تسعة بيئة
حموضة المحيطات
بيئة » التلوث » حموضة المحيطات : لماذا تزداد نسبة الحموضة في المحيطات؟

حموضة المحيطات : لماذا تزداد نسبة الحموضة في المحيطات؟

حموضة المحيطات ظاهرة بدأت تبرز في الفترة الأخيرة ويُرجح أن يكون سببها بشريًا، حيث أن الانبعاثات الضارة من المخلفات الصناعية تُكون غاز ثاني أكسيد الكربون.

تُعد ظاهرة حموضة المحيطات واحدة من أسوأ الظواهر التي حدثت خلل القرنين الماضيين والتي يُمكن أن تتسبب في مشاكل عويصة للبيئة، حيث أن المُخلفات الصناعية تتسبب في الحقيقة بخلق كميات أكبر من ثاني أكسيد الكربون، أو بمعنى أدق، استجلابه من الغلاف الجوي وبثه في المحيطات، مما يؤدي إلى ارتفاع حموضتها، ولكم أن تتخيلوا أن نسبة الحموضة تضاعفت من ثلاثين بالمئة وأصبحت تقترب بشدة من الوصول إلى نسبة المئة بالمئة، والواقع أن ذلك من المتوقع حدوثه بالفعل عام 2100، عمومًا، دعونا في السطور القادمة نتعرف سويًا على ظاهرة حموضة المحيطات وأسباب زيادة نسبتها وتأثيرها والحلول التي يُمكن من خلالها القضاء على هذه المشكلة.

ماذا تعني حموضة المحيطات؟

حموضة المحيطات هي واحدة من الآثار الجانبية لتراكم غاز ثاني أكيد الكربون بالقرب من الغلاف الجوي، إذ أن ذوبان ثاني أكسيد الكربون في الأرض، وخاصةً في المحيطات البحرية، يؤدي إلى زيادة الحموضة بها، والواقع أن العالم لم يشعر بهذا الأمر إلا مع زيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، والذي بالطبع لا يمتلك خيارًا سوى بث ذلك الغاز في الأرض مرة أخرى، وفي أماكن حيوية مثل المحيطات، والتي من الطبيعي أن تستقبل نسبة مُعينة من الغاز، ولهذا السبب، الكامن في زيادة النسبة، تحدث حموضة المُحيطات، وتبدأ المشكلة في التفاقم.

أسباب حموضة المحيطات

كما ذكرنا من قبل، ترجع ظاهرة حموضة المحيطات إلى أسباب بشرية خالصة، فعندما يستخدم الإنسان أي شيء يعمل بالوقود بكافة أشكاله فإنه من الطبيعي جدًا أن تكون فضلات ذلك الشيء الغازية مجموعة من الغازات، تكون في الغالب نيتروجين أو ثاني أكسيد الكربون أو أكاسيد الكبريت.

دورة مجموعة الغازات هذه تستمر حتى تصعد إلى السماء، وتحديدًا الغلاف الجوي، وتستمر هناك لفترة ثم تهبط إلى الأرض مرة أخرى وتتوزع على البحار والمحيطات، وفي هذه الأثناء تحدث ظاهرة حموضة المحيطات، أي في الوقت الذي تنبعث فيه الغازات من السماء إلى البحر.

بروز حموضة المحيطات

بالتأكيد تحدث العملية التي ذكرناها حاليًا منذ زمنٍ بعيد، لكنها لم تكن تؤثر أبدًا على المُحيطات ولم تُزد من حموضتها، لأننا ببساطة نتحدث عن عملية صناعية هشه ضعيفة، لا ترتقي إلى المكانة التي تجعلها قادرة على تلويث الهواء بكثافة، إلا أنه في الفترة الأخيرة، وتحديدًا منتصف القرن الثامن عشر، ظهر ما يُعرف بالثورة الصناعية وقلبت الأمر رأسًا على عقب، حيث أن الصناعات زادت بشكل كبير، وبالتالي زادت نسبة مخلفات المصانع، وزادت نسبه ثاني أكسيد الكربون الموجود بالقرب من الغلاف الجوي، وأخيرًا زادت نسبة حموضة المحيطات نتيجة لامتصاصها لذلك الغاز، أي أن العملية برمتها ترجع إلى الثورة الصناعية وما حدث بها من زيادة هائلة في الصناعات وبالتالي المُخلّفات.

آثار حموضة المحيطات

كما ذكرنا من قبل، تُعتبر حموضة المحيطات من الأشياء التي ابتُلي بها العالم في القرن العشرين ومن المتوقع أن تكون فأل سوء حتى نهاية الظاهرة أو ربما نهاية العالم، لأن الأمر ليس بالهين، وبالفعل يتسبب في الكثير من المشكلات والآثار السيئة، والتي أهمها وأكثرها خطورة هو تهديد الشعب المرجانية.

تهديد الشعب المرجانية

تُهدد ظاهرة حموضة المحيطات الشعب المرجانية تهديدًا كبيرًا من بروزها، لكن ذلك التهديد تحول إلى خطورة فعلية مع بداية القرن الحادي والعشرين، حيث أثبتت الاحصائيات والدراسات أن الأثر الذي يتركه حموضة المحيطات يؤدي إلى ما يُسمى بابيضاض الشعب المرجانية، وما أدركم ما ابيضاض الشعب المرجانية.

عندما تتعرض الشعب المرجانية للابيضاض نتيجة حموضة المحيطات فهذا يعني أيضًا أنها ستُعاني من التسمم ومن ثَّم الموت، وبالتأكيد لا يُمكن تخيل أي بحر أو مُحيط دون وجود شعب مرجانية، لكن هذا ما ستنجح فيه ظاهرة حموضة المحيطات قريبًا، حيث من المتوقع ألا تستطيع تلك الشعب المقاومة لأكثر من مئة عام قادمة، بعدها سيُصبح المحيط خاليًا من أي شعب مجانية، وهو أمر سيغضب البشر كثيرًا في الحقيقة، هذا إذا تبقى أحد منهم ليغضب.

تهديد مزارع المحار

من الأشياء التي تأثرت كثيرًا بظاهرة حموضة المحيطات هي مزارع المحار الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، فقد كانت تلك المزارع تعتمد على مياه المحيطات لكن وجود الحموضة بها كان أشبه بالتلوث، مما تسبب في موت المحار وتكبيد المزارع التي تعمل بها خسائر فادحة.

كما ذكرنا، تدخل مياه المحيطات ضمن خزانات تغذية المحار، هذا قبل أن تظهر ظاهرة تحمض المحيطات، فقد تغير الأمر بعدها تمامًا، وأصبحت المياه لا تُفيد في تغذية المزارع بل تقتل المحار الموجودة بها، وليس هناك دليل على ذلك أكبر من الإحصائية التي خرجت من عشر مزارع مُجمعة وقالت إن الخسائر في المحار بالخمس سنوات الماضية فقط تجاوزت الخمسة وسبعين بالمئة، مما أدى إلى إغلاق عدد من المزارع يبلغ نفس النسبة من إجمالي المزارع الموجودة.

تهديد الكائنات البحرية

لم يتوقف تأثير ظاهرة حموضة المحيطات عند هذا الحد وحسب، بل أنه قد تسبب كذلك في قتل بعض الكائنات الحية الهامة في البحر مثل الجمبري وإناث القنفد، فقد أثرت عليهم حموضة المحيطات إلى الحد الذي جعلها أشبه بتهديد لوجودهم، والدليل على ذلك تناقص أعدادهم في السنوات الخمس الأخيرة أيضًا.

كان القنفد الأخضر يعيش في المحيطات بكل أمن وأمان قبل أن تحدث ظاهرة حموضة المحيطات، لكن بعد حدوث الظاهرة لوحظ قلة إنتاج القنفد الأخضر، والذي سُمي بذلك نتيجة لعيشه في الأماكن الخضراء بالمحيط، كما لوحظ أيضًا أن صغار هذا الحيوان لا يأخذون وقتًا طويلًا حتى يموتون دون أسباب معروفة، وعند دراسة هذه الظاهرة وتحليلها تبين أن نسبة الحموضة الموجودة في المحيط هي التي تتسبب بشكل مباشر في حدوث ذلك الأمر.

حلول للقضاء على الحموضة

هل القضاء على حموضة المحيطات أمر سهل؟ في الحقيقة هذا سؤال صعب، لأن إجابته لن تكون مُريحة للبعض، خاصةً أولئك الذين أدركوا الآن تأثير حموضة المحيطات الكائنات الحية المُختلفة، سواء تلك التي تتواجد في المحيط نفسه مثل الشعب المرجانية والجمبري والقنفد، أو تلك التي تعيش خارجه لكن تعتمد على مياهه.

في الحقيقة الحل يكمن في الوعي والشعور بالمسئولية تجاه ذلك الأمر، وهذا ما أكد عليه وزير الخارجية الأمريكية جون كيندي في المؤتمر الذي عُقد خصيصًا من أجل مناقشة هذه المشكلة التي ضربت العالم مؤخرًا واستوحلت حتى أصبحت تفوق الكارثة بكثير، فقد أكد كيندي في ذلك الاجتماع أن كل الدول مسئولة عن مواجهة هذه الظاهرة مثلما هي مسئولة تمامًا عن حدوثها، فكما ذكرنا في البداية، تحدث حموضة المحيطات جراء زيادة الانبعاثات التي تكون غالبيتها من غاز ثاني أكسيد الكربون، والذي يصطدم بالغلاف الجوي ثم يعود إلى المُحيطات مسببًا الحموضة، لذلك الحل ببساطة أن نُقلل من الانبعاثات التي تخرج من الأرض، وبالتالي ستقل الحموضة تلقائيًا.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

تسعة عشر + تسعة عشر =