تسعة بيئة
المفاعلات النووية
بيئة » التلوث » المفاعلات النووية : تعرف على التأثير البيئي لمفاعلي “ديمونا” و “بوشهر”

المفاعلات النووية : تعرف على التأثير البيئي لمفاعلي “ديمونا” و “بوشهر”

رغم ادعاء الكثير من الدول بأن مفاعلاتها النووية آمنة، إلا أن البيئة لها رأي آخر، فالكثير من المفاعلات النووية حولنا تمثل تهديدًا كمفاعلي ديمونا وبوشهر.

تُعتبر المفاعلات النووية آفة هذا العصر بلا شك، فهي على الأقل قد جعلت العالم بأكمله يعيش في حالة من الرعب والقلق طوال الوقت، فدول مثل أمريكا وروسيا وإيران تمتلك من المفاعلات النووية ما يجعلها تُبيد نصف الكرة الأرضية في خمس دقائق، بينما لا تمتلك الدول الأخرى أسلحة من نوعٍ معين بحجة حظرها دوليًا، كما أنهم لا يمتلكون أسلحة ردع قادرة على مواجهة الخطر النووي، لكن، ما زاد البلاء بلاءً هو إقدام دول أخرى على إنشاء المفاعلات النووية في أراضيها، وخاصةً في السنوات العشر القليلة، ولمزيد من التوضيح فإننا نتحدث عن مفاعل ديمونا بإسرائيل ومفاعل بوشهر في إيران، فدعونا نتناول المفاعلين وخطرهما على البيئة بمزيدٍ من التفصيل.

خطر المفاعلات النووية على البيئة

ما هي المفاعلات النووية؟

المفاعلات النووية كلمة مطاطة، يُمكن استخدامها في أكثر من موضع وبأكثر من طريقة، فمثلًا، إذا أردنا أن نُوجد تعريفًا جميلًا للمفاعلات فسنقول إنها أجهزة كبيرة تُستخدم عن طريق التسلسل الزري المنشطر في تسخين المياه واستخدام تبخيرها في توليد الكهرباء، أو إنتاج تلك النظائر الهامة والمستخدمة في علوم الطب والفلك، لكن، بلغة الحروب، تُعتبر المفاعلات النووية أداة عصرية سريعة للتدمير، فهي القوام الرئيسي التي تقوم عليه القنابل الذرية والنووية، وعلى من لا يعرف ما تعنيه القنابل الذرية والنووية التوجه إلى اليابان والسؤال.

مفاعل ديمونا، أكثر المفاعلات النووية رعبًا

إن ما يجعل مفاعل ديمونا أكثر المفاعلات النووية رعبًا هو المكان الذي تم تأسيسه فيه، إسرائيل، والتي هي بالطبع غنية عن التعريف، وقد بدأ تأسيس هذا المفاعل عام 1958، حيث كان لم يمضي على تأسيس الدولة سوي بضع سنين، وكان الهدف الرئيسي من بنائه وقتها كما قيل هو توليد الكهرباء لإحدى المناطق القريبة من النقب، وهو أمر قد يعتبره الطيبون أمرًا عاديًا، إلا أن المُتشككون لم يرتاحوا لتلك الخطوة أبدًا، حتى جاء موردخاي سنة 1986 وقطع الشك باليقين.

الهدف الحقيقي من ديمونا

كان موردخاي أحد الذين قاموا بالإشراف على المفاعل وقت بنائه، وقد خرج بعد حوالي ثلاثة عقود وقال إن الهدف من بناء المفاعل ليس توليد الكهرباء كما نظن، وإنما بناء رؤوس نووية وحفظها في طائرات حربية أو غواصات بميناء بحري لاستخدامها وقت الحاجة إليها، وهو ما يُبرر قلق العالم من المفاعلات النووية، حيث أن رأس واحدة من تلك الرؤوس قادرة على إزالة بلد بأكملها، لذلك، اختفى موردخاي بعد هذا التصريح ولم يظهر ثانية، والغالب أنه قد تم اغتياله.

تهديد ديمونا للعالم

يُهدد مفاعل ديمونا العالم العربي والشرق الأوسط تحديدًا، لكن هذا التهديد قد يشمل العالم بأكمله إذا اشتعلت هذه المناطق، فمثلًا، إذا أقدمت إسرائيل على استخدام السلاح النووي ودمرت المناطق المحيطة بها فلن يصمت العالم أمام ذلك الأمر، خاصةً وأن هناك قاعدة ابتدعتها الولايات المتحدة الأمريكية تقول إن من يملك السلاح النووي يملك كل شيء.

مفاعل بوشهر، خطر إيران الجسيم

يُعتبر مفاعل بوشهر الإيراني من أشد المفاعلات النووية خطرًا على منطقة أسيا وغرب أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية أيضًا، فقد تم الانتهاء من بناء هذا المفاعل النووي بنهاية عام 2011، وكالعادة، كان الهدف المعلن من بناء تلك المحطة هو توليد الكهرباء اللازمة لإيران، لكن، وكعادة الدول الكبرى أيضًا، سعت بكل ما تملك من قوة للقضاء على هذا المشروع في مهده لدرأ أي احتمال لأخطار مستقبلية تنتج عن طمع إيران، لكن هذا لم يحدث.

بناء مفاعل بوشهر

مر مفاعل بوشهر أثناء بناءه بعدة عقبات كانت كفيلة بقتل الفكرة في مهدها، لكن إصرار السلطة الإيرانية على بناءه كان أشبه بحرب حياةٍ وموت، وللغرابة، بدأ العمل في هذا المشروع قبل ثلاثة عقود من افتتاحه، وبالطبع لم يستغرق إنشائه كل هذه المدة، وإنما كان التوقف المستمر للمشروع سببًا في هذا التأخير.

في عام 1979 تعاقدت إحدى الشركات الأجنبية مع الحكومة الإيرانية على بناء واحد من أكبر المفاعلات النووية المستقبلة حسب الخطة الموضوعة، مفاعل بوشهر، لكن، بعد سنواتٍ قليلة، توقف المشروع بسبب قيام ما عُرف بالثورة الإسلامية، بل أيضًا تم مهاجمة أماكن بناء المشروع وتحطيم ما تم الانتهاء منه والعودة إلى نقطة الصفر مرة أخرى، مما جعل الشركة المسئولة عن المشروع تنسحب منه رافضةً الاستكمال.

ظلت إيران خمسة عشر عامًا غير قادرة على استكمال المشروع بسبب ضغوطات روسية وأمريكية، إلا أنها تمكنت من ذلك أخيرًا عام 1995، لكن الأمر الغريب أن استكمال البناء كان على يد شركة روسية، ومع ذلك لم يستمر العمل أكثر من خمس سنوات وتوقف بسبب مشاكل مادية وتقنية كما أشيع، ثم عاد البناء مرة ثالثة في بداية الألفية الثالثة، لتُفتتح المحطة بعدها في نهاية عام 2011 ويتحقق حلم الإيرانيين في امتلاك محطة نووية، أو بمعنى أدق، سلاح نووي.

فوائد محطة بوشهر

إذا ما تغاضينا عن الصورة السائدة لخطر المفاعلات النووية وتناولنا الأمر من وجهة نظر الإيرانيين، فإنا محطة بوشهر كانت بمثابة طوق نجاة لهم من تهديد نقص الكهرباء الذي بدأ منذ دخولها البلاد، فمفاعل بوشهر يوفر لهم يوميًا ما يزيد عن ألف ميغاوات من الكهرباء اللازمة، وهو ما يجعل هذا المفاعل يتربع على عرش المشروعات الأكثر أهمية خلال النصف قرن الماضي، ناهيك عن الأهمية الاستراتيجية التي باتت إيران تتمتع بها، والقوة العظمى التي اكتسبتها وجعلتها تقع ضمن تصنف الدول الأكثر أهمية في العالم، لكن الأمر لا يخلو من التهديد أيضًا.

تهديد بوشهر للعالم

بخلاف الخطر الذي تُمثله المفاعلات النووية بشكل عام فإن مفاعل بوشهر تحديدًا يسبب خطرًا أكبر وتهديدًا أكبر على العالم بأكمله، فقد أثبتت الدراسات التي قام بها المعارضون أن مفاعل بوشهر يمتلك بنية تحتية هشة وضعيفة للغاية، وذلك بسبب قدم مُخطط بناءه الذي يتجاوز الثلاثة عقود، وهذا يعني احتمال وقوع كارثة نووية ناتجة عن خطأ تقني أو خلل طبيعي، كتلك الذي حدثت في أوكرانيا واليابان وسببت الكثير من المتاعب للبيئة.

تأثير المفاعلات النووية على البيئة

العالم لم يذق طعم المفاعلات النووية سوى مرة واحدة في نهاية الحرب العالمية الثانية، لكنها كانت مرة بألف مرة، حيث أدت القنبلة النووية التي ضربها في اليابان إلى حصد الأرواح وتدمير كل سبل العيش في مدينة هيروشيما، وهو ما تأذت به البيئة بشكلٍ مُباشر، حيث فقدت التربة خصوبتها وضاع من الهواء نقائه، وربما يقول البعض أن الدول الكبرى كلها قد وعدت بعدم استخدام النووي من جديد، وأن الخطر القائم قد زال، لكن حادثتي تشيرنوبيل وفوكوشيما يؤكدان على أن هذا الأمر لن ينجح أيضًا.

فقد تدمر المفاعلين النوويين الموجودين في أوكرانيا واليابان جراء زلزال سببته الطبيعة، وكانا سببًا في قتل الآلاف وإجلاء عشرات الآلاف غيرهم، هذا بخلاف الأضرار الجسيمة التي حدثت للبيئة في تربتها وهواءها، ونتج عن ذلك الكثير من الأمراض والأوبئة، لذلك لا يتم بناء مفاعل نووي جديد إلا ويُنظر إلى البيئة بعطف، لأنها بالتأكيد تكون الخاسر الأكبر من ذلك الأمر.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

ثمانية عشر − 12 =