تسعة اولاد
الرئيسية » جسم الإنسان » الوشم : ما هو وكيف يصنع وكيف يزال من الجسم؟

الوشم : ما هو وكيف يصنع وكيف يزال من الجسم؟

الوشم

الوشم نقش على الجسم يقصد به التزين، لكنه في نفس الوقت أمر مُحرم بإجماع الفقهاء، فقد اتفقوا جميعًا على أنه تعديل للجسم بما لم يحله الله، وهو صعب الإزالة.

يُعتبر الوشم أحد تدخلات الإنسان المستمرة فيما لا يجب له التدخل فيه، فالوشم نقش على الجسم بدافع التزين، لكنه ليس مجرد رسم كي يمكن تبريره، وإنما نقش فعلي، يُقصد به أن يكون الوشم الموضوع غير قابل للإزالة مع تعرض الجسم للعوامل الخارجية، وبالرغم من كون اليابانيون هم أول من عرفوا الوشم وعملوا به إلا أن الغرب الأوروبي ودول الأمريكيتين هم الأكثر عملًا به، وطبعًا من المفهوم قلته، إذ لم يكن ندرته، في الدول الإسلامية بسبب تحريمه من الفقهاء، عمومًا، دعونا في السطور القادمة نتعرف على الوشم وكيفية صنعه وكيفية إزالته، والأهم من ذلك، حكمه في الدين الإسلامي.

ما هو الوشم؟

هناك تعريفات كثيرة للوشم، لكن التعريف الأقرب على الإطلاق هو الذي يربط بين الوشم والزينة بصورة غير قوية، بمعنى أدق، الهدف الرئيسي من الوشم هو الزينة، لذلك، عندما نقوم بتعريفه فإننا نبدأ بوصفه أحد أنواع الزينة، لكنه في الحقيقة ليس كذلك، بل هو نقش على الجسم لا مجرد تزين باستخدام الرسم أو الأشياء الأخرى التي يمكن إزالتها أو الاستغناء عنها بسهولة، فإذا تم وشمك بعد معاناة فإن إزالة الوشم سوف تُصحب بمعاناة لا تقل عن معاناة المرة الأولى.

إذا ما تتبعنا كلمة وشم لغويًا فسنجد أنها تُستخدم في الدلالة على قوة الشيء وقدرته على التأثير به، فعندما يقال وشم فلانًا فلان فإنه قد أثر به بطريقة من الطرق، وهذا ما يفعله الوشم بالجسم، فهو يؤثر به ويترك علامة بارزة لا يُمكن التغاضي عنها أو تجاهلها، بل أن بروز هذه العلامة في الأصل سببًا من أسباب قيام الشخص بوشم نفسه.

ظهور الوشم

متى ظهر الوشم بالتحديد؟ في الحقيقة لا توجد إجابة مؤكدة لهذا السؤال، فلم يثبت مثلًا أن كذا هو أول شخص تم وشمه في التاريخ، لكن، على الأقل يمكننا تحديد أول الشعوب أو البلدان التي عرفت الوشم وعملت به، وهي شعوب اليابان، وليس اليابان نفسها، فقد كان ثمة شعب كثير الترحال يُعرف باسم شعب الآينو، ذلك الشعب سكن اليابان فيما بعد، وكان له في البداية اليد العليا في ظهور الوشم.

ظهور الوشم لدى شعب الآينو لم يكن مقصودًا به التزين أو التفاخر والتباهي كما هو موجود الآن في أغلب الأماكن التي تستخدم الوشم، وإنما كان السبب الرئيسي في ظهوره، أو وجوده في الأصل، هو العادات والتقاليد ووجود بعض الخرافات المتعلقة بضرورة وجود الوشم على الجسم، الأدهى أنه كان يتم تمييز كل قبيلة عن الأخرى من خلال الوشم الموجود على أجساد أفرادها، أي أن الوشم كم ذكرنا لم يكن مجرد فعل يقصد به الزينة، هذا ولابد أنكم بالتأكيد تطوقون الآن لمعرفة كيفية وشم الإنسان لنفسه أو قيامه بعملية الوشم بشكل عام.

كيف يتم الوشم؟

أول خطوات الوشم التقليدية تحمل الكثير من الألم والمعاناة، ففي البداية يتم تجهيز إبرة مسننة لغرزها في الجسم، الأماكن التي ستشتمل على الوشم تحديدًا، ثم بعد ذلك تأتي الخطوة الأهم، وهي وضع الصبغ بهذه الأماكن التي تم ثقبها، بعدها يأتي الدور على نثر اللون في هذه الأماكن المثقوبة حتى يظهر لنا الشكل النهائي، وعادة ما يُستخدم نوع مميز في الحبر يتم نثره بطريقة مُحكمة ومنظمة، وبالتأكيد لا يقوم بذلك الأمر إلا مُتخصصين في الأمر ومُجيدين له، لأن نثر الحبر الساخن خارج إطار المناطق المثقوبة سوف يتسبب في الكثير من الأضرار في الجسم، وأصلًا مع التطور وتقدم الزمن أصبحت هناك معدات تستخدم خصيصًا لهذا الغرض وتُسهم في تقليل نسبة الخطأ إذ لم يكن إعدامها.

الزينة والوشم

هناك فارق كبير بين الزينة والوشم، وذلك لأن البعض يخلطون بين هذا وذاك ويتحججون بأن الله قد أحل الزينة وأمر عباده بها، وخاصةً النساء منهم، وهذا ما استند عليه هؤلاء في إدراجهم الوشم ضمن أحد أنواع الزينة، وبالتالي جعلوه أمرًا جائزًا ولا خلاف عليه، وهؤلاء يمكن وصفهم بما وصف به أولئك الذين قرأوا سورة الماعون وتوقفوا عند قوله ويل للمصلين دون أن يُكملوا الآية ويُتبعوها بما بعدها، فالزينة تختلف تمامًا عن الوشم، وإن كان الوشم شكل من أشكال التزين فإنه شكل غير مقبول بالمرة، ولكي نضع النقاط على الحروف لابد بالتأكيد أن نتعرف على حكم الوشم في الإسلام، وهو بالمناسبة حكم كافي وافي شافي، لا يقبل التأويل من هؤلاء الذين يُحرفون الأمور ويُخرجونها عن نصابها الصحيح.

الوشم في الإسلام

ببساطة شديدة لم يترك الإسلام فرصة للنقاش في مسألة الوشم بالذات، وإنما قام بتحريمه مرة واحدة وبنصوص صريحة كتلك التي أشهرها قول النبي صلى الله عليه وسلم لعن الله الواشمة والمستوشمة، فالكلام واضح جدًا لا نقاش فيه، والنبي لم يكتفي بتحريم الوشم على الأشخاص ولعنة الله عليهم، بل أيضًا أدخل الشخص الذي يقوم بعملية الوشم ضمن أضلاع العملية، مما يدل على خطورة الأمر، تمامًا مثلما هو الحال مع السجائر والخمر وهذه المواد الضار التي لُعن مُستخدمها وبائعها في نفس الوقت، وليس بعد هذا الأمر دلالة أكبر على خطورة الوشم من الناحية الشرعية على الأقل، لكن، بالتأكيد ثمة سؤال هام سوف يدور في أذهانكم الآن، وهو لماذا تم تحريم الوشم بهذه الصورة القاطعة؟

أسباب تحريم الوشم

إن من عظمة الإسلام ورحمة الله الواسعة بعباده أنه مع كل حكم جديد يوضح لنا أسباب هذا الحكم وما كان يُمكن أن يُسببه حدوثه من أضرار وما تسبب فيه المنع من فوائد، والحقيقة أن الله بالرغم من كونه غير مُطالب بتبرير وشرح أفعاله باعتباره خالق الكون بأكمله إلا أنه يفعل ذلك رأفة بعباده وتيسيرًا عليهم، ولنبدأ سويًا بالسبب الأول لتحريم الوشم والذي يُعد الأكثر إقناعًا خاصةً بالنسبة للمشككين، هو أن الوشم يُلحق الكثير من الأضرار بالجسم.

الحاق الضرر بالجسم

من أهم الأسباب التي حُرم الوشم من أجلها هي إلحاقه للجسم العديد من الأضرار والكوارث، وإياك أبدًا أن تستهن بالأمر، فعندما يتم وشمك يُستخدم في هذه العملية عدة مواد، هذه المواد تكون في الأصل مُستخدمة من قبل، مما يعني أنك تكون عُرضة لتلقي العدوى من خلال دم الشخص الذي سبقك، والذي في الغالب سال على الأداة المستخدمة في وشمك الآن، وبالتأكيد لن يهتم الواشم بتنظيف أدواته ومُعداته كي يتفادى إصابتك بالضرر، بل عليك أن تفعل ذلك بنفسك وأن تكون حريصًا على حياتك أكثر من أي شخص آخر.

عملية ثقب الجسم من أجل الوشم في الحقيقة عملية غريبة بحد ذاتها، فسنة الخلق أنهم يُحافظون بكل ما يملكون من قوة على أجسادهم، بل ويسعون في تحسينها بشكل دائم، لذلك كان من الغريب جدًا أن يُعرضوها للأذى بكل سهولة فقط بدافع الزينة حسبما يرون، والسؤال الآن، أين الزينة في أمر مجنون كهذا؟

تغيير خلق الله

غالبًا لا يلتفت أصحاب الوشم إلى أمر هام جدًا وفارق، وهو أنهم من خلال هذا الوشم يُغيرون خلق الله، فبالتأكيد فطرة الله التي فطر عليها الجسم هي الفطرة السليمة والقويمة، والتي لن يؤدي التغيير فيها إلا لتغيير خلق الله، وهذا بالتأكيد وزر لا يُمكن تحمله، فلو كان في الوشم خير لك لما تم تحريمه بالتأكيد، ولما كانت هناك الحاجة إلى أن تُوجد من الأساس، بل كان سيُصبح موجودًا في جسمك بصورة طبيعية، فالله عندما يخلق البشر يخلق لهم وفيهم كل ما هم بحاجة إليه، ومثلما خلق لك العين للرؤية والفم للحديث والأذن للسمع فإنه بالتأكيد كان ليخلق لك الوشم لو كان فيه الخير لك، لكن أن تُغير أنت خلق الله فهذا أمر يدل على الجحود ويستحق أن يُحرم بلا شك.

حالات الاستثناء

الإسلام داين كبير مُتفهم غير مُتعنت، ينظر إلى الأمور ويبحث في خيرها وشرها، ثم يأخذ خيرها ويُحلله ويترك شرها بعد أن يقوم بتحريمه، وهذا هو الأمر بالضبط فيما يتعلق بالوشم، والذي ظهرت له بعض حالات الاستثناء التي يمكن من خلالها عدم الاستعانة بحكم التحريم، وأولى هذه الحالات بالتأكيد الاستخدام في العلاج.

الاستخدام في العلاج

سؤال هام جدًا، ماذا إذا كان في الوشم علاج لبعض الأمراض، هل يظل مُحرمًا أم الحكم يتغير؟ في الحقيقة الإسلام واضح جدًا فيما يتعلق بهذه النقطة، فعند توقف الأمر على الموت والحياة يُصبح كل شيء مُباحًا، بمعنى أدق، إذا كان الوشم ضروري في مسألة الموت والحياة فليس هناك مجال أصلًا للسؤال، بل يجب الامتثال لأوامر الطبيب، والذي يتحمل بالطبع وزر صدق الأمر من عدمه، فالنبي صلى الله عليه وسلم أقر على عمار بن ياسر نُطقه ببعض الكلمات المُسيئة التي تصل إلى الكفر وسب النبي لمجرد أن موته كان يتوقف عليها، فما بالك ونحن نتحدث عن مجرد نقش في الجسم!

التزين للزوج

بعض الفقهاء يقولون بصورة واضحة أن الوشم فعل مُحرم، لكن ذلك التحريم يُصبح والعدم سواء إذا تعلق الأمر برغبة الزوج، فالنبي يقول إنه لو كان له أن يأمر أحد بالسجود لكان قد أمر الزوجة بالسجود لزوجها، مما يدل على عِظم مقام الزوج، وبالتالي فإن شيء مثل الوشم يُمكن إدراجه كذلك ضمن الأشياء التي يحق للزوج أن يطلبها من زوجته، وإن كان عدم الدخول في هذه المنطقة أفضل بكثير لأن مظاهر التزين كثيرة جدًا ومن ضمنها الحنة والزينة، ولذلك لا فائدة من الوشم وما قد يترتب عليه من أضرار ذكرناها سابقًا.

عملية إزالة الوشم

إزالة الوشم عملية عصيبة جدًا، بل يمكن القول في الحقيقة أنها عملية مُستحيلة على بعض الأجسام، لكن، إذا نوى الشخص أن يُزيل وشمه بحق فعليه أن يعرف بأن عملية الإزالة تلك لن تتم إلا باستخدام النار، أجل، سوف يتم كيّ المكان الذي يُراد إزالة الوشم منه من أجل إتمام العملية، ولكم أن تتخيلوا كمية الألم التي ستحدث للشخص في هذا الوقت، والتي لن تكون بالتأكيد أقل من تلك الكمية التي حصل عليها عند إضافته للوشم، والحقيقة أنه لأمر مجنون جدًا أن تعرف أن ثمة شيء سيضرك وسيجعلك تعتصر من الألم وفي نفس الوقت تظل مُصرًا عليه وكأن حياتك تتوقف عنده، لكن في النهاية يبقى الإنسان هو الإنسان بجحوده وجنونه وقلة عقله.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

5 + 13 =