تسعة
الرئيسية » الحيوانات » ذكاء الأسماك : كيف تتميز بعض الأسماك بالذكاء عن الأخريات؟

ذكاء الأسماك : كيف تتميز بعض الأسماك بالذكاء عن الأخريات؟

أثبت العلماء أن هناك أنواع عديدة من الأسماك تمتلك مقادير معينة من الذكاء، لكن إلى إلى مدى يصل ذكاء الأسماك ؟ وهل من الممكن وجود أسماك لديها إدراك وتفكير؟

ذكاء الأسماك

هل تمتلك الأسماك ذكاء خاص بها؟ هل ذكاء الأسماك يُقارن بذكاء الحيوانات على البر أو حتى الإنسان نفسه؟ وإن ذكاء الأسماك موجود بالفعل، أين سنجده؟ كيف يمكننا أن نقول بأن هذا الفعل ناتج عن ذكاء الأسماك، وليس من فعل عشوائي أو غريزي؟ كلها أسئلة عجيبة وقد تسمعها لأول مرة في حياتك عزيزي القارئ. ولكن دورنا أن نأتي لك بكل جديد، حتى توسع مدارك وثقافتك. اقرأ معنا في هذه السطور عن ذكاء الأسماك.

إلى أي مدى يمكن أن يصل ذكاء الأسماك ؟

مثال حي عن ذكاء الأسماك

“Freshwater elephantfish” وتسمى سمكة الفيل، لأنها تمتلك ما يشبه خرطوم الفيل عند مقدمة رأسها. هذه السمكة تثير الكثير من التساؤلات كلها بسبب التصرفات الغريبة التي لاحظها العلماء عليها. لأنها تشبه في سلوكها بعض سلوكيات الإنسان، فتحب أن تلهو وتحب أن تنجز المهام التي ترى عليها جائزة مهمة. ما أثار فضول علماء البيولوجيا، أنها تملك دماغ كبير مقارنة بالنسبة لباقي جسمها. بل إن تلك النسبة أكبر من نسبة مقارنة دماغ الإنسان بباقي جسمه. فعند الإنسان يشكل وزن الدماغ 2.2% من وزن الجسم. أما سمكة الفيل فدماغها يشكل 3% من وزن الجسم بأكمله. ولو قارناها بالفئران مثلاً، سنجد أن دماغ الفئران يشكل 0.8 فقط من وزن الجسم. ولو كان دماغ الإنسان يساوي نفس تلك النسبة، لكان لابد أن يكون 3 كيلوغرام. ولذلك سمكة الفيل لديها أكبر دماغ مقارنة بالجسم، في عالم الأحياء على كوكب الأرض.

حياة سمكة الفيل كنموذج حي لذكاء الأسماك

موطن تلك السمكة هي أنهار أفريقيا الوسطى المعكرة. وتجدها هناك تلعب في الرمل، لا لشيء سوى المرح واللهو وتمضية الوقت. فهي تلتقط حبات الرمل بخرطومها، وتحاول أن تسبح دون أن تقع منها الحبات إلى الأرض، ثم تعيد الكرة مرة أخرى. في الليل، لا تستطيع سمكة الفيل رؤية فرائسها، ولكي تأكل يجب أن تستغل ذكاء الأسماك وقدرتها التي تملكها. فتستغل الموجات الكهربائية أو الرادار التي تلتقطها، تماماً مثل طريقة طيران الخفاش بالليل. تستقبل سمكة الفيل في الثانية الواحدة أكثر من مئة مرة، موجات الصدى التي تنتشر حولها من باقي الكائنات. فيكون على الدماغ أن يعالج تلك الموجات بسرعة كبيرة أيضاً. وذلك هو السبب الرئيسي لتطور دماغها وقدرته الهائلة، ويستهلك 60% من الطاقة في تلك المعالجة. وذلك ما لا يحدث عند باقي الحيوانات، ويعد أمراً عجيباً حقاً.

ترسل السمكة إشارات كهربائية من ذنبها، عن طريق عضلتين متخصصتين. فتنتشر الموجات سريعاً إلى محيط السمكة بشكل دائري وواسع. عند اصطدام تلك الموجات بأجسام أخرى مثل الأسماك من حولها، تعود وتلتقطها مستقبلات على جلدها حساسة جداً. تنتقل هذه الإشارات المستقبلة سريعاً إلى الدماغ. الذي يقوم بدور معالج البيانات، ويحولها إلى صورة ثلاثة الأبعاد عما حولها في المحيط. سواء من عوائق طبيعية أو أسماك غيرها، فتكون وكأنها ترى في الظلام.

قدرات سمكة الفيل

الشيء المذهل عن ذكاء الأسماك المتمثل في هذه السمكة بالذات، هي قدرتها على تحديد حجم الفريسة التي تراها بقدراتها الخاصة. كما تستطيع تحديد إذا كانت حية أو ميتة، وشكلها بالكامل وكأنها تراها. وتحدد أيضاً بعد المسافة بينها وبين الفريسة، بل والمادة التي تتكون منها الفريسة لتحدد ما إذا كانت تصلح لأن تكون طعاماً. مقارنة بذكاء الإنسان في رؤية وتحديد الأشياء، فسمكة الفيل تتميز بجدارة عنه. لأن العيون يمكن أن تخدع بشكل سهل جداً، فإذا كان الهدف صغير ولكنه قريب من العين، سيتوقع الدماغ أنه أكبر من حجمه الطبيعي. أما إذا كان كبير ولكنه بعيد عن العين، فيمكن أن ينخدع الدماغ ويظن أنه صغير. هذا الأمر لا يحدث أبداً مع سمكة الفيل، لأن الجلد يلتقط الإشارات كما هي ويترجمها الدماغ بدون أن ينخدع.

فهي تكون صورة ثلاثة الأبعاد من خلال 4000 مستقبل يلتقط الإشارات القادمة، موزعين على كامل الجسم. فتستخدم حدة وتنوع موجات الصدى التي تعود إليها، في تحديد المسافة والحجم بدقة شديدة.

التحدي الذي يواجه ذكاء الأسماك

المياه العكرة التي تعيش فيها تلك السمكة، تشكل بيئة خطيرة تهدد حياتها. ومن أجل أن حماية نفسها فعلى دماغها أن يميز من بين الظلام، الأسماك المفترسة والأخرى التي قد تصبح فريسة، الطيور التي قد تهاجم من الأعلى في أي لحظة، النباتات الصغيرة المنتشرة في المياه، بالإضافة إلى الشوائب الأخرى الكثيرة التي يمكن أن تتواجد في المياه. فتلك الموجات التي تطلقها تتأثر بكل ما حولها، سواء في الذهاب أو الإياب. فتتغير الصورة الكهربائية باستمرار، وعلى العقل أن يجاري هذا التغير ويفهمه. حتى تلك السمكة الصغيرة التي تختبأ خلف النباتات الكثيفة، تستطيع أن تميزها وتحدد مكانها وتفرق بينها وبين النباتات. لا شيء مخفي أما دماغ هذه السمكة أبداً. وهي الأقوى إن فكر الإنسان مجاراتها في بيئتها.

وذكاء تلك السمكة يظهر بقوة أكثر في المياه العكرة لأنها معتادة أكثر عليها. ففي تجربة لمعرفة قدرات تلك السمكة الحقيقية، وضع العلماء كرتين في الماء العذبة التي تم وضع السمكة فيها. فاستطاعت السمكة أن تفرق بأن هناك كرتين، حتى مسافة 1.5 ملم بينهما. ولكن حين وضعت نفس الكرتين والسمكة في مياه عكرة، استطاعت أن تميز بينهما حتى مسافة 1 ملم. أي أن قدرتها تزيد في المياه العكرة، ولا أحد يجاريها في ذلك.

ذكاء الأسماك في القدرة على التعلم

على عكس باقي كل أنواع الأسماك، استطاع العلماء تعليم أسماك الفيل بعض المهارات، لأنه يمتلك ذكاء كافي لذلك. وتكون الجائزة بعض اليرقات حين تصبح في اتجاه الشكل المكعب، أم المثلث أو الدائرة فلا توجد هناك أي جائزة. وعندما فهمت السمكة تلك اللعبة بعد عدة مرات، بدأت في السباحة تجاه الشكل المكعب فقط لا غير، بشكل واعي وكأنها تعرف طريقها. وتعتمد بالطبع على دماغها في تحديد شكل المكعب عن غيره.

هذا ليس الأمر الوحيد الذي انبهر العلماء من رؤيته مع تلك السمكة. لأن العلماء قدموا لها تحدي أكبر، فأعطوا لها مكعب مفرغ، أي بدون جدران وله إطار فقط لا غير، وأحياناً مجرد إطارين متوازيين. لقد استطاعت السمكة ملأ الفراغات وفهم أنه مكعب، وبالتالي السباحة نحوها مباشرة دوناً عن غيره من الأشكال الشبيهة. ذلك الأمر يعرفه عقل الإنسان وحده، بالقدرة على ملأ الفراغ ورؤية الأشياء بصورتها الثلاثية الأبعاد، ولكن من الواضح أن هناك من ينافس الإنسان في هذا الأمر على كوكب الأرض.

تصادم أسماك الفيل مع بعضها

حتى نقول عن ذكاء الأسماك المتمثل في أسماك الفيل أنه حقاً ذكاء خارق في بيئته، يجب أن يكونوا قادرين على التآلف فيما بينهم، وبين الإشارات التي يرسلوها بشكل متواصل ومتزامن. فإن وجدت سمكة فيل في محيط سمكة الفيل أخرى، فيستطيع دماغ الاثنان أن يترجم وجود سمكة مشابهة في المحيط. بل إن كل سمكة تحتفظ في دماغها بنسخة عن الإشارات المميزة للسمكة الأخرى، حتى تتعرف عليها سريعاً المرة القادمة. ومن ثم يغربل الدماغ تلك الإشارات ويمحوها، بحيث تصبح قادرة على خلق صورة للمحيط من أسماك أخرى كما تحب هي، بدون تدخل من إشارات أسماك الفيل الأخرى المصطدمة بها أيضاً.

الكون عزيزي القارئ يمتلئ بالعجائب، خاصة عالم البحار الذي لا يتوقف عن إبهار العلماء كل يوم. ذكاء الأسماك واحد من تلك العجائب، ويستطيع أن يظهر بنفسه وبقوة، سواء في أسماك الفيل أو في أنواع أخرى كثيرة من الأسماك، والتي قد تذهب بنفسك وتشاهد قدراتها في العروض المائية.

سلفيا بشرى

طالبة بكلية الصيدلة في السنة الرابعة، أحب كتابة المقالات خاصة التي تحتوي علي مادة علمية أو اجتماعية.

أضف تعليق

أربعة عشر − 7 =