تسعة
الرئيسية » مجتمع وعلاقات » كيف يعاني الجيل الحالي وما هي أبرز مشاكل الشباب ؟

كيف يعاني الجيل الحالي وما هي أبرز مشاكل الشباب ؟

تتعدد مشاكل الشباب مع تعدد مشكلات المجتمع، وحيث أن الشباب هم عماد أي أمة تريد التقدم، رأينا أن نكتب بعضا من المشكلات التي تواجههم وكيفية التغلب عليها.

مشاكل الشباب

مشاكل الشباب هي مشاكل قطاع عريض من أي أمة تأزم شبابها، ليس فقط قطاعا عريضا وإنما أيضا قويا ومؤثرا؛ ففئة الشباب ليست بالفئة الكبيرة كمًّا وإنما كيفا ونوعا أيضا. ذلك أنها الفئة المحركة لأي أمة من الأمم، وهي مقياس نبضها وحيويتها. ونحن إذ نتحدث عن مشاكل الشباب فإننا بلا شك نتحدث عن مشاكل تنخر في أساس هذه الأمة، ونحن في هذا المقال نريد الحديث عن أبرز مشاكل الشباب العربي على وجه التحديد، ذلك أن ما من أمة وما من ثقافة إلا وثمة مشكلات تظهر فيها، ولكن الذي يختلف هو نوعية المشكلات ودرجة تأثيرها إيجابا أو سلبا في مسيرة النهوض والتقدم. وإليكم بعضا من أهم المشكلات التي يواجهها شباب الجيل الحالي مع تصورات لكيفية حلولها. وإنا إذ نعرض لكيفية حلول هذه المشكلات فإننا بالأساس نوجه دفة الحديث إلى الشباب بغية الثورة على التصورات الثقافية وإحلال تصورات أخرى أكثر نفعا (فكثير ما تصنع الثقافة من المشكلات)، وهذا ما بيد الشباب فعله. أما عن تهيئة الظروف والأحوال فهذا ليس من شأن الشباب وإنما من شأن الساسة الذين يعرفون كيف يؤدونها ولا يحتاجون إلى مقالاتنا، وإنما عدم التأدية قد يكون عنوة أو قلة حيلة، غير أننا في المجمل لا نود الخوض حيث لا ينفع الخوض، وإنما نريد كلاما يمكن أن يترجم إلى واقع عملي يعود بالنفع وإن كان يسيرا… فتراكم اليسير يؤدي إلى ما هو كثير.

مشكلة رداءة التعليم المتلقَّى

إنها مشكلة المشكلات، تلك التي تتعلق بقضية التعليم الذي هو عماد أي تجربة نهضوية حضارية وثقافية. ولا شك أن مشكلة التعليم أفضت إلى العديد من مشاكل الشباب التي يظل يعانيها طيلة حياته كأنها القيد لا يستطيع منه فكاكا. إن عقلا رُوِّضَ على رأي واحد وإجابة نموذجية واحدة لا يستطيع أن يفهم معنى الحرية إلا في صورة الفوضى، ولا يتحمل رؤية قيم مغايرة لقيمه إلا أنها انحلالا أخلاقيا، ومن ثم فهو إما يكبر ليكون إرهابيا أو مشروعا واستعدادا لأن يكون إرهابيا، وإما يكبر لينحل أخلاقيا باعتبار الأخلاق عبثا عفا عليه الزمن. وقد يتبادر إلى الذهن أن الإرهابي هو ذلك الذي يحمل سلاحا وينطلق تقتيلا في البشر، إلا أننا نرى في كل من يعتقد نفسه أفضل الخلق وأقربهم إلى الله وأدناهم إلى جادة الصواب نراه إرهابيا بالاستعداد والإمكانية، فالاختلاف بين هذا وذاك هو اختلاف في الدرجة لا في النوع. ينشأ من كل ذلك مجتمعا مريضا يرى الاختلاف على أنه تناقض وشقاق، ويرى التعدد في وجهات النظر على أنها بدع ضالة يبغي الرجوع عنها.

ثم مشكلة أخرى تتفرع عن رداءة التعليم، وهي أزمة المتخرجين منه إلى سوق العمل. إن عقلا روض على رأي أوحد لا يعرف الإبداع والابتكار اللذان ينشآن من الاختلاف والتعدد. ومن ثم ففعلا كهذا لا يستطيع المنافسة في السوق العالمية، وهو بالتالي محكوم عليه بالضمور والانحصار… فأي شيء لا بد له من الحركة، إما إلى أمام أو إلى خلف.

ومثل هذه الأزمات المتشابكة -والتي تعد أزمة التعليم واحدة منها- تحتاج إلى حلول معقدة لا يتسع السياق للخوض فيها، وإنما الذي يسمح له السياق ويستطيع تنفيذه أولياء الأمور والطلبة، هو تغيير نمط الثقافة التي ترى في كليات الطب والهندسة قمة التعليم وما عداه قاع! ويكون نتيجة لذلك الدوران في فلك متطلبات هكذا نظام، من اللهاث وراء الدرجات النهائية التي يترتب عليها طغيان الدروس والمجموعات على عقل ووقت الطالب فلا يجد لعقله ونفسه متنفسا إلا ما يسمح له به المدرس في نظام من التعليم التسلطي، حيث أن المعلومات تسري في اتجاه واحد: من أعلى لأسفل، من المدرس إلى التلميذ دون نقاش أو نقد أو تفنيد، ثم دون تطبيق عملي، ثم دون أنشطة تهذب وتطور حس الطالب وشعوره، ثم دون أشياء أخرى كثيرة تعمل على صقل الإنسان ومهاراته وإمكانياته جميعا، ثم أخيرا دون التنقيب عن مواطن النبوغ والتميز في كل طالب على حدة والعمل على تطويرها وحسن إدارتها. لا بد من تغيير هذه الثقافة، وما إن يكتشف الطالب في نفسه موهبة إلا ويعمل العمل كله على تنميتها خارج النظام التعليمي دون أن يتركه، ولا يدع طنطنات كلية القمة والقاع تدغدغ مشاعره… فكل عمل متميز هو قيمة وقمة في ذاته، لا ما تراه أعين الثقافة.

مشكلة البطالة

تعد البطالة إحدى أبرز مشاكل الشباب المؤرقة في العالم العربي الذي تغزوه ثقافة الاستهلاك دون الإنتاج، وتسيطر عليه ثقافة الراحة والدعة دون النشاط والحركة. ولهذه المشكلة جذور ممتدة في عقل الشاب ونفسه من قبل أن يخرج من الدراسة إلى سوق العمل… إن جذورها ممتدة في نظام التعليم الذي تحدثنا عنه سابقا، وفي نظام الثقافة المهموم بالحكم على الآخرين وتقييمهم والتمييز بينهم على أي أساس، إنها ثقافة تمييزية. فثقافة مهمومة بالحكم على كليات بأنها قمة وأخرى بأنها قاع، خليقة بأن تهتم أيضا بالحكم على ما يشغله الناس من وظائف في الحياة العملية. وفي فلك هكذا ثقافة يسير الناس الذين لم تنبنِ عقولهم بناء جيدا يتح لهم التحرر من هذه النظرة، فيتأففون من أي صنعة لا تناسب “شهاداتهم” العلمية ومراكزهم التي أحبوا أن يراهم الناس عليها. ومثل هذا الشخص على أتم الاستعداد أن يشتغل بأي عمل وإن كان يستحقره، ولكن في مجتمع آخر لا يعرفه فيه أحد… إنها حال من الفصام التي تخلفها الثقافة في نفوس أفرادها ينبغي على كل من يرصدها أن يسرع بالتحرر منها غير عابئا بنظرات الناظرين.

مشكلة الزواج من أبرز مشاكل الشباب

مشكلة الزواج هي مشكلة أخرى من مشاكل الشباب الذي تلاحقه متطلبات الزواج حالما تأهل لسن الزواج. وتكمن الثقافة أيضا بشكل كبير وراء هذه الأزمة، فالثقافة تحب الدعة والاستقرار والركون، وهي بالتالي تريد أن تعرف لأبنائها حياة مستقبلية خالية من المكدرات المادية، ومن ثم فهي في هم دائم كيف نؤمِّن مستقبل ابنتنا دون أن تشكو يوما جوعا أو عراء؟ وتأتي الإجابة المنطقية في بيت تمليك مجهز بأحدث الأثاث والمفروشات التي تتحمل عمرا من تقلبات الزمن وعواديه، ثم نؤمن لها حياتها المستقبلية بأن نجهزها بوافر اللباس الذي تتقلب فيه عمرها كله، وفرش لغرف أطفال لم يأتوا بعد… وأشياء أخرى عبثية كثيرة من مثيرات الغثيان، والتي أدت إلى استفحال ظاهرة العنوسة لدى الشباب والفتيات.

وحل هذه المشكلة العويصة من مشاكل الشباب يكمن في نبذ هذه النظرة التي تريد أوضاعا مثالية معيارية لكل شيء حتى الزواج، وأن يكون للبنت ما للولد من حرية وانطلاق في العلم والعمل، وأن يكون لكل شاب وفتاة أرادا الاقتران ببعضهما الحرية في ذلك في رعاية وحماية القانون مع إخضاع الأعراف البالية التي أدت إلى الكثير من مظاهر العبث، على أن يكونا لهما أن يكوِّنا نفسيهما دون حاجة إلى أيدي الأهل العليا التي تنفق عليهما. ثم بعد ذلك ليسا بحاجة إلى مظاهر البهرجة والمفاخرة بين الناس… وليكن شعار الشباب: “فليذهب إلى الجحيم من لا يعجبه أوضاعنا”.

ليزا سعيد

باحثة أكاديمية بجامعة القاهرة، تخصص فلسفة، التخصص الدقيق دراسات المرأة والنوع.

أضف تعليق

تسعة عشر + 16 =