تسعة
الرئيسية » الغذاء والتغذية » هندسة جينية قديمة : كيف تأكل اليوم فاكهة نتاج الهندسة القديمة ؟

هندسة جينية قديمة : كيف تأكل اليوم فاكهة نتاج الهندسة القديمة ؟

يقول العلماء إن أغلب ما نأكله من منتجات نباتية هي نتيجة هندسة جينية قديمة ، أي نتيجة تلاعب في الصفات المرغوبة، فكيف تم ذلك؟

هندسة جينية قديمة

كلنا نحب بعض أنواع الفاكهة والخضار ونفضلها عن غيرها، ولكن الشيء الذي قد لا تعرفه عن تلك الفاكهة هي أنها نتاج هندسة جينية قديمة أي أنها لم توجد كهذا من الأساس بالماضي. الهندسة الجينية القديمة التي أقصدها هي التي لم يتم تنفيذها في معامل مختبرية أو حتى بغرض القصد، ولكن القدماء عرفوا كيف يزرعوها بطرق معينة مكنتهم من تغير شكل وطعم الفاكهة إلى ما هي عليه اليوم. ما نأكله نحن اليوم هو نتائج هذه التجارب الغير مقصودة وهي من حولت الفاكهة من طعام لا يصلح للأكل إلى فاكهة جميلة نعشقها وتكاد لا يخلو منها بيتنا. في مقالي هذا سأفسر لك عزيزي كلامي بالأمثلة، وهي أمثلة لفاكهة وخضار مشهور جداً ببيوتنا وأسواقنا ولكننا لا نعرف أنه لم يكن هكذا بالماضي، وماذا حدث حتى يتغير ويصبح على ما هو عليه.

ما معنى أن فاكهتنا نتاج هندسة جينية قديمة ؟

هندسة جينية قديمة للوز

اللوز من المكسرات الجميلة والتي تعتمدها بعض الدول كواجبات أساسية قبل غذائها بسبب احتوائها على دهون صحية فتشبع البطن وتجعل فكرة التخسيس ممكنة لأنها تعمل على شبع الشخص فلا يحتاج لأكل كميات كبيرة، أننا كعرب خاصة في شهر رمضان الكريم نستعمل اللوز مع باقي المكسرات في تحضير القطائف وتزيين المعجنات اللذيذة. ما لا تعرفه عن اللوز عزيزي القارئ أنه فيما مضى كانت مجرد نبات سام، والأصل هو اللوز البري الذي تزرع أشجاره في البرية، ويحتوي اللوز على مواد سكرية بالإضافة إلى أنزيمات، وحين يتم مضغ الاثنين في الجزء الذي يأكل عن طريق الفم والأسنان، فينتج عنهما مادة السيانيد السامة بكمية تكفي لقتل الشخص المتذوق فوراً، هذا بالإضافة إلى كون طعمه مراً جداً. لا نعرف بالتحديد متى تم تهجين اللوز ليصبح صالح للأكل وطعمه حلو، ولكن المؤكد أن هناك بشر أتوا ببعض الأنواع من اللوز وتم تهجينها في الزراعة ليخفي منها السيانيد ويصير طعمه حلو، وأياً من كان صاحب الفكرة فهو عبقري، ومن استعمله للتذوق والتأكد من صلاحية اللوز فقد عانى حتى الموت من تلك التجارب. واليوم اللوز هو علاج مفيد بجانب طعمه اللذيذ.

البطيخ والهندسة الجينية القديمة

من أغرب ما سوف تسمع هو أن البطيخ لم يكن ما تعرف أنت اليوم، فكان نباتاً برياً صغير الحجم واللب فيه أكبر من حجمها الآن، وما حدث هو أن الشعب الإفريقي جنوب الصحراء الإفريقية هو من أخذوه وبدؤوا يلقحوه بأنواع معينة فكبر حجمه وزاد طعمه حلوة. ومن ثم عرف الأسيويين والأوروبيين زراعته فزادوا في تهجينه بطرق طبيعية أثناء التلقيح في الزراعة لصير أكبر ويأخذ اللون الأحمر الشهي بالإضافة إلى زيادة حلاوته. البطيخ الأصلي لم يزد حجمه عن 80 جرام أما اليوم فهو يتراوح بين الاثنين والثمانية كيلوغرامات، وكان محتواه الأصلي من البذر أما الآن فنسبة المياه تتعدى ال91%. المشكلة أن تلك العمليات الهجنية أثرت على قدرة النبات المناعية لمساعدة الإنسان على مقاومة الأمراض، ومازال حتى اليوم يتم التوسع في هندسته جينياً لرجوع تلك الخصائص بشكل أكبر. ولكنه بالطبع من أفضل الفاكهة وفوائده كبيرة جداً على صحة الإنسان خاصة بكمية المياه التي يحتويها.

الموز والهندسة الجينية القديمة

الموز هو فاكهة يعشقها الكبار والصغار لسهولة أكلها وطعمها الجميل وسهولة مضغها على كبار السن أو الصغار الأطفال، ولكنها لم تكن أبداً هكذا منذ ستة ألاف سنة مضت بل كانت أصغر بكثير وأكثر صلابة وليست لينة، وأيضاً كان بها بذور صلبة تماماً مثل البطيخ، وهذه البذور الصلبة تكون موزعة على كل الجوانب ومن الداخل، مما يجعل أكلها أكثر صعوبة وأقل في الطعم. ومنذ قديم الزمن والفلاحين المهرة يستطيعون بطريقة التلقيح الصناعي إنتاج الموز بصورته المثالية وعلى نطاق واسع، حتى أنك قد تلاحظ بعض أشكال البذور في محور الموزة التي كانت من المفترض أن تكون صلبة. وهذه الطفرة جعلته عرضة لنقص القيمة الغذائية به لذلك مع التقدم العلمي يحاول العلماء التعديل في بالهندسة الوراثية بالموز مرة أخرى فمن يدري ما سيكون شكلها بعد مئة عام من الآن. نفس الشيء حدث مع الخضار والطماطم (البندورة) فتلك البذور اللينة الصغيرة كانت فيما مضى بذوراً صلبة ولكن علم الإنسان وفهمه لطبيعة الزراعة وكيفية التحوير فيها جعلهم ما هم عليه اليوم.

الذرة والهندسة الجينية القديمة

تبدأ حكاية الذرة منذ عشرة ألاف سنة حسب الأبحاث الوراثية حين جاء أجدادنا على الأرض نبات يسمى “زيا” “Zea” وبدؤوا بتهجينه مرة تلو المرة فأنتج بالأخير ذلك النبات النشوي المفيد والمليء بالبروتينات والنشا. الأسرار وراء كيفية تحويله لم تكتشف سوى عن قريب بالأجهزة الذرية والتي تكشف الجينات الأصلية للنبات، فلم يكن النبات الأصلي له تفرعات كثيرة ولم يحمل حبوب بهذه الكثرة، والفرق في خمسة أو ستة جينات أساسية هي من صنعت هذا التحول، والفضل في ذلك التحول هو من صنع الأمريكان القدماء بشكل أساسي، ومازال أفضل مكان تزرع فيه الزرعة هو أمريكا الشمالية.

القرع والكوسا

هذان النباتان لم ينجوا من الهندسة الجينية القديمة على يد البشر، ويرجع تاريخهم إلى سبعة ألاف سنة في الأمريكيتين الشمالية والجنوبية، فلما تم توطين القرع والكوسا في تلك البلاد انتشرت زراعتهما وأصبحت هناك رغبة لتكبير حجمهما، وهما أساساً من نفس الفصيلة، وحتى هذه اللحظة يعتبر القرع من النباتات المهمة والشعبية في أمريكا ويتم استخدامه بشكل كبير في احتفال عيد الهالوين. كذلك يقال بأن القرع تم استخدامه أولاً كوعاء للتخزين لكبر حجمه ومن ثم تم استعماله كنوع من الطعام.

الفراولة والهندسة الجينية القديمة

أعتقد أنك توقعت تلك الفاكهة أن تأتي في القائمة عزيزي القارئ، فشكل الفراولة الخارجي يجعلها مختلفة عن أي نوع من الفاكهة الأخرى وتلك البذور الصغيرة من الخارج تجعلها تبدو غريبة مقارنة بكل أنواع الفواكه. ولكنها مع ذلك هي من أطعم وألذ الفواكه والمحببة لدى جميع الأعمار خاصة في العصائر. يرجع النوع الأصلي للفراولة لوجوده في الجزر البريطانية خاصة أثناء العصور الجليدية، ومن ثم تم استيرادها في حاولي خمسينات القرن السابع عشر في أيام الملك لويس الرابع عشر على يد المهندس والرياضي ميدي فرانسوا فريزر وفي ال1759 بعد تجارب كثيرة أنتجت حديقة في فرنسا أول فراولة بشكلها المعروف بعد تهجينها مع التوت البري وكانت صغيرة الحجم وحمراء وليست خضراء كالأصلية. ومن ثم في 1806 تم تكبير حجمها وأصبحت معروفة في الأسواق ومهمة تجارياً وكل ذلك كان عن طريق الصدفة.

ثمرة الأفوكادو

قد لا تكون الأفوكادو ثمرة مشهورة جداً في وسطنا العربي وهذا لسبب بسيط، لأنها لم تكون موجودة بالأساس سوى من سنة 1927 بسبب هندسة جينية قديمة بسيطة على يد الباحث والمكتشف الزراعي ويلسون بوبينو. ولم تكن النوع الأول لها كبير ولحمي من الداخل وناعم، بل كانت صلبة وذات ملمس رملي بدلاً عن الكريمي، وكانت نواتها كبيرة بحيث يصبح الجزء اللحمي من الفاكهة قليل. ولكن شكلها وطعمها وقيمتها الغذائية اليوم تجعلها على قائمة الفواكه المهمة بالعالم، وإن بحثت عن فوائد أكلها ستستعجب عن مدى أهميتها لصحتك وكم من الأمراض التي تحميك منها لو أكلتها باستمرار.

حبوب القهوة

في هذا الصدد لا نتكلم عن هندسة جينية قديمة وإنما نتكلم عن مختلف الأنواع الجديدة الموجودة بالعالم اليوم لأننا نمتلك المئات من أنواع القهوة، وزاد الاهتمام بتلك الزراعة حين رغب الإنسان يوماً بعد يوم بمشروب القهوة وأصبح تقليد صباحي لبداية اليوم. فمن يريدها أكثر مرارة ومن يريد أن تكون أقل، من يريدها كريمة أكثر أو حلوة أكثر، من يريدها أن تحتوي على نسبة كافيين عالية ومن يريدها خالية تماماً من الكافيين، ولكل تلك المتطلبات تحتاج للتدخل البشري في الزراعة حتى ينتج لنا مثل كل تلك الأنواع. عملت زراعة القهوة تحتوي على عدة مراحل في تهيئة التربة وفي الزراعة نفسها وبعد ذلك في طريقة تحميص الحبوب ولكل خطوة طريقة معينة لإنتاج صنف معين، ومن أكثر البلاد شهرة في زراعتها هي البرازيل ولكنها في المجمل تزرع بكل مناطق العالم الحارة وفي ذلك أيضاً اختلاف بين بلد وأخرى. أصل تلك الحبوب هي عائلة الأرابيكا (قادمة من كلمة عربي مشيرة إلى القهوة العربية الأصيلة) وهي نفسها مزيج من الأصناف المتنوعة، وتكون لدرجة الحرارة ومدة التحميص في الشمس أو تحت التربة ولسمد المستخدم دخل كبير في نوع الصنف المرغوب إنتاجه. فأنت لا تشرب نتاج الطبيعة بالكامل بل نتاج عمليات محددة بشرية مدروسة أو مجربة جيداً.

القمح والهندسة الجينية القديمة

قصة القمح مع البشر تعود إلى ألاف السنين لأن الإنسان القديم الحجري لم يكن يستطيع الاستقرار أبداً في موطن بدلاً من التجوال في البراري ليقتات على النباتات البرية دون الاستعانة بالزراعة. ومن أهم وأول ما زرعوه بشهادة جميع أثار الحضارات القديمة كان القمح، لاحتوائه على عناصر غنية مهمة للإنسان من بروتين ونشا. وكيفية إتمام الزراعة جاء من جلب الإنسان القديم بعض أنواع النباتات معه من البراري ومن ثم زراعتها بطرق التجريب في الأراضي التي سيسكن بجانبها، وكان من أهم عيوب نبات القمح القديم هو ظاهرة تسمى indehiscence”” أي عند النضج تفتح الأزهار وتخرج الحبوب وتطير في الهواء وتضيع دون رجعة لصغرها ولأنها خفيفة، ولكن علم الأجداد استطاع مع الزراعة الانتقائية أن يجعل تلك الزهور لا تتفتح سوى عند إرادة الإنسان بعد القطف وبذلك يتم الحفاظ على الحبوب حتى يستطيعوا أن يجمعوها ويستفيدوا منها، وبعض من تلك الطرق في الزراعة لتغير المحاصيل مكتوبة على ورق البرديات المصرية القديمة.

البروكلي والقرنبيط

البروكلي والقرنبيط (الزهرة)، الملفوف (الكرمب بالمصري) والملفوف البروكسل واللفت كل تلك الأنواع لا وجود لها في الطبيعة القديمة وإنما هي من زرع الإنسان بطريقة هندسية جينية قديمة ولعب في الأنواع المهجنة، كلهم بالأصل ينتمون لعائلة Brassica oleracea”” وهو الاسم اللاتيني لنبات الخردل أو المستردة، ورغم كون تلك المعلومة غريبة إلا أن جينياً تلك النباتات تنمي لذلك النبات، ولكن التدخل البشري جعل ورودها بدلاً من صفراء تصير بيضاء في حالة القنبيط (التي تكون زهور عقيمة)، وتجعل البراعم تصغر وتصغر لتأخذ شكل ونمط حلزوني لوغاريتمي في حالة البروكلي.

الخلاصة عزيزي القارئ أن ما تأكله أنت اليوم ليس هو من المفترض أن يكون وبسبب عبقرية القدماء في الهندسة الجينية القديمة تمكنا نحن اليوم من أكل تلك الأصناف بالطريقة التي نعرفها، وتلك الطرق تبقى سراً نوعاً ما من طرق التلقيح بأنواع أخرى من النباتات إلى توفير مناخ معين وأسمدة معينة حتى ينتج أصناف جديدة من الفاكهة والخضار. ومن يعرف بعد مئة سنة من الآن ماذا سيكون طعام أحفادنا وهل سينظرون لما نأكله نحن اليوم بنفس نظرتنا إلى الأنواع القديمة التي لا تصلح للأكل من وجهة نظرنا؟ أعتقد أن الإجابة أكيدة.

سلفيا بشرى

طالبة بكلية الصيدلة في السنة الرابعة، أحب كتابة المقالات خاصة التي تحتوي علي مادة علمية أو اجتماعية.

أضف تعليق

15 − 2 =