تسعة بيئة
كواجا
بيئة » الطبيعة » كواجا : نصف الحمار الوحشي ونصف الحصان المنقرض

كواجا : نصف الحمار الوحشي ونصف الحصان المنقرض

كواجا حيوان يتبع فصيلة الحمار الوحشي، ولكن يُشبه نصفه الثاني الحصان، ولذلك اكتسب مزيدًا من التميز، وقد كان يتواجد بكثرة في قارة أفريقيا ولكنه انقرض.

يُعتبر حيوان كواجا أحد أغرب الحيوانات التي يُمكن أن تلتقيها على الإطلاق، فبالطبع ليس أمرًا عاديًا أن نرى حيوان نصفه الأول ينتمي لفصيلة ونصفه الآخر ينتمي لفصيلة أخرى، فإذا كنت تنظر إلى كواجا من الأمام فستشعر أنك تنظر إلى حمار وحشي طبيعي، أما إذا كنت تنظر له من الخلف فإنك في هذه الحال ستكون ناظرًا إلى حصان كامل، وهذا ما أكسبه التميز والانتشار طوال القرون الماضية على الرغم من أنه لم يخرج من أدغال القارة الأفريقية، قبل أن ينتهي به الحال في النهاية كأحد الحيوانات المنقرضة بكل أسف خلال القرن التاسع عشر، عمومًا، دعونا في السطور القادمة نتعرف سويًا على حيوان كواجا ونعرف كيف كان يعيش وأين، وكيف انتهى به المطاف كأحد الحيوانات المنقرضة.

ما هو حيوان كواجا؟

كما ذكرنا، حيوان كواجا هو أحد أغرب الحيوانات وأكثرها شهرة بين مجموعة معينة من البشر، وهم الأفريقيين على وجه التحديد، فهم الذين يعرفون جيدًا الحيوان الذي يتمتع بجسم واحد لكن ينتمي إلى فصيلتين مختلفتين، فالنصف الأول، والذي يلزمك لتراه أن تكون في المقدمة، يُشبه كثيرًا فصيلة الحمار الوحشي، أما النصف الثاني فيتبع فصيلة الحصان، وبالطبع هو لا يتبعها بالمعنى الدقيق الذي قد تتخيلوه الآن، وإنما التبعية فقط في الشكل، وليس في الصفات والقدرات، ففي النهاية الجسد واحد، ولن يصدر النصف الآخر مثلًا صهيلًا كصهيل الخيول بينما النصف الآخر سوف يصدر صوت الحمار الذي نعرفه، ففي النهاية الاسم الدقيق لهذا الشكل هو كواجا، والفصيلة التي يتبعها هي الحمار المخطط.

أوصاف حيوان كواجا

أوصاف حيوان كواجا لا تختلف كثيرًا عن أوصاف أي حمار مخطط آخر من حيث الوزن والطول وكل شيء بخلاف التميز الوحيد الذي ذكرناه بكون النصف الأول يأخذ لون معين والنصف الثاني يأخذ لون مختلف يشبه ما يأخذه الحصان، واللونين هما الأسود والبني، عمومًا، بغض النظر عن ذلك، يمتلك كواجا أنياب طويلة إلى حدٍ كبير تُمكنه من التغلب على فريسته من أجل الطعام، وفي نفس الوقت، الدفاع عن النفس ضد من يريد أن يجعل منه فريسة، وهو اختلاف آخر يمكن أن يُضاف إلى قائمة الاختلافات بين الحمار المخطط العادي وكواجا.

ظهر كواجا قبل آلاف السنين، والحقيقة أنه ليس ثمة تأكيد حتى الآن على كون كواجا فصيلة قائمة بذاتها أم أنه قد نشأ نتيجة عملية تهجين وتلقيح غير طبيعية، عمومًا، يبقى كواجا حيوانًا مُثيرًا ومُستدعيًا للاهتمام، فالكل يريد أن يعرف ما هو ذلك الحيوان وما هي الحياة التي يعيشها؟

حياة حيوان كواجا

يفضل كواجا العيش في السهول، فهناك يجد نفسه ويتمكن من متابعة حياته بصورة طبيعية، وذلك بخلاف بعض أنواع الحيوانات الأخرى التي تفضل مثلًا العيش في الأماكن الخضراء الزاهية، والحقيقة أن الأمر في البداية والنهاية يتوقف على غذاء الحيوان، فالذي يريد العيش في السهول يدرك جيدًا أنه لن يعثر على غذائه إذا عاش في الغابات الخضراء، وغذاء كواجا يكون من القوارض وبعض الحيوانات والطيور التي تقل عنه قوة بكل تأكيد، وأيضًا لا مانع من تناول بعض الحشائش والنباتات في طريقه، لكنه لا يعتمد على ذلك الأمر بصورة كبيرة.

كما ذكرنا من قبل، يعيش كواجا بكثرة في قارة أفريقيا، أما إذا أردنا تحديدًا أكثر فهو يعيش في دولة جنوب أفريقيا الموجودة بالتبعية في جنوب القارة السمراء، ومن أكبر المقاطعات التي تحتوي على أعداد كبيرة من كواجا مقاطعة الكاب وولاية أورانج، حيث كان يتواجد بهما أكثر من مئة ألف رأس قبل أن يحل عليهم الخراب والانقراض.

كواجا والتكاثر

التكاثر في فصيلة كواجا يحدث كما يحدث تمامًا في الفصيلة الأم، وهي فصيلة الحمار الوحشي، حيث يتم الزواج بعد تجاوز ذكر كواجا الثلاث سنوات، فيما يحدث نفس الأمر مع الإناث لكن بعد عام واحد فقط أو عامين على الأكثر، والحقيقة أن تلك الفصيلة تتشابه مع الأحصنة وفصائل قليلة أخرى في امتلاك عضو ذكري يقترب من ذلك الذي يملكه البشر، وهو ما يجعل عملية الإنجاب والمعاشرة قريبة مما يحدث مع البشر إلى حدٍ كبير، بمعنى أدق، مدة حمل أنثى كواجا تصل إلى تسعة شهور، ومدة حصانة كواجا الصغير والاهتمام به لا تقل عن عام.

تلد أنثى كواجا فرد واحد في كل مرة حمل، وعادةً لا تتجاوز مرات الإنجاب الثلاث مرات، والواقع أن حجم صغير ذلك الحيوان يزداد بسرعة غريبة، لدرجة أنه قد يُصبح بعد أقل من ستة أشهر في وزن وطول والديه، عمومًا، يعيش كواجا في الظروف الطبيعية عشرين عامًا، يقضي النصف الأول منهم في الزواج والمحاربة من أجل الطعام وحماية ما يعيش معهم من عائلته، أما النصف الآخر فهو الذي يتملكه فيه الضعف والخوف، كما تزداد الرغبة في الانعزال.

يُفضل العيش وحيدًا

بالرغم من الأعداد الكبيرة التي كان يتواجد بها حيوان كواجا إلا أنه كان ثمة أمر يجمع كل أفراد الفصيلة تقريبًا، وهو الميل للوحدة، فلم يعرف كواجا الجماعات أبدًا بل كان يهرب منها، والدليل على ذلك أنه كان عندما يتجاوز الخمس سنوات يقيم معركة ضارية مع أفراد عائلته من أجل الإفلات بنفسه والابتعاد عنهم، وتقريبًا سبب المعركة هو إيصال رسالة بأنهم قد أصبحوا أعداء ولا يصلحوا للعيش معًا من جديد.

وحدة كواجا بالتأكيد أثرت تأثيرًا كبيرًا على مستوى حمايته، فهو لم يعد قادرًا على حماية نفسه بمفرده، وإنما بالكاد يمكنه التصدي للاعتداء الفردي، لكن، في حال الاعتداء عليه هو وزوجته من قبل جماعة حيوانات أخرى فإنه يسقط سريعًا بعض المقاومة، الغريب في الأمر أنه بالرغم من إدراك كل أفراد كواجا لذلك الأمر إلا أنهم ظلوا يحتفظون بوحدتهم حتى الرمق الأخير في حياة آخر فرد منهم، بمعنى أدق، حتى وقت الانقراض.

صورة وحيدة في الحياة

كان البشر حتى وقت قليل يسبق انقراض كواجا يعتقدون أن ذلك الحيوان حيوان خيالي لا وجود له، وذلك بسبب أنهم لم يروا صورته أو حتى مجرد رسمه له، لكن، في نهاية القرن الثامن عشر، التُقطت صورة بدائية لذلك الحيوان، وهي الصورة الوحيدة بالمناسبة، والتي لا يزال يُعتد بها حتى الآن كالصورة الأصلية لحمار كواجا، وهو ما فتح بابًا للمشككين بالقول بعدم صحة ما يتصوره البعض عن كواجا، وأنه ليس نصف حصان ونصف حمار كما يقولون، عمومًا، كانت الصورة في لندن، وعلى ما يبدو أنها كانت الصورة الأخيرة لذلك الحيوان النادر، لأنه قد ثبت أن آخر فرد في الفصيلة تم نقله من جنوب أفريقيا إلى بريطانيا بهدف المحافظة عليه ومحاولة إنقاذ السلالة، لكن في النهاية حدث الانقراض المحتوم.

كواجا والانقراض

رحلة كواجا مع الانقراض بدأت في الحقيقة قبل وقتٍ طويل، لكن النتائج الحقيقية لم تظهر سوى في القرن التاسع عشر، وهو الوقت الذي حدث فيه الانقراض، فمن المعروف أن الحيوان الغريب أو النادر أو الذي يمتلك أي شيء مُميز بشكل عام يظل مُستهدفًا من قِبل الجميع، فلا أحد بالتأكيد يمتنع عن امتلاك كل ما هو وفريد وغريب، حتى ولو كان ذلك المرغوب به مجرد حيوان لا يؤكل لحمه أو يُستخدم لأي غرض مفيد.

بداية الانقراض الحقيقية لحيوان كواجا كانت في القرن السادس عشر، حيث كانت أوروبا وقتها قد بسطت يدها على أفريقيا بأكملها وعرفت مميزاتها وعيوبها، عرفت كل صغيرة وكبيرة بها وأخذت كل ما قد يدر عليها نفعًا، ولو كنتم تتذكرون لقد قلنا قبل قليل أن آخر صورة التُقطت لكواجا كانت في لندن، مع أنه من المفترض أن يكون في جنوب أفريقيا، وهذا ما يُثبت نقل بعض التراث الأفريقي إلى الدولة المُستعمرة، عمومًا، ما يشغلنا الآن بصدق أن نتعرف على الأسباب الحقيقية التي أدت إلى انقراض حيوان هام مثل كواجا.

أسباب انقراض كواجا

حدث انقراض حمار كواجا في نهاية القرن التاسع عشر، وتحديدًا عام 1883، وهو وقت مُبكر جدًا خاصةً إذا كنا نتحدث عن حيوان كانت تتواجد منه أعداد تفوق مئات الآلاف قبل قرنين فقط من انقراضه، عمومًا، جاء الانقراض ليُثبت أن البشر وأطماعهم ما زالا يتحكمان في مجرى الحياة، فأصلًا لم يكن هناك سبب مقنع للبدء في رحلات صيد كواجا بخلاف كونه حيوان غريب الشكل، لكن ذلك لم يشفع له، إذ بدأ في عام 1626 صيد كواجا بغزارة، وكان البحارة والجنود البريطانيين يتسابقون فيما بينهم حول من يمكنه قتل أكبر عدد ممكن من ذلك الحيوان.

مع الوقت بدأت الأعداد تتناقص بسبب الصيد، لكنها في الحقيقة لم تكن لتنقرض بهذه الطريقة، فمهما كان يظل الكثير من كواجا في أماكن كثيرة من جنوب أفريقيا، وبالطبع يمكن الهرب بحياتهم من خلال عدة طرق، لكن هيهات أن يحدث ذلك مع تواجد المرض، والذي للغرابة ضرب هذه الفصيلة بالتحديد وأسقط منها ما يزيد عن نصفها، ليشهد عام 1883 آخر فرد من حمار كواجا الوحشي، ويُسجل الانقراض على أنه قد جاء بسبب غباء البشر وغضب الطبيعة، لكن السؤال الآن، هل مع تقدم العلماء وظهور جديد من الأطباء المبتكرين، أكان من الممكن ألا يتم التفكير في فكرة مجنونة جدًا؟

استنساخ حيوان كواجا

مع الوقت بدأ البشر في إدراك جرم الصيادين الغربيين الذين عكفوا على صيد حمار كواجا حتى أفنوه، ولقد بدأ أحد الأطباء الألمانيين الذين يحملون الجنسية الجنوب أفريقية دراسة موسعة حول إمكانية استنساخ كواجا قبل حوالي عشر سنوات، وطبعًا من المعروف أن الهندسة الوراثية بشكل عام بدأت تأخذ موقعها على الخريطة الطبية منذ حوالي ثلاثين عام، كما أن هناك بعض النماذج الناجحة مثل النعجة دوللي.

عمومًا، كان التفكير في الأمر يحتاج إلى دراسة موسعة، وهذا ما حدث بالفعل خلال عدة سنوات، ثم جاءت الخطوة التالية، وهي الحصول على جزء من الحيوان المنقرض لبدء إجراء الفحوصات عليه واستخدامه في عملية الاستنساخ، والحقيقة أن ذلك الأمر كان جِد صعب بسبب مرور أكثر من مئة وثلاثين عام على انقراض كواجا، إلا أن الأقدار قادت الفريق الطبي المُشرف على الأمر إلى جزء من جلد وعظام كواجا الأصلي كان موجودًا بأحد المتاحف، لتحدث عملية الاستنساخ وتُحقق نجاحًا كبيرًا وتُعطي في نفس الوقت أملًا بعودة بعض الحيوانات المنقرضة من جديد.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

خمسة + 1 =