تسعة
الرئيسية » مجتمع وعلاقات » كيف ازدادت قسوة الحياة على الجميع في السنوات الأخيرة؟

كيف ازدادت قسوة الحياة على الجميع في السنوات الأخيرة؟

قسوة الحياة لم تعد بالأمر المحتمل، فقد جاوز الأمر المدى، حتى أن الدهشة من الظلم والقسوة تكاد تتلاشى تماما، وأصبحت قسوة الحياة سمة رئيسية لا تثير التعجب، فزادت صعوبة الحياة وخسائرها، وذلك بالرغم من التطور التقني الهائل، فماذا حدث؟

قسوة الحياة

ازدادت قسوة الحياة في السنوات الأخيرة، ازدادت قسوة الحياة على جميع البشر في مختلف أنحاء العالم، ولا يجب أن يخدعنا التطور التقني في هذا الأمر، فسهولة عمل الأشياء لم تمنحنا المزيد من الوقت للرفاهية، كما لم توفر لنا الراحة والأمان وهدوء البال والسلام النفسي، فقد زادت معها حدة التنافس، كما لازمتها قدرة أكبر على البطش والدمار، وتشابكت كثير من الأمور حتى صنعت قسوة الحياة التي نتحدث عنها، إذ ترتبط قسوة الحياة بحياتنا الحديثة، كما يتعلق الأمر بالتطور التكنولوجي وإساءة استخدامه، فزادت قسوة الحياة علينا في العمل، وانعكست على معدلات الجريمة، ولعلك تلاحظ قسوة القلوب مؤخرا، وزوال الرحمة تماما من قلوب البعض، هذا بالإضافة إلى سلوكيات الزحام وما يصاحبها من عنف وعدوانية، وسنتناول في هذا المقال صور قسوة الحيـاة المختلفة، كما سنناقش تبعاتها المختلفة على حياتنا ومعدلات الجريمة فيها، كما سنعرض كافة أشكال تأثيراتها السلبية، وسنناقش كيف يمكننا الخروج منها بأقل الخسائر.

قسوة الحياة الحديثة

قسوة الحياة قسوة الحياة الحديثة

لا يجب أن يكون الحديث عن قسوة الحياة عاما، فهي ليست سمة رئيسية للحياة منذ القدم، بل ارتبطت قسوة الحياة بالحياة الحديثة، وذلك على عكس المتوقع، فربما تعتقد أن حياة الأجداد هي الأكثر قسوة، نظرا لنقص الإمكانيات ولارتفاع معدل الوفيات ونقص الرعاية الصحية، ولكنهم قديما كانوا أكثر راحة، وكانت حياتهم أكثر نظاما وسهولة، فلم تكن أهدافهم كبيرة للحد الذي نسعى خلفه، وكفاهم الحصول على قوت يومهم وقضاء أغلب اليوم في المنزل، بينما حياتنا الحديثة ممتلئة بشكل يفوق طاقتنا، فنستيقظ كل صباح لنخوض رحلة شقاء يومية شديدة القسوة، فنكون في عجلة من أمرنا طوال الوقت، نخشى التأخر على المواعيد، ونخشى التأخير في تحقيق كل أشكال الإنجازات التي يحققها الأقران، ويقلقنا التنافس بكل صوره، سواء كان هذا التنافس في الدراسة أو العمل، كما تضاعفت طموحاتنا عدة أضعاف، وزادت مركزية الإنسان وكبر حجمه في خياله، وهذا ما جعل قسوة الحياة أمر واقع، فما ننتظره من أنفسنا كبير للغاية.

قسوة الحياة المهنية

قسوة الحياة أكثر وضوحا في الناحية المهنية، فلم يعد يكفيك إتقان مهنة ما لتضمن العيش في عالمنا الحديث، بل يجب عليك التميز فيها، وقد أصبحنا نلهث خلف الإبداع والتميز بطريقة جنونية، كأنه لا يهم إتمام المهام بقدر أهمية وجود اختلاف، وتصبح في سباق طويل وحرب مستمرة فقط من أجل البقاء في عملك، وهو العمل الذي لا تحبه بالضرورة، ولكنه يضطرك لإضافة المزيد من المواهب والمهارات طوال الوقت، ولن يترتب على هذا الجهد أي عائد على الأغلب، فهو فقط يحميك من الإطاحة بك، فتظل تكد وتتعب حتى لا تجد الوقت لأسرتك وأصدقائك، وضيق الوقت ليس بالأمر الهين، فهو ما يجعلك غير قادر على تأمل نفسك والوعي بتفضيلاتها، كما يحرمك الفرصة في التفكير والشعور بكل ما تمر به، سواء كانت لحظات سعيدة أو العكس، وتنعكس قسوة الحيـاة هنا في غلظة قلوبنا للأسف، نظرا للحرب المستمرة التي نخوضها، فيصعب علينا الشعور بالآخرين والتعاطف معهم.

التطور التكنولوجي وتأثيراته السلبية على حياتنا

يعد التطور التكنولوجي أحد أسباب قسوة الحياة في السنوات الأخيرة، فهذا التطور هو الذي حولنا إلى مجرد أرقام، وهو ما أدى إلى سهولة الاستغناء عنا في العمل وفي مختلف نواحي الحياة، مما دفعنا إلى بذل المزيد من الجهد وتعلم كل شيء طوال الوقت، كما حولت التكنولوجيا علاقاتنا إلى علاقات أكثر هشاشة، فحولت مشاعرنا إلى مجرد وجوه ضاحكة وحزينة على فيس بوك ومواقع التواصل الاجتماعي، وتم اختزال التواصل البشري فيما هو إلكتروني، ويجب التعامل مع هذا الأمر كأكثر صور قسوة الحياة غلظة، إنه لأمر مرعب أن تتحول مواساتنا لصديق في محنته إلى تعليق على فيس بوك! أليس هذا قاسيا؟ وأغلب المشاركات الوجدانية أصبحت تتم بنفس الطريقة، وحتى الحب والعلاقات ينشأ أغلبها عبر وسيط، وضاعفت سرعة الأحداث من قسوتنا نحن، وفكر معي في حالتك أثناء مطالعة صفحتك الرئيسية على فيس بوك، تمر هنا بوفاة أحدهم وهنا حفل زفاف وهكذا في دقائق قليلة، فلا وقت للتأمل والشعور.

سلوكيات الزحام والقسوة

الزحام هو أحد صور قسوة الحياة علينا، وقد تضاعف عدد السكان في مختلف أنحاء العالم، وبطبيعة الحال تناقص حجم ما نحصل عليه في كل شيء، فنقص نصيبنا في المساحة وفي التعليم وفرص العمل وفي الحياة بوجه عام، وللزحام سلوكياته الخاصة التي يعرفها علماء الاجتماع أكثر من غيرهم، إذ تزيد التنافسية مع الزحام، وبالطبع يصبح البشر أكثر عنفا وعدوانية تجاه بعضهم البعض، وكلها أمور تحيل الحياة إلى جحيم، وتجعل قسوة الحيـاة أمر واقع لا قبل لنا بتخطيه، فينشأ عن ذلك الكثير من الصراعات على كل شيء، حتى لو كان الصراع على مقعد في قطار متهالك، وربما على دور في أحد الطوابير الكثيرة التي نقف فيها، فالزحام يجعلنا أقل قدرة على التماسك والهدوء، ويحفزنا للصراع طوال الوقت، كما يتيح للتوتر والقلق والمخاوف العبث بنا، فتشتعل حياتنا وتزيد قسوتنا على بعضنا البعض.

قسوة الحياة ومعدلات الجريمة

قسوة الحياة قسوة الحياة ومعدلات الجريمة

ترتبط قسوة الحياة في علاقة طردية مع معدلات الجريمة، فيصعب التمسك بالفضائل والقيم الأخلاقية في الأوقات الصعبة، وأغلب أوقاتنا أصبحت صعبة، فلن تملك قوت يومك بسهولة، كما لا تضمن انتهاء مستقبلك المهني لظروف لا علاقة لك به، وقد تنقلب حياتك رأسا على عقب بخطأ صغير للغاية أو بفعل شرير يقوم به أحدهم، وكل تلك الصعوبات جعلت التمسك بالقيم الأخلاقية صعب للغاية، وبمرور الوقت لم تعد تفزعنا الرذائل والأفعال السيئة، بل أصبحنا نجد من يبررها ويمرر قبولها كأمر عادي، فأصبحنا في عالم يسهل فيه أن يتحول الإنسان الصالح إلى مجرم بين عشية وضحاها، هكذا بتلك البساطة والسهولة، ولم تكن قسـوة الحياة السبب فقط في زيادة معدلات الجريمة، بل أنتجت المزيد من الخوف والقسوة، فلن تمد يد العون لشخص على الطريق بينما تخشى أن يكون لصا أو قاتلا، وهكذا أصبحت دورة مستمرة من قسوة الحياة والجريمة والخوف من الجرائم الذي يعيدنا إلى القسوة، وهكذا دواليك.

قسوة الحياة في السنوات الأخيرة أمر واقع، لا مجال للمواربة في تلك القضية، والسبب في قسوة الحيـاة هو زيادة صعوبتها مؤخرا، فقد أصبحت ساحة حرب واسعة ومستمرة، وزاد التنافس في كل شيء بشكل يفوق الحد، ومع زيادة التنافسية في العمل والعلاقات الاجتماعية وخلافه ضاق علينا الوقت، فلم نعد نستطيع التفكير في أنفسنا، وبالتبعية لم تعد لدينا رفاهية التفكير في الآخرين والتعاطف معهم، فعالمنا الذي نعيش فيه هو عالم صعب، زادت فيه معدلات الجريمة وصاحب ذلك الخوف، وفي أوضاع كهذا أضحى التراحم ترف لا يملكه أغلبنا، فصرنا نتعامل بمنطق المعارك، والمعارك لا تفسح المجال لشيء سوى العنف الذي تقوده الغرائز، وهذه هي قسوة الحياة يا عزيزي.

الكاتب: أحمد ياسر

إبراهيم جعفر

أضف تعليق

تسعة عشر − سبعة عشر =