تسعة بيئة
الظواهر الغريبة
بيئة » الطبيعة » الظواهر الغريبة : ظواهر شمسية فريدة من نوعها تحدث كل يوم

الظواهر الغريبة : ظواهر شمسية فريدة من نوعها تحدث كل يوم

لا يكف الإنسان عن تتبع الظواهر الغريبة والمحيرة في كونه، وظاهرتي الشفق والغسق من هذه الظواهر التي لم يكشف عن كنهها إلا في وقت قريب، تابع معنا لتعرف التفاصيل.

تتعدد الظواهر الغريبة في هذا الكون الغريب، والذي لا يبخل أبدًا فيما يتعلق بمنح الدهشة لساكنيه، وقد تنوعت الظواهر الغريبة على مرّ التاريخ، فمنها ما كان غريبًا ومُثيرًا ومُمتعًا للعين، ومنها ما كان كارثة عُظمى تسببت في قتل وتشريد الكثيرين، وتشهد على ذلك الزلازل والأعاصير والبراكين، فهي ظواهر طبيعية غريبة، ليس للإنسان دخل فيها، لكن، كي نكون عادلين، يجب علينا أن نذكر أيضًا الظواهر الغريبة الجميلة، والتي لا يستطع الإنسان سوى الوقوف أمامها فاغرًا فاه ومندهشًا من عظمة ما يراه، وبالطبع لا تُذكر الظواهر الغريبة الجميلة إلا ويُذكر الشفق والغسق، فدعونا نتعرف معًا على الظاهرتين في السطور الآتية.

الظواهر الغريبة المتعلقة بالشمس

الشفق، ضيف الشروق والغروب

يُعد الشفق من أهم الظواهر الغريبة الموجودة في هذا الكون، والغريب في الشفق أنه بالرغم من قدم وجوده، الذي يصل إلى وجود شمس، إلا أنه يُعد الظاهرة الأغرب والأكثر انتظارًا من الجميع، فهو عبارة عن ضوء مُتلون، يظهر في غرب الشمس وقت غروبها جراء تبعثر الأضواء الحمراء في أعلى طبقاتها، أو طبقات الغلاف الجوي على حدٍ سواء، ولا يلبث إلا فترة قصيرة ثم يغيب بعدها وتستعيد الشمس لونها الأصلي الأصفر من جديد، مُنهيةً الشفق ومُعلنة عن بدء ما نُسميه بالنهار، وهي عملية لا تتجاوز الساعة الأرضية على الأرجح.

بداية ونهاية الشفق

غرابة الشفق، باعتبارها واحدة من الظواهر الغريبة بالطبع، في أنه مُحدد الوقت والدرجة الفلكية التي يبدأ وينتهي بها، وهو أمر لا يتوافر في باقي الظواهر، كالبراكين والأعاصير والزلازل مثلًا، فهي تأتي في الوقت الذي تُريده وترحل في الوقت الذي تريده أيضًا، ولا ترحل بالطبع إلا بعد أن تكون قد خلّفت الكثير من الدمار، بخلاف ظاهرة مثل الشفق، والذي أدى انضباط مواعيدها إلى ترقبها من الجميع، فأصبح الناس يخرجون على سبيل المثال قبل وقت الفجر ووقت الغروب وهو الوقت الذي يُمكن أن تُرى فيها ظاهرة الشفق بنوعيها.

فالشفق الذي يبدأ بمقدار ثمانية عشر درجة تحت أفق الشمس يُسمى بالشفق الفلكي، أما الذي يبدأ بست درجات فقط تحت أفق الشمس فيُسمى بالشفق المدني، بينما يُسمى الشفق الذي يبدأ بمقياس اثنا عشر درجة تحت أفق الشمس بالشفق البحري، وكلها أسماء للتفريق بين مواعيد بدايات ظاهرة الشفق ودرجاتها.

ربما يُمكن اعتبار الشفق من الظواهر الغريبة في حد ذاته، لكن الأغرب من ذلك هو انقسامه إلى نوعين، حيث نتج عن الاختلاف بين الدرجات الفلكية لظهور الشفق نوعين رئيسيين هما الشفق ذو اللون الأبيض والشفق ذو اللون الأحمر، وهما يختلفان في توقيت ظهورهما وبالتالي لونهما.

الشفق ذو اللون الأبيض

هو ذلك النوع من الشفق الذي يسبق صلاة الفجر، أو بمعنى أدق، هو الذي يتقرر من خلاله اقتراب صلاة الفجر بالنسبة للمسلمين، فهو عبارة عن تسطيح أبيض للسماء يبدأ من الجهة الغريبة لموضع الشمس الذي ينعكس على قرص القمر، وهو الذي يحل بعد زوال النوع الثاني من الشفق، وهو الشفق ذو اللون الأحمر.

الشفق ذو اللون الأحمر

يظهر الشفق ذو اللون الأحمر بعد غروب الشمس، وتحديدًا مع بداية غيابها، وهو الوقت الذي يحين فيه موعد صلاة المغرب حسب الشريعة الإسلامية، ولا يستمر هو الآخر سوى لوقتٍ قصير، حيث يبدأ في الاختفاء بعد الصلاة بأقل من ربع ساعة أرضية، وفي بعض الأحيان لا يستمر الشفق ذو اللون الأحمر سوى خمس دقائق.

الغسق، أول زوار الليل

لا يقل الغسق أهميةً عن الشفق، فكلاهما من الظواهر الغريبة التي تستحق الدراسة، ولمن لا يعرف، يشمل الغسق الوقت الذي يبدأ بعد صلاة المغرب وينتهي بأذان العشاء، فإذا دققت ستجد أنه بعد حلول وقت الغروب تبدأ الشمس تدريجيًا في الاندثار وتكتسي السماء بلون يجمع بين صفار الشمس وزرقة السماء، فيكونا لوحة خلابة، يُمكن رصدها لأكثر من ثلاثين دقيقة، لكن، إذا ما حل القمر، تأخذ السماء اللون الأسود بالكامل، وهو لون الظلمة بالطبع، لذلك يقال دائمًا أن ما يُعين على انتهاء الغسق هو حلول القمر.

استغلال الغسق

يُمكن رصد ظاهرة الغسق بشكل جيد عند الشواطئ، حيث يبدو المنظر وقتها وكأن الشمس قد سقطت في البحر، وهو منظر خلاب فاتن بالطبع، حتى أنه في بعض الدول تُقام الحفلات على شواطئ المدن الرئيسية منذ ظهيرة اليوم وتنتهي بموعد الغسق، حيث تم الاستمتاع بهذا المنظر ثم الرحيل، وهذا يمكن أيضًا استغلاله كمورد سياحي هام يأسر عاشقي الجمال والتفرد في أشتى أنحاء العالم، وربما أكثر الدول استفادة من هذا الأمر هي الولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل، فالبرازيل معروفة أصلًا ببلاد الشواطئ، فما بالكم بالغسق الذي يظهر في بلاد الشواطئ؟ لكن، قبل أن نُمعن في الغسق ونتغنى بها علينا أن نعرف أولًا ما الذي يحدث حتى يظهر لنا الغسق؟

كيفية ظهور الغسق؟

ربما لا يعرف الكثيرين أن الغسق يحدث جراء انكسار أشعة الشمس، وذلك في مسافة طويلة تتجاوز مساحة الغلاف الجوي بأكمله، وإذا ما تتبعنا ذلك الانكسار فسنجد أنه يحدث إذا مالت أشعة الشمس وأخذت وضعًا عموديًا الغلاف الجوي، وهو الأمر الذي يحدث بصورة بديهية كل يوم وقت الغروب.

وكما أسلفنا، ينتج عن تلك العملية العفوية التقاء ضوء الشمس بلون السماء وإنتاج لون أحمر يُسمى بالأحمر الناري، والأحمر الناري للغرابة هو لون ليس له وجود فعلي سوي في عملية الغسق، وربما يحدث هنا تداخلًا بين النوع الثاني من أنواع الشفق وهو الشفق ذو اللون الأحمر، لكن هذا في الحقيقة ليس تداخلًا أو اختلاطًا للأمر، بل إن الغسق فعلًا في معظم حالته يُصبح شفقًا ذو لون أحمر، وهو شيء يدعو للدهشة أكثر من الدراسة والتحليل.

الغسق والبيئة

استطاع الغسق، الذي يعد أهم الظواهر الغريبة، ترك تأثير كبير في البيئة من حوله، والمقصود بالبيئة هو مشتقاتها من إنسان ونبات وحيوان، فالإنسان مثلًا استفاد من الغسق استفادة جمة، حيث ألهم الشعراء بكتابة الشعر، وكان مطلعًا للكثير من القصص، أما الرسامين فهم أكثر الناس استفادة من الغسق، حيث تمحورت أغلب اللوحات طوال التجارب الإنسانية في الرسم حول الغسق، ولا نبالغ إذ نقول أن شكل الغسق والتنبؤ به كان العنصر الرئيس في هذه اللوحات.

أما النباتات فقد وجد بدورها الكثير من الفوائد في الغسق، أهمها على الأقل أن يُسرّع من دورة الإنبات، وذلك حسبما قالت الدراسات الكثيرة التي تناولت هذا الأمر، حيث أوضحت أن وقت الغسق هو الوقت الذي تنشط فيه كافة العمليات التكوينية، وربما يكون ذلك بسبب حالة نصف شمس ونصف ليل التي تحدث في هذا الوقت.

وبعيدًا عن كل ذلك، هناك شيء مميز في الغسق أيضًا يُمكن اعتباره كميزة رئيسية له، وهو أنه قد يتكفل بإضاءة القطر الواقع فيه لمدة ثلاثين دقيقة، وبذلك يتساوى مع القمر الذي يمكنه فعل ذلك أيضًا في مواقف معينة، وطبعًا معروف أن إضاءة الأرض في الأساس مهمة أصيلة للشمس، لكن أن ينجح الغسق لفعلها ولو مدة قليلة فهي معجزة تجعله يستحق عن جدارة زعامة الظواهر الغريبة.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

ثلاثة × 3 =