تسعة
الرئيسية » اعرف اكثر » تعرف على » قانون الطوارئ : كيف يساعد قانون الطوارئ على حماية الدولة؟

قانون الطوارئ : كيف يساعد قانون الطوارئ على حماية الدولة؟

بالتأكيد سمعت من قبل عن قانون الطوارئ ، وبالتأكيد حضرت العديد من المناقشات التي تثار حوله من آن لآخر، نتعرف في السطور التالية على قانون الطوارئ عن قرب.

قانون الطوارئ

قانون الطوارئ هو قانون يتم تفعيله في ظروف استثنائية أو طارئة تمر بها الدولة. وهو يقوم بتقييد عمل كافة القوانين المعمول بها في الدولة في الظروف الطبيعية. ويعد قانون الطوارئ من القوانين المتعارف عليها والمعمول بها على مستوى العالم في مثل هذه الظروف الاستثنائية سالفة الذكر، والتي سنورد أمثلة عليها في سيأتي من هذا المقال. وبموجب قانون الطوارئ يتم سحب العديد من الصلاحيات من السلطة التشريعية والسلطة القضائية لتوكل إلى السلطة التنفيذية لتتمتع بسلطات أوسع؛ الأمر الذي يمكنها من القيام بمهامها على نحو أسرع وأكثر إنجازا تلاؤما مع طبيعة الظرف الطارئ. وبموجب قانون الطوارئ يتم تحديد وتقييد العديد من حقوق المواطنين الأساسية والتي نصت عليها المواثيق الدولية وأكدتها الدساتير المحلية، كالحق في الحرية وحق التظاهر والتجمع والحق في إجراءات قانونية أمام محكمة مختصة وبشكل علني إذا ما تم الاشتباه في شخص ما… إلخ.

تعرف على كل ما يخص قانون الطوارئ

قواعد العمل بقانون الطوارئ

كما أسلفنا القول، فإن قانون الطوارئ ليس ساريا في الظروف الطبيعية إلا في بعض الدول ذات طبيعة الحكم الاستبدادية، والتي تتخذ من الحد من حرية مواطنيها سبيلا إلى طول الأمد على كرسي الحكم. لكن، وعلى العكس من الدول الاستبدادية، فإن للعمل بقانون الطوارئ بعض القواعد والشروط التي ينبغي مراعاتها عند الشروع في إطلاق الأحكام العرفية, وهذه القواعد تتلخص في الآتي:

  • لا يعمل قانون الطوارئ إلا في الظروف غير الطبيعية التي تمر بها البلاد، كحدوث كوارث طبيعية، أو احتراب داخلي في المجتمع (حرب أهلية)، أو التعدي على حدود البلاد من قبل دولة أخرى، أو أحداث إرهابية… إلخ.
  • يعلن حالة الطوارئ الجهة التي يحددها الدستور، وتكون في الغالب متمثلة في قمة السلطة التنفيذية.
  • عند فرض حالة الطوارئ يكون مصحوبا بثلاثة تحديدات: تحديد سببي وتحديد مكاني وتحديد زماني. فالتحديد السببي من شأنه التعريف بسبب فرض حالة الطوارئ. أما التحديد المكاني فمن شأنه تحديد المنطقة الخاضعة لحالة الطوارئ هذه، وقد تكون منطقة بعينها هي الخاضعة لحالة الطوارئ أو كامل أجزاء الدولة. أما التحديد الزماني فمن شأنه تحديد زمن بدء التوقيت الذي يعمل فيه قانون الطوارئ ومدة العمل به.

آليات قانون الطوارئ التنفيذية

ويتمثل العمل بقانون الطوارئ في بعض الإجراءات ذات التفاصيل الكثيرة، والتي يمكن استخلاص جوهرها في أسطر معدودات. وجوهر إجراءات حالة الطوارئ يتلخص في تقييد الحريات إلى أقصى درجة، كمنع التجوال في ساعات معينة من اليوم، ومنع التظاهرات أو التجمعات في أثناء فرض حالة الطوارئ. كما من شأن حالة الطوارئ تخويل السلطات بمراقبة كافة أنواع المراسلات والاتصالات ووسائل الإعلام باختلاف صورها المسموعة والمقروءة والمرئية. كما يسمح للسلطات التنفيذية بتفتيش الأشخاص المشتبه بهم وحبسهم إذا استلزم الأمر دون التقيد بقوانين الإجراءات الجزائية، كما يسمح باستخدام القوة اللازمة في حالة المقاومة أو الممانعة. كما يمكن أن يفرض العمل بقانون الطوارئ على العاملين في أي منشأة أو مؤسسة العمل لعدد ساعات أكبر من المعدل الطبعي. وفيما سبق يتضح لنا أن جوهر قانون الطوارئ هو تعليق حق أساسي من حقوق الإنسان، ألا وهو حق الحرية.

أهمية قانون الطوارئ

لكن السؤال الذي قد يتبادر إلى الأذهان الآن: إذا كان في قانون الطوارئ ما يجافي مبدأ أساسي من المبادئ التي نصت عليها المواثيق والمعاهدات الدولية وأكدتها الدساتير المحلية، فما الداعي إلى العمل به؟ وهذا سؤال في محله ومتَفهَّم تماما، خصوصا من أناس عانوا تحت وطأة قانون الطوارئ لسنوات أو عقود، ولم يجنوا منه إلا الكثير من التعسف والاستبداد. لكن دعونا نتجرد قليلا من خلفياتنا المسبقة والناتجة من تجارب ملؤها الأسى، محاولين تلمس أكبر قدر من الموضوعية في التناول. فإذا ما تناولنا موضوع قانون الطوارئ فإننا قد عرضنا لقواعده وشروطه التي إذا ما روعِيَت- عَصَمَتْ المواطنين من مغبة التعسف والاستبداد. كما أن قانون الطوارئ ليس مرادفا للاستبداد بحيث أنه أينما وُجد- كان الاستبداد نتيجة طبيعية له، وإنما النظام المستبد إنما يتخذ قانون الطوارئ المعمول به في كل دول العالم في الظروف الطارئة- يتخذه سبيلا من سبل استبداده، وهو مجرد فكرة إن لم تكن موجودة لسلك هذا الاستبداد ألف سبيل آخر لبلوغ مأربه. فليس قانون الطوارئ للمستبد سوى تعلّة شرعية يبرر بها استبداده، بينما الاستبداد في ذاته مستقرا في ذاكرة الإنسانية منذ نشأة مفهوم الدولة وإن تعددت أشكاله وأساليبه. ولنعرف بعد ذلك (بعد أن تأكدنا من أنه ليس سببا في الاستبداد) أن قانون الطوارئ من الأهمية ما يحقق للدولة الكثير من سيطرتها على أمورها في حالات الشدة التي تعتورها، ويعصم المجتمع موارد الشتات والتشرذم والوقوع في دوامات الفوضى التي قد تخلفها جرائم السرقة والقتل الجماعي المنظم. ولكن دعونا نفهم أولا فكرة الدولة وفكرة القانون حتى يتسنى لنا الغوص في أهمية قانون الطوارئ.

فكرة الدولة

تقوم فكرة الدولة على أساسات ثلاث: الشعب، والأرض، ونظام الحكم. ومهمة نظام الحكم للشعب هي توفير الأمن والاستقرار وتحقيق الرخاء والنماء، وإرساء العدل والحرية لهذا الشعب، والمحافظة على حدود البلاد من أي تعدٍّ خارجي عليها. بذا، تكون أركان الدولة مكتملة ومستقرة وتحقق للناس الذين أُنشِئت فكرة الدولة من أجلهم- مآربهم، وتهيئ لهم من كرامة الحياة ما يليق بإنسانيتهم، كما توفر لهم من الحماية والأمان ما يحقق لهم هانئ العيش وهادئ البال.

فكرة القانون

تقوم فكرة القانون على أساس تلجيم وكبح بعض من السلوك الإنساني، والإنسان بشكل عام يميل إلى الأنانية التي وارتها عميقا عمليات التهذيب والتقويم الدائبة التي قامت بها الحضارة على مدى عمرها. وهذه الحضارة قامت على أساس الجماعة البشرية متضافرة الجهود متحدة المشكلات والأغراض، وفكرة الجماعة هذه هي التي أذابت الأنا فيها لتكون الكلمة الأولى والأخيرة لصالح المجموع. لكن هذه الأنانية نزّاعة للظهور من حين لآخر إذا ما اقتضت الأحوال وسيق لها ما يتعارض معها ويقف منها موقف المهدد الوجودي أو السلطوي أو المعنوي؛ لذا كان لزاما على البشرية إذا ما أرادت تقدما أو نهوضا أن تبتكر ما يعرف ب”القانون”. وبغض النظر عن التطورات التي مرت بها فكرة القانون عبر مراحل الحضارة المختلفة، فإنه كان علامة فارقة في مسيرة الحضارة الإنسانية، إذ به يتحقق للناس معرفة ما لهم وما عليهم لئلا يجور أحدٌ على أحدٍ أو تمتد يدا أحد لإيذاء الآخر سواء بالسلب أو بالقتل أو بأي صورة أخرة من صور الإيذاء. ولقد لاقت فكرة القانون هذه نجاحا كبيرا في ظل مجتمع مستقر يعرف الناس فيه حقوقهم وواجباتهم ولا يجترئ على خرقه منهم أحد إلا في أضيق الحدود؛ وذلك لتمام علمه بمغبة هذا الخرق، إذ تقف عيون ساهرة على حماية هذا القانون الذي يمثل أمن واستقرار الجماعة.

قانون الطوارئ

غير أن الأمور تختلف بالكلية إذا ما اعترى استقرار الدولة أو استقرار منطقة ما أي مشكلة من المشكلات التي مثلناها سابقا. ففي حالة من الفوضى وعدم الاستقرار يختل ميزان الدولة وأجهزتها الأمنية وتضطرب الرؤية، الأمر الذي يتيح لجموع المجرمين والخارجين على القانون أن يلجّوا في إفزاع البشر وترويعهم نهبا وقتلا، مما يمعن أكثر في بلبلة الاستقرار وتفريغ الأمن من المنطقة. فكيف ترى بعد كل ذلك القانون الطبيعي في ظل هذه الظروف، بما تضمنه من إجراء تحقيقات ومتابعة وبطء وتدقيق في الإجراءات تحتمها العدالة، أليس من شأن هذا السد أن ينهار من انهمار معدل الجريمة والفوضى من ورائه؟ بالطبع سيحدث ذلك حتما مقضيا لولا فرض قانون الطوارئ بما اشتمل عليه سرعة الإجراءات وإنجازها بشكل يتواكب مع تدفق الأحداث الجارية. كما أن تحديد قانون الطوارئ لمواعيد التجول ولفتح المحال وإغلاقها من شأنه أن يكبح جماح تدفق الأحداث والفوضى محتملة الحدوث؛ لتستطيع السلطات السيطرة على الموقف وتدارك الأمور. وهذا كله بالطبع من شأنه حماية الدولة والعمل على استقرارها وعبورها للأزمة بسلام وبأقل الخسائر الممكنة.

ليزا سعيد

باحثة أكاديمية بجامعة القاهرة، تخصص فلسفة، التخصص الدقيق دراسات المرأة والنوع.

أضف تعليق

إحدى عشر + 10 =