تسعة بيئة
تلوث المياه
بيئة » التلوث » تلوث المياه : هل يؤثر التلوث المائي على الأراضي الزراعية ؟

تلوث المياه : هل يؤثر التلوث المائي على الأراضي الزراعية ؟

بالطبع تلوث المياه أمر سئ في أي مكان يحصل فيه، لكن هل تأثير تلوث المياه على الأراضي الزراعية كبير لدرجة تهدد هذه الأراضي؟ في السطور التالية نكتشف ذلك.

يُعد تلوث المياه من أهم الأضرار التي تُؤثر على الأراضي الزراعية والإنسان عمومًا، فالنباتات، باعتبارها واحدة من الكائنات الحية، تحتاج دائمًا إلى مياه نظيفة، أو غير حاملة للسموم على الأقل، وذلك لأن الفواكه والخضروات التي تُسقى من هذه المياه لن تكون بالطبع كتلك التي تُسقى من مياه نظيفة خالية من الكيماويات والسموم، فالفلاح بالتأكيد لا يعرف أن الزروع التي تفسد منه عند الحصاد يكون تلوث المياه من أهم الأسباب التي أدت لذلك، فدعونا نتعرف معًا على تلوث المياه، وكيف يؤثر على الأراضي الزراعية.

تأثير تلوث المياه على الأراضي الزراعية

ما المقصود بتلوث المياه؟

تلوث المياه يعني أن يتغير طعمها، لونها، رائحتها، وتلوث المياه بالنسبة للإنسان يعني أن الماء الملوث الذي سيتناوله بمثابة السم، يُمكن قتله في الحال، أما تلوث المياه بالنسبة للأراضي الزراعية فهو لا يختلف كثيرًا، حيث أنه أيضًا يؤدي إلى قتل النباتات والزروع الموجودة فيها، لكن الأمر هنا يأتي بالتدريج، فلن تموت النباتات فور أن تُسقى التُربة من المياه الملوثة، وإنما تبدأ التربة الموجودة فيها تلك النباتات بفقدان قدرتها على الإخصاب، وهو ما يعني الموت التدريجي للتربة.

المياه الملوثة أيضًا تقتل البكتيريا الموجودة في التربة، وهذا النوع تحديدًا من البكتيريا ليس كباقي الأنواع، وإنما هو مطلوب وحتمي بالنسبة للأراضي الزراعية، فهو يُعطيها المزيد من الخصوبة والإنتاج، لكن المياه الملوثة تأتي وتنهي كل ذلك، لتُصبح ضارة للتربة بعد أن كانت تدر الكثير من الفوائد عليها.

فوائد المياه بالنسبة للتربة

عرف الإنسان الزراعة عن طريق المياه، حيث كان أول ما شاهده فيما يخص الزرع هو سقوط الأمطار وإنبات الزرع، وقد كان في البداية ينتظر المطر حتى يرى الزرع، إلى أن اهتدى لوجود المياه وقام بتحويل مجراها إلى حيث الأراضي الزراعية، كي تتم عملية الزراعة دون الحاجة إلى الأمطار.

كذلك كان هناك مبدأ الارتواء مقابل العطاء، وهو مبدأ البشر والنباتات والحيوانات على حدٍ سواء، وهو يعني أن الكائنات التي لن تحصل على المياه لن تكون قادرة على العطاء وبذل الجهد، وهو مبدأ يسري على الجميع سواء، إذ أن طبيعة المخلوقات أجمع تحتم عليهم ذلك.

كيف تؤثر المياه الملوثة على التربة؟

المياه الملوثة تنفي كل الفوائد التي كانت موجودة في المياه النظيفة، فالكائنات التي لا تستطيع العيش بدون ماء لا تستطيع كذلك قضاء حياتها بالماء الملوث، والإنسان حتى لو كان معرض للموت فلن يشرب من الماء الملوث، ولأن التربة والنباتات الموجودة فيها لا تمتلك حق الرفض، لذلك فهي تموت بالفعل.

المياه الملوثة أيضًا تلوث التربة، وتلوث التربة يعني أن تفقد خصوبتها، وفقدان الخصوبة بالنسبة للتربة كفقدان القلب بالنسبة للإنسان، كلاهما يعني الموت، لذلك نجد أن أغلب الأراضي التي تدخل ضمن أراضي التصحر تكون في الغالب من الأراضي التي فقدت خصوبتها بشكلٍ أو بآخر، وتلوث المياه أهم الأسباب.

مصادر تلوث المياه

يتلوث الماء بفعل عدة أشياء أهمها مياه الأمطار، الملوث منها، وقد يتعجب البعض من كيفية تلوث مياه الأمطار التي تنزل من السماء مباشرةً، لكن ما يحدث أن المياه النظيفة أثناء سقوطها من السماء تختلط بمخلفات المصانع والغازات السامة، فتتلوث على الفور، لذلك يقال دائمًا أن مطر المناطق الصناعية غير معول عليه على الإطلاق.

مخلفات المصانع أيضًا تلوث المياه بصورة مباشرة، فعندما يتم التخلص منها عن طريق البحر تختلط بالمياه النظيفة وتلوثها، لذلك فإن أغلب المصانع تلجأ لفعل ذلك خلسةً لأنها تعلم أن هذا الشيء ليس صائبًا بالمرة، والحكومات أيضًا تبذل جهدًا منقوصًا في هذا الشأن، حيثُ تُحذر منه وتحظره وتفرض عقوبات شديدة على المخالفين، لكنها لا تقوم وبتنفيذ تلك العقوبات مهما بلغت حدة التصفيات.

المبيدات الحشرية مصدر آخر من مصادر تلوث المياه، فكما يقال دائمًا، المبيدات الحشرية تحمل الشر والخير للتربة والشر فقط للمياه، والواقع أن مجرد التعرض البسيط من المبيدات الحشرية بالنسبة للمياه ينتج عنه تلوث فوري، ويُصبح الماء وعدمه سواء، وإن كان ثمة حل لهذا الأمر فهو عدم استخدام المبيدات الحشرية أصلًا، ومع استحالة تحقيق ذلك تبقى المبيدات الحشرية مصدرًا دائمًا لتلوث المياه.

المفاعلات النووية التي ظهرت في الآونة الأخير أصبحت أيضًا مصدرًا رئيسيًا من مصادر تلوث المياه، حيث يكون هذا التلوث تلوثًا حراريًا، نتيجة للإشعاعات التي تصدرها تلك المفاعلات، والواقع أن هذا الأمر أصبح لا يؤثر على المياه فقط، بل امتد إلى الهواء والإنسان نفسه، فوجوده أصبح مهددًا بوجود تلك المفاعلات، وإن كان يُمكن الاستغناء عنها بخلاف المبيدات الحشرية، والجميع يعرف ذلك لكن لا أحد يُريد التضحية بقوة كبيرة مثل المفاعلات النووية.

أيضًا البترول، عندما يتسرب من السفن والمركبات إلى المحيطات والبحار فإنه يلوث المياه ويؤدي إلى إفقادها لفائدتها، وذلك بالنسبة للتربة وبالنسبة للإنسان، فهي لا تكون صالحة بالنسبة لكليهما، والبترول لا يعد ملوثا في حد ذاته، فهو له فوائد جمة ويُعد طريقًا ممهدًا للصناعات الحديثة، لكنه عندما يختلط بالماء تظهر آثاره الجانبية الضارة.

طرق حماية التربة من المياه الملوثة

لحماية التربة من المياه الملوثة يجب الحد من كل أسباب التلوث، والسعي الحثيث نحو استقدام احدث المعدات التي لا تسهم في التلوث أو تؤدي إليه، كذلك الكيماويات، يجب أن لا تُستخدم بغزارة في التربة، وإن حدث وتم استخدامها فيجب أن يكون ذلك قبل المياه وليس بعدها، لأن رش المياه بالكيماويات يعني أن التربة بأكملها سوف تُسقى بمياه ملوثة سامة، ستفقد الأرض خصوبتها بالتدريج وتقضي على البكتيريا الهامة الموجودة فيها، وفي الواقع، هذا الأمر يحتاج إلى التوعية من قِبل المسئولين للفلاح، فهو بالتأكيد لا يعرف كل ذلك لكنه سيحرص بلا شك على تطبيق التعليمات، خاصةً إذا ما كان الأمر يتعلق بحماية تربته الزراعية التي تُمثل له كل شيء في هذه الحياة.

ما تحتاجه الأراضي الزراعية

الأراضي الزراعية لا تحتاج إلى المياه الملوث، هذا أمر بالطبع مفروغ منه بالطبع ولا يُمكن التشكيك فيه، لكن التربة الزراعية تحتاج لأشياء أخرى كالعمل الجاد من المُزارع الواعي والمدرك للأساليب الحديثة المُستخدمة في الزراعة، فالزراعة ليست إرث كما يعتقد البعض، فهي أيضًا حرفة يجب تعلمها وإتقانها من قِبل الفلاح إذا أراد الاستمرار في ذلك.

الأراضي الزراعية أيضًا تحتاج إلى الحيوانات التي تخدمها، وذلك كالماشية من أبقارٍ وجاموس، حتى تتمكن من تسيير العملية الزراعية، وفي نفس الوقت لا تحتاج إلى بعض الحيوانات التي تُدهور التربة وتقضي على خصوبتها، وذلك كالماعز والغنم، أو كل الحيوانات التي تُستخدم في عملية الرعي الجائر عمومًا، فهذه العملية أخطر ما يكون على النباتات والتربة الزراعية عمومًا، والتصحر الذي ينتج عنها خير دليل على ذلك.

في النهاية لا يسعنا سوى القول بأن تلوث المياه يُعد واحدة من أكبر المشكلات التي تواجه التربة والبيئة والإنسان، بالرغم من أن القضاء عليها أسهل ما يكون، لكن بعد المستفيدين من أصحاب المصانع والسفن لا يُريدون لذلك الحدوث، وعلى ما يبدو أننا مُقدمون على خطرٍ حقيقي بسببهم.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

عشرة + 17 =