تسعة بيئة
لتخلص من الحيوانات الميتة
بيئة » التلوث » ما هي أنسب أساليب التخلص من الحيوانات الميتة من الناحية البيئية؟

ما هي أنسب أساليب التخلص من الحيوانات الميتة من الناحية البيئية؟

التخلص من الحيوانات الميتة أحد أبرز المشاكل التي تواجه البشر، فالحيوانات قبل موتها تُسمى بالثروة الحيوانية، لكن ما إن تلقى حتفها فإنها تُصبح نقمة على البشر.

ربما يكون في اعتقادكم أن التخلص من الحيوانات الميتة أمر سهل، لكن الحقيقة أنه يُعتبر من أهم المعضلات التي تواجه البشر، لأن ذلك الأمر يتم من خلال عدة طرق، وكل طريقة بالتأكيد لها مُميزاتها وعيوبها، ليُصبح الوضع في النهاية أشبه بالتضحية الواجبة، وبالطبع جميعنا يعرف أن طرق الحرق والدفن والتحليل من أهم طرق التخلص من هذه الحيوانات، لكن في نفس الوقت لا نعرف كيف يتم تنفيذ الطريقة بالضبط، عمومًا، في السطور القادمة سوف نتعرف سويًا بالتفصيل على أهم طرق التخلص من الحيوانات الميتة، كما سنعرف أيضًا مخاطر ومميزات كل طريقة وأثرها المُحتمل على البيئة.

الحيوانات الميتة

لكي نُضطر إلى البحث عن طرق التخلص من الحيوانات الميتة فإننا أولًا نكون في حاجة إلى تواجد هذه الحيوانات من الأساس، والحقيقة أنه ليس كل موت للحيوانات يحتاج إلى التخلص منها، فمثلًا، الموت الطبيعي، والذي يكون بالطرق الطبيعية كالذبح للتناول على الطعام أو ما شابه، لا يحتاج أبدًا إلى طرق للتخلص منه، لأن الحيوان يُصبح مجرد لا شيء بعد تناوله في الوجبات، أما ما تبقى منه كالريش مثلًا فإن التخلص منه يُصبح أسهل مما يُمكن، وبذلك يتضح لنا أن ذبح الحيوان لتناوله كطعام واحدة من أبرز وأصح طرق التخلص من الحيوانات الميتة، لكن، بخلاف ذلك، كأن يموت الحيوان جراء مرض أو حادث، ففي هذه الحالة يُصبح لدينا جثة، ويكون لزامًا علينا البحث عن طرق للتخلص منها.

كيفية التخلص من الحيوانات الميتة

كما ذكرنا، التخلص من الحيوانات الميتة أو النافقة ليس بالأمر السهل أبدًا، وإنما يلزمه الكثير من التفكير وحساب الخسائر والأرباح، لأن الطرق كما ذكرنا كثيرة، الفارق أنه يجب الانتباه جيدًا إلى الوقت المناسب لاستخدام كل طريقة، عمومًا، سوف نقوم الآن باستعراض أبرز الطرق وما أثبتته من نجاح أو فشل، وبالتأكيد ليس هناك طريقة، للتخلص من أي كائن حي عمومًا، أشهر من الدفن.

الدفن، أشهر الطرق

تُعد طريقة الدفن من أشهر طرق التخلص من الحيوانات الميتة، والحقيقة أنها ليست الأشهر فقط، وإنما الأقدم على الاطلاق كذلك، فيكفي أن نقول مثلًا بأن أول كائن حي تم قتله على الأرض كان ابن سيدنا أدم قابيل، ولقد انتظر هابيل حائرًا مما يجب أن يفعله بجثة أخيه، حتى جاء غرابين واقتتلا أمامه ثم حفر الحي منهما حفرة صغيرة ودفن بها الميت، ليهتدي البشر منذ ذلك اليوم إلى طريقة الدفن، وتكون الحيوانات أول من استخدمها على الاطلاق.

طريقة الدفن في الواقع استمدت أفضليتها وشهرتها من ذكرها في القرآن، كما أنها كانت الطريقة التي علّم الله بها البشر كيفية التخلص من الجثث، وما زال المسلمون يسيرون بها حتى الآن، بل إن الأنبياء جميعًا قد احتذوا به، ويُعتقد أن طريقة الدفن تضمن للحيوان، أو الكائن المدفون عمومًا، الكرامة والخلود، وذلك ببساطة لأنه يتحول إلى مواد عضوية في الأرض، وفي نفس الوقت لا تفوح منه الرائحة الكريهة أو المُنفرة منه، ولذلك تُعتبر هذه الطريقة هي الأكثر استخدامًا، لكن، مثل كل شيء، مع كثرة التخلص من الحيوانات الميتة، أصبح الدفن أمر صعب بسبب صغر المساحة، وكان لابد من البحث عن طريقة أخرى مُساعِدة، وإن كان حكم دفن الحيوانات في الإسلام لا يُرجح ذلك.

دفن الحيوانات في الإسلام

طريقة الدفن في الإسلام طريقة شرعية ومُحبذة بلا أدنى شك، بل إن الإسلام قد يُحرّم بعض الطرق الأخرى، وهذا الأمر ينطبق على الإنسان قبل الحيوان، فنحن نرى مثلًا بعض العقائد الفاسدة مثل البوذية وهي تحث مُتبعيها على حرق أجسادهم بعد موتهم، وهذا من أجل اعتقادهم بأن الله عز وجل لن يكون قادرًا على جمعهم مرة أخرى، وهذا اعتقاد خاطئ بالتأكيد جعل الإسلام يمنع مثل هذه الطرق ويُجيز طريقة الدفن، فالأنبياء قد دُفنوا من قبل، وتلاهم الكثير من البشر، ثم جاء الدور على الحيوانات لتمر بنفس هذه السنة، لكن إذا ما لم يكن الدفن مباحًا فإن التطرق إلى طريقة أخرى أمر جائز.

التحلل العضوي، طريقة مُوفرة

تعتبر طريقة التحلل العضوي طريقة شهيرة من طرق التخلص من الحيوانات الميتة، والحقيقة أن شهرة هذه الطريقة وانتشارها جاء من قدرتها على التخلص من جثة الحيوان الصلبة دون أخذ مساحة أو إحداث تلوث كبير في البيئة، فهي تُفقد الجثة أكثر من ثلاثة أرباع حجمها، وكأنها تُبخرها للهواء دون أن تُحدث أي تأثير فيه، وهو ما يُمكن اعتباره بالطبع عبقرية شديدة وطريقة غير تقليدية للتخلص من الجثث النافقة.

تعتمد طريقة التحلل العضوي بشكل كبير على التخمرّ، وأيضًا المواد الدقيقة التي تكون متواجدة ضمن المكونات الخاصة بهذه العملية، والحقيقة أنه مع مباشرة العملية تبدأ المواد الموجودة في جسم الجثة بالتحلل، بل ويتحول أغلبها إلى مواد مفيدة مثل المواد المُستخدمة في السماد العضوي، والواقع أن تلك الطريقة يُمكن وصفها بطريقة إعادة الكائنات إلى حجمها الطبيعي، وهو ما يظهر من حجم النفايات الذي تُخلّفه، والذي لا يتجاوز الخمسة وعشرين بالمئة من الحجم الطبيعي.

طريقة الهضم والإذابة، التعذيب المُقزز

في الحقيقة تعتبر طريقة الهضم والإذابة من أكثر الطرق التي تجعل الحيوان النافق يتعرض للتعذيب حتى بعد موته، فهي تقوم على جمع الجثث المراد التخلص منها في حوض فولاذي كبير، ذلك الحوض يزود بالمواد التي تجعل من عملية الانصهار عملية في غاية البساطة، ثم بعد ذلك يُغلق الحوض وتُترك الجثث فيه مدة لا تزيد عن النصف الساعة، بعدها سنرى أن إجمالي مساحة ما وضعناه في الحوض لم يتبقى منها سوى الربع أو النصف على الأقل، أما الباقي فقد تمت إذابته وهضمة بفعل الانصهار ودرجة الحرارة العالية.

السائل القلوي الذي يوضع داخل هذه الأحواض يتميز بأنه عندما يتخلص من الجثث الموجودة به فإنه في نفس الوقت لا يترك أي آثار ضارة على البيئة، بل إنه يُقلّص الحجم بطريقة صحية إلى حدٍ كبير، وربما هذا ما دفع أغلب الدول الأوروبية إلى الاعتماد على هذه الطريقة في التخلص من الجثث باعتبارها الطريقة الأحدث والأكثر أمنًا، لكن من الناحية الإنسانية فسنجد أنها بالتأكيد بشعة ومُقززة للغاية.

الحرق، الطريقة الأكثر جدلًا

بالرغم من أن طريقة الحرق تُعتبر من أقدم وأكثر طرق التخلص من الحيوانات انتشارًا إلا أنها قد لاقت ردود فعل متفاوتة منذ بدء العمل بها وحتى الآن، وتتم طريقة الحرق بأن تُجهز المحارق الكبيرة المُعدة سلفًا من أجل ذلك الغرض وتوضع فيها جثث الحيوانات، أو أن يتم إضرام النيران في الجثث من خلال مواد الإشعال الشهيرة، والحقيقة أن كلا الطريقتين في النهاية يؤديان إلى نفس الغرض، وهو تقليص حجم الجثث وإعادتها إلى المعدل الأقل من الطبيعي.

بدأت طريقة الحرق منذ بدء البشرية، والواقع أن لم تكن مقتصرة على الحيوانات فقط منذ ظهورها، فقد عانى البشر أيضًا من هذه الطريقة وتم التخلّص من جثثهم بها، كما أن البعض كان يتم التخلّص منه حيًا، عمومًا، مع الاختلاف على هذه الطريقة وكثرة الجدل المثار حولها كان لابد من التعرّف على السلبيات والإيجابيات الخاصة بها.

سلبيات وإيجابيات الحرق

إذا ما سلّمنا بأن طريقة الحرق من أكثر طرق التخلص من الحيوانات الميتة انتشارًا فإننا الآن مجبرون على تناول سلبيات وإيجابيات هذه الطريقة، ولنبدأ مثلًا بالإيجابيات، فطريقة الحرق إذا جرت بطريقة سليمة وصحية فإنها تكون الأسرع والأقل تكلفةً وضررًا، كذلك نستغني عن عملية معقدة مثل الفرز والفصل لأن كل شيء يتعلق بجثث الحيوانات يتحول إلى رماد، أما الخطورة فهي أمر شبه معدوم، لأننا عندما نحرق الحيوان نُفنيه دون تدخل منا في الأمر، بل نترك النار تُباشر عملها، والشيء الأهم على الاطلاق هو تكلفة هي الطريقة والتي تكاد تكون لا شيء يُذكر.

سلبيات طريقة الحرق بالرغم من قلتها إلا أنها خطيرة جدًا، حيث تجدر الإشارة إلى أنه إذا تم الحرق بطريقة غير سليمة فسوف نكون أمام كارثة حقيقية وضرر كبير متوقع حلوله بالبيئة، كل ما مضى ولم نتحدث بعد عن الشيء الأهم تناوله فيما يتعلق بهذا الصدد، وهو الحكم الإسلامي لحرق الحيوانات بعد موتها.

حكم حرق الحيوانات بعد موتها

الأصل في الشريعة الدفن، سواء كان الميت حيوان أو إنسان، وهذا ما جرى عليه الأمر منذ أن دفن الغراب شقيقه أمام أبناء سيدنا أدم، لكن البعض قد يضطر إلى الحرق نظرًا لأنه لا يملك خاصية الدفن، وقد يحدث ذلك الشيء بسبب ضعف الإمكانيات أو عدم إتاحة الأماكن القائمة للدفن، أو أن يكون المكان المُقيم به الشخص الذي يُريد الدفن لا يسمح بذلك ويُعاقب من يُقدم على ذلك الفعل، وهنا يُصبح حرق الحيوانات بعد موتها جائزًا، لأنه في النهاية لا يُكلّف الله أي نفس سوى ما بوسعها القيام به، لكن إذا كان كل شيء مُتاح ومُصرّح به فإن الدفن أولى دون تردد أو تفكير.

البيئة والأضرار المحتملة

هناك سؤال يغفله البعض أو يتغافل عنه، وهز في الواقع سؤال هام جدًا، إلى أي متى يُمكن أن تستمر البيئة في مقاومة كل هذا العبث؟ الإجابة ببساطة بالكاد قرن واحد أو قرنين، فالأمر أصبح يتجاوز الحد المعقول أو الممكن ووصل إلى مرحلة الغير مُبرر، ولكم أن تعلموا مثلًا أن نسبة التخلص من الحيوانات الميتة تزداد عام تلو الآخر بما لا يقل عن عشرين بالمئة، وهذا بالتأكيد راجع إلى زيادة نسبة الحيوانات الميتة في الأساس، وبالاستقصاء مرة أخرى سنجد أن نسبة الحيوانات الميتة في ازدياد بسبب كثرة الأمراض في الهواء، وهذا ما يأخذنا إلى السؤال الأهم، لماذا تزداد الأمراض؟

إذا ما راجعنا الكرة وأخذنا الخيط من بدايته فسنجد أن الحيوانات تموت بسبب الأمراض والأمراض تكثر بسبب ملوثات الهواء المختلفة، والتي على قائمتها التخلص من الحيوانات الميتة بصورة غير صحية، أي أن الأمر ضار لنفسه بنفسه، وهو ما لا يُريد أحد الاستماع له أو الالتفات إليه، الكل يريد فقط تنظيف بيته أو البيئة المحيطة به من الأضرار التي قد يُسببها تواجد حيوان ميت في محيطه، لكن أن يسأل ما الذي سيؤدي إليه هذا التصرف فيما بعد وكيف؟ فهذا أمر لا يحدث، والبيئة بالتأكيد لن تتحملنا للأبد، بل سيأتي بالتأكيد الوقت الذي ستُعلن التخلي عنا فيه، وهو وقت النهاية بلا شك.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

خمسة × أربعة =