تسعة
الرئيسية » صحة وعافية » الصحة النفسية » معارك النفس : كيف ينقلب الإنسان على نفسه ليصير أرض معركة ؟

معارك النفس : كيف ينقلب الإنسان على نفسه ليصير أرض معركة ؟

يخطئ بعض الأشخاص في تقدير أمور هامة في الحياة، فتنقلب أنفسهم إلى أراضٍ لمعارك افتراضية مدمرة، معارك النفس هو موضوع كاتبتنا اليوم الذي ستفصل القول فيه.

معارك النفس

النفس البشرية ليست كأي نوع أخر من أرض المعارك، بل إن أصعب المعارك الحقيقية تدور داخل النفوس، سواء كانت حرب عقلية أو فكرية مع شخص أخر، أو كانت معارك النفس داخل الشخص نفسه تحدث باستمرار. وصعوبة الحرب النفسية الذاتية، هو شيء واحد، ألا وهو الشعور بالانقسام على الذات. حيث يبدأ الشخص نفسه في كراهية نفسه أحياناً. وأحياناً أخرى يمل من فكرة أن هناك صوت داخلي يزعجه عندما يفعل أي شيء، أو قبل أن ينام ويظل بالساعات يفكر. شعور دائم بالقلق وعدم القبول للذات مما ينتج في الأخير شخص مشوه وصعب المراس. كل هذه الأعراض والأمراض تكثر وتتعاظم داخل النفس إن لم يستطع المرء أن يوقف معارك النفس التي تحدث داخله. فإما يزعن لما تطلبه نفسه أو يقاومها لحد أن يمنع أي رغبة داخلية لاتجاه الحرب النفسية التي يعانيها.

معارك النفس : كيف ندمر أنفسنا عبر تحويلها إلى ساحة صراع ؟

ما هي النفس

النفس البشرية هي ليست مجرد لفظ نطلقه، فيجب أن نعرف معنى كلمة النفس البشرية قبل أي شيء. لأن هناك مصطلحات كثيرة قد يقولها الناس ولا يعلمونها ولا يستطيعون أن يفرقون بينها. مثل “النفس والروح والقلب والداخل والفكر والأحاسيس”. غالبًا كل هذه الكلمات تصف المشاعر الداخلية للإنسان ولكن ولا واحدة منهم لها نفس الوظيفة. فالنفس غير الروح وكلاهما غير القلب والمشاعر، فكل لفظ من هؤلاء الألفاظ قريب من الأخر وربما يعتمدون بشكل قوي على بعض في تعريفاتهم، ولكنهم ليسوا نفس الشيء. ولذلك عندما نتكلم عن معارك النفس فيجب عليَ أن أقول لك ما هي النفس البشرية كتعريف بسيط حتى تفهم عن ماذا نتكلم بالتحديد في بقية المقال.

النفس البشرية: هي الشيء الذي يميز الجماد عن الكائن الحي، أو بمعنى أوضح، النفس هي الشاملة للفكر والحواس والإحساس، والعواطف والفكر الداخلي للإنسان. وكمثال بسيط، النبات عبارة عن كائن حي فما الذي يميز النبات عن الكائن الذي له نفس، الكائن الحي يتنفس ويفكر ويشعر بعواطف في حين أن النبات كائن حي ينمو ويخرج فضلات ويتكاثر. ولكن ليس لديه مشاعر أو أفكار أو أحاسيس مادية مثل اللمس والنظر والسمع.

الشعور بالذنب

الشعور بالذنب هو هذا الإحساس الذي تكون فيه النفس غير راضية عن أفعال الشخص نفسه. وهو نوع عميق من أنواع الخجل وعدم القبول للذات. ويحدث هنا أن معارك النفس تبدأ في أن يكون الشخص دائمًا حساس تجاه أي شيء يفعله ويشعر بالذنب لأقل شيء. والمشكلة أن الشعور بالذنب يجعل الإنسان يصير حساس ناحية الآخرين والأشياء أكثر، مما يجعله يراقب نفسه. ومراقبة النفس بصورة زائدة تجعل الشخص يشعر بالذنب من خلال أي فعل يفعله قد لا يعجب الآخرين. وفي حين أن الفعل من الممكن أن يكون صحيح والشخص الذي لم يعجب بالفعل هو الخطأ. ولكن عقدة الشعور بالذنب تجعل الشخص دائماً يعارك نفسه ويدين نفسه ويقول لنفسه أنه ليس فيه رجاء، ولن ينصلح حاله. لدرجة أن من الممكن أن تزداد هذه العقدة وتتطرق لأسباب قد تكون سطحية.

مصدر الشعور بالذنب

المصدر الأساسي للشعور بالذنب هو الضمير، وعلى أساس قواعد الضمير وكسرها يبدأ الشعور بالذنب. ويبدأ الضمير في استخدام الشعور بالذنب لئلا تكرر النفس البشرية الخطأ مرة أخرى، كنوع من أنواع العلاج التلقائي النفسي الذي يجعلك تتراجع عن عمل الأخطاء بصورة متكررة. وأثناء إقناع الضمير للفكر الإنساني العادي، هذه هي معركة النفس. حيث أن الكبرياء يبدأ في عدم الاعتراف بالخطأ ويبدأ الضمير بالإلحاح على أن هذا خطأ مثلما هو متعارف عليه، سواء كان الضمير مصدره تقاليد أو بيئة أو دين أو أي كان مصدر الضمير في تكوين قائمة الصواب والخطأ. وهنا يحدث أن بعض الأشخاص لا يقدرون على مقاومة الضمير لأن الضمير يبدأ في وصف الذات أنها شريرة، ويشعر الشخص أنه قبيح من الداخل كنوع من أنواع الضغط الذي يفعله الضمير بصورة لا إرادية. فيعترف الشخص بالخطأ بينه وبين نفسه ولا يكرره مرة أخرى، ويوجد أشخاص آخرين يكتمون صوت الضمير ويظلون يفعلون الخطأ مرارًا وتكرارًا حتى يصير الشخص بلا ضمير وبلا مبدأ. ويبدأ الشعور بالذنب يختفي من حياته ولا يحدث بينه وبين نفسه معارك من الأساس بل يتحول إلى شخص بلا ضمير.

أنواع الشعور بالذنب

  • أولاً: الشعور بالذنب بسبب ارتكاب الأخطاء، وهو النوع الطبيعي الذي يحدث فيه أن يرتكب الإنسان خطأ ما ويشعر الإنسان بالخجل والذنب تجاه هذا الفعل. مثل الكذب أو السرقة أو الشتيمة، أو التعدي على حقوق الآخرين وأنت لست معتاد أن تفعل هذه الأشياء أبداً.
  • ثانياً: الشعور بالذنب تجاه أشياء تريد أن تفعلها داخل عقلك، وهذا النوع من الشعور بالذنب يكون حساس أكثر من النوع السابق. لأن الإنسان هنا يكتشف نفسه وهو يفكر مثلاً في الانتقام من فلان بصورة شريرة داخل خياله، فيبدأ الشخص يشعر أنه أصبح شرير وأنه لو أطلق نفسه لخياله لكان حالياً في السجن. وأن هذا الخيال من الأساس ضد الضمير والأخلاق بكل معنى الكلمة.
  • ثالثاً: الشعور بالذنب تجاه خطأ تعتقد أنك فعلته وأنت لم تفعله، وهذا يحدث غالبًا في حالات الحسد على الآخرين، أو حالات فيها يتمنى الشخص الشر للأخر في وقت معين. والمفاجأة تحدث والشر يحدث لهذا الشخص فتشعر وكأنك أنت السبب في هذا الشر لأنك تمنيته له. ولكن الأمر في الحقيقة ليس له علاقة بك على الإطلاق بل هي صدفة لا أكثر ولا أقل، وببساطة لأن هناك دول بالكامل تتمنى الشر لدول أخرى ولا يحدث شر هنا ولا هناك.
  • رابعاً: الشعور بالذنب لعدم مساعدة الآخرين، وهذا يحدث كثيراً عندما نمشي في أي مكان ونجد شخص فقير وقد تكون مجموعة من الفقراء مكومين تحت أحد الكباري في الشتاء، وأنت لا تعرف كيف ستساعدهم. وأنت تعلم جيداً أنك حتى لو عطيتهم نقود الآن، فالنقود ستنتهي وسيرجعون إلى نفس الحالة في غضون ساعات. وهنا يبدأ الضمير في رمي اللوم على نفسك وكأنك أنت السبب في هذا الفقر وأنك لم تبدأ بنفسك في مساعدة هؤلاء الناس. وهنا معارك النفس تكون جلية وواضحة حيث المجتمع حولك يقول لك أن مهما فعلت فهم سيظلون هكذا، وضميرك يقول لك ابدأ بنفسك، والصراع يشتد ومعارك النفس تستمر دون جدوى في كل مرة تشعر بالذنب فيها.
  • خامساً: الشعور بالذنب لأن حالك أفضل من حال غيرك، وهذا النوع من الشعور بالذنب قد يحدث لهؤلاء الذين نجوا من حوادث قد حدثت لهم في حياتهم وأسفرت عن موت أحد أخر عزيز عليهم. معارك النفس هنا لدي هؤلاء الناس تجعلهم يشعرون أنهم أحياء والآخرين أموات بسببهم، في حين أنهم لا دخل لهم بالحادثة. ولكن فكرة أنه يعيش من بعد الحادثة التي كان هو فيها مع الناس التي ماتت، ورأى الموت بعينه يأخذهم ورأي الحياة تختاره. فهذا يتحول لنوع من الشعور بالذنب ويشعر الشخص أنه خائن ولم يحترم الآخرين. وغالباً هذه الحالة تصيب جنود الحرب الناجين كثيراً، لأن الحرب هي أكبر مكان يحدث فيه وفيات بصورة جماعية لأصدقاء.

انعدام الثقة في النفس

وهنا نترك الشعور بالذنب وندخل على نوع جديد من معارك النفس وهو انعدام الثقة في النفس. أي شخص في هذا العالم لديه قدر ما من الثقة في نفسه، حتى ولو قليل جداً ومن ضمن هذه الأشياء أنك لديك ثقة في نفسك على المشي سريعًا. فالأمر ليس صعب أبداً لأن المشي شيء طبيعي جداً ونفعله بتلقائية لا تحتاج إلى ثقة في النفس. ولكن لو أحدهم أمرك أن تمشي سريعاً ستكون واثق من نفسك أنك ستفعل ذلك. هناك أشخاص لديهم الثقة في النفس معدومة لدرجة أن لو أحد قال لهم امشوا سريعاً سيفكرون أنهم سيقعون وغالباً بالفعل يقعون. والأفكار التي تكون بين تنفيذهم للأمور والتفكير فيها تكون هي معارك النفس. حيث أن مثل هذا النوع من الأشخاص يفكر كثيراً في عجزه وعدم قدرته، وأحياناً أخرى يجد نفسه يفعل الأشياء بتلقائية بصورة جيدة ولكنه عندما يفكر أنه سيفعلها فهو يفعلها بطريقة سيئة. وهذه هي المشكلة الأساسية التي يوجهها أنه دائماً يخسر المعركة مع نفسه، وأنه يتوقع الفشل دائماً وهذا التوقع يجعل أعضائه وأفكاره تتجه نحو الشلل بتلقائية. بسبب عقله الباطن الذي يؤثر فيها. وأقرب مثال إلى ذلك، هم الذين يمشون على الحبل، فتكون أول قاعدة لديهم هي ألا تنظر لأسفل. لأن الدماغ من الممكن أن تخونك والصورة التي تنظر لها تجعل عقلك يخاف والخوف سيجعلك تفقد اتزانك ومن ثم تقع.

الخوف

من أشرس معارك النفس التي تدور داخل الإنسان هي الخوف، لأن الخوف شعور سيء وشعور يدفع النفس والجسد إلى الإرهاق والتعب والقلق وعدم الراحة. الإنسان أو أي كائن حي يميل إلى السلام والمحبة ببساطة، لأن العداوة ستنشئ الخوف داخل النفس من الآخرين. ولكن ماذا لو كانت الشخصية نفسها خوافة؟ فهنا الأمر يصبح سيء لدرجة كبيرة، حيث إن الإنسان سيبدأ في الشك في أفعاله بصورة دائمة، بل وسيبدأ الشك في الآخرين أيضاً لأنه يخافهم. سيفقد الثقة في أفعاله، وسيصبح دائماً غير متزن وتفكيره زائد عن الحد، وسيتوقع دائماً الفشل، وغالباً سيفشل. وحتى لو فشل لن يعيد المحاولة لأنه سيخاف من الفشل نفسه، وكل هذا يتراكم داخله فيبدأ أن يخاف من ذاته نفسها. إلى أن يصبح شخص جبان ومنطوي ولا يحب الآخرين لأنه لا يشعر بالأمان في وجود الناس، والوحدة ستكون حله الوحيد حتى لا يشعر بالخوف.

مقاومة الخوف

مقاومة الخوف ليس موضوع سهل بل هو أساساً معركة نفسية، ويجب على الإنسان فيها أن يتغلب على خوفه ويثبت لنفسه أنه في أمان. وكي يكسب الشخص هذه المعركة النفسية يجب عليه أن يترك منطقة الأمان المطلق التي يحب أن يكون داخلها، حتى يكتسب نوعاً من المخاطرة. ثم يستطيع أن يواجه نفسه بالحقيقة أنه جبان وخواف ولا يقدر على مواجهة الحياة، بل لا يقدر على مواجهة خوفه الشخصي. وبعدما يخاطر الشخص بأنه يبدأ المعركة النفسية، يجب عليه شحن نفسه عقلياً أن الخوف مهزوم بقوة إرادة الإنسان. وأن أي شيء يريده الإنسان بشده يكسبه، وإن المواجهة يمكن أن تحل الكثير من المشاكل في الخوف.

الخجل

الشخص الخجول هو دائماً يشعر أنه تحت المجهر وأن الناس تركز على كل أفعاله، وهو غالباً غير واثق في نفسه وأفعاله لذلك يهتم كثيراً بآراء الآخرين. ومعارك النفس التي تحدث لمثل هذا الشخص تكون بصورة يومية، أنه عاجز تمامًا على أن يفعل أي شيء دون أن يشعر بالخجل مثل أن يتكلم مع الناس أو أن يطلب شيء من أحد. فهو في دماغه لو طلب هذا من فلان ربما يحرجه ويقول له لا. ولكن الفكرة هي حتى لو أحرجه فلان هذا وقال له لا، فماذا سيحدث؟ فالأمر ليس هو نهاية العالم. ولكن الشخص الخجول لا يفكر هكذا بل هو شخصية سلبية ومتراجعة جداً ويفضل أن يكون دائماً في قوقعته، لأن التعامل مع الناس يجعله دائماً في خضم معارك النفس.

تجنب المواقف التي تؤدي إلى معارك النفس

من الممكن أنك كشخص عندما تذهب لمكان معين فيه نوع معين من الناس لا يحبونك، ودائمًا يشعرونك بمشاعر سلبية تجعل معارك النفس داخلك تثور مثل البركان. هنا ببساطة لا يجب أن تتساهل وتمتنع عن الذهاب إلى هذا المكان ولا مرة أخرى لسبب بسيط، لأنك طالما كنت موجود في هذا المكان ستبدأ نفسك في التفكير بصورة عاصفة وأنك تكره هؤلاء الناس أو أنك تريد الانتقام. ومن ثم يبدأ خيالك في أن يتخيل كيف ينتقم من هؤلاء الناس بصورة بشعة. إلى أن يصل أحياناً أن ينفجر الشخص في هؤلاء الناس غضباً، وتظهر بمظهر الشرير والغير مستقر نفسيًا في حين أنهم هم من يستفزونك.

أحيانًا تكون شخص عادي لا تحب الدموية ولا الخوف وبمجرد أنك تسمع قصة عن الشياطين أو الجِن، تفكر في الأمر كثيراً وكأنه حدث بالفعل. فلو كنت من هذه النوعية من البشر فيجب عليك أن تفهم جيداً أنك لا يجب أن تستمع لأفلام الرعب. ببساطة لأن أول كلمة تجعل فيلم الرعب مرعب بطريقة بشعة هو محاولة المخرج بأن يقنعك أن هذه الأحداث حدثت بالفعل. وتجد الجمل المكتوبة التي تقول إن هذه الأحداث حدثت في البلد الفلانية بالفعل، ومن ثم يبدأ الفيلم. الطبيعي أنك بعدما تستمع لمثل هذا النوع من الأفلام وأنت تخاف منها، هو أنك ستظل ما لا يقل عن ستة أشهر تسترجع أحداث فيلم واحد فقط بطريقة لا إرادية داخل عقلك. مما يجعل هناك معركة داخلية تحدث كلما تسترجع مشهد أو معلومة مرعبة أنت قد سمعتها لمجرد المتعة في يوم ما.

التكلم مع الآخرين عن مشكلتك

وغالبًا هذه الطريقة تكون غير مستحبة عند الكثيرين، لأن الإفصاح عن معارك النفس يكون بمثابة أن الشخص يكشف كل أوراقه لشخص أخر وأسراره. والإنسان العادي ممكن أن يتكلم عن أسرار غيره ولكنه لا يحب أن يتكلم عن أسراره، حتى لا يستخدمها الآخرين كنقطة ضعف. ولكن هنا إن تكلم صاحب المشكلة مع الشخص المناسب عن مشكلته فهذا غالباً سيكون في صالحه. لأن ضغط معارك النفس يخف عندما يشعر الإنسان أن الذي يحدث داخله يشاركه فيه شخص أخر.

قبول النفس

يجب على الشخص أن يقبل نفسه، فهو يعاني من حالات عصف ذهني شديدة ودائمة ناتجة عن معارك النفس التي تحدث له مع كل موقف يوضع فيه بشكل تلقائي. السبب الرئيسي هو أنه لا يقبل نفسه، فهو من الممكن أن يكون غير قادر على قبول شعوره بالذنب. ولكن الحقيقة هي أنه يجب أن يعترف بالذنب ويقر به ويقبل نفسه، ليسامحها حتى يتخطى المشكلة ويتطور. ولكنك لو وقفت عند مرحلة الصراع فلن يفيدك شيء، بالعكس ستنقسم على ذاتك. ولذلك حتى لو كنت على خطأ أو كان يوجد بك عيب أنت تعرفه اقبله، واقبل أنه لا يوجد أحد كامل. ومن هذه النقطة ستجد نفسك تتجه نحو التطور وراحة البال.

سلفيا بشرى

طالبة بكلية الصيدلة في السنة الرابعة، أحب كتابة المقالات خاصة التي تحتوي علي مادة علمية أو اجتماعية.

أضف تعليق

تسعة − 4 =