تسعة
الرئيسية » الحيوانات » ذكاء القرود : كيف تفكر القرود وهل تمتلك ما يسمى بالذكاء؟

ذكاء القرود : كيف تفكر القرود وهل تمتلك ما يسمى بالذكاء؟

بالتأكيد لديك فكرة عن القرود أنها حيوانات ذات درجة من درجات الذكاء، لكن إلى أي مدى يصل ذكاء القرود ؟ وهل تفكر القرود مثل الإنسان؟ هذا ما نجيب عليه هنا.

ذكاء القرود

هل القرود تفكر كما يفعل الإنسان؟ وإن كانت تفكر فهل ذكاء القرود أعلى أم أقل من ذكاء الإنسان؟ هل تعتقد أنت أن إجابة تلك الأسئلة سهلة جداً ولا داعي لإرهاق عقلك في قراءة المقال، فتقول إن بالطبع ذكاء الإنسان أعلى من ذكاء القرود؟ أحب أن أقول يا عزيزي القارئ أن الموضوع يستحق الدراسة والسؤال. فالعلماء في الآونة الأخيرة غيروا الكثير من المفاهيم التي كنا نعتقد أنها ثابتة، من خلال دراسة سلوك القرود وطريقة تعاملهم مع الحياة. فالقرود تحزن وتغضب وتحب وتكره، كما أن لها رغبات محددة من حيث الأكل أو أي تعامل أخر. كل ذلك يشير إلى إن ذكاء القرود حاضر وبقوة في عقولهم، ويجب علينا أن ندرسه. ولم يأتي الخيال العلمي لبعض الأفلام التي تحكي عن قيام ثورة القرود ضد البشر. تابع معي هذا المقال وغير بعض مفاهيمك عن ذكاء القرود.

إلى أي مدى يصل ذكاء القرود وهل تفكر مثل الإنسان؟

ذكاء القرود قادر على فهم 300 كلمة

القرد كنذي وهو من عائلة البونوبو (الشمبانزي القزم وهو أقرب كائن حي للإنسان في عملية التطور)، استطاع أن يبهر العلماء والعالم كله بقدرته على فهم 300 كلمة إنجليزية. يستخدم القرد 400 رمز جاهز للتعبير عما يريد قوله. مثل “أعطني ذلك” اذهب واحضر الكرة”، وحتى إنه قادر على طلب البيتزا كوجبة مفضلة بالنسبة له عند طلب الأكل. اللغة التي يستخدمها كنذي هي لغة الرموز، مثل اللغة الهيروغليفية أي بعض الصور التي ترمز للكلمات ومن خلالها يتم تكوين جمل محددة. كانت مدربة كنذي تعلم تلك اللغة لأمه بالتبني وهو صغير. واستطاع كنذي بمفرده التقاط وتعلم الكلمات ومن ثم أبهر الكل بأنه قادر على الحديث من خلاله والتعبير عن نفسه. فأصبح أول قرد طفل يتعلم اللغة بمفرده. وهو يستخدم الرموز بترتيب معين للإجابة على أسئلة توجه له، أو لكي يطلب هو ما يريد. هو يفهم الصور وما قد تعنيه إن تم جمعها بطرق مختلفة. ذلك يدل على إن كنذي يمتلك ذكاء من نوع خاص. بل الأكثر من ذلك أنه استطاع تكوين كلمة بيتزا بمفرده، حين جمع صور للخبز والطماطم والجبن معاً. بالتالي هو يقول إن أريد بيتزا. من الواضح أن ذكاء القرود قادر على التعبير عن احتياجاته وفهم الكلمات البشرية.

القرود تستخدم الأدوات

في السابق كنا نعتقد أن ذكاء الإنسان وحده هو من تطور ليستطيع إخضاع الكون له. بحيث يستخدم أدوات في إنجاز مهماته، ولا يستخدم قوته وجسده فقط. ولكن الأبحاث الجديدة تثبت أن ذكاء القرود أيضاً قد تطورت واستطاعت معرفة الخواص الفيزيائية للأشياء، ومن خلال ذلك يختار الأداة المناسبة لما يريد أن يفعله. في معهد ماكس بلانك الألماني في ليبزيج، قام فريق من العلماء الألمان بدراسة جديدة على مجموعة من القرود. الفكرة هو تقديم لعبة للقرود، وتلك اللعبة تحتاج إلى استخدام أداة معينة، ولم يلعب أي قرد تلك اللعبة قبل الاختبار. ثم في غرفة منفصلة توجد الكثير من الأدوات، عصا خشبية، حبل، عصا بلاستيكية، وغيرها من الأدوات. عندما يبدأ القرد في اللعب ويبدأ في التوقف لأن هناك أداة ناقصة لإكمال اللعبة، يتم إدخالها إلى غرفة الأدوات ليختار منها المناسب. وفي كل مرة اختار القرد الأداة المناسبة للعبته. بذكاء القرود عرف القرد أن تلك الأداة هي ما يحتاجها.

ولكن ذلك تجربة بالمعمل وتكون هناك عوامل خفيه لا ندركها. ولكن ماذا عن تجربة حقيقية في عالم الأدغال. شاهدت عالمة الأنثروبولوجي جيل برويتز، مفاجأة كبيرة في أدغال السنغال عام 2005، أثناء رحلتها لدراسة ومتابعة حياة القرود. لأول مرة شاهدت الشمبانزي يخرج في مجموعة للصيد وهو متسلح. سلاحه كان عصا خشبية بطول 70 سنتمتر، وهو من يسنن رأسها لتكون مثل الرمح. ويبدأ بالبحث عن الفرائس المختبئة في الجحور داخل جذوع الأشجار. فيدخل رمحه داخل كل فجوة، ويطعن بها الفريسة عدة مرات، لتخرج معها في المرة الأخيرة. الإنسان وحده في هذا العالم من استعمل الأدوات المتاحة له لتلبية حاجاته، وهذا هو سر تطوره وتفوقه عن غيره من الحيوانات. اليوم أصبح ذكاء القرود قادر على فعل ذلك، ما الذي سيقدر عليه المرة المقبلة إذاً؟

ذكاء القرود يفرق بين الحق والباطل أو ما يُعرف الضمير

من خصائص ذكاء الإنسان هو وجود الضمير، أو ما يجعله قادر على التفريق بين ما هو حق وما هو باطل. إن كان ذكاء القرود يمتلك نفس تلك الخصائص، فهو بالتأكيد أقرب بكثير إلى ذكاء الإنسان مما نعتقد. أظهرت التجارب الأخيرة أن القرود تعرف ما عليها فعله إن جاء الأمر لاختيار الصحيح الأخلاقي. فعند احتياج قرد للمساعدة، نجد أن أكثر من قرد تقدم لتقديمها له. فلو وقع من قرد شيء أثناء الاختبار، يقفز قرد أخر لكي يعطيها له بدون أن يأمره أحد بذلك.

كما إن القرود تجتاز اختبارات كثيرة ترتبط بما هو صحيح. في معهد ماكس بلانك الألماني أجريت تجربة أخرى. تم وضع قردين بنفس الغرفة وتم وضع مجموعة من العنب في الطاولة، ثم غطى العالم العنب بطبق يخفيهم ومكتوب عليه 1. وكان هناك طبق أخر لا يحتوي عنب ومكتوب عليه 2. أخرج العالم القرد الأول، وبقي في الغرفة القرد الثاني فقط، وأمام عينيه غير مكان العنب من الطبق الأول إلى الطبق الثاني. ثم أدخل القرد الأول مرة أخرى إلى الغرفة، وعلى القرد الثاني أن يشير له على الطبق الذي يحتوي العنب حتى يأكل منه القرد الأول فقط. في كل مرة كان القرد الثاني يشير إلى الطبق الثاني، لأنه يعلم الحقيقة ولا يريد أن يخدع صاحبه. هذا السلوك ستجده في الإنسان بالعمر الصغير فقط، ومن بعد سن الخمس سنوات سيتوقف الإنسان عن قول الحقيقة حتى يأخذ العنب لنفسه.

تجربة أخرى تدل على تفريق ذكاء القرود بين الحق والباطل، قام بها الباحث بريان هار على الشمبانزي. الفكرة هي وجود صحن من الطعام على الطاولة، وقرد يستطيع الوصول إلى الطعام وأكله بدون أن يوقفه أحد. أما القرد الثاني فيملك في يده حبل مرتبط بصحن الطعام، ويمكنه أن يشد الحبل ويوقعه على الأرض فلا يتمكن الأول من أكله. عندما يحاول القرد الأول الوصول إلى الطعام، يوقفه القرد الثاني بشد الحبل ووقوع الطعام على الأرض. أما إذا تدخل إنسان وأعطى بنفسه الصحن إلى القرد الأول، فيتركه القرد الثاني ليأكل دون أدنى مشكلة. لأنه عرف أن هذا الطعام مقدم له بشكل عادل، ولم يأخذه بنفسه خلسة.

كما تظهر القرود من نوع الشمبانزي القزم بعض السلوكيات في الطبيعة التي تؤكد أنها تعي الفرق بين التصرف السليم والخاطئ. ففي عالم الحيوان من يجد فريسة يأكلها ولا يشرك أحداً. أما الشمبانزي فيقدم الطعام للغريب بدافع إقامة علاقات اجتماعية فقط لا غير، ولا تربطه أي علاقة سابقة معه. كما يفعل الإنسان تماماً في فن الضيافة.

القرود تحزن على الموتى

من أهم المشاعر الإنسانية هي الشعور بالحزن عند موت أحد أفراد الأسرة. وذلك في حد ذاته ذكاء من الإنسان، لأنه يدرك قيمة هذا الفرد ويحبه ويعي أنه لن يكون معه مرة أخرى. الباحث الياباني Tetsuro Matsuzawa”” شاهد حادثة عجيبة أثبتت أن ذكاء القرود هو الأخر يجعلها قادرة على الحزن والاهتمام بموتاهم كنوع من العزاء. في إفريقيا الغربية وعند منطقة البوسو التي تقع عند أسفل جبل نيمبالا، شاهد الباحث موت ابن القردة “جيره” والذي كان يدعى “جوكرو”. كان القرد الصغير يلعب دائماً بجانب أمه ولا يفارقها، وفجأة سقط جوكرو بلا حراك. الأم جيره حملته على ظهرها تتنقل به من مكان لأخر. وبعد عدة أيام كان جوكرو قد مات، والأم تدرك ذلك بسبب التفاف الذباب ورائحة الجثة التي بدأت في التعفن. رغم ذلك لم تدرك الأم ابنها، بل كانت تبعد الذباب وتحاول تنظيفه، حتى جف وتحول إلى مومياء. القردة كانت حزينة على موت ابنها وترفض الاعتراف بذلك ولا تريد أن تتركه.

في محمية للشمبانزي القزم في الكونغو، حدثت أيضاً مفاجأة كبيرة تؤكد أن ذكاء القردة يفهم مفهوم الجنازة وتشيع الموتى والحزن عليهم. عندما مات أحد الصغار منهم، حاول الحراس أن يأخذوه من بينهم ليدفنوه. فلم ترضى بذلك القردة ووقف الكثير منهم رغم أنهم بدون قرابة، يدافعون عن جثة القرد. هم حزانى ويريدون تشيعه بأنفسهم. وعندما أخذوه في الأخير، وقفوا جميعاً ينظرون له، كمثل ذلك المشهد الذي يقف فيه الإنسان ليودع قريبه أثناء الدفن.

ذاكرة الشمبانزي في تحدي ضد ذاكرة الإنسان

واحدة من الصفات الأخرى المهمة المميزة لذكاء الإنسان، هي قدرته على التذكر. فماذا إذا وضعنا تحدي بين ذاكرة الشمبانزي وذاكرة الإنسان، من سيكسب؟ المدهش أن ذاكرة الشمبانزي هي من ستفوز وبقوة. في معهد Primate Research الياباني، قام علماء اليابان بتجهيز اختبار لقياس قوة الذاكرة ما بين الشمبانزي ومجموعة من أذكى طلاب الجامعات اليابانية العريقة. الاختبار كان وضع مجموعة من الأرقام من واحد إلى تسعة بطريقة عشوائية متفرقة على الشاشة. والسماح للشمبانزي أو للإنسان برؤية أماكنهم في أجزاء من الثانية، وعليهم بعد ذلك تذكر أماكن الأرقام على التوالي.

تفوقت ذاكرة الشمبانزي بقوة على ذاكرة الإنسان. وكانوا قادرين على تذكر أماكن الأرقام على التوالي وفي مكانها الصحيح. أقوى المنافسين كان القرد Ayumu، والذي نجح في الاختبار بنسبة 80%. في حين أن أحسن طالب لم يتجاوز 40%. هذا فرق كبير ويدعو للتفكير، فيما إذا كان ذكاء القرود وذاكرتهم جديرة بتحدي الإنسان نفسه.

اختلاف ثقافي

اختلافنا هو من يحدد هوياتنا عن باقي الشعوب، بعاداتنا وتقليدنا. وأيضاً يحدد هوية الشخص ذاته، في طريقة تعامله وتصرفه مع من حوله ومع الطبيعة. ميزة الاختلاف تميز الإنسان، خاصة الاختلاف الثقافي. أما الحيوان فمن المفترض أنه تقليدي ولا يختلف فرد عن الجماعة في أي شيء. تلك الفكرة تغيرت بعد العديد من الملاحظات الميدانية التي شاهدتها العلماء على القرود. فهم يمتلكون اختلافات وتنوعاً بين الثقافات والسلوكيات التي تحدد هوية الفرد أو الجماعة.

تلك السلوكيات التي تتكون من أفعال القرود نفسها، لا من وراثتها من أجدادها، تقدم تنوع ثقافي بين الأفراد. فبعض القرود تصدر أصوات عندما يحين موعد نوم الصغار، آخرين يذهبون للنوم في هدوء. بعض القردة تستخدم قشة وآخرون يستخدمون عود خشبي في صيد حشرة القرضة. هذه السلوكيات وغيرها تتغير وتحدد هوية الفرد والجماعة، بدون أن يورثها الآباء إلى الأبناء.

الابتكار وإيجاد الحلول البديلة

تمتلك القرود صفة أخرى تشير إلى إن ذكاء القرود حاضر وبقوة، وهي صفة الابتكار والبحث عن الحلول البديلة للوصول إلى أهدافها. وذلك يظهر جليلاً في الاختبارات التي تعرضت لها القردة من مختلف الفصائل. الاختبار كان عبارة عن صندوق يحتوي على جائزة إلى من يتمكن من فتحه. وطريقة الفتح تتضمن ثلاثة طرق مختلفة. عندما يكتشف القرد طريقة لفتح الصندوق، يتركه العلماء يلهو بالجائزة قليلاً. ومن ثم يغيرون طريقة فتح الصندوق، فلا يتمكن القرد من فتحه بنفس الطريقة التي اعتاد عليها. فيبدأ القرد في التفكير في الحلول البديلة حتى يجدها، ولا يظل يفكر في نفس الحل القديم ولا يترك الصندوق.

كما أظهرت بعض القردة الأخرى، ابتكارها لبعض الأفكار الخاصة بها بدون أن تتعلمها من أحد. مثل استخدام أنبوب لشفط العصير، بدلاً من لعق ما يلتصق بالأنبوب كما تفعل باقي القردة، بعد إنزاله في فتحة علبة العصير.

ذكاء القرود في حل النزاعات

حين يتمكن المرء من حل نزاعاته مع جيرانه بالعقل قبل قبضة اليد، فهذا بالتأكيد ينم على الذكاء. في مجتمعاتنا العربية بالتحديد، يمثل الفرد الكبير في العائلة حلاً للنزاعات، تلك الاستراتيجية تتبعها القرود أيضاً بذكاء ووعي كبير. سنتخذ من مجتمع قرود Makaka مثالاً على ذكاء القرود في حل النزاع إن قام بينهم. وقد استطاعت تلك القرود الوصول إلى ما يُعرف بوظيفة الشرطي، لأفراد معينين من بينهم. فإن وجد هذا القرد، ساد الهدوء بين الجميع بشكل مباشر. فيحذى بمكانة واحترام كبير بين المجموعة.

ليس من الواجب أن يكون القرد الشرطي ذكراً، بل يمكن أن تكون أنثى ولكن العامل المشترك الأكيد هو كبر السن. وهو قادر على حل أي نزاع، ويوقف مثيري الشغب أيضاً عند حدهم. في معهد سانتا في نيومكسيكو، استطاعت الباحثة جسيك فاليك، أن تثبت صحة تلك القدرة لدى القرود. بأن أبعدت الثلاثة القرود التي تلعب دور الشرطي أو المحافظ على الأمن، وقد اكتشفتهم من خلال المراقبة. وذلك من قطيع يتكون من 84 قرد، وأبقت على فرد واحد فقط. النتيجة كانت الفوضى بين أفراد القطيع، وبدأ النزاع وانقسموا إلى مجموعات. كانت المجموعات تنقسم على قرب علاقة الدم. واختفت تقريباً كل التفاعلات والسلوكيات الاجتماعية فيما بينهم. مثل الأكل سوياً واللعب، وتنظيف الشعر لبعضهم، وحتى الزواج من خارج الأسرة. وحين أعادوا القرود مرة أخرى، رجع الأمر كما كان فجأة. لما لتلك القرود من قدرة على إحلال السلام.

ذكاء القرود في إحلال السلام

على نقيض الحيوانات والقطعان الأخرى، نجد أن ذكاء القرود هو من يحل أي خلاف ونزاغ فيما بينهم، خاصة مجتمع الشمبانزي القزم. حتى أفراد الشرطة كما ذكرنا، لا يتدخلون بطريقة عنيفة إلا في حالات نادرة فقط. بل لديهم أساليب أخرى لفض النزاع، مثل المقاسمة في الطعام، وإحلال الحق بين المتخاصمين. ويستخدمون أيضاً طريقة الزواج لحل النزاع، أي يتزوج فردين من القرود من أجل إحلال السلام فقط، لا من أجل الإنجاب. ولديهم مفهوم التقبيل أيضاً كطريقة للمصالحة، وكأنهم يقولون إنه لا مشكلة بينهم.

في ذلك يتشابه البشر المتحضرون، في محاولة لحل الخلاف دون استخدام العنف. وبعض الملوك بالماضي كانوا يزوجون أبنائهم فقط من أجل إحلال السلام بين الدولتين لا أكثر. وتشتهر فصيلة الشمبانزي القزم بالتحديد عن مختلف الفصائل الأخرى، بالسلام والهدوء الذي يعم الأجواء. على خلاف مجتمعات القرود من الفصائل الأخرى، التي يظهر فيها التحكم الذكوري فوق أفراد المجموعة. وتتجه القرود إلى حل النزاع بالقوة، والتنافس على الإناث بإظهار العضلات، وقد يصل الأمر إلى أكل بعضهم البعض في بعض الأحيان. لا تجد مثل تلك التصرفات في مجتمع الشمبانزي القزم، لأنه مجتمع أمومي، وهناك تشارك بين الإناث والذكور. كما توجد وسائل كثيرة لحل النزاع دون معركة، ويكثر اللعب واللهو والمشاركة الاجتماعية.

والفرق الكبير أيضاً، هو حياة تلك الفصيلة من القرود حيث وفرة الطعام والبيئة الصالحة لضفة نهر الكونغو الغربية. وحياة مجموعات القرود الأخرى على الجانب الشرقي من النهر، حيث الجفاف وقلة الطعام. ألا تجد في ذلك تشابه مع حياة البشر، حيث تتزامن وفرة المال مع الثقافة، والفقر مع الجهل؟

يتشابه الإنسان مع القردة في الانفعالات

كتب العالم الشهير داروين عام 1872، كتاباً يضع فيه نظريته الجديدة، التي قالت بأن الحيوان وخاصة القرود، يتشارك مع الإنسان في إظهار الكثير من الانفعالات مثل الفرح والغضب والحزن. حتى إن تعبير الوجه يتشابه في الكثير من الأحيان، ويتغير الجسم أيضاً بنفس الطريقة، مثل ارتفاع ضغط الدم في وقت الغضب. تلك النظرية لم تلقى قبولاً كبيراً في ذلك الوقت، كعادة العلم الذي يحتاج لمدة كبيرة من أجل أن يتم إثباته. لأن تلك الفكرة تدعم أن ذكاء القرود وأدمغتهم كافية لتتشابه مع الإنسان. لكن 2013 قامت دراسة جديدة غيرت منظور العلماء في تلك القضية.

قارنت الدراسة بين ردود أفعال الإنسان الغير واعية، مع تلك التي يظهرها الشمبانزي، عند التعرض لنفس الظروف المحيطة. وذلك باستخدام كاميرا فيديو لتصوير أطفال الإنسان والشمبانزي في مرحلة النمو، والتعبيرات أو السلوكيات التي يفعلونها من يومه مع من يرعاهم. فمثلاً نجد أن الاثنين يمدون أياديهم لفوق، لو أرادوا أن يحملهم المشرف. أو إنهم يستخدمون إصبع للإشارة على ما يرغبون. أو البكاء عند الشعور بعدم الراحة. تلك الانفعالات المتماثلة، تجدها وكأنها مورثة وليست مكتسبة. فلم يعلم أحد تلك الأطفال على فعل تلك الأمور، ولكنها موجودة ومتشابهة.

القدرات التعليمية لذكاء القرود

من أهم ما يميزنا كبشر هو القدرة على التعلم وتلافي الأخطاء. في ذلك السياق أكمل العلماء التجربة الماضية على أطفال الإنسان وأطفال القرود والشمبانزي. حيث يتم تعليم القرود على التواصل مع البشر، عن طريق الإيماءات وبعض الأصوات البسيطة، وبعض الصور التجريدية أيضاً. في حين يظل الأطفال في بيوتهم مع الأهل بطريقة طبيعية. ثم جري تصويرهم جميعاً مثل الشهر 11 إلى الشهر 24 من عمرهم. في القسم الأول من التصوير تجد أن الأطفال جميعاً تستخدم نفس الإيماءات وتعبيرات الوجه، لإظهار مشاعرهم وللتواصل مع البشر الأخريين. كما أضافوا جميعاً بعض الأصوات والحركات الخفيفة، والنظرات إلى الأشخاص المعنين لجذب الانتباه.

في القسم الثاني ستجد أن الأمر يبدأ يختلف، لأن أطفال البشر بدئوا يتكلمون، ويحاولون التواصل باللغة عن رغباتهم ومشاعرهم. أما القرود فزادت عندهم الإيماءات البصرية، والقدرة على التواصل بالأعين. كما تعلمت الأطفال الكلام عوضاً عن الإيماءات، في المقابل تعلمت القرود بالفطرة استخدام أدوات تجريدية للتعبير عن أنفسهم. تفسير هذه الدراسة جاءت لتوضيح طريق الإنسان والحيوان في الوصول إلى لغة مشتركة للتعبير عن أنفسهم. لدى الجميع قدرة تعليمية خاصة به منفردة، ولكن الكل يبدأ بنفس الأسلوب ثم يأخذ منحى مختلف.

أشار العلماء إلى إن السلوكيات والإيماءات المتطابقة لدى البشر والقرود، قد تكون نتيجة أن الفصيلتين تعود في الأصل إلى نفس الجد، حسب نظرية التطور. فتظهر الموروثات بجدارة في بداية العمر. أما الإنسان فقد تطور وانفصل عن ذلك الجد المشترك، واستخدم الإيماءات الصوتية بشكل أكبر، حتى تطورت إلى لغة. والقرود تتعلم لغة مختلفة باستخدام النظرات والأصوات البسيطة وبعض الحركات والأدوات التجريدية في مجتمعها. ولكن قد يكون هناك سبب أخر في قدرة ذكاء القرود على التعلم بطريقة تختلف عن البشر، ولكن ذلك لا يعني أنه لا يفهم ولا يفكر ولا يتعلم. سواء طفل الإنسان أو طفل القرود فهو يتعلم ويتطور، وذلك يدل على الذكاء والقدرة على الفهم والتطور لمجاراة الواقع، ولكن في اتجاه مختلف حس مجتمع كل طفل.

بالنهاية، قد يكون موضوع ذكاء القرود غريب ويصعب اداركه. ببساطة لأن الإنسان لا يستطيع تصور أن هناك من يجاريه في هذا الكون في قدرة العقل. ولكنه يظل موضوع مثير للدراسة والجدال.

سلفيا بشرى

طالبة بكلية الصيدلة في السنة الرابعة، أحب كتابة المقالات خاصة التي تحتوي علي مادة علمية أو اجتماعية.

أضف تعليق

اثنان × 1 =