تسعة
الرئيسية » حياة الأسرة » أبوة وأمومة » تدليل الطفل : لماذا ينصح خبراء التربية بعدم تدليل الأطفال ؟

تدليل الطفل : لماذا ينصح خبراء التربية بعدم تدليل الأطفال ؟

تختلف قناعات الآباء والأمهات كثيرًا حول موضوع تدليل الطفل ، فهناك من يفرطون فيه، وهناك من لا يدللون أطفالهم أبدًا، نتعرف على خطورة تدليل الطفل هنا.

تدليل الطفل

تدليل الطفل من الأمور المتداولة بين معظم الأسر في مجتمعاتنا العربية على تفاوت طبقاتها الاجتماعية ومستوياتها الثقافية، ولكن هل تساءل أحد عن مدى جدوى هذا الأمر، وإلى أي مدى يمكن لعملية التدليل هذه أن تكون في صالح الطفل؟ وهل يمكن لتدليل الطفل أن يكون ضار بالطفل وبأسرته؟ وهل يمكن وضع ضوابط وحدود لعملية التدليل لئلا ينفرط العقد وتخرج الأمور عن السيطرة؟ كل هذه تساؤلات حول الموضوع الذي قد يكون الكثيرين منا لم يفكر فيها من قبل وهو يتعامل مع أبنائه معاملة غريزية يحكمها الشعور الأبوي والأمومي ويغيب عنها الوعي الذي يكبح جماح هذا الشعور الذي قد يفيد قليلا ويضر كثيرا.

تدليل الطفل : ملف كامل عن طريقة التعامل مع الأطفال

تدليل الطفل بين الإفراط والتفريط

يعد تدليل الطفل من الأمور الهامة جدا في تنشئته في جو آمن يحتفي به ويرعى حاجاته ويعزز من نضجه النفسي وإحساسه بالثقة بنفسه والثقة بأسرته، فلا ينبغي الغض من قيمته في حياة الإنسان الأولى؛ لأن إنسانا نشأ في بيئة قاسية أو بيئة جافة وجدانيا ليس منه إلا أن يكون صاحب وجدان متصحر وذوق منخفض وحس غليظ ووعي مضطرب، كما يخبرنا التربويون أن حرمان الطفل من الحب من قبل أباه وأمه ليتسبب له في مشكلات نفسية واجتماعية جمة، فالحرمان يؤدي بالطفل وهو في مرحلة النضج إلى أعراض القلق التي تتجلى في صورة اضطرابات في النوم وفي زيادة الخوف وانعدام الشهية للأكل وأعراض اكتئاب وضعف الثقة بالنفس. وعلى النقيض فإن الإسراف في تدليل الطفل له من الأخطار ما لا يقل عن أخطار الامتناع التام عن التدليل، فالإفراط في التدليل يقلل حظه في قدرته على الاستقلال بذاته أثناء مراحل نضجه، ويعوق نموه بشكل طبيعي ومتزن ومستقل عن الآخرين. كما أن الإفراط في التدليل يشعر الطفل بعجزه عن إشباع حاجاته الضرورية، لاسيما عندما يشرع في مقارنة نفسه بمن حوله ممن هم في طوره العمري والاجتماعي والبيئي، أو عندما يضطر لخوض غمار الحياة التي لا ترحم من لا يستطيع ركوبها.

التدليل والنرجسية

يخبرنا خبراء التربية أن علاقة وثيقة قائمة بين التدليل المفرط للطفل وبين نشوء شخصية أنانية ترى نفسها محور الكون ومحرك الأحداث، وعندما يكبر هذا الطفل المدلل ويمسي رجلا ولا يجد ذات الاهتمام والحب الذي ألفى نفسه عليهما ممن حوله، فإن ذلك يشعره أن العالم لا يستطيع أن يستوعبه، وإن ذلك ليحيله إلى تغيير شعوره تجاه العالم، فإما أن يصير عدوانيا، أو ينسحب وينطوي عن الناس والعالم.

خطورة تدليل طفل واحد من بين أخوته

من الأمور التي تشيع بين الناس خطأ أن يدلل الآباء ابنا واحدا من بين إخوته أو يميزونه بالتدليل الأكثر لمجرد أنه البكري، أو أنه ولد بين بنات، أو بنت بين أولاد، أو أنه الأصغر..إلخ. وهذا من الأمور التي ينهى عنها خبراء التربية لخطورتها على الطفل المدلل وخطورتها أيضا على إخوته المهملين أيضا؛ إذ أن اعتداد الأسرة بطفل دون آخر قد يغرز الحقد في نفس الطفل المغبون ويطعن كبرياءه، وبالتالي تتسم طباعه بالانحراف واضطرام النزعة الانتقامية في سلوكه تجاه أفراد المجتمع، ومن الناحية الأخرى فإن النزعة الأنانية والرغبة في السيطرة والعنف في السلوك كل أولئك قد يكون من نصيب الطفل الذي تميز بالتدليل على حساب إخوته. من هنا كان لزاما على الأبوين إن أرادا تربية صالحة ناضجة للأبناء أن يقيموا الأمور بينهم جميعا بالعدل والمساواة، فالمحسن يكافأ والمذنب يعاقب بما يتناسب مع ذنبه، والتدليل يوزع بالتساوي لا يمتاز منهم أحد على أحد.

تدليل الطفل وقعود الهمة

من بين الأمور التي ينبهنا إلى مخاطرها خبراء التربية في تدليل الطفل، هي أن التدليل المفرط يجعل كل رغبات الطفل مجابة، وهذا من شأنه أن يجعل الطفل لا يجتهد أبدا ولا يثابر أو يعافر في الوصول لرغباته، وهو من ثم لن يكوِّن شخصية طموحة ذات هدف تثابر في الحياة للوصول إلى هدفها؛ فكل رغباتها ملباه، الأمر الذي يخلق شخصا فاشلا في الدراسة إذا ما تعلم، فاشلا في الحياة ومصاعبها إذا ما خاض غمارها؛ لأنه اعتاد على الحصول على كل ما يتمناه من دون أدنى مقاومة أو مشقة. وهو أيضا شخصا اتكاليا لا يستطيع الاعتماد على نفسه، ولا يستطيع أن ينهض بأمر من أمور الحياة. من أجل ما تقدم، فعندما يكبر الطفل قليلا ولم يستطع الآباء تلبية كل متطلباته لأي سبب ما، قد يضطر الطفل إلى سلوك غير مُرضٍ للوصول إلى رغباته، كأن يختلق مشكلات ضخمة للوصول إلى ما يرغبه، أو يذهب بعض الأطفال للسرقة ليحصلوا على ما قصرت عنه يد الآباء من رغباتهم.

الحزم واللين

قد لا تسير الأمور على وتيرة واحدة إن قلنا للأبوين أن يعتدلا في تدليل طفلهم، فهو قد يطب أشياءً يرغبها ولكنها تتعارض مع الضوابط التي وضعتها الأسرة لأطفالها، كالنوم مبكرا مثلا على حين يطلب هذا الطفل السهر لوقت متأخر من الليل، في هذه الحالة يكون الأسلوب الأمثل في التربية يكمن في المنع والمنح، في الحزم واللين، وعلى الأسرة أن تختار متى تعطي ومتى تمسك، كما ينبغي أن تعامل الأسرة طفلها معاملة طبيعية عادية لا تنحرف تجاه الإفراط أو التفريط، تجاه الحزم المطلق أو اللين المطلق؛ لئلا ينشأ الطفل مضطرب النفس مزعزع الثقة بها أجوف المشاعر، وأيضا لئلا ينشأ شديد الترف فلا يستطيع التعايش ومجابهة سلبيات المجتمع ومصاعب الحياة التي ستعترضه لاحقا.

خطورة الإسراف في العواطف

يحذرنا التربويون من أمر آخر قد يقع فيه الكثير من الآباء والأمهات بدافع الحب لأبنائهم، وهذا الأمر هو غمس الطفل في عواطف الأبوين، حيث أن ذلك من شأنه أن يجعل الطفل يشعر بالتشبع العاطفي الشديد من الأسرة، الأمر الذي يخلق صعوبة بالغة في الارتباط بأقرانه، فهو بذلك لا ينجذب إلى الآخرين ولا يميل إليهم، فتنمو بداخله مشاعر الوحدة والانطواء.

خطوات على الطريق الصحيح

لكي تربي ابنك تربية سليمة بريئة من العقد والانحرافات النفسية والسلوكية يمكنك اتباع هذه النصائح المعينة على التغلب على بعض المشكلات التي تواجه الآباء والأمهات في طريق التربية: أولا، لكل شيء نظام وقانون، وللبيت أيضا، فقد يزعج الطفل القواعد التي يفرضها الأبوين عليه كالأكل حد معين من الحلوى مثلا، فقد يقابل الطفل هذا الأمر بنوبات من الغضب الجامح والبكاء، فما عليك عزيزي الأب/ عزيزتي الأم إلا التجاهل لهذه النوبة من البكاء حتى يتعب الطفل ويتوقف، حينها فقط يتم الذهاب إليه وتوضيح الأمور له بود وحب وإفهامه أن هذا الأمر في صالحه، يجب تعويد الطفل على احترام القواعد منذ السنوات الأولى، فهذا يعده للشعور بالمسؤولية في مراحل النضج. ثانيا، إبعاد الطفل عن الربط بين سعادته ومكانته في المجتمع -بالأمور المادية من مثل الملبس أو المأكل أو ما إلى ذلك، بل إن قيمة الشخص تتأتى من شخصيته وذكائه وعطائه وحبه للآخرين. ثالثا، مكافأة الطفل على السلوك الجيد سواء كانت المكافأة معنوية أو مادية. رابعا، ليس معنى أنك أبا جيدا أن تلبي كل رغبات طفلك، وبالطبع فإنه يتوجب عليك تلبية حاجاته الأساسية، فثمة فرق بين الحاجات الأساسية والرغبات الزائدة عن الحاجة الأساسية، وهنا يظهر الاعتدال في تدليل الطفل، حيث أنك بعد أن تلبي حاجاته الأساسية عليك التوسط في إشباع رغباته الزائدة، ولا تجعل عقدة الذنب تلاحقك لئلا تكون عقبة في طريق تربيتك لطفلك.

الخاتمة

أطفالنا أمانة في أعناقنا، وهم رسالتنا في الحياة وبصمتنا في الوجود، فليس أقل من أن نقرأ أبحاث المختصين، ونقرع كل باب بغية التوصل لأسلم السبل لتربيتهم تربية سليمة بريئة من التعقيدات مفعمة بالنضج والاتزان.

ليزا سعيد

باحثة أكاديمية بجامعة القاهرة، تخصص فلسفة، التخصص الدقيق دراسات المرأة والنوع.

أضف تعليق

ستة عشر − أربعة عشر =