تسعة بيئة
حشرات التربة
بيئة » التراب » حشرات التربة : كائنات دقيقة ضرورية لأي نشاط زراعي أو مُهلكة له

حشرات التربة : كائنات دقيقة ضرورية لأي نشاط زراعي أو مُهلكة له

حشرات التربة أحد أهم أضلاع العملية الزراعية، والحقيقة أن تلك الحشرات قد تحمل ضررًا للتربة كما هو متوقع وقد تحمل فوائد لها، فبعض الزراعات لا تتم إلا بها!

تُعتبر حشرات التربة الزراعية واحدة من المقومات الرئيسية للعملية الزراعية، وقد عرفت التربة الحشرات منذ أن عرف الانسان الزراعة، فهي ضلع رئيسي في العملية الزراعية كما ذكرنا، والحقيقة أننا عندما نتحدث عن حشرات التربة فإننا بذلك لا نعني تصنيفها بالحشرات المفيدة للبيئة أو الضارة له، فهناك تواجد للنوعين، ولهذا ظهرت الحاجة إلا ما يُعرف بالمبيدات الحشرية، والتي تكون مهمتها الأولى والوحيدة هي القضاء على الحشرات الزراعية وتخليص التربة منها، عمومًا، دعونا في السطور القادمة نتعرف سويًا على أهم حشرات التربة المتواجدة ودورها الهام في التربة الزراعية والعملية برمتها.

حشرات التربة الزراعية

حقيقةً قد يجد البعض صعوبة كبيرة في الاقتناع بأن الحشرات التي تظهر في الأرض الزراعية، والتي اتفقنا على تسميتها باسم حشرات التربة، قد تُسبب نفعًا للتربة أو تُسهم في تحسين العملية الزراعية بشكل عام، والواقع أن ذلك الاعتقاد قد ظهر واستوحل نتيجة للجهل بما يُمكن أن تُسببه هذه الحشرات من فوائد وما يُمكن أن تمنعه من كوارث، تلك الكوارث التي لولا وجود الحشرات لكانت سببًا في إنهاء العملية الزراعية بأكملها، وبعيدًا عن كل ذلك دعونا نسأل سؤالًا في غاية الارتباط بموضوعنا، وهو كيف ظهرت المبيدات الحشرية؟ أو فكرة ظهور المبيدات الحشرية على وجه التدقيق؟

ظهور المبيدات الحشرية

بلغ الارتباط الوثيق، بين حشرات التربة والعملية الزراعية بشكل عام، إلى أن المبيدات الحشرية التي نستخدمها الآن وجدت طريقها في الأصل بعد رؤية الحشرات الزراعية، فالإنسان قد استمد الأمر برمته بعدما رأى أن الحشرات الموجودة حوله قادرة على مساعدته في العملية الزراعية من خلال تخليصه من بعض الحشرات ضارة، لكن مع زيادة ذلك النوع الأخير من الحشرات استمد الإنسان فكرة وجود الحشرات المفيدة وقام بإنشاء المبيدات الحشرية الصناعية، والتي لم يعرف للأسف أنها ستتسبب في كلا النوعين من الحشرات، الضارة والمفيدة، وربما يتضح ذلك من المردود الضعيف الذي أصبحت الزراعة تُقدمه في الآونة الأخيرة، عمومًا، المهم الآن أن نعرف أهم حشرات التربة وفوائدها للنشاط الزراعي.

حشرات تفيد التربة

تنقسم حشرات التربة إلى ثلاثة أنواع رئيسية، النوع الأول هو حشرات التربة الزراعية التي تفيد التربة وتعمل على زيادة خصوبتها وانتاجها، أما النوع الثاني من الحشرات فهو ذلك النوع الضار الذي يعمل على العكس تمامًا من النوع الأول، فهو يضر بالتربة ويجعلها تفقد خصوبتها إضافة إلى قتل النباتات في مهدها أو على الأقل قلة الكفاءة الإنتاجية، وسف نتناول معًا خلال السطور الآتية أهم حشرات التربة المفيدة.

الدعسوقة، حشرة التربة الأولى

بالتأكيد إذا ما ذُكرت حشرات التربة الزراعية فإننا بالتأكيد مُجبرون على ذكر حشرة الدعسوقة، فهي تُعتبر أحد أهم الحشرات الموجودة في التربة الزراعية بشكل عام، بل إن النشاط الزرعي قديمًا كان يعتمد في الأساس على وجودها، أي أن الدعسوقة كانت تُعامل قديمًا مُعاملة المبيدات الحشرية حاليًا من حيث الأهمية والمكانة.

ظهرت الدعسوقة وظهر معها كل الخير للفلاح، فقد كانت تُلقب بصديقة الفلاح الأولى، ليس هذا فقط، بل أنهما كان يُشكلا ثُنائيًا مُتميزًا، فمثلًا الدعسوقة عندما تبحث عن الغذاء، ويبحث الفلاح عن طريقة للتخلص من الحشرات الموجودة بتربته فإن الحل الوحيد هو التقاء كلا الطرفين معًا، لأن غذاء حشرة الدعسوقة في الأساس يعتمد على الحشرات الزراعية الأخرى، أي أنها تأكل غيرها من الحشرات، مما يُساعد في تقليل أعدادها بشكل كبير، وهو ما يحلم به أي مُزارع بالتأكيد، لكن ذلك الحلم قد تهدد في الآونة الأخيرة بسبب ظهور المبيدات الحشرية الصناعية، والتي لم تعد تُفرق كما ذكرنا بين الحشرات المفيدة للتربة أو الضارة له، لتذهب الدعسوقة ضحية للتقدم الصناعي في العملية الزراعية ويخسر الفلاح أحد أهم أصدقائه وأكثرهم فاعلية وتأثير.

بق الزهور، مفترسة الحشرات الضارة

ليس من المهم أن تكون مفيدًا بقدر أن تكون قادرًا على منع أسباب الضرر، وهذا ما تفعله حشرة بق الزهور بالضبط، فتلك الحشرة التي تمتاز باللون الأحمر الذي يميل إلى البني تمتاز بقدرتها الفائقة على التخلص من الحشرات الأخرى التي من شأنها زلزلة النباتات وإحداث الأضرار الوخيمة بها.

بق الزهور في الأصل حشرة صغيرة الحجم بصورة كبيرة، لكنها على الرغم من حجمها الكبير تأكل كل الحشرات الأخرى الموجودة في التربة، وذلك مثل اليسروعات والعث وبق الكاسد وحشرات المن، وذلك في أوقات محددة هي فصلي الربيع والخريف، والحقيقة أن قيام بق الزهور بأكل هذه الحشرات ليس نابعًا من حبها للمزارع ورغبتها الشديدة في خدمة التربة الزراعية، وإنما فقط من أجل التغذي عليها، فهي الغذاء الأول لها، وبدونها قد تهلك وتفنى، أي الأمر أشبه بتبادل المنافع.

ذبابة النمس، قرينة الدبابير

ثمة حشرة أخرى من حشرات التربة المفيدة تسمى حشرة ذبابة النمس، هذه الحشرة من حيث الشكل تأخذ اللون البني وتقترب كثيرًا من هيئة الدبابير، ولذلك يُطلق عليها البعض اسم حشرة الدبور، لكن، بغض النظر عن الاسم، فإن حشرة النمس هذه تساعد المزارع كثيرًا في القيام بمهمته على أكمل وجه.

مهمة النمس الأولى هي إنهاء وجود اليسروعات، فهي لا تستهدف سوى غيرها، والواقع أن اليسروعات تعتبر من أكثر الحيوانات ضررًا على التربة، لذلك يجد المزارعين علاقة تبادل منافع مشتركة بينهم وبين النمس، فهي تأكل اليسروعات لأنها الغذاء الرئيسي لها، بينما تُخلصهم من نفس الحشرة وهي الداء الأخطر على زروعهم، ولكن يجب التنبيه أن تواجد ذبابة النمس لا يكون بالشكل الكافي، لذلك يسعى البعض إلى استدعائها من خلال زراعة النبتات الجاذبة لها، وهي الشمر أو الشبت، وبالطبع لا مانع من زرع هذين النوعين لقاء الحصول على الخدمات الجليلة لحشرة النمس الرائعة.

حشرات تضر بالتربة

على العكس تمامًا من حشرات التربة الزراعية التي تعمل على تحسين جودة الزراعية والعملية برمتها نجد أنه ثمة بعض الحشرات التي لا تتسبب في نفع النبات بل تؤدي إلى تدميره وإلحاق الأذى به، لذلك نجد أنها منبوذة من المُزارع الذي يسعى دائمًا للتخلص منها بشتى الطرق، وعلى رأس هذه الحشرات بالتأكيد حشرات المن، والتي نسميها نحن بقمل النبات.

حشرات المن، أجسام صغيرة وأضرار كبيرة

على الرغم من صغر حجم حشرات المن الذي جعلها تتشبه بالنمل إلا أنها تُمثل خطرًا هائلًا على البيئة والعملية الزراعية يجعلها على قائمة أكثر الحيوانات خطورة، فتلك الحشرة تُخرج من فتحة شرجها مادة تُشبه العسل، تلك المادة تجذب النمل الأسود من كل حدب وصوب، كما أنها تُفرز الفطر الأسود، والذي يتسبب بالتبعية في سد الثغور الموجودة داخل النباتات، والتي بالتأكيد تُسبب ضررًا كبيرًا قد يتطور إلى تلف النبتة بأكملها، والحقيقة أن أهم ما يعنينا من معرفة هذه الحشرات هو التعرف على النباتات التي تستهدفها بشكل خاص وطرق التخلص منها.

ضحايا حشرات المن

حشرات المن التي تُعد أبرز حشرات التربة الضارة تستوطن عدة أنواع من النباتات منها القطن والباذنجان والبصل ونباتات الزينة والسمسم والخيار والتين والخرشوف، وغيرها الكثير من النباتات والثمار والخضروات، مما يجعل خطرها غير محدود أو متوقع، وإنما تأتي فقط بالتدمير الشامل، وهي تُداهم النباتات المذكور في شهور مايو ويونيو ويوليو، والحقيقة أن ذلك الانتشار يرجع في الأصل إلى التنظيم التي تتبعه حشرات المن، فهي تُقسم نفسها إلى فرق ومجموعات، كل مجمعة لها مهمة محددة ومساحة معينة تُسمى بالمستعمرة، حيث يحدث فيها ثقب النباتات وإفراز مواد من شأنها تقليل الإنتاج، وبالرغم من أن المُزارعين يكون مغلوب على أمرهم إلا أنهم يُحاولون المقاومة من خلال مبيدات مثل ادمير واكتار.

تربس القطن، قاتلة النبات

هذه الحشرة لا تعتبر فقط من حشرات التربة الضارة، بل إنها الأكثر ضررًا على الاطلاق، فعندما تُصيب تربس القطن النبات لا تتسبب في إفقاده لجودته أو تقليل إنتاجه، وإنما تقضي عليه مرة واحدة، حيث يقال إنها تشرع مباشرةً في امتصاص الفائدة الموجودة به، وتربس القطن في الأساس تأخذ شكل ورقة خضراء جافة بها بقع فضية باهتة، والحقيقة أن ضحايا هذه الحشرة كُثر، لكن أبرزهم ثلاثة ثمار رئيسية، الفاصوليا والخيار والفلفل الأخضر، وبالطبع جميعنا يعرف أهمية هذه النباتات الاقتصادية والغذائية، لذلك كان من الأولى البحث عن طرق للتخلص من هذه الحشرة المميتة.

القضاء على تربس القطن

لكي نقضي على تربس القطن ثمة بعض الحلول يجب الأخذ بها، أهمهما على الاطلاق وأكثرها أهمية هي الاهتمام بالري، وخاصةً قبل الزراعة، فري التربة قبل الزراعة بشكل غزير يُسهم في إهلاك هذه الحشرة حتى قبل انتشارها، وهناك أيضًا متابعة التربة وتتبع الحشائش بغية التخلص منها، أما السماد فهو أمر يعول عليه كذلك في عملية التخلص من تربس القطن، لكن يجب أن نراعي تقوية ذلك السماد جيدًا كيلا يكون من الممكن اختراقه بسهولة، فمع كثرة الأعداد يُمكن هزيمة السماد، لكن إذا كان قويًا وغزيرًا فبالتأكيد لن يجرؤ شيء على مواجهته، وإضافةً إلى كل الحلول السابقة هناك بعض المواد التي يمكن رشها ويتوقع أن تؤدي إلى نتيجة إيجابية، وذلك مثل كرد اويل واكتلك وغيرهما.

حشرات التربة المنزلية

التربة المنزلية مثلها مثل التربة العادية، فالذين يقومون بزراعة بعض النباتات في بيوتهم بالطبع يعانون من وجود بعض الحشرات، والتي تختلف في الغالب تلك التي تتواجد في التربة العادية، وإذا ما تناولنا مثلًا أشهر الحشرات التي يُمكن أن تُصيب حشرات التربة المنزلية فسنجد أن النمل يتصدر هذه القائمة، سواء كان ذلك النمل أسودًا أو أحمرًا، فهو في النهاية يستطيع ثقب الجذور، ليس ذلك فقط، بل إنه كذلك قادر على العيش بداخلها لفترة طويلة دون أن يكتشف أحد وجوده.

الحشرة البنية والقواقع والبزق كذلك يدخلون ضمن هذه القائمة، فهم يستهدفون النباتات المنزلية دون غيرها من النباتات، لكنهم لا يستهدفون الجذور مثل النمل، ولكن يذهبون إلى الورق مباشرةً، حيث يأكلونه أو يثقبونه على الأقل، وكلا الحالتين بالطبع لن ينال النبات سوى الموت والدمار، ولعلاج التربة المنزلية من حشرتها تُستخدم بعض المبيدات الدقيقة، كما يمكن رش التربة بمحلولي الماء أو الصابون، وهما يختلفان عن الصابون والماء الذي نعرفه، والحقيقة أنه مع الوقت تظهر أدوية كثير للداء الذي يصيب التربة المنزلية، لكن تظل المحافظة والحرص أهم أسباب العلاج على الاطلاق.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

ثمانية عشر + 6 =