تسعة
الرئيسية » دين » ساعات الصوم : كيف يختلف طول الصوم بين رمضان وآخر؟

ساعات الصوم : كيف يختلف طول الصوم بين رمضان وآخر؟

لا بد أن الكثيرون منا لاحظوا اختلاف ساعات الصوم من بلد إلى أخرى وحتى من رمضان لآخر. فكيف نصوم لمدة اثني عشر ساعة في عام بينما نصوم ستة عشر ساعة في عام آخر؟

ساعات الصوم

في هذا العام في مصر ستصل ساعات الصوم في اليوم إلى خمسة عشر ساعة في اليوم بينما أطول يوم سيصل فيه الصيام إلى خمسة عشر ساعة وأربع وخمسون دقيقة. وإذا كنت متابعا لحركة المشاركات على مستوى التواصل الاجتماعي فستتمكن من معرفة أن رمضان هذا العام قد حصل على أطول رمضان من حيث عدد ساعات الصوم. أما إذا حاولت تتبع ساعات الصيام في أماكن مختلفة من العالم فستقابلك مفاجأة أخرى وهي المقدار الهائل من تنوع عدد ساعات الصوم بين دولة وأخرى! فمثلا في رمضان عام 2016 الفائت كان عدد ساعات الصوم في الجزائر 16 ساعة و46 دقيقة، أما في مسقط فكان حوالي 15 ساعة. إذا ذهبنا إلى مدينة مورمانيك في روسيا فإن عدد ساعات الصوم سيصل إلى 24 ساعة نظرا لأن الشمس لا تغيب أبدا! بينما في أوشوايا الأرجنتينية فإن عدد ساعات الصوم بلغ 8 ساعات و57 دقيقة فقط! بين هذا التباين الشاسع بين كل دولة وأخرى وبين كل دولة ونفسها أيضا، أصبح هناك سؤال يطرح نفسه جليا .. كيف يختلف طول الصوم بين رمضان وآخر؟!

ما سبب اختلاف ساعات الصوم بين البلدان وبين الرمضانات

أنت تسأل والجغرافيا تجيب

من أجل الإجابة على سؤال اختلاف عدد ساعات الصوم بين رمضان وآخر، سنذهب في جولة سريعة إلى طريقة دوران الأرض حول الشمس واختلاف الفصول وكل تلك التغيرات التي نلاحظها.

جميعنا نعرف أن النهار يصبح أطول في أثناء الصيف –كيف لا يمكننا ملاحظة هذا وشمس النهار أصبحت تحرق بلا هوادة-، بينما ليل الشتاء هو الذي يقلب الكفة. بينما في الخريف والشتاء يحاول اليوم الموازنة بين عدد ساعات نهاره وليله.

ما يحدث ليس أن الأرض تشعر بقدوم الشتاء فجأة فتقوم بإطالة الليل وتقصير النهار أو العكس في حالة الصيف، ولكن ما يحدث هو أن عدد الساعات الخاصة بالنهار مثلا تقصر تدريجيا بمعدل دقيقة كل يوم مقابل دقيقة زائدة من أجل ساعات الليل. هذا الأمر كنت ألاحظه بقوة في رمضان خاصة عندما كنت صغيرة حيث موعد آذان المغرب يكون موعدا ذا أهمية قصوى ومعرفة الساعة والدقيقة بالضبط لا يقل أهمية عن وجود النيش في منزل أية عروسة مصرية. لذلك، كنت ألاحظ أن موعد آذان المغرب يتم تأخيره دقيقة في كل يوم حتى يصبح الموعد في نهاية رمضان أبكر نصف ساعة من موعده في بداية رمضان. ونظرا لأن هذا الأمر كان محيرا –سعيدا ولكن محيرا-، فحاولت أن أعرف السبب وراء هذا التغير.

تغير ساعات النهار والليل خلال أيام العام

السر وراء اختلاف عدد ساعات الصوم بين مصر والجزائر ومورمانيك وأوشوايا يكمن في المكان الذي توجد فيه كل دولة من هذه الدول على الأرض. فجميعنا نعرف أن الأرض تقوم بالدوران حول نفسها مما يؤدي إلى الظهور الليل والنهار بينما هي تقوم بالدوران حول الشمس مما يؤدي إلى ظهور الفصول الأربعة. السر وراء اختلاف عدد ساعات الليل والنهار في كل فصل من الفصول يعود إلى أن الأرض لا تدور حول نفسها بشكل عمودي لدورانها حول الشمس، وإنما تدور حول نفسها بشكل مائل بنحو 23 درجة. هذا الميلان يقوم بجعل عدد ساعات الليل والنهار تختلف من فصل إلى فصل حسب تعرض الأرض للشمس وزاوية ميلانها حينها.

اختلاف ساعات النهار بين الدول وبعضها

أما بالنسبة لتغير عدد ساعات الليل والنهار بين الدول وبعضها، فهي أن الأرض دائما ما تكون معرضة للشمس طوال الوقت ولكن على مستوى نصف الكرة الأرضية فقط –هذه المساحة قد تزيد أو تقصر لأسباب جغرافية-. فما يحدث هو أن نصف الكرة يكون نهارا بينما النصف الآخر سيكون ليلا. وبالمثل، نصف الكرة يكون في مرحلة الشتاء بينما النصف الآخر يكون في الصيف مثلا. وبما أننا عرفنا أن عدد ساعات النهار والليل يختلف باختلاف الفصول، فأصبح بإمكاننا استنتاج اختلاف عدد ساعات الصوم بين دولة وأخرى. فالدولة التي يوجد بها الشتاء سيكون عدد ساعات الصوم فيها أقصر بينما الأخرى سيكون عدد ساعات الصوم فيها أطول. هذا قد يفسر الأمر بين اختلاف ساعات الصيام بين مصر وأشوايا .. ولكن ماذا عن مورمانيك التي لا تغيب عنها الشمس أبدا؟!

الدول التي لا تغرب فيها الشمس

عند رؤية الأرض في زاويتها المائلة ومواجهتها للشمس، سنتمكن من تقسيم الأرض إلى ثلاثة مناطق. المنطقة الاستوائية وهي المنطقة التي يثبت فيها عدد ساعات النهار وتتساوي مع عدد ساعات الليل مع اختلاف الفصول المختلفة. السر وراء هذا الأمر هو أن المنطقة الاستوائية تقع في منتصف الكرة الأرضية تماما فكأنها تدور عمودية مغايرة للتأثير الذي سببه زاوية ميلان الأرض على باقي المناطق. فتلك المنطقة ستظل مواجهة للشمس لمدة 12 ساعة حتي تكمل الأرض نصف دورة ثم ستبقى في الظلام لمدة 12 ساعة حتى تكمل الأرض كل دورتها.

المنطقة الثانية ستكون منطقة القطبين وهما منطقتين يكون اختلاف الليل والنهار فيهما على مدار العام متغاير بشكل مدهش. فهناك أيام يمكن أن لا تغيب فيها الشمس أبدا لعدة أيام حيث ستبقى تلك المنطقة موازية للشمس خلال دوران الأرض، وبالمثل سيتواجد أيام حيث لا تشرق الشمس أبدا لبعضة أيام. هذا يفسر لماذا مورمانيك يبلغ عدد ساعات الصوم فيها إلى 24 ساعة، فهي تتواجد بالقرب من قطب الكرة الأرضية.

المنطقة الثالثة هي المنطقة المدارية وهي تتكون من شقين يقعان على جانبي المنطقة الاستوائية وتقع مصر في إحدى هذه المنطقتين. هذه المنطقة تتميز بتلك الجملة التي اعتدنا حفظها في كتب الجغرافيا “تحظى مصر بجو حار جاف صيفا معتدل ممطر شتاء”.

اختلاف عدد ساعات الصوم من رمضان إلى آخر

الآن بعد أن عرفنا سر اختلاف عدد ساعات النهار والليل من يوم إلى آخر خلال العام واختلافه في نفس اليوم بين دولة وأخرى، سنصبح قادرين على شرح سبب اختلاف عدد ساعات الصوم في نفس المكان من عام إلى آخر. فإذا قمنا بالاستناد إلى المنطق، فإن رمضان يأتي في كل عام في نفس الشهر وهو شهر رمضان، وكذلك الأرض تدور بنفس الطريقة منذ بداية خلقها. فلماذا إذا تختلف عدد ساعات الصوم من عام إلى آخر.

الإجابة على هذا السؤال بسيطة وأنا واثقة أنها تبادرت إلى أذهن الكثيرين منكم. أجل، رمضان يأتي كل عام في شهر رمضان، لكن الأرض تدور كل عام استنادا إلى الأشهر الشمسية وليس القمر. فرمضان يأتي كل عام في رمضان ولكنه يأتي كل عام في شهر مختلف من أشهر السنة الشمسية، فمثلا رمضان في هذا العام سيأتي في شهر مايو، بينما كان ميعاده في شهر يونيو العام الماضي. السؤال الآن سيكون لماذا يختلف ميعاد حضور رمضان في كل عام؟

الأشهر الهجرية والميلادية

ما يتسبب في اختلاف عدد ساعات الصوم من عام إلى عام هو أن الأشهر الهجرية تعتمد في بدايتها ونهايتها على القمر، والقمر ليس لديه مواعيد ثابتة ومحددة بالغة الدقة. كل ما نعرفه عن الأشهر الهجرية هو أنه سيكون في حدود 28 إلى 30 يوما. لهذا توجد دائما المعضلة حول متى سيبدأ شهر رمضان ومتى سينتهي، فبداية الشهر الهجري ونهايته تعتمد على رؤية الهلال، ورؤية الهلال في الأيام الأخيرة من الشهر الهجري تكون صعبة أو يكون الهلال غير موجود أحيانا. هذا يعني أن الأشهر الهجرية تتراوح بين 28 إلى 30 يوما فقط. بالنسبة للأشهر الميلادية فنحن ليدنا تقويم محدد وواضح لعدد أيام الشهر بالضبط. فنحن نعرف أن يناير هو 21 يوما وفبراير 28 يوما أو 29 كل أربع سنوات. حتى هذه المعلومة التي تحدث كل أربع سنوات عن شهر فبراير نعرفها مسبقا. بالقيام بعملية حسابية بسيطة سنجد أن السنة الهجرية أقصر بعدة أيام من السنة الميلادية. هذه الأيام في سنة واحدة لن تقوم بصنع فارق في عدد ساعات الصوم في شهر رمضان، لكن الفارق يحدث عندما تمر بضعة سنوات ويصبح الفارق عدة شهور، عنها يبدأ رمضان في التقلب بين الأشهر المختلفة مما يعني التقلب بين الفصول المختلفة. والآن أصبحنا نعرف أن هذا يعني التقلب بين عدد ساعات نهار مختلفة تبعا للفصل الموجود حاليا. وكنتيجة نهائية، اختلاف عدد ساعات الصوم من عام إلى آخر.

أفنان سلطان

طالبة جامعية، أهوى القراءة واعتدت الكتابة كثيرا منذ صغري. على أعتاب التخرج ولا أدري بعد ماذا سأفعل.

أضف تعليق

خمسة + تسعة =