تسعة بيئة
نبات البردي
بيئة » التلوث » كيف يستخدم نبات البردي في التحكم في التلوث المائي؟

كيف يستخدم نبات البردي في التحكم في التلوث المائي؟

نبات البردي نبات هام جدًا ظهر قبل قرون طويلة في قارة أفريقيا، والحقيقة أن الفائدة الأولى لهذا النبات كانت تكمن حتى وقت قريب في الاستخدام بصناعة الورق.

يُعتبر نبات البردي أحد أهم النباتات الموجودة في العالم، هذا على الرغم من أنه في الأصل لا يُستخدم بكثرة في أغراض الطعام والشراب مثل باقي النباتات، وإنما هو النبات الرئيسي لصناعة الورق، بل إن صناعة الورق قد بدأت من خلال ذلك النبات، لكن مع ذلك لم يكن ذلك النبات خادمًا للبيئة بشكل كبير، فالأشجار كذلك يُمكن أن تُستخدم في صناعة الورق، وقد استمر ذلك الاعتقاد حتى ظهر في الآونة الأخيرة الأهمية الأكبر لنبات البردي، وهي تكمن في قدرته على معالجة المياه والتحكم في تلوثها، بمعنى أدق، أصبح الماء يحظى بقدر أكبر من الأمان بسبب وجود ذلك النبات، عمومًا، دعونا في السطور القادمة نتعرف سويًا على نبات البردي وأهميته من حيث الصناعة المتمثلة في الورق وأيضًا الأهمية البيئية الكامنة في القدرة على التحكم في تلوث الماء.

ما هو نبات البردي؟

عندما ترى نبات مائي، يبلغ من الطول أربعة أمتار على الأقل، ولا تتواجد به أي أوراق، وأيضًا يأخذ اللون الأخضر فاعلم على الفور أنك أحد أعظم النباتات وأقدمها على الاطلاق، إنه نبات البردي العتيق.

نبات البردي كما ذكرنا نبات طولي أخضر له سيقان لا تقل عن الثلاثين سنتيمتر، ويتميز ذلك النبات بأنه يطول ويقصر حسب الطقس، فمثلًا في الصيف يُصبح أطول بكثير مما كان عليه في الشتاء، والعكس صحيح، كما أن يأخذ اللون الذي يقترب من الصفرة في فصول الخريف والربيع، لكن، هل ما ذكرناه الآن هو كل شيء يتعلق بذلك النبات المُزهر المُبهر، أم لا تزال هناك معلومات وأمور تاريخية أخرى عنه؟ بالتأكيد هناك الكثير والكثير.

تاريخ نبات البردي

في الحقيقة يمتلك نبات البردي تاريخ طويل وحافل، فبالإضافة إلى أنه يُعتبر أحد أعرق النباتات وأقدمها يُعتبر كذلك النبتة الأولى لفكرة الورق، ولن نبالغ إذا قلنا إنه يمتلك الفضل الأكبر في فكرة الكتابة بشكل عام، فعندما نتحدث عن بداية الكتابة نجد أنها كانت على الأحجار، وأمر لم يكن يسمح له بالتطور والانتشار بالتأكيد، لكن مع الوقت ظهر نبات البردي وأصبح مثل الطائر الذي حمل الكتابة على عاتقيه ونشرها في كل مكان.

يُعتبر نبات البردي كذلك من ثوابت تاريخ المصريين، بل والافريقيين بشكل عام، فقارة أفريقيا كانت ولا تزال الحاضنة الأولى له، والواقع أن الحديث عن نبات البردي باعتباره نبات يبدأ بكون الطعام الوحيد لبعض سكان العالم الأول قديمًا، لكن إذا تحدثنا عنه كقيمة وأهمية كبرى لا يُمكن لأحد نكرانها فإننا في هذه الحالة سنتطرق للحديث عن ورق البردي.

معلومات عن ورق البردي

إذا قلنا إن ثمة فارس تمكن من حمل لواء الكتابة ورفعه عاليًا والالتزام بمسئولية نشره في كل مكان فإننا في هذه الحالة نتحدث عن ورق البردي، والذي تتم صناعته كما هو متضح من الاسم عن طريق نبات البردي.

ظهر ورق البردي في مصر لأول مرة، وذلك على يد الفراعنة، والذين كان لهم السبق بالتبعية في حفظ عملية الكتابة ونشرها، والقصة ببساطة بدأت بملاحظة أحد العوام أن طبقة نبات البردي الذي يمر بها يوميًا في الحقول جيدة إلى الحد الذي يجعلها تتحمل النقش عليها وفي نفس الوقت ليست ثقيلة الوزن مثل الأشياء التي كانت تُستخدم في الكتابة بهذا الوقت، ومن هنا بدأ التركيز على النبات وأُنتجت منه الأوراق المُصدرة للدول المجاورة وفي كل قطر من العالم كذلك، ولابد أن ورق البردي كان يمتلك العديد من المميزات التي تؤهله لذلك الانتشار الكبير الذي حظي به.

مميزات ورق البردي

لم يكن الانتشار الكبير الذي حظي به ورق البردي شيء طبيعي بالنسبة لورق مصنوع من نبات، بل بالتأكيد كان ثمة بعض المميزات التي تُرجح ورق البردي عن باقي الأوراق، ولنذكر منها مثلًا الاستخدام في عمليات الدفن ولف الموتى، أجل، فمع فتح بعض التوابيت الفرعونية القديمة اكتُشف أنها كانت تعج بورق البردي، وبالتأكيد كان لذلك الورق يد في عمليات التحنيط وما شابه، لكن التاريخ لم يذكر لنا ذلك بكل أسف.

أيضًا من ضمن المميزات التي حظي به ورق البردي سعره الرخيص نسبيًا، وأيضًا توافره الكبير، فقد كان نبات البردي من أكثر الزروع في مصر بعد القمح، لذلك كان من السهل جدًا نشره بين الأقطار، وقد ثبت أن حضارة الإغريق، والتي كانت أحد أعظم الحضارات في ذلك الوقت، استخدمت نبات البردي في المسائل القانونية والمعاملات التجارية وشئون الحكم، وأخيرًا يجب أن نذكر أحد أهم مميزات ورق البردي التي قد يغفل عنها البعض، وهي أنه قابل لأن يُصنع بسهولة.

كيفية صناعة ورق البردي

صناعة ورق البردي تُعد من أسهل الصناعات في العالم من حيث الطريقة، والحقيقة أننا إذا كنا مُنصفين بحق فيجب علينا إرجاع ذلك التميز إلى ذكاء المصريين وقدرتهم على ابتكار طرق سهلة وغير معقدة، عمومًا، تبدأ عملية الصناعة بتجميع قصبات نبات البردي، وهي التي يكون في أسفل النبات، ثم بعد ذلك يتم تقطيع القصبات قطع متساوية ووضعها جنبًا إلى جنب، ثم بعد ذلك، وإذا كانت هناك رغبة في زيادة السمك، فإنه من الممكن جدًا وضع طبقة أخرى من قصب نبات البردي فوق هذه الطبقة، شريطة أن توضع بطريقة عكسية.

بعد أن يحدث التراص بالطريقة المذكورة آنفًا يأتي دور الخطوة الثانية، وهي وضع البردي المجهز في مياه النيل لمدة معينة يتم تحديدها حسب طبيعة الجو، والغرض من هذه الخطوة لص القصبات ببعضها حتى تُصبح لدنة، ثم بعد ذلك تخرج إلى الشمس وتترك فترة معينة أيضًا، وفي النهاية يتم طرقها من أجل جعلها صالحة للكتابة والاستخدام، ولا يأخذ كل ذلك أكثر من يوم واحد، وهو مُعدل جيد جدًا في الحقيقة مقارنةً مع عملية صناعة الورق من خلال الأشجار.

نبات البردي عند الفراعنة

كما ذكرنا، كان نبات البردي عند الفراعنة أشبه بمسألة حياة أو موت، فوجود ذلك النبات بجوار القمح والماء أمر كافي جدًا من أجل تسيير الحياة، وطبعًا لم يكن الغرض من ذلك النبات الأكل فقط، وإلا فالنباتات الصالحة للأكل كثيرة جدًا ومتوفرة، وإنما كان الأمر يتعلق بصناعة الورق، الصناعة الأهم قديمًا.

مع اكتشاف الفراعنة لطريقة صنع الورق من ذلك النبات الساحر بدأت الناحية التجارية تتحسن إلى حدٍ كبير، فعمليات التصدير لورق البردي كانت لا تتوقف، العالم كله بالتأكيد كان يطمح في تجربة الورق المُلهمة التي أتاحت الفرصة لتوثيق الأحداث التاريخية وحفظ العلوم والفنون، أما الفراعنة فلم يقتصر حبهم لنبات البردي على الطعام والكتابة فقط، وإنما استخدموه استخدام ثالث نظرًا لأهميته وتأثيره، ذلك الاستخدام كان بجعله إلهًا للخير، وبالتأكيد جميعنا يعرف أن الفراعنة قديمًا كانوا يُعبرون عن امتنانهم للأشياء الهامة بجعلها آلهة لهم.

نبات البردي المصري

إذا تكلمنا من ناحية التميز فإن نبات البردي المصري سوف يحل بلا شك على رأس قائمة الأفضل من حيث الزراعة والجودة، وليس هناك دليل أكبر على ذلك من كثرة الطلب عليه من باقي الدول وكثرة الزراعة فيه من المصريين، لدرجة أنه كان في وقت من الأوقات يُعادل القمح من حيث المزروعة، وهو أمر لو تعلمون عظيم، لأن القمح كان ولا يزال النبات الأول في مصر والثاني عالميًا بعد الأرز.

في الحقيقة ظل البردي المصري صامدًا لوقتٍ طويل حتى جاءت ثورة ورق الأشجار وزلزلت العرش الخاص به، حتى قل إنتاجه وتصديره، وطبعًا ذكرنا كثيرًا أن الأمر إذا كان يتعلق بالطعام فإن النباتات التي تصلح للطعام كثيرة جدًا، لكن إذا زالت أهمية الورق المصنوع من البردي فإننا بالتأكيد في حاجة إلى مراجعة مكانة ذلك النبات، وهل لا تزال كما هي أم أنها قد تأثرت كثيرًا وأصبحت تفقد رونقها؟ هذا السؤال كان يُسأل في القرنين الماضيين وكانت إجابته ليست في صالح البردي بالمرة، هذا قبل أن يظهر الاستخدام الأهم له، والذي منح له الحياة من جديد.

الماء وهبة الحياة

بالتأكيد لا أحد يختلف على أن الحرب هي حرب البقاء، وأن البقاء لن يحصل دون وجود الماء، ومع قلة المخزون من ذلك الماء، خاصةً الصالح منه للشرب، فإننا نجد أنفسنا أمام حاجة مُلحة بأن نُوفر كل قطرة مياه ونسعى إلى إصلاح ما فسد وما يُمكن أن يكون فاتحة خير على العالم بأكمله، ببساطة شديدة، نحن نتحدث عن المحافظة على المياه المُتبقية ومحاولة مُعالجة المياه الملوثة كي تتحول إلى مياه نظيفة صالحة للاستخدام مرة أخرى، وبالطبع كل ما مضى كلام معسول جميل يُقال في كافة المؤتمرات الدولية والاجتماعات المعنية بالحفاظ على العالم من الاندثار، لكن لابد أنكم تسألون سؤالًا واحد يدور في ذهنكم بشدة الآن، ما علاقة كل ما مضى من حديث عن مياه ملوثة بنبات البردي؟

نبات البردي والمياه الملوثة

علاقة نبات البردي بما سبق علاقة وطيدة ومُترسخة، فمنذ عدة سنوات تمكن بعض الخبراء المصريين بالاشتراك مع نظرائهم البريطانيين من إيجاد رابط بين نبات البردي والمياه الملوثة، حيث يمتلك الأول بعض المواد في أوراقه تجعله قادرًا على معالجة ما أصاب المياه من تلوث، وهو ما يُمكن نعته بكل أريحية بأنه المعجزة الأهم خلال العقد الحالي.

يمتلك نبات البردي قدرة خاصة على امتصاص جميع أنواع الملوثات وتقليل أعداد البكتيريا الموجودة بها، حيث ترفع النسبة المتوفرة من الأكسجين وتحول مادة سامة مثل النيتروجين إلى مادة خالية من السموم، ببساطة شديدة، يمتلك البردي القدرة على تحويل مواد ضارة لا طائل منها إلى مواد نافعة، وذلك من خلال نزع الملوثات منها، وإذا ما طبقنا ذلك الإعجاز على الماء الملوث فنحن نتحدث عن نزع التلوث أو إبطاله وإحلال الماء النظيف النقي بدلًا منه، إنها عملية تدوير عبقرية إذًا لا تحتاج منا سوى الانحناء أمام عظمتها.

إجراء التجربة

كانت فكرة معالجة المياه الملوثة عن طريق نبات البردي مجرد فكرة موجودة على الأوراق حتى وقت قريب، لكن، منذ عدة سنوات بدأ العمل على تجريب الأمر باستخدام أحدث المعدات، وبالطبع لن تتعجبوا عندما تعرفوا أن مصر هي المكان الذي تم اختياره للتجربة، وبالتحديد منطقة أبو عطوة الموجودة بمحيط القناة، وتبرير ذلك الاختيار بالتأكيد يكمن في وجود الكثير من محصول نبات البردي في مصر بما يكفي لإجراء التجربة، والتي نجحت بالفعل ومن المنتظر تعميمها لاحقًا.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

خمسة عشر + 12 =