تسعة
الرئيسية » دين » كيف أسهم تحريم الربا في الإسلام في تأسيس نظام اقتصادي قوي؟

كيف أسهم تحريم الربا في الإسلام في تأسيس نظام اقتصادي قوي؟

لكل تحريم حكمة، والله تعالى عندما أنزل أحكام التشريع في القرآن أو السنة، حرّم فعل أشياء معينة، منها تحريم الربا ، ولم يمنع الله التعامل به إلا بمقاصد قوية، كما وردت نصوص تحريم الربا في جميع الأديان السماوية.

تحريم الربا

الربا يُعد ابتلاء المجتمعات، الإسلامية والغربية، ولعنة من يتعامل به، كما أنّ ما يترتب عليه من نتائج سيئة، تُوٌدي بأصحابها إلى الهلاك، ومن ثَمّ السقوط في الهاوية، كما أنّ الزيادة المحرّمة الناتجة عنه، ليس فيها بركة، وإنّما زيادة فيها إثم، وقد عدّه الله من الكبائر عندما أنزل تشريع تحريم الربا ، والذين كانوا يتعاملون به هم اليهود، والذين لعنهم الله في القرآن الكريم، فتحريمه لابد منه، كما أن اقتصادًا كاملًا قد ينهار إذا دخل فيه، فالله تعالى يمٌحَق الربا، بينما يُربي الصدقات. ولا يظن الرابي أنّ الزيادة في ماله دائمة، بل مؤقتة ونتائجها مهلكة، إذا ما ظلّ يتعامل به، بينما لا ينفق ماله في سبيل الله بدلًا عن ذلك، لكن مع ذلك لديه فرصة التوبة، وإنٌ لم يتراجع فوعيد الله له مكتوب، ولن يتراجع الله عن وعيده لصاحب الكبيرة، فسوف نوضّح الحكمة والمقصِد من تحريم الربا ، وكيف نفّرت منه الأديان السماوية، وليس الإسلام فقط، ومصير من يتعامل به، ووعيد الله له.

أضرار الربا

تحريم الربا أضرار الربا

قبل التعرُّف على أضرار الربا، نبيّن مفهوم الربا، فتعريفه لغة: الزيادة والنمو، والمقصود منه والمحرّم: الزيادة على رأس المال بالقلة أو الكثرة، ومثال ذلك: أن يُسلّف شخصُ مال لآخر، ثم يرد إليه هذا المال بشرط الزيادة، على المبلغ المطلوب. وحكم الربا التحريم، والحظر في جميع الأديان السماوية. لذا بالضرورة له أضرار كثيرة، وتكمُن في أوجه كثيرة منها: السبب الرئيسي في نشر العداوة والكره بين الناس، لأن الأفراد يفرضون الزيادة على بعضهم، كما أنّ هذه الزيادة تزيد العبء على الفقراء، لأنّ الرابي يقوم بمضايقة المحتاج له، ويستغل حاجته الشديدة للمال، فيطلب منه رد المال أضعافًا مضاعفة، وأيضًا التعامل به يلغي كل معاني الأمر بالمعروف، والرحمة والشفقة بين الناس، بينما الإسلام دعانا للتعامل بالحب والخير، بالإضافة إلى استسهال الرابي بتجميع المال بكل راحة، دون تعب أو مشقة مما يعني بالمال المحرّم، فهو مال قليل البركة وممحوق، وفي النهاية يجلب الأضرار الكبيرة لصاحبه، ويصبح من أصحاب الوعيد، فيصير عدوًا لله ورسوله، وتلحق أضرار الربا بالاقتصاد، فهو سبب أساسي لانهياره، كما يصبح الرابي شخص صاحب أخلاق سيئة، من الجشع والطمع وحب المال.

أنواع الربا

هناك أنواع للربا، والتي يتعامل بها الرباة، فهناك ربا النسيئة، وهناك ربا الفضل، فربا النسيئة هو: الزيادة المشروطة التي يأخذها الدائن من المدين نظير التأجيل، وتوجد أدلة من القرآن والسنة والإجماع على تحريمه، أمّا ربا الفضل: بيع النقود بالنقود، أو الطعام بالطعام مع الزيادة، وأيضًا ورد تحريمه بالقرآن والسنة والإجماع، فربا الفضل ينشر الذريعة بين الناس، ويترتب عليه ربا النسيئة، كما وردت أحاديث على تحريم الربا في ستة أعيان: الذهب والفضة، والقمح والشعير، والتمر والملح. وهناك أمور يجب توضيحها على أساس ذلك، أن الأصناف الستة السابقة، لا غنى عنها في معاملات الناس، لذا وُجب تحريم الربا فيها والزيادة، كتحريمه في المال عمومًا، ورقيًا بالنقد، أو بالمعادن ذهبًا أو فضة، فمعنى هذا إذا تم التبادل في الأشياء الغير سابقة، يكون مثلًا بمثل، يدًا بيد، وإذا تم التبادل بالأجناس السابقة فيشترط أمران: التساوي في الكمية، وعدم تأجيل أحد البدلين، بل لابد من التبادل الفوري، وكما نصت الأحاديث، فيما معناه أن الرسول -صلى الله عليه وسلم قال: عدم بيع الذهب إلا بمثله، والورق إلا بمثله، دون زيادة أو نقصان.

ما حكم بيع ذهب بفضة أو قمح بشعير؟

هنا اختلاف في البدلين، فيشترط فيه شرط واحد هو: “الفورية”، أي عدم التأجيل في التبادل، وإلا ستحل النسيئة. وهناك سؤال: ما الحكم إذا اختلف البدلان في الجنس والعلة؟؛ لا يشترط فيه شيء، فيحل التفاضل والنَّساء، كما لو بيع الطعام بالفضة، أو الثوب بثوبين.. وخلاصة ذلك: أن التبادل في الأصناف المذكورة في الأحاديث، لا يجوز فيها الربا، أما ما سواهم فيحلّ فيه التفاضل والنسيئة، فيجوز تبادل الشاة بشاتين، وهكذا، كما وردت أحاديث توضّح ذلك. لكن ما حكم بيع الحيوان بلحم؟، أو بيع الرطب باليابس؟، هاتان الصورتان محرمتان، والربا حاصل فيهما، وذلك أن الصورة الأولى فيها تفاضل واضح، لعدم وجود وجه مقارنة بين اللحم الحي، والآخر المذبوح، كما التمر الرطب باليابس منه، لوجود التفاضل أيضًا، وكذلك إذا كان نخلًا بتمرٍ.

تحريم الربا في القرآن

ورد تحريم الربا في القرآن الكريم، وهناك مواضع كثيرة تنهي عنه، كما وضّحت بعض الآيات جزاء الرباة، فورد بسورة البقرة في الآيات (275)، و (276)، و (278)، وفي سورة آل عمران في الآية (130)، وبالنساء في الآية (161)، وفي الروم بالآية (39). ونرى في تصوير القرآن الكريم للربا، وخاصة في الآيات من {275- 279} في سورة البقرة، بتصوير بليغ، وفي غاية الدقة، حيث جعل من يتعامل بالربا، كالآكل المتخبّط الذي أصابه المس من الشيطان، الذي يضع في بطنه مالًا غير مشروع، ويحلل لنفسه التعامل به، ولا يعترف بكبيرة ذلك، فهو كمن صُرِع من الجن، وعقابه قائم في الدارين الدنيا والآخرة، لكن بصور مختلفة، ففي الدنيا تراهم كالمجانين، الذين يركضون في كل مكان، لتحصيل الأموال بطريقة غير مشروعة، وخاصة في أماكن الربا، فهم دائمو القلق والتوتر، وعذابهم في الآخرة اللعن والطرد من رحمة الله، وجزاؤهم جهنم خالدين فيها. ففي نظر الرباة أنّ البيع مثل الربا، فيحقق الفائدة مثله، لكن الله تعالى ردّ عليهم، بأنه سبحانه أحلّ البيع وحرّم الربا، وأن الصدقات فيها بركة، بينما الربا فيه هلاك.

تحريم الربا في المسيحية

تحريم الربا تحريم الربا في المسيحية

وتحريم الربا موجود في المسيحية، كما في الإسلام، وكما جاء في كتاب العهد القديم بالنهي عن الزيادة في المال، وكما تقرض أخيك مالًا لا تأخذ منه زيادة مقابل ذلك..، وإذا افتقر أخوك فساعده، ولا تطلب منه ربحًا أو منفعة. واتفقت كلمة رجال الكنيسة على تحريم الربا تحريمًا قاطعًا، مستندين لهذه النصوص، بالإضافة إلى أنهم يرون أنّ شرف الإنسان يُفقَد عندما يكون رابٍ، كما اعتبروا من يتعامل به ملحد، ولا سيما أنّ المسيح حثّ الناس على المحبة والود فيما بينهم، وعرض المساعدة، بالإضافة إلى النصوص الكثيرة في الإنجيل، من القديم والجديد تبث في تحريمه. ونشير إلى أن الربا كان محرّمًا من العصور القديمة، وذلك عندما كان طالبو القروض فقراء ومحتاجين، فبدأ بعض الناس باستغلال حاجتهم، فزايدوا عليهم بالفائدة المردودة، بالرغم من أن الحكمة من طلب الحاجة هو الرغبة في سدها، والتسارع في عمل الخير، فبعد ذلك كان لابد من وقفة حاسمة من قبل رجال الكنيسة، خاصة باستنادهم لنصوص النهي عن الربا بشكل قطعي. وبشكل عام، الزيادة الفاحشة والممقوتة على الفقراء، تنهى عنها جميع الأديان السماوية، وذلك لسد الذريعة والخصومة بين الناس.

مقاصد تحريم الربا

أول مقاصد تحريم الربا ، هي الأضرار الكثيرة الناتجة عنه، والتي أشرنا إليها، من نشر العداوة والبغضاء بين الناس، ويقضي على روح التعاون، ويجعل الأنانية وحب النفس هي المقصد الأول، بالإضافة إلى أنه يخلق طبقة مترفة في المجتمع، والتي تسعى إلى الكسب والربح دون تعب، كما أنّ الزيادة الناتجة عنه، تساعد في تضخيم أموال غير مشروعة، لا يحل فيها بركة الله، وتلك الأموال تساعد في إثارة الكره والحقد، والربا وسيلة لجلب الاستعمار، والمقصود منه الاستعمار الاقتصادي، فيتسبب في سيطرة رأس مال شخص معين، يتغذى على استغلال الحاجة ونشر الذريعة، مما يؤدي إلى انهيار اقتصاد كامل، كما أن البنوك التي تتعامل بالفائدة من هذا النوع، لا تدوم وتسقط، أو يحل على أصحابها الهلاك بعد ذلك، وهناك مقاصد أخرى، كوجود التفاضل بين السلع المتبادَلة، مما يؤدي إلى عدم وجود ضوابط للبيع، وانتشار البيعات المحرّمة، ولا ننسى أنّ الربا ضد الأخلاق التي حثّ عليها ديننا، فالإسلام يدعوك إلى سد حاجة أخيك المسلم، والمبادرة في فعل الخير، ولو تم فعل ذلك، لارتفعت الروح المعنوية لدى كل فرد.

مراحل تحريم الربا

تحريم الربا مراحل تحريم الربا

كيف بدأ الإسلام تحريم الربا ؟ من رحمة الله تعالى، أنه لم ينهى عن شيء إلا وجعل في مقابله الأفضل والأصلح، وفي مقابل الربا البيع الحلال، ونزلت آيات في تحريم الربا ، فجاء القرآن الكريم، مخبرًا الرسول -صلى الله عليه وسلم- بمراحل تحريم الربا ، فالمرحلة الأولى: أول آية من آيات الربا (39) في سورة الروم، فمدحت فيها الزكاة، وذم فيها الربا، وجاء التحريم بوجه إجمالي في الزيادة في الأموال، ثم جاءت المرحلة الثانية في سورة النساء الآية (161)، فأشارت إلى النهي عن الربا، وانصراف الناس عن الطيبات التي أحلها الله لهم، إلى الزيادة المنهي عنها، وهذا نوع من التلميح في التحريم، ثم جاءت الآيات (130-132) في سورة آل عمران، لتوضح المرحلة الثالثة، فحرّمت الربا بطريقة مباشرة، لكن ليس على سبيل التلميح، بل بالتهديد والوعيد لمن لا ينوي التراجع عنه، وهذه المرحلة الأخيرة، والتي نزلت بها الآيات: (275-279) في سورة البقرة، وآخر الآيات التي نزلت على النبي -صلى الله عليه وسلم-، والتي صوّرت الرابين، ومحقت الربا، وصرّحت بالحرب على كل رابٍ من قبل الله ورسوله، فورد التحريم القطعي، ولا يوجد بعد ذلك إلّا أن يتراجع هؤلاء.

يجب على جميع أفراد المجتمع، التماسك والترابط فيما بينهم، ومساعدة بعضهم البعض، وفعل الأشياء التي تساعد في ذلك، كالزكاة والصدقات، والرغبة في فعل الخير، والمسلم دائمًا أخو المسلم، لا يظلمه، كما ينبغي أن يمدّ إليه يد العون، بدلًا من تخريب حياته، والتسبب في سقوطه، والربا ضد الأخلاق الحميدة التي نتحدّث عنها، لذا يجب على كل مسلم، وعلى كل فرد في المجتمع، بصرف النظر عن دينه، ولا سيما أن جميع الأديان السماوية نهت عن الربا، التغاضي عن التعامل به، بل على كل فرد التسارع في تقديم النيّة الطيبة، ليحيا مجتمع متماسك، يضفي عليه الحب والتعاون.

الكاتب: آلاء لؤي

إبراهيم جعفر

أضف تعليق

19 − اثنان =