تسعة
الرئيسية » الحيوانات » عدوانية الشمبانزي : كيف تخرج القرود للاستيلاء على مناطق الجيران؟

عدوانية الشمبانزي : كيف تخرج القرود للاستيلاء على مناطق الجيران؟

ماذا قد تفعل عدوانية الشمبانزي وعنفها، إذا ثارت وقررت الجماعة الخروج والاستيلاء على أراضي الجيران؟ وكيف تتشابه عدوانية الشمبانزي مع عدوانية الإنسان؟

عدوانية الشمبانزي

من زمن بعيد والإنسان يرى تشابه بينه وبين القرود، ولكنه لم يصل بعقله إلى مدى قرب وقوة هذا التشابه، حتى عدوانية الشمبانزي تتشابه مع عدوانية الإنسان بشكل كبير. أكثر المشاهد التي ترى فيها تجلي للعدوانية والعنف، تشاهدها في تاريخ الغزوات والحروب التي مرت على البشرية. بسبب هذه العدوانية لا يكتفي الإنسان بالمساحة التي توفر له الحياة الكريمة، بل يملئوه الطمع ويخرج إلى مناطق الجيران ليغزوها ويستولي عليها، قاتلًا من يعارض فيها، ومستعبدًا من يخضع. هكذا تفعل عدوانية الشمبانزي، فقد تم توثيق أن الشمبانزي يخرج من مناطقه ليحارب الجيران ويستولي على أرضه، رغم إنه لا يحتاج لها بالفعل. كما إنه قد يمثل تهديد للأنواع أخرى من القرود بسبب فرط العنف واستعداده لإبادة كل من يقف في طريقه. في هذا المقال سنتكلم أكثر عن عدوانية الشمبانزي، وحروبه، ولماذا قد يفعل ذلك.

لماذا تحتاج بعض القرود إلى العدوانية والسيطرة على مناطق جماعات أخرى؟

قصة حقيقية عن عدوانية الشمبانزي

من أكثر القصص عن عدوانية الشمبانزي، تأتي إلينا من محمية كيبالا الطبيعية في أوغندا، وبالتحديد من منطقة تسمى نيجوجو (Ngogo). حيث قامت الشمبانزي هناك بمطاردة شرسة لقرود الكولبس (نوع من السعادين). وقامت باصطيادهم وقتلهم، حتى وصلت نسبة الإبادة إلى 90% من العدد الأصلي الموجود. كأنها بالضبط حرب عرقية، ناتجة عن عدوانية الشمبانزي، والأقوى يبيد الأضعف. تلك المحمية تتكون مساحتها من 766 كيلو متر مربع. وعلى مدار 33 عام، عمل بيولوجيين من أوغندا وكندا على متابعة حياة ثمانية أنواع مختلفة من القرود. والهدف كان دراسة آلية الحياة فيما بينهم، من أجل دراسة الحياة الطبيعية وإتاحة الفرصة للمساعدة تلك الأنواع على الاستمرار والبقاء على قيد الحياة، فلا تنقرض.

على فترات متباعدة كانت تجرى عملية تعداد للسكان من كل أنواع القرود الموجودة. وفي عام 1975 كانت قرود الكولبس هي أكثر الأنواع انتشارًا وعددًا. إلا إنه بعام 2007 أصبحت تلك القرود نادرة الوجود. وفي المقابل زاد عدد الشمبانزي من 55 قرد إلى 146، لتكون مجموعة كبيرة وقوة مهيمنة.

استراتيجية وعدوانية الشمبانزي

لاحظ العلماء أن الشمبانزي يمتلك استراتيجية وتخطيط مسبق للمعارك. فهو يخرج للحرب والاستيلاء على المناطق المجاورة وقتل الباقيين، بعد ترتيب مسبق فيما بينهم. ولديهم أيضًا عدد محدد ومعروف من الشمبانزي، الذي يقع على عاتقه مهام هذه المعارك، وهم جنود الحرب وجيش العشيرة. ويبدو أن العدد ثابت ويقارب العشرون شمبانزي. فينصب الشمبانزي الفخاخ والكمائن لقرود الكولبس، وعندما يقع العدو في الفخ ينقض عليهم الجنود. وفي كل مرة يحدد الشمبانزي ما إذا كانت المعركة ستنجح أم لا بناءً على أعداد العدو. فلو كان العدد كبير، تعود الشمبانزي أدراجها منتظرة فرصة فضل. وإن كان العدد قليل ومناسب، تنقض الشمبانزي وتقتل القرود وتستولي على منطقة تلو الأخرى، وتدخلها في نفوذ منطقتها.

وهؤلاء الشمبانزي ليسوا عاديين، وإنما محاربين أشداء وصيادين ماهرين جدًا، تملئهم عدوانية الشمبانزي المعهودة. وقد تم تأكيد أنهم قادرون على إبادة 21 قرد من الكولبس في مطاردة واحدة فقط، وأحيانًا أكثر من ذلك. ولا تقف عدوانية الشمبانزي عند حد الاستيلاء على الأراضي وقتل الجميع. بل إنهم يأكلون لحوم القرود أيضًا وكأنها غنيمة مليئة بالبروتينات المفيدة واللذيذة. إنها أفعال كلها تدل على السيطرة وتثبيت قدراتهم وقوتهم ونفوذهم على المناطق الجديدة. الغريب أن الإنسان يمتلك أيضًا أفعال خاصة به يظهر بها جبروته، وإنما العدوانية بداخله تبقى متشابهة. وقد تم تأكيد أن الشمبانزي هي السبب الرئيسي وراء إبادة قرود الكولبس، إذ لا توجد أي عوامل أخرى تفسر هذه الإبادة الجماعية وقلة وجودهم المفاجئ بشكل طبيعي.

تشابه عدوانية الشمبانزي مع عدوانية الإنسان

بعد هذه القصة لابد لك وأنت تلاحظ مدى تشابه عدوانية الإنسان مع عدوانية الشمبانزي. خاصة في المراحل الأولى لظهور الإنسان على الأرض. فكان ينشب صراع كبير من الإنسان والحيوان من أجل السيطرة على الأراضي بمواردها التي توفر الحياة. لأن الإنسان لم يكن يعرف بعد كيفية إنتاج هذه الموارد، وإنما يتغذى عليها فقط مثل الحيوان. وكذلك الشمبانزي اليوم يفعل بالمثل ويقضي على من ينافسه على تلك الموارد. والبعض من العلماء، منهم الدكتور ريتشارد وارينجهام من جامعة هارفرد، يقول بأن هذه العدوانية وحب الاستيلاء على الأراضي وقتل المنافس باعتباره عدو. تبدو وكأنها موروثة من الجد الأكبر الذي انفصل بعده الإنسان عن القرود. لأنها عملية تتشابه كثيرًا في التصرفات والأسباب، وكأنها بالفعل تجري في دماء الإنسان والقرود على حد سواء.

نشرت جريدة فيليسوفيكال ترانسآكشنز، من جمعية “رويال سوسايتي بي” البريطانية، دراسة عن سلوك الشمبانزي العدائي. وتقول الدراسة بأن هذه الأفعال دليل على إن العدائية هي صفة حيوانية وليست إنسانية، توارثها الإنسان من الغرائز الحيوانية المترسبة من بعد انفصاله عن الحيوان. وهي انحدار سلوكي واضح، ينتج عنه الحروب لحب السيطرة وفرد النفوذ بدون داعي حقيقي. فيقول البروفيسور مارك فان فوت من جامعة أوكسفورد، وهو بروفيسور في معهد الأنثروبولوجيا، بأن الإنسان اليوم يحاول أن يتفادى أسباب الصراعات المحتملة التي تنتج عنها الحروب. ولكن ما يزيد الأمر صعوبة هو أن هذه العدوانية متأصلة فينا وفي جيناتنا الحيوانية، وكنا نعيش على نمطها لألاف من السنوات. وهذا هو التحدي الحقيقي للإنسان، أن ينفصل عنما توارثه أيضًا من الحيوان، مثل عدوانية الشمبانزي.

ويأتي في نفس الدراسة، أن الذكور هم المعنين بشكل أخص، لأن في كل الأنواع سواء الإنسان أو الحيوان، تجد أن الذكور هم من لديهم الرغبة الأكبر للاستخدام العنف والاستيلاء على الأراضي وبسط النفوذ. وهم الأشرس من الإناث، وكأنهم محاربين بالفطرة. وفي كل الثقافات سواء الإنسانية أو الحيوانية مثل قرود الشمبانزي، فإن الاهتمام بتقديم الإناث للرجال الأقوياء أمرًا واضحًا جدًا. والهدف هم إنجاب أكبر عدد من الرجال المحاربين أيضًا، لحاجة القبيلة إليهم في المعارك والحروب. والمحاربين يتربعون على عرش المثلث الهرمي في كل المجتمعات التي تمارس العنف لبناء إمبراطورتيهم الكبيرة. وهذه الملحوظات تجدها بنفس الآلية عند الإنسان والشمبانزي.

استغلال الإناث للإنجاب أيًا كانوا

وشيء أخير تم ملاحظته على مجموعات الشمبانزي العدائية، يتشابه كثيرًا مع تصرفات الإنسان العدائي. بأنهم يراقبون دائمًا مناطق نفوذهم وحدودها، فإن ظل شمبانزي ذكر عن طريقه ودخل إلى تلك الحدود، بالطبع سيكون مصيره الموت فورًا لا محالة. أما لو كانت الضالة أنثى من أي نوع أخر من القرود، سيحاول الشمبانزي إقناعها أو حتى إرغامها على البقاء والحياة معهم، كأنها أسيرة من أجل الإنجاب أو خدمة المحاربين. إنها فطرة ناتجة عن عدوانية الشمبانزي، وحب السيطرة على أكبر عدد من الإناث بهدف زيادة فرص الإنجاب. هذه الطريقة أيضًا يمارسها الإنسان، في اعتبار الإناث أسرى الحروب على إنهن خادمات من أجل متعة الجنود. وآلات إنجاب لمحاربين أخريين.

في النهاية عزيزي القارئ، عدوانية الشمبانزي تتجلى في صور أخرى وقصص أخرى كثيرة. ولا تستطيع سوى أن تتعجب بمدى قرب الأفعال والأسباب التي تنتج هذه العدوانية، بين الإنسان والشمبانزي. وتزيد تكهنات العلماء حول أصل هذا الموضوع، وكيف للإنسان أن يتخلص من تلك الغريزة الحيوانية المتأصلة فيه بشكل كبير.

سلفيا بشرى

طالبة بكلية الصيدلة في السنة الرابعة، أحب كتابة المقالات خاصة التي تحتوي علي مادة علمية أو اجتماعية.

أضف تعليق

خمسة + ثلاثة عشر =