تسعة
الرئيسية » مجتمع وعلاقات » الشخصية » كيف يمكنك ترتيب الأولويات في حياتك؟ وما أهمية ذلك؟

كيف يمكنك ترتيب الأولويات في حياتك؟ وما أهمية ذلك؟

سنتعرف على مجموعة من الدروس الهامة في كيفية ترتيب الأولويات المهمة أولًا في حياتنا. فتمثل مهارة وضع الأوليات المهمة على رأس قائمة الأعمال، أمرًا في غاية الأهمية من أجل تحقيق النجاح والفعالية في الحياة وهو ما سنتعرف عليه خلال المقال.

ترتيب الأولويات

كيف نتمكن من ترتيب الأولويات في حياتنا على الرغم من تكدس التفاصيل والمسئوليات علينا؟ فعندما نلتقي بشكل يومي بتفاصيل وأدوار ومهام نقوم بها في الحياة، فإنه يتعين علينا أن نكون على وعي ومعرفة بالطريقة المثالية التي نسلك بها حيال هذه المهام والأدوار، بحيث نتمكن من إحداث توازن بين تلك الأدوار وفي نفس الوقت نحقق بهجتنا وسعادتنا وشعورنا بالرضا والسلام الداخلي. إن ذلك يأتي عن طريق إنجاز الأشياء المهمة التي تحمل الأولوية أولاً وقبل أي شيئ آخر يمكن إنجازه لاحقًا، إنها مهارة ترتيب الأولويات والتركيز عليها. وبناء على ذلك سوف نتعلم أن نفرق بين الأشياء المهمة والأشياء العاجلة؟ وأيهما له سبق الأولوية؟ وكيف يساعدك التخطيط المستقبلي على اتخاذ قرارات حكيمة بعيدًا عن المخاوف والتوتر والقلق من المستقبل؟ ولماذا تخفق في تحقيق أهدافك أو حينما تقرر تعلم لغة جديدة لكنك تفشل؟ ذلك هو ما سوف نتعلمه خلال جولتنا مع هذا المقال.

أهمية تحديد الأولويات المهمة أولًا وليس إنجاز كل الأشياء

ترتيب الأولويات أهمية تحديد الأولويات المهمة أولًا وليس إنجاز كل الأشياء

يعتقد الكثير من الناس بشكل خاطئ ومضلل، أنهم لكي ينجحوا في إدارة وقتهم بشكل فعال في الحياة؛ فإنه يتوجب عليهم أن يقوموا بإنجاز وتحقيق الكثير من الأشياء والأهداف في أسرع وقت ممكن، كما لو كانت قائمة من المتطلبات أو المهام التي ينبغي عليهم إنجازها الواحدة تلو الأخرى. والحقيقة أن هذا المعتقد غير دقيق حيث تروج له بعض الكتابات. فتخيل أنك قد ولدت بتلك الملكة الفطرية الخارقة، التي تتيح لك أن تنجز أكبر قدر ممكن من الأشياء في أسرع وقت ممكن، بشكل مضاعف عن أقرانك. فهل سيؤدي بك هذا إلى حياة سعيدة لها معنى لا تشعرك بالعبثية؟

علينا أن نتعلم النظر إلى الحياة من خلال أكثر من منظور وليس منظور أو اتجاه واحد فقط والقدرة على المفاضلة بين المهام و ترتيب الأولويات وفقًا لأهميتها. فلا يكفي أن ننظر إليها فقط من خلال الاتجاه الذي نعتقد أنه هو الالتزام بالمهام والأهداف والمخططات التي تضعها في قائمتك لكي تحققها، كما لو كانت الحياة عبارة عن ساعة تتحرك عقاربها بشكل رتيب وممل وتلقائي. بل هناك الجانب والاتجاه الآخر والذي يقوم بتوجيه وإرشاد حياتك كما لو كان مؤشر أو بوصلة للحياة نحو الأشياء التي تؤثر بشكل إيجابي على سعادتك؛ وهو مجمل معتقداتك واهتماماتك وقيمك ومبادئك.

ودائمًا ما تمثل الحياة الشخصية والعائلية للفرد الشيء الأكثر أولوية، عن الحياة العملية. ومع ذلك قد تجد نفسك على سبيل المثال تعطي الأهمية والتركيز كله على المزيد من العمل لمجرد أنك تشعر بأنك جاوزت سن الزواج وتريد أن تحصل على أعلى راتب لكي تستطيع الارتباط. فالتركيز على المزيد من العمل والجهد لم يكن أبداً من ضمن اهتماماتك التي تأتي في الأول، ومع ذلك قمت بتجاهل ذلك. وقد تكون اهتماماتك الأكثر أولوية في مرحلة ما من حياتك هي اكتساب أكبر قدر ممكن من الخبرة والمعرفة والمهارات، ومع ذلك فإنك قد تعطي لمسألة الحصول على أكبر راتب متاح، الأهمية الأولى. وبذلك تتجاهل أهدافك الأولى. إن الشيء الذي ينبغي أن تكون على وعي دائم به، هو ترتيب الأولويات الخاصة بك واهتماماتك وأهدافك التي تأتي في البداية قبل الأشياء الأخرى، لأنك إن لم تفعل، فسوف تتخذ قرارات خاطئة تؤدي لإفساد حياتك والشعور بالبؤس وانعدام القيمة. لذلك لا تعطي أهمية كبرى للسرعة على حساب جودة الإنجاز والرغبة الحقيقية به.

مهارة تحديد الأولويات المهمة واستبعاد العوائق العاجلة والمُلحة

يعتقد معظم الأشخاص أن إنجازهم للأشياء ينبغي أن يعطي أولوية للأشياء العاجلة والفورية وبالتالي تبدو وكأنها هي الأشياء المهمة التي عليهم تحقيقها. لكن الحقيقة أن هناك فرق كبير بين ما هو عاجل أو مُلح، وبين ما هو مهم، لكن أكثر الناس يخلطون بين الإثنين، والاختيار دائماً يكون لحساب تحقيق الأشياء العاجلة التي يعتقدون أنها فورية ولا ينبغي أن تنتظر وبالتالي يفشل الشخص في ترتيب الأولويات المهمة في حياته. ويأتي هذا الشعور بضرورة إنجاز المُلح على حساب المهم، حينما يتعرض الناس لضغط نتيجة العمل الزائد ومن ثم يعتقدون أن هذا العمل ضروري وفوري ومهم، لذلك يحاولون إظهار التوتر أكثر من أن يظهرون بصورة من لا يهتم. وهناك أيضًا السبب الفسيولوجي؛ فعند إعطاء الأولوية والاهتمام بالأشياء الملحة والفورية، فإن الأدرينالين يتم دفعه حيث يعطيك شعورًا بالطاقة والنشاط.

سوف نكتشف في النهاية أن عدم تحديد و ترتيب الأولويات سوف يسمح للأشياء العاجلة أن تأخذ منا وقتًا كثيرًا في إنجازها، وبالتالي لا يتبقى لنا سوى القليل من الوقت للأشياء المهمة التي تكون هي السبب الحقيقي في سعادتنا. فحينما نضطر دائماً لإلغاء جلسات عائلية مهمة بالنسبة لنا أو لقاء مع الأصدقاء يكون مصدر للبهجة والسعادة في حياتنا، لحساب مواعيد عاجلة وفورية في العمل. إن كل ذلك يكون مصدر دائم لخيبات الأمل وانعدام الثقة بين أفراد العائلة أو الأصدقاء، وهذا ما يقود إلى التعاسة المستمرة في الحياة. علينا أن نتعلم إذن الانتصار لتحقيق الأشياء المهمة على تحقيق الأشياء العاجلة والفورية، حتى وإن لم يكن بشكل دائم وفي كل مرة، فعلى الأقل اجعلها القاعدة وليس الاستثناء.

تحقيق احتياجاتك والالتزام بمبادئك يتطلب ترتيب الأولويات في الحياة

لكي يستطيع أي إنسان أن يحيا حياة جيدة وسعيدة، فإنه يسعى دائمًا إلى تحقيق احتياجاته التي تتطلبها تلك الحياة. والحاجة هي شعور بنقص في شئ معين والافتقاد إليه، إذا ما وجد فإنه يحقق الإشباع، وقد تكون هذه الحاجة فسيولوجية داخلية (مثل الحاجة للطعام والماء والهواء) أو سيكولوجية واجتماعية (مثل الحاجة للانتماء والسيطرة والإنجاز). وربما كان مثلث (أبراهام ماسلو)، عالم النفس الشهير، من أشهر النظريات التي وضعت لتوضح وتشرح تدرج الاحتياجات عند الإنسان. حيث تناقش النظرية ترتيب حاجات الإنسان في شكل هرمي، يبدأ من القاعدة التي تحتوي الحاجات الأساسية للإنسان من أجل بقائه ثم تتدرج وفقًا لأهمية الاحتياجات حتى تصل إلى قمة الهرم. ويشير ماسلو إلى أن الإنسان يكون في احتياج دائم يقف ورائه دافع ما، هذه الحاجة تؤثر بالطبع على سلوكياته وإذا لم يتم إشباعها تسبب آلامًا نفسية وإحباطًا.

يمكن اختصار حاجات الإنسان الأساسية إلى:

  • الحاجات المادية والبيولوجية.
  • الحاجات المعرفية والذهنية.
  • الحاجات الاجتماعية والنفسية.
  • الحاجات الروحية وتحقيق الذات.

ولذلك فإن عدم تحقيق تلك الحاجات تؤدي إلى توتر وتعاسة في الحياة. والحقيقة أننا بدون أن نتمكن من ترتيب الأولويات فسوف نفشل في الوصول لاحتياجاتنا الحقيقية. على أية حال، فإنه يتوجب عليك عمل موازنة بين احتياجاتك عن طريق جعل مبادئك وقواعدك الخاصة هي المؤشر والمرشد لك في طريقك الذي تسلكه في الحياة. ولذلك عليك أن تعلي من قيمة الالتزام وتحمل مسئولية تنفيذ مبادئك بشكل دائم ومستمر مهما واجهت من عقبات، فتتبع مبادئك بعض الوقت ثم تتركها في أوقات أخرى. إن السعي لتحقيق احتياجاتك وجعل مبادئك مرشداً لهذا التحقيق سوف يساعدك على تحقيق حياة ذات جودة عالية.

ترتيب الأولويات في العمل والاهتمام بالتخطيط المستقبلي

إن اهتمامك بالتخطيط والتفكير في المستقبل العلمي وتكوين رؤية واضحة بشأنه سوف يساعدك كثيراً على اتخاذ قراراتك بشكل واضح ومحدد ودون تردد أو تخبط فيما يتعلق بعملك أو وظيفتك، ومن ثم سيساعدك ذلك أيضاً على التخلص من مشاعر القلق والإحباط والخوف والتوتر التي تنتابك بشأن المستقبل، لأنه أصبح لديك رؤية واضحة وخطوات محددة تجاهه. فإذا كان لديك رؤية مستقبلية للعمل في مجال التدريب وتصبح مدرب أو احد المجالات، لكنك تخجل من التحدث والإلقاء أمام جمع من الناس، فإن رؤيتك وتخطيط هذا المستقبل سوف يساعدك على التخلص من تلك العقبة وتتخطى خجلك هذا. وتتطلب عملية التخطيط المستقبلي الجيد، نوعًا من ترتيب الأولويات في حياتك العملية.

والحقيقة أنه ينبغي علينا أن نميز بين التفكير والتخطيط للمستقبل وبين الهروب من الحاضر إلى المستقبل، فهذا الهروب الأخير غير مطلوب على الإطلاق وهو مجرد حيلة دفاعية قد يستخدمها البعض من أجل الهروب من الحاضر ودائماً ما يترك اللحظة الراهنة وما بين يديه ليقفز إلى لحظة بعيدة وخيالات تداعب فكره في المستقبل، وهذا غرق وتخبط في المستقبل والحاضر وليس تفكيراً أو تخطيطاً. إن امتلاك رؤية وتصور محدد عن المستقبل، سوف يساعدنا على تخطي الكثير من لحظات الهروب والإحباط. وتؤكد شتى التجارب أن من يمتلك هذه الرؤية هو دائماً من يستطيع الإنجاز والوصول إلى الأهداف والمهام والأعمال التي يريدها ويرغب في تحقيقها.

وتبدأ عملية التخطيط للمستقبل والتي تشبه في حقيقة الأمر عملية ترتيب الأولويات ، من خلال خطوات عملية واضحة يمكن أن نجملها كالآتي: أولاً، أنت في حاجة إلى تكوين (رؤية) أي مجموعة الأفكار والتصورات التي تكونها بشأن شئ ما وهو هنا شئ موجود في المستقبل. ثانيًا، تحتاج إلى ترجمة هذه الرؤية إلى (أهداف) واضحة ومحددة بشكل عملي وليس مجرد أفكار أو تصورات. ثالثًا، تحتاج إلى ترجمة هذه الأهداف إلى (إستراتيجية)، أي خطة عمل مستقبلية تتبعها لكي تحقق من خلالها تلك الأهداف. كأن تفكر على سبيل المثال في عملك المستقبلي، وبالتالي ينشا لديك هدف للعمل في مجال إدارة الموارد البشرية، ثم تبدأ في وضع خطة لتحقق هذا الهدف، كأن تحدد المتطلبات والمؤهلات اللازمة لهذه المهنة، وتبدأ في أخذ دورات تدريبية وتعليمية، ومن ثم يصبح لديك الأساسيات اللازمة لكي تمتهن هذه الوظيفة.

يحتاج ترتيب الأولويات إلى صياغة الأهداف وتحقيقها بطرق فعالة وناجحة

يقوم الكثير من الناس باتخاذ قرارات وصياغة أهداف شخصية أو عملية، لكنهم لا يستطيعون في النهاية تحقيقها أو الالتزام بها، فما السبب وراء ذلك؟ فقد يكتشف الأب أن ابنه يقوم بتدخين السجائر، ولذلك يسعى الأب إلى زجره ونهره باستمرار وربما يضيق عليه الخناق في مصروفه، لكنه في النهاية لا يصل إلى غايته ولا يقلع ابنه عن التدخين، وتأتي النتيجة بشكل عكسي. كذلك كثيراً ما نقرر أن نقلع عن بعض العادات السيئة كالإقلاع عن تناول الوجبات السريعة. أو نحاول أن نتعلم لغة جديدة مثلاً؛ لكننا في كل ذلك دائماً ما نفشل ونتراجع إلى مربع الصفر، فما هو السبب؟

إن السبب الرئيسي الكامن خلف هذه الإخفاقات المستمرة، هو أننا لا نقوم بتحديد أو تحقيق أهدافنا بشكل فعال وإيجابي، بحيث يكون مستندًا ومرتبطًا مع مبادئنا وحينها سنتمكن من ترتيب الأولويات في حياتنا. ولكي نستطيع إنجاز أهدافنا علينا أولاً أن نقوم بصياغتها بشكل جيد، من خلال ثلاثة أسئلة أو أبعاد، وهي: ما هو هذا الهدف (ماهية الشيء)؟ لماذا نسعى خلف هذا الهدف (السبب)؟ كيف نحقق هذا الهدف (الطريقة أو الخطوات العملية)؟ هذه هي الأسئلة أو الأبعاد الثلاثة التي ينبغي أن نبدأ من خلالها، فعندما تريد أن تتعلم لغة جديدة (ما هو الهدف)، تتبعه بالسبب وراء هذا الهدف، كأن يكون من أجل الحصول على وظيفة أو السفر أو ترجمة نصوص أجنبية. ثم تتبع ذلك بسؤال الكيفية أو الطريقة التي ستتبعها لكي تحقق هدفك، فهل ستأخذ دورات تعليمية معينة أم ستعتمد على النشاط الذاتي؟ وهل المادة العلمية متوفرة لديك؟ إلى آخر هذه الأسئلة.

وفي النهاية عليك أن تعمل على ترتيب الأولويات وذلك بالسعي وراء أهدافك الأكثر أهمية بالنسبة لك، لا أن تحقق أهداف عاجلة وفورية قد لا تكون على نفس درجة الأهمية. فإذا أردت أن تصبح مديرًا ماليًا في الشركة التي تعمل بها على الرغم من أنك ما زلت تعمل محاسبًا صغيراً فيها، فعليك أن تقضي وتتحمل العديد من السنوات التي تحصل فيها الخبرة الكافية للوصول إلى ذلك الهدف، والذي سيكون تأثيره على حياتك عميقًا، ولا تتراجع أو يقل اهتمامك مع مرور الوقت. ننتهي إذن إلى أن تحقيق وصياغة الأهداف يحتاج إلى فن ومهارة هو الأخر لكي تستطيع النجاح في تحقيقه وإنجازه بشكل إيجابي وفعال.

الرؤية التي ترى كافة الأبعاد المختلفة تساعد على ترتيب الأولويات

ترتيب الأولويات الرؤية التي ترى كافة الأبعاد المختلفة تساعد على ترتيب الأولويات

إن عملية اتخاذ القرارات تشبه طبيعة الفكر البشري الذي يقصر نظره على ناحية واحدة من نواحي الوجود، فهو نادراً ما يصيب أكثر من جهة، بينما تفوته منه جهات أخرى فطن إليها غيره من الأفراد، فينشأ من ذلك الاختلاف والتنازع. وكذلك مثل الحال في الإبصار، فإن المنظر الطبيعي الواحد يختلف اشد الاختلاف تبعاً للجهة التي ينظر منها الإنسان إليه، حتى إنك لترى صورتين قد أخذتا لمنظر واحد، فتتوهم أنهما منظرين مختلفين، في حين أنهما مجرد صورتان قد أخذتا من جهتين مختلفتين لمشهد واحد بعينه.

عليك إذن أن تتعلم كيفية النظر للأمور بشكل متكامل وحينما تأتي إلى مرحلة اتخاذ قرارات وبالتالي المفاضلة و ترتيب الأولويات ،ينبغي أن تتعود على اتخاذ الأبعاد المتعددة لهذا القرار في اعتبارك، وليس فقط بعدًا أو زاوية واحدة هي التي تنظر من خلالها. فحاول أن تجمع مثلاً بين التخطيط اليومي وبين التخطيط الاستراتيجي بعيد المدى لسنين قادمة، بأن تضع خطة شهرية، تقوم فيها بتحديد أهداف ومهام عليك القيام بها خلال هذا الشهر، كقراءة كتاب معين أو رؤية صديق أو السفر في رحلة قصيرة أو حضور حفل موسيقي معين، أو أي شئ تشعر أنه ذو أهمية بالنسبة لك، بدون أن تحدد توقيت لهذه الأشياء، لتكون لديك مساحة حرية من التصرف وإعادة تنظيم وقتك وفقاً للأولويات المهمة.

هناك أسلوبين يمكنك أن ترى الأشياء من خلالهما، هما المنظور الجزئي والمنظور الكلي. عليك أن تتعلم كيفية الرؤية للصورة وللحياة ولأهدافك بشكل تجميعي أو كلي، لا يجعلك تغرق في التفاصيل والجزئيات وتتشتت. فحاول على سبيل المثال أن تقوم بجمع عدة أهداف قد تبدو متفرقة، بشكل يعيد الربط بين تلك الأهداف ويجعلها تخدم بعضها البعض، فإذا حققت هدف، فإنه يساعدك على إنجاز الهدف الآخر. ولا تنسى مبادئك ومحاولة الارتباط بها أثناء اتخاذك لأي قرار أو خلال ترتيب الأولويات المهمة. فهذا الالتزام بالمبادئ كالحفاظ على مواعيدك على الرغم من وجود أسباب طارئة تمنعك. الرؤية الكلية بالإضافة إلى الاسترشاد بمبادئك. ستقدم لك دائمًا يد العون في اتخاذ القرارات المناسبة والصحيحة.

ترتيب الأولويات يساهم في صنع القادة القادرين على تحمل المسئولية

يقوم كل إنسان منا بدور قيادي ما، في حياته، مهما كان وضعه، فالمدرس قائدًا في علاقته بتلاميذه، والصديق قائدًا مع أصدقائه، والموظف قائدًا مع زملائه. لذلك فإن أول درس من دروس القيادة الناجحة، هو تحمل المسئولية تجاه الآخرين وتشجيعهم الدائم والمستمر وكل ذلك يحتاج مقدرة على تحديد و ترتيب الأولويات المهمة. وحينما يصعب التشجيع المباشر للأشخاص، يكفي عندئذ أن يوفر القائد المناخ المناسب الذي يشيع الاحترام المتبادل والثقة وتكافؤ الفرص والعدالة، وهذا خير حافز له للتشجيع الذاتي. ولنشر هذه القيم الأخلاقية والمناخ الصحي في العلاقات، يكفي أن تجعل الآخرين يساهمون في عملية صنع القرار معك. فحينما يتخلى المدير أو رب العمل عن تلك الروح الأبوية والتوجيهية لموظفيه، لكي يمنحهم مساحة حرية في محاولة حل المشكلات التي تقابلهم في العمل وترك حرية الاختيار لهم فيما يرونه مناسبًا، فإن ذلك يساهم على نشر النشاط والحيوية والسعي نحو الإبداع وحل المشكلات بطريقة فعالة، بالإضافة لروح الثقة والتشجيع الذي سيشعرون بها جراء هذه المشاركة.

إن المؤسسات التي تتبع منهج الإدارة الصارمة والتحكم الشديد في سير العمل وعدم ترك مساحة للتحكم الذاتي لدى الموظفين ومن ثم قدرتهم على ترتيب الأولويات المهمة بالنسبة لهم، فإن ذلك من الممكن أن يفيدها على المستوى القريب المباشر، لكنه لن يكون فعال على المدى البعيد. لذلك فإن فتح باب الشكاوى والتعليقات والاقتراحات بين المديرين وبين الموظفين يؤدي لمزيد من الإنتاجية والأداء الاحترافي للموظفين. القيادة الحكيمة إذن لا تقوم لها قائمة، بدون عناصر التشجيع والثقة والمشاركة وتكافؤ الفرص بين الجميع، رؤساء ومرؤوسين.

ترتيب الأولويات يساهم في التوازن بين تفاصيل ومهام الحياة المختلفة

لا يوجد عواطف في العمل. هل سمعت مثل هذه العبارات من قبل؟ بالتأكيد نعم، فجميعنا نسمعها بشكل أو بآخر في حياتنا اليومية. وتنتج مثل هذه العبارات من اعتقاد يتبناه الجميع مفاده أننا ينبغي أن نفصل تفاصيل وأجزاء حياتنا عن بعضها البعض. فالحياة العملية لا شأن لها بالحياة العاطفية أو العائلية، ولا شأن لهذا بالحياة التعليمية والمعرفية، وهكذا تتجزأ وتتقطع حياتنا رغم كونها تمثل نسيج واحد متصل. وهذه النظرة لأدوار الحياة ولأهدافنا اليومية، عن طريق تقسيمها وجعلها مستقلة، هي نظرة قاصرة حقًا وتجعل الأفراد أقل إنجازًا وإنتاجية وتقيدًا.

علينا أن نعيد النظر للتفاصيل اليومية التي نحياها بوصفها أجزاء من صورة كلية ينبغي أن تنتظم بها في النهاية وتكون على علاقة واتصال بالأجزاء الأخرى. فالدراسة على ارتباط بالعمل والعمل على ارتباط بالحياة العائلية والاجتماعية. ولا يمكننا أن نتخلى تماماً عن عواطفنا أثناء العمل، بل إن قضاء وقت فراغنا مرتبط بالعمل والعائلة والدراسة والأصدقاء في نسق أو صورة واحدة. فأستاذ الجامعة الذي يكون أستاذًا وصديقًا لطلابه، يسمع لهم ويرشدهم بل ويتعلم منهم، هو خيراً من ذلك الذي يكون أستاذا ومعلماً فقط لأنه يفصل الحياة الاجتماعية عن سلوكه الأكاديمي والمهني. و ترتيب الأولويات سوفي يساعدنا على هذا الجمع والتوفيق بين كافة تفاصيل حياتنا وأدوارنا التي نقوم بها. بحيث يستفيد كل جزء من الآخر وكأنها شبكة متصلة.

إن هذا المسلك أو الرؤية تعرف في علم النفس بأنها (انتقال أثر التعلم). فتدل التجارب على أن اكتساب معلومات أو عادات أو مهارات معينة يؤثر في اكتساب معلومات أو عادات أو مهارات أخرى. وقد يكون هذا الأثر إيجابيًا فيسهل التعلم السابق التعلم اللاحق، أو يكون سلبيًا فيعطل التعلم السابق التعلم اللاحق. ومن أبسط الأمثلة على ذلك، أن معرفة اللغة الفرنسية تسهل تعلم الإيطالية، أو أن تعلم الفيزياء يساعد على قوة الملاحظة، أو أن تدريب اليد اليمنى على أداء عمل معين يؤدي إلى تحسن في أداء اليد اليسرى لهذا العمل نفسه. ومن هذا المنظور نفسه، فإننا نؤكد على ضرورة جعل التوازن مبدأ أساسي من مبادئنا التي تساعدنا على التعامل مع الحياة بتفاصيلها وأدوارها بوصفها كلاً متصلاً وصورة واحدة مكونة من أجزاء مترابطة.

ابدأ من المهم أولًا وسوف تنجز بقية الأشياء في التوقيت المناسب

حينما نشعر بعدم الارتياح والرضا أو عدم وجود معنى لأدوارنا وأهدافنا في الحياة، فإن ذلك يكون ناتجًا من ضعف العزيمة والإحباط، أو من التوقعات المبالغ فيها. وهذه أشياء كثيرًا ما تعيق شعورنا بجودة الحياة أو الرضا عن ذواتنا. فقد يخيب أملك في حب جديد أو تصرفات صديق غير متوقعة، أو عدم حصولك على أعلى الدرجات في دراستك، كل ذلك يؤدي بك إلى ضعف العزيمة وخيبة التوقعات. ولكن كل هذا لا يعني أنك لا تستحق أو أن لديك قصور ما، لذلك عليك أن تفكر بطريقة تمنحك مزيداً من السلام والشعور بالرضا، ومن ثم تركز فقط على الأشياء الأكثر أهمية بالنسبة لك وتعمل على تحديد و ترتيب الأولويات المهمة أولًا، وتتخطي بقية الأشياء والتي قد تتحقق في وقتها المناسب طالما بدأت من الأولويات. وكما هو في المثل الشهير، حيث نريد أن نملأ إنآئاً (بالحصي والرمل والماء والصخور) فإذا بدأنا بغير الصخور فلن نتمكن من وضعها في الإناء بعد ذلك، أما إذا بدأنا بالأهم، وهو الصخور، فسنتمكن من وضع كل الأشياء في مكانها، لكن الأمر يحتاج لتنظيم ومعرفة الأولويات.

نظرية ترتيب الأولويات المهمة ووضعها على رأس قائمة أعمالك

ترتيب الأولويات نظرية ترتيب الأولويات المهمة ووضعها على رأس قائمة أعمالك

إن تشكيل وبناء عادات جديدة سوف يساعدك على الوصول إلى أهدافك وتحقيقها بشكل عملي، ومن ثم تزداد فعالية وتأثيرًا في الحياة. ولكي تتمكن من بناء هذه العادات، فأنت بحاجة إلى اكتساب مهارات إدارة الوقت، والتي ستساعدك كثيرًا على تقدم وتطور كفائتك. لكن تظل تلك المهارات في نهاية الأمر، قاصرة على تكوين كفائتك فقط أي قدرتك على إنجاز المهام في أسرع وقت ممكن، دون دفعك نحو الأداء الفعال. ولكي تصل إلى تلك المرحلة من الفعالية فإنك تحتاج إلى تحديد و ترتيب الأولويات المهمة. قم بوضع الأهداف والأشياء المهمة موضع الإنجاز والعمل، أولاً وقبل أي شئ؛ لتصبح قاعدة (الأولويات على رأس القائمة) هي المظلة التي تتحرك بناء عليها طوال الوقت، لتحقق الكفاءة والفعالية معًا. لذلك فإن كافة الأشياء والمهام التي لها درجة أقل في الأهمية، يتم تعطيلها مؤقتًا إلى مرحلة تالية لكي نستطيع إنجاز الأولويات الأكثر أهمية.

وتتخذ الأشياء والمهام التي ينبغي أن أن نضعها على رأس قائمة الأولويات، درجة أهميتها، من أنها تقوم بدفعنا بشكل سريع ومباشر نحو أهدافنا البعيدة، وبحيث نجدها على وفاق وتجانس مع قيمنا وقواعدنا العامة التي نتبناها ونعتنقها. يساعدنا هذا النهج على التخلص من الضغوط الكثيرة اليومية الناتجة من تفاصيل ومهام وأشياء غير مهمة أو ضرورية، ولا تساعد في الوصول والتقرب السريع من أهدافنا طويلة المدى. إن تلك المهام الكثيرة الأقل أهمية، تعيق تحركنا بفعالية أكبر نحو أهدافنا ومشاريعنا المهمة، لذلك ينبغي علينا أن نتعلم كيف نقول لها (لا) عندما يتطلب الأمر ذلك، لصالح ما هو أهم.

خاتمة

لقد تعلمنا من خلال هذا المقال دروسًا هامة في ترتيب الأولويات والتي سوف تساعدنا كثيرًا على تطوير وتقدم حياتنا الشخصية والعملية ويمك إيجاز تلك الدروس في مجموعة من الخطوات كالتالي:

  • لا تعتمد على معيار السرعة كمحاولة لإنجاز كل الأشياء، لكن اتخذ من الأهمية معياراً لإنجاز الأشياء.
  • ابدأ في إنجازك بالأشياء المهمة وليس بالأشياء المُلحة والفورية.
  • ليكن سعيك في تحقيق احتياجاتك من خلال الاسترشاد بمبادئك من أجل حياة أفضل.
  • لا تهمل دائماً التخطيط للمستقبل عن طريق تكوين رؤية وهدف واستراتيجية.
  • تعلم أن تحدد أهدافك وتحققها بشكل إيجابي من خلال ارتباطها بمبادئك.
  • تعلم أن ترى من أكتر من منظور أو اتجاه لكي ترى الصورة كاملة.
  • إن تحملك للمسئولية تجاه الآخرين وتشجيعهم ونشر الثقة بينهم، يمكنك أن تكون ذلك القائد الحكيم الناجح.
  • لا تفصل أو تجزأ مهام وأدوار حياتك عن بعضها البعض، لأنها أجزاء مترابطة ومتصلة في شبكة وصورة كلية.
  • ابدأ دائماً من الأشياء المهمة التي لها الأولوية حتى تتمكن من إنجاز بقية الأشياء الأخرى لكن في الوقت المناسب.

محمد السيد

باحث أكاديمي ومترجم - ماجستير آداب جامعة القاهرة.

أضف تعليق

إحدى عشر − عشرة =