركين المتربصين وجعل المعركة عادلة بين هرمز وخالد فقط، وكان النصر طبعًا من نصيب خالد.

رجل القادسية الأول

إذا ما ذُكرت معركة القادسية بين المسلمين والفرس فلا يُمكن بأية حالٍ من الأحوال إغفال دور القعقاع بن عمرو الذي كان بلا أدنى مبالغة الرجل الأول في هذا اليوم، أو في أيام القادسية الثلاث بشكل عام، وقصة هذه المعركة قصة بطولة خالصة كُتبت بسيف القعقاع الذي أُرسل ليكون عونًا لجيش المسلمين في حربهم ضد الفرس الذين اجتمعوا بكل ما يملكونه من قوة رغبةً منهم في كسر شوكة المسلمين بشكل نهائي، كانوا يرغبون في ذلك وأعدوا له بكل الطرق الممكنة، حيث جمعوا الفرسان والخيول والفيلة وأذاقوا المسلمين العناء في اليوم الأول من المعركة، وهو اليوم الذي لم يحضره القعقاع بن عمرو وكان في طريقه من سفر طويل، وبالفعل كان القعقاع مددًا للجيش وإنقاذًا لهم منذ اللحظة الأولى، وربما هذا الأمر يتضح بشدة من خلال الخطة الحربية التي وضعها لهذه المعركة وتُعتبر من أهم وأذكى خطط الحرب على الإطلاق.

كان القعقاع يمتلك سرية من ألف مُقاتل فقط، وكان المسلمون أمام جحافل كبيرة من المشركين وينتظرون مددًا كبيرًا جدًا، وبالتالي كانوا يطمعون فيما هو أكثر من الألف مُقاتل، وهو الأمر الذي أدركه القعقاع منذ اللحظة الأولى فقام بتقسيم جيشه إلى عشرة أعشار، ثم أخذ يدخل إلى ساحة المعركة مئة بمئة حتى قويت شوكة المسلمين وضعفت شوكة الفرس، فقد ظن الفريقين أن القعقاع قد جاء ومعه ألوف مؤلفة، بعد ذلك قام القعقاع بمصارعة أقوى قادة الجيش وقتلهم، وفي مساء نفس اليوم أخرج الألف مقاتل من الميدان كي يعاودوا الكرة من جديد، أيضًا قام بوضع طريقة للتغلب على فيلة الروم التي كانت سببًا في الكثير من المشاكل، إجمالًا، قام القعقاع بن عمرو بفعل كل شيء من شأنه قلب المعركة مئة وثمانين درجة لصالح المسلمين، وهذه واقعة لا زال التاريخ يحفظها له حتى الآن.

القعقاع والولاية

تولى القعقاع بن عمرو ولاية حلوان لمدة شهرين بعدما انتهى من أمر القادسية والمدائن، كان ذلك في السنة السابعة عشر من الهجرة، وقد قيل إن القعقاع كان يتوق أكثر إلى القتال وليس مجرد الولاية والجلوس على كرسي الحكم، ولهذا عاد سريعًا إلى صفوف الجند وانطلق صوب المدائن بعدما كتب إليه سعد، وقد كان أكثر ما يُميز القعقاع، وخصوصًا في المعارك، صوته القوي الذي يُشبه زئير الأسود لدرجة أن أبي بكر كان يقول لصوت القعقاع في الجيش خير من ألف رجل، حتى أن عمر بن الخطاب عندما كتب إلى سعد بن أبي وقاص يسأله عن أشجع الجند وأفضلهم فأخبره أنه لا يرى من هو أقوى من القعقاع بن عمرو ، وهذا رأي الكثير ممن شهدوا القعقاع وليس سعد فقط.

القعقاع والشعر

من الأشياء التي ربما لا يلتفت إليها الكثيرون ولا يذكرونها عند الحديث عن القعقاع بن عمرو هي كون هذا الرجل قد برع في ميدان آخر بخلاف ميدان القتال، وهو بالطبع ميدان الشعر الذي كان ميدان العرب الأول في هذا التوقيت، لكن القعقاع بن عمرو على وجه التحديد كان له تميز خاص في هذا المجال، فقد كان لا يكتب سوى الشعر الحربي الذي يتحدث عن المعارك وما حدث بها، كان شعر حياتي من الدرجة الأولى، بمعنى أنه كان فقط يتعلق بحياة القعقاع، فبعد الناس يمتلكون مذكرات يدونون فيها كل ما يتعرضون له، بينما القعقاع كان يمتلك لسانه والشعر، ولهذا في كل حرب من الحروب، خاضها القعقاع، يُمكنك أن تجد مجموعة من الأبيات الرائعة التي تُسجل مع وقع في هذه الحرب، وعلى الرغم من ذلك فإن القعقاع في النهاية لم يُصنف كشاعر وغلب عليه تصنيف فارس أو مقاتل، وربما هذا ما كان يُريده القعقاع في الأساس.

القعقاع بن عمرو على الشاشات

بالطبع لم يُصبح القعقاع بن عمرو بطلًا كي يُنسى، هو لم يُرد ذلك طبعًا، لكن عندما تجلس لاستحضار سيرته وما حدث في حياته فإنك ستُفكر بلا أدنى شك في إظهار مثل هذه البطولات على الشاشات، وهذا هو الوضع تقريبًا مع كل الصحابة العظماء، لكن ربما يكون القعقاع قد حظي بمرتبة ومكانة أعلى بعض الشيء، وهو ما يتضح من خلال ظهور شخصيته في العديد من المسلسلات والأفلام، لكن أبرزها على سبيل المثال مسلسل القعقاع بن عمرو التميمي الذي يحمل اسمه، وهو الذي كان من بطولة الممثل سلوم حداد وعُرض في عام 2010 ، ثم بعد ذلك، وفي عام 2012، جاء الممثل يزن السيد ليُكمل رحلة القعقاع على الشاشة في ظهور قوي ضمن مسلسل عمر، وهو المسلسل الملحمي الذي حقق جزء كبير من سيرة هذا الصحابي وأظهره في أفضل صورة ممكنة.

ختامًا عزيزي القارئ، إياك أن تنسى بأن الأبطال على شاكلة القعقاع بن عمرو التميمي هم الذين صنعوا عز الإسلام الذي نعيشه الآن وحافظوا على الدعوة حتى تصل إلينا، لذلك ليس هناك أية مانع من استذكار سيرتهم بين الحين والآخر.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

واحد + 13 =