تسعة بيئة
هجرة الطيور
بيئة » الطبيعة » كيف تهاجر الطيور وما هي أهم رحلات هجرة الطيور ؟

كيف تهاجر الطيور وما هي أهم رحلات هجرة الطيور ؟

هجرة الطيور أحد الظواهر الطبيعية الغريبة، فالطيور التي لا تفقه ولا تفهم، تضطر للهجرة وترك أوطانها من أجل إيجاد حياة مُلائمة لها من حيث الطعام والشراب.

تُعتبر هجرة الطيور من أهم الظواهر الطبيعية التي اكتشفها الإنسان خلال تواجده على هذه الأرض، والحقيقة أنها لا تُعتبر ظاهرة فحسب، بل مُعجزة صغيرة كذلك، فتلك الكائنات التي لا تمتلك عقل الإنسان تفعل ما يفعله الإنسان بالضبط عند الشعور بالخطر والعجز، حيث تضطر إلى قطع مسافات طويلة من أجل إيجاد الجو المناسب لها، والذي بالتبعية يحتوي على الطعام والشراب المناسبين، وبالطبع جميعنا لاحظ أن الطيور تتخير مواعيد مُناسبة من أجل القيام بتلك المهمة الشاقة، عمومًا، دعونا في السطور القادمة نتعرف سويًا على كل شيء يتعلق بظاهرة هجرة الطيور، ونعرف أسبابها وأهميتها بالنسبة لتلك الكائنات الطائرة.

هجرة الطيور

بالتأكيد يلزمنا في البداية التعرّف على أُولى مُفردات موضوعنا، وهو تعريف هجرة الطيور، فهي تعني في البدء القيام برحلة طويلة، تكون موسمية، وسوف نذكر المواسم التي تتخيرها الطيور للهجرة فيما بعد، لكن ما يعنينا أن نعرف أن تلك الرحلات تكون مُنظمة إلى أقصى حد، كما أنها تحتوي كذلك هدف معين منشود منذ بداية الرحلة وحتى نهايتها.

خلال الرحلة يكون لزامًا على الطيور المُهاجرة المرور بالكثير من الصعوبات، أبرزها المرور من فوق المرتفعات والجبال، والعبور من بلاد واعرة، والحقيقة أنه خلال تلك الهجرة تتساقط أعداد كبيرة من أفراد الطيور المهاجرة ولا تقوى على المواصلة، لذلك أولًا يتم الإعداد لتلك الرحلة جيدًا قبل انطلاقها، وهو ما يشعرنا بوجود المزيد من التنظيم في الأمر.

ما قبل هجرة الطيور

كما ذكرنا، تمتد مسافة هجرة الطيور إلى آلاف الكيلومترات، وبالتالي فإن الزمن أيضًا يُصبح أكبر، وإذا كانت الطيور المهاجرة غير مُجهزة بالطعام والشراب فإنها لا تكون بالتبعية قادرة على استكمال الرحلة، لذلك يقوم أفراد كل سرب بتناول ما يكفيه من الطعام للحصول على الدهون اللازمة، والتي ستُعينه فيما بعد على استكمال رحلته الشاقة.

من ضمن التجهيزات لرحلات الطيور أيضًا أن يتم اختيار قائد أو مُرشد لكل سرب، فكما ذكرنا، تمر هذه الرحلات بخطوات تنظيمية عجيبة، وكأنها رحلة سفر بشرية على متن طائرة جوية، عمومًا، قبل أن ننطلق برحلة الطيور المهاجرة دعونا أولًا نتعرف على أسباب وأهداف هذه الرحلة من الأساس.

أسباب هجرة الطيور وأهدافها

في الحقيقة كانت هجرة الطيور في بدايتها أمرًا غامضًا، كانت ظاهرة طبيعية كما ذكرنا، لذلك، عندما تُرى سربان الطيور تُحلق في السماء يتوافد الجميع من أجل مُشاهدة ذلك الحدث الجلل، وكأننا مثلًا نتحدث عن قوس قزح أو ما شابه، لكن مع الوقت والدراسة والأبحاث أدرك الناس أنهم أمام حدث منطقي ومُبرر، وأن هذه الطيور المُهاجرة بالفعل تمتلك أسبابها التي تدفعها إلى الهجرة تمامًا مثل البشر، وكانت أهم هذه الأسباب وأولها بالتأكيد هي البحث عن الطعام والشراب.

البحث عن الطعام والشراب

البحث عن الطعام والشراب من أهم أسباب أي هجرة لأي كائن حي، وبالطبع لا يختلف الأمر كثيرًا عن حديثنا عن هجرة الطيور، فهي أيضًا تمر بوقت ينفد فيه الطعام والشراب من أماكن تواجدها، وبالتالي تضطر إلى السفر لمسافات طويلة، بالمناطق الجنوبية غالبًا، من أجل البحث عن الثمار والحبوب والأعشاب التي تُعينها على استكمال المسير، والحقيقة أن أغلب الرحلات التي خاضتها الطيور المهاجرة كانت تنتهي بنجاح كبير، حيث كانوا يعثرون بالفعل على ما يحتاجونه من طعام وشراب، مما جعل البعض يعتقد بأنهم يرسلون رحلات استطلاعية قبل بداية الرحلة للتأكد من تحقيق الهدف.

البحث عن التزاوج

البحث عن التزاوج هدف وسبب وجيه من أسباب هجرة الطيور، ولا نعني بذلك بالطبع أن الطيور تذهب للبحث عن أزواجها في مكانٍ آخر، وإنما ما نعنيه فقط أن ثمة بعض الأماكن التي تكون غير صالحة للتزاوج، لذلك تأخذ الطيور أزواجها وتذهب بهم إلى مكانٍ دافئ أو برد حسب الحاجة، وهناك يتمكنان من إتمام عملية التزاوج وبعدها العودة إلى أدراجهم مرة أخرى، وهي عملية تستغرق فصل واحد فقط على الأرجح.

البحث عن الأمان

في الحقيقة يعتبر البحث عن الأمان هدف كل شخص يعيش على هذه الأرض، فالكائنات بطبيعتها تُستوطن من قِبل الخوف، وهذا الأمر لا يختلف بالنسبة للطيور أو غيرها من الكائنات، لذلك يحدث أحيانًا أن تقطع سربان من الطيور مسافات طويلة فقط من أجل الشعور بالخوف، سواء كان ذلك الخوف من البرد أو نقصان الطعام والشراب أو أي عدو آخر، في النهاية النتيجة واحدة، وردة فعل الطيور كذلك واحدة.

متى تهاجر الطيور؟

غالبًا ما تكون موعد هجرة الطيور موحدة ومعروفة لدى جميع الطيور، حيث يُجهزون أنفسهم منذ بداية العام على هذا الموعد وينوون فيه التوجه إلى الجنوب، وهذا الموعد عادةً ما يكون بداية النصف الثاني من العام الميلادي، والذي يمكن القول مثلًا أنه شهر يوليو، لكن، بعض الطيور لا تقبل بهذه العادة، بل يمكن القول أنها لا تقبل فكرة الهجرة من الأساس، لذلك تتخلف عن الجماعة المهاجرة، والتي تكون أغلبية عادةً، وتنتظر حتى يحتمي الجو وينفذ الطعام، وهنا توقن أنه لا مفرّ من كل ذلك سوى بالهجرة، والحقيقة أن هذه الجماعات تحديدًا لا تصل إلى وجهتها غالبًا، بل يُدركها الهلاك خلال الرحلة، لأن الوحدة والجماعات الكبيرة تستطيع التصدي لمشاق الهجرة، أما الأفراد والأعداد الصغيرة فلا تتمكن من ذلك.

هجرة الطيور في فصل الخريف

إذا ما بحثنا عن الفصل الأنسب لهجرة الطيور فسنجد أنه فصل الخريف، فاحتمالية إتمام الرحلة مع فصول الصيف والشتاء احتمالية ضعيفة جدًا، لكن بالنسبة للخريف فهو فصل مُناسب من حيث المناخ والأجواء المُحيطة بشكل عام، فالطيور التي تُخطط قبل بدء الرحلة تتخير فصل الخريف للإقدام على هذه المجازفة، والحقيقة أن أكثر من تسعين بالمئة من الرحلات التي اختارت فصل الخريف لاقت نجاحًا وأحرز القائمين بها أهدافهم، أما باقي الرحلات التي تتم في أوقات أخرى من العام فإن الفشل يكون ندًا قويًا لها.

متطلبات عملية الهجرة

هجرة الطيور كما نعرف عملية مُعقدة، واحتمالية فشلها وعدم إتمامها تُماثل احتمالية نجاحها بالضبط، لذلك تحرص الطيور القائمة بالرحلة تنفيذ بعض المتطلبات من أجل ضمان مرور كل شيء بسلام، وعلى رأس هذه المتطلبات بالتأكيد أن تعي الطيور جيدًا المكان الذي تتواجد فيه والمكان الذي تقصده في رحلته.

الدراية بالطريق وعواقبه

أن تعرف أين تذهب ومن أين تبدأ أمر جيد جدًا، والواقع أن الطيور تراعي ذلك الأمر وتُدرك جيدًا أنه على رأس الأسباب التي قد تقود الرحلة إلى برّ الأمان، فالطيور قد تظل فصل كامل تتجهز لهذه الهجرة، وكذلك تختار القادة الذين يمكنهم الوثوق بهم من أجل العبور إلى بر الأمان، وهي ما تحرص الطيور القائدة على توخيه، فالحذر وعدم المخاطرة بآلاف الطيور أمر لابد منه، ولذلك نجد الهجرة في نهاية المطاف هجرة مثالية لا غبار عليها ولا احتمالية كبيرة بها للفشل.

استخدام العلامات والدلائل

استخدام العلامات كذلك أمر هام جدًا يجب أن تحرص الطيور على تحريه، وهذه العلامات قد تكون مُتمثلة في الشمس وطريقها وحدتها من عدمه، وقد تكون كذلك في الرائحة، فبعض الطيور تمتلك القدرة على معرفة المكان المناسب للعيش من خلال الرائحة، وعلى كلٍ، تتواجد هذه المتطلبات في الطيور بصورة فطرية تلقائية، فهم قد ولدوا بطبيعة تجعلهم على دراية بكافة ما يحتاجونه خلال الهجرة وما يُمكن أن يتم اعتباره جو مناسب ومهيئ للقيام بالأمر وما لا يمكن عده كذلك، كل هذا من خلال العلامات التي حُبوا بها أو على الأقل تعلموها من الطبيعة وطيورهم القدامى.

أنواع الطيور المهاجرة

تختلف أنواع الطيور المهاجرة من حيث الطبيعة التي تأخذها هذه الهجرة، فكل الطيور لا تُهاجر في نفس الوقت ولا إلى نفس المكان، حتى وإن تشابه ذلك فإنهم غالبًا لا يُقيمون نفس الإقامة، بل يختلفون اختلافًا كبيرًا في مسألة الإقامة على وجه التهديد، وبهذا يمكننا تقسيم عملية هجرة الطيور والقائمين بها عدة أنواع، أولها الطيور دائمة الإقامة.

الطيور دائمة الإقامة

وهذا هو النوع الشاذ من الطيور والأقل من حيث العدد والقناعات، فهذا النوع لا يؤمن بالهجرة سوى مرة واحدة في العمر بأكمله، وعندما يقوم به لا يُفكر أبدًا في تكرار الأمر حتى ولو اضطرته الحاجة إلى ذلك، ولذلك يُطلق عليه جماعة الطيور دائمًا الإقامة، وهم قِلة كما ذكرنا ولا يُمثلون أكثر من عشر بالمئة من إجمالي أعداد الطيور.

طيور فصل الصيف

هذا النوع من الطيور يختلف في الحقيقة اختلافًا تامًا عن النوع الأول، ففي فصل الربيع يُقدم هؤلاء على الهجرة إلى الشمال، حيث يكون الجو دافئ هناك وصالح للعيش والتكاثر، لكن ما إن ينتهي هذا الفصل حتى يعودوا أدراجهم من جديد، ثم يمكثون بضعة أشهر ويتنقلون في الشتاء إلى الجنوب، وبذلك نرى أنهم يقومون بعملية الهجرة أكثر من ثلاث مرات في العام الواحد، أو بمعنى أدق، يُهاجرون كلما دعتهم الحاجة إلى ذلك.

طيور فصل الشتاء

وهي الطيور التي تُقدم على عملية الهجرة مرة واحدة في العام، وتكون في فصل الشتاء، أما الوجهة فهي الجنوب بالتأكيد، لأنه يكون مُشتملًا على الطقس الأنسب في ذلك الوقت من العام، وهو ما تبتغيه الطيور بلا أدنى شك.

الطيور العابرة

النوع الأخير من الطيور المهاجرة هو النوع الأكثر تعقيدًا، فذلك النوع لا يعرف وقتًا محددًا للهجرة، لذلك قد يُقدم عليها أكثر من مرة في عام واحد، وأيضًا قد لا يقوم بها أبدًا في عام آخر، ويتوقع أن ذلك النوع من الطيور يمتلك قدرات خاصة تجعله لا يُعاني أثناء رحلاته تلك، لذلك يتم شمله بالدراسة دائمًا للوصول إلى حقيقته.

سياحة هجرة الطيور

قد لا تصدقون ذلك، لكن هناك بعض المناطق في بعض البلدان ينتظرون بفارغ الصبر أن يتم رصد هجرة طيور جديدة، حيث يعتبرون ذلك نوعه من الترفيه ويرقبون السماء بانتظار رؤية السربان وهي تُحلق من فوقهم في مشهد خلاب وساحر، ومع الوقت لم يظل الأمر مجرد أمر مُسلٍ فقط، بل تم ترقيته إلى درجة التجارة والاستخدام في السياحة، حيث خصصت بعض المناطق في الولايات المتحدة الأمريكية ودول قارة أوروبا، منتجعات ومساحات شاسعة يمكن من خلالها مراقبة الطيور المهاجرة عن طريق أحدث الأجهزة المخصصة في ذلك، والمقابل يكون مبلغ صغير من المال على سبيل التشجيع.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

2 + عشرين =