تسعة
الرئيسية » مجتمع وعلاقات » تفاعل اجتماعي » كيف تحصل على الموافقة والقبول خلال أي مفاوضات تخوضها؟

كيف تحصل على الموافقة والقبول خلال أي مفاوضات تخوضها؟

يعد الحصول على الموافقة خلال المفاوضات، من الأمور الجوهرية في هذا العصر المتسم بالسرعة والتعقيد في كافة جوانب الحياة. فسواء كنت طالب أو أستاذ أو موظف أو مدير أو بائع أو زوج، فإنك ستحتاج إلى تعلم آليات التفاوض بشكل صحيح.

الموافقة

إن الإنسان خلال كافة مراحل حياته، لا يمكنه أن يستغني عن خوض المفاوضات والصراعات، مهما كان مركزه أو سنه. فالحياة نفسها توصف بأنها صراع كبير يحياه الإنسان. ومع تعقد طبيعة الحياة المعاصرة وسرعتها نتيجة التقدم التكنولوجي والحضاري الهائل، فإن الحاجة إلى تعلم بعض الآليات البسيطة في كيفية خوض المفاوضات والصراعات، أصبح من الأمور الهامة لأي إنسان، لكي يحظى بالقبول و الموافقة ، سواء في عمله أو دراسته أو مع أصدقائه. فالتفاوض في أبسط معانيه ما هو إلا عملية مناقشة بين طرفين يربطهم مصلحة مشتركة ويسعون إلى الوصول لنتائج يرضى عنها جميع الأطراف. لذلك يحاول هذا المقال أن يعرض ببساطة لمفهوم المفاوضات وكيفيه الاشتباك فيها وعرض بعض الأساليب البسيطة التي يمكن الاعتماد عليها من قبل أي إنسان لكي يتم تعزيز فرصه في الحصول على الموافقة والمكسب في مفاوضاته.

تعريف المفاوضات وهل يمكن نجاحها؟

تعتبر المفاوضات من الناحية النظرية هي ذلك المسعى الذي يؤدى دوما إلى تحقيق نتائج عظيمة والحصول على الموافقة والقبول من الطرف الآخر، وهذا الحال عندما يتمتع كلا الطرفين بالصراحة وإدارة عملية التفاوض بأسلوب منظم من خلال استخدام معايير موضوعية وبذل الجهد بغية إيجاد الحلول المثالية معا، لكي يخرج الطرفين منتصرين معًا. إلا أنه لا يمكنك إجبار الطرف الأخر على التصرف بأسلوب معين أو التخلي عن موقفه المتشدد أو عن توقعاته غير العقلانية، لذا يمكنك أن تحاول فقط. ويساعد هذا الأمر على فتح مناقشة من خلال تحديد المشكلة الحالية وكذا المنهج الذي ترغب في إتباعه أثناء إجراء المفاوضات وكذا الموافقة على الأسلوب الذي تريد إجراء المفاوضات من خلاله وكيفية صنع القرار.

وفى حال رفض الطرف الأخر إتباع المنهج المقترح من جانبك، أو في حال قام باستخدام خدع ماكرة، مثل الخدعة الكلاسيكية “الطيب والشرير” أو استخدام الأساليب الملتوية لكي يكسب الموافقة ، مثل “كنت أفضل القيام بهذا ولكنني مرغم على القيام بذلك بدافع من رئيسي”؛ فإنه يتعين عليك مواجهة هذه الأساليب بشكل صريح. لذا، فإنه ينبغي عليك أن تعلنها واضحة بأنك سوف تقبل فقط عقد المناقشات بناء على تفهم كلا الطرفين لمصالحهما والتركيز على معايير اتخاذ القرار الموضوعي.

وبالإضافة إلى عملية التفاوض، فإن هناك بعض العوامل الأخرى التي يمكن أن تؤثر على نتائج المفاوضات. على سبيل المثال، في حال عدم توازن في القوة بين الطرفين مثل قيامك بمناقشة زيادة الرواتب مع رب العمل، فإنه يتعين عليك أن توضح أنه سوف يكون من المجدي للجانبين (رب العمل والعاملين) أن تتفاوضوا بشكل مباشر. ولكن وفى النهاية، فإن رب العمل سوف يكون له القرار في كيفية سير المفاوضات، عوضا عن هذا فإنه يتعين عليك أن توافق على هذا. لذا، عليك أن تتذكر أن هناك بعض أمور الحياة القابلة للتفاوض ومن ثمّ الحصول على الموافقة وكلمة “نعم”، وكذلك هناك أمور أخرى غير قابلة للتفاوض.  وعلى سبيل المثال: فإنه لا يمكن لأمهر المفاوضين وأكثرهم براعة أن يتفاوض على شراء البيت الأبيض.

فن المفاوضات: لا تدخل في صراع طويل الأمد دون جدوى من حصول الموافقة

إن الصراعات تتحول في أغلب الأحيان إلى حروب ضروس بحيث يتمركز كلا المتصارعين في مواقع محددة يقوم بالدفاع عنها بكل قوة، ويمكن لكل طرف أن يقدم التنازلات حال استدعى الأمر هذا. وفى مثل هذا الموقف، فإن إيجاد الحلول ليس هو النتيجة التي ستتمخض عن هذه الحرب، فإما يفوز بها الطرف الأقوى والأكثر عنادا ويحظى بالقبول و الموافقة أو يصل كل طرف من الأطراف إلى تسوية بحيث يمكنهم تقريبا التعايش معا.

وتكمن المشكلة في مثل هذا النوع من الصراعات في تمركز كل طرف داخل الصراع في مواقع مبدئية. فبدلًا من قيام كلاهما بالبحث عن حل سريع ونافع معا، فإن كل طرف منهم يسعى وبكل ما يمتلك من قوة إلى كسب الصراع والحصول على الموافقة وتجنب الهزيمة. لذلك فإن مثل هذه العقلية هي التي تمنع الوصول إلى حل مرضي للجانبين. وهو الأمر الذي يترتب عليه الدخول في معركة مفتوحة والتي تكبدهم الكثير من الوقت والجهد. بل الأسوأ من هذا، أن يقوم كلا الطرفين على الأغلب باتخاذ مواقف متطرفة وغير ضرورية نتيجة لاعتقادهم بأن الطرف الآخر سيقوم بتقديم تنازلات عندما يفعلون ذلك.

والحقيقة أن هذا الموقف سوف يفضي في النهاية إلى صراعات طويلة ومؤلمة للغاية. فلا تزيد الحرب الطويلة من حدة الصراع وتجعل الموقف أكثر صعوبة وحسب، ولكنها أيضا تضر بالعلاقات بين الطرفين وتصبح الموافقة عملية شاقة وبعيدة المنال؛ وعلى سبيل المثال، في حال كانت قيمة 2% خصم أهم بكثير من علاقة العمل الطويلة بينك وبين أحد المتاجر، فإنه قد يكون من المفيد لك أن تبحث عن مورد أخر. إن الحرب الطويلة يتمخض عنها العديد من النتائج السلبية ومنها: الخروج من الحرب عن طريق حلول نصف مثالية، وهذا في أحسن الأحوال. عوضا عن هذا، فإنها تكبد الطرفين الكثير من الجهد والوقت وتضر بالعلاقات بينهما.

مهارات التفاوض الفعال

ركز على معالجة المشكلة نفسها وليس الشخص الذي تتفاوض معه

لا يجب أن تضع نصب عينيك في كسب معركة التفاوض والحصول على الموافقة وكأن الطرف الأخر خصم لك؛ بل يتعين على كل الأطراف أن يقوموا بالتركيز على الوصول إلى حل طويل الأمد معًا. وهذا هو السبب الذي يفرض على المتفاوضين دائمًا ضرورة الفصل بين المستوى الواقعي الخاص للخلاف وبين مستوى العلاقات الشخصية. وعندما تريد الخروج بنجاح من عملية التفاوض، فإنه يتعين عليك التمسك بمستوى الحقائق المومعركة التفاوضضوعية.

وفى الحقيقة، فإن لهذا نتائج مثمرة حال كان كلا الطرفين مستعد لحل الأزمة من منظور عقلاني أكثر منه عاطفي. ويعني ذلك أنه ينبغي على كلا الطرفين في عملية التفاوض أن ينظر كل منهما للأخر كشريك، حيث يريد كل منهم الوصول إلى حل مرضي للجانبيين معًا؛ فهم ليسوا كأعداء في ساحة المعركة، بحيث يتمكن طرف واحد فقط من الحصول على الموافقة أو تحقيق الفوز. لذلك يتعين على كل من الأطراف المتصارعة أن يتجاوز عن رؤيته الخاصة للموقف وأن ينظران معًا إلى القضية من وجهة نظر محايدة. فقد يكون من المجدي لهما أن يجلسوا على نفس الجانب من طاولة المفاوضات.وهو الأمر الذي لا يؤدى إلى اعتبار الموقف مجرد معركة بينهما، بل يجب اعتبار أن كليهما يواجه مشكلة مطروحة على الطاولة وأنه يجب أن تتضافر جهودهما معًا لحل تلك المشكلة أو الوصول لنتائج ترضي كافة الأطراف.

علاوة على هذا فإنه يتعين على كافة الأطراف أن يبذلوا قصارى جهدهم في استخدام لغة محايدة مشتركة والاعتراف أكثر بالحقائق. عوضا عن هذا فإنه لا ينبغي على أي طرف منهم أن يوقف سير المفاوضات جراء خلافات شخصية، وكذلك لا يجب أن يوجه أي طرف للأخر تهمة عدم العقلانية مهما بلغ الموقف من السوء والتأزم. ذلك لأنه عند قيامك بمثل هذا الفعل، فإنك تساعد على توسيع الفجوة الموجودة بين الطرفين والابتعاد عن الموافقة المرتقبة. وهو الأمر الذي قد يؤدى بالطرف الأخر إلى تجاهل الحقائق والتعاطي مع المسألة برمتها من منظور عاطفي بحت. وعلى سبيل المثال: لا يتعين على زوجين كان قد انفصلا أن يلقي كل منهما اللوم على الأخر لفشل زواجهما، بل يتعين عليهما أن يناقشا الترتيبات المستقبلية التي ينبغي عليهم القيام بها لصالح أبناءهما.

تعرف على المصالح الخفية للطرف الآخر قبل البدء في المفاوضات

قد يبدو موقف كل طرف من الطرفين أثناء إجراء المفاوضات غير متكافئ. وعلى سبيل المثال: قيام الزوجين بالتخطيط لقضاء العطلة حيث تقول الزوجة “إنني أريد أن أقضي العطلة بجانب البحر” وفى المقابل يرد زوجها “إنني أريد أن أقضيها في جبال الألب”. ولكنك سوف تصاب بالدهشة عند قيامك بالنظر إلى المصالح الخفية الكامنة وراء كلا الموقفين وكذلك سوف تندهش من الحلول الجديدة التي يمكن أن تطفو على السطح والتي لا تحتاج في الغالب إلى تحقيق أية تسوية. ففي حال أرادت الزوجة قضاء العطلة بجانب البحر، فإن هذا يرجع إلى رغبتها في ممارسة السباحة. أما بالنسبة للزوج الذي يريد الذهاب إلى جبال الألب ليمارس رياضة تسلق الصخور. إذًا لماذا لا يقومان بقضاء عطلتهما بجانب بحيرة جبلية؟ ومن ثمّ يحصل كل طرف على الموافقة .

وهو ما يعني أن موقف كل طرف يتم بناءه على مجموعة كبيرة من المصالح، ويتبين لنا هذا من خلال المثال السابق، بأن الموقفين المختلفين لكل طرف يمكن أن يكونا نتيجة للكثير من التوقعات المختلفة والخاصة بالجغرافيا والإقامة والطعام وما إلى ذلك. لذلك يتعين عليك أن تفهم كافة المصالح المرتبطة بموقف ما حتى تتمكن من الوصول إلى حل فعال ويحظى بالقبول و الموافقة . وعندها يصبح من السهل عليك أن تكتشف وأن تعطي أهمية لتنازلات غير مؤلمة وهذا فور قيامك بالتعرف على الاختلافات. لذلك يتعين عليك الإجابة على هذه الأسئلة: ما هو هدف الطرف الثاني من هذه المفاوضات؟ وما هي النقطة التي يمكن لكما الاتفاق عندها؟ وما هي الاختلافات الرئيسية بين كلا الموقفين؟ وفوق كل هذا يتعين عليك معرفة ما هو السبب وراء هذه الاختلافات؟

إن الحاجات الأساسية للإنسان مثل الشعور بالتقدير والسيطرة وكذلك الانتماء هي المحركات الرئيسية وراء سلوكه. لذلك ينبغي عليك أن تسأل عن دوافع الطرف الأخر وهذا في حال لم تكن على علم بمحركات سلوكه. على سبيل المثال: ما هو السبب وراء رغبتك في الذهاب إلى جبال الألب؟ علاوة على هذا، فإنه يتعين عليك في الوقت ذاته أن تتأكد من استيعابك لكافة المحركات والدوافع وراء مصالحك. كما ينبغي عليك أيضًا أن تعبر عنها بمنتهى الحرية والوضوح قبل الخروج بمقترحات. ويرجع هذا إلى أنه كلما كانت مصالح الطرفين واضحة، كلما كان من السهل عليهما الحصول على الموافقة والوصول إلى حل مرضي لكل منهما.

تذكر دائمًا أنك تتفاوض مع بشر يمتلكون مفاهيم ومشاعر إنسانية خاصة

ليس من الحكمة في شيء أن تعتبر مسألة إجراء المفاوضات، ما هي إلا مجرد مناقشة واقعية بين طرفين يتمتعان بالعقلانية. فلكي تكسب الموافقة في عملية المفاوضات، عليك التذكر بأنه لا توجد حقيقة واحدة، حيث أنه يوجد أكثر من تفسير نسبي لنفس الحقيقة. وهذا يرجع إلى قيام كل طرف باستحضار شخصيته وتجاربه وقيمه ومشاعره الخاصة على مائدة المفاوضات. وهو الأمر الذي يعني أن كل طرف ينظر إلى الأمور بشكل مختلف حيث أن لديه تفسيراته الخاصة بهذه الحقائق. وفى بعض الأحيان يقوم شخصين بالتحدث عن أمرين مختلفين تماما دون أن يدرك أي منهما قيامه بهذا.

فمن الممكن أن يستجيب كل طرف إلى نفس الموقف بشكل مختلف خصوصا في حالة إذا كان هذا الموقف ضاغطاً للغاية. فقد تؤدي إحدى المناقشات الضاغطة والمكثفة بالشخص إلى أن يصير عدوانيا. الأمر الذي يترتب عليه ضجر وضيق الطرف الأخر ويضعه في موقف دفاع. وعند هذه النقطة، فإن إجراء أي نوع أخر من المناقشات يصبح أمر بلا جدوى حقيقية وتصبح الموافقة بعيدة المنال على الطرفين.

إن الطبيعة البشرية المعقدة تشتمل على مفاهيم مختلفة ومشاعر قوية، قد تمثل عائقًا حقيقيًا أمام الوصول إلى حل مرضي لكلا الطرفين المتفاوضين. كذلك، فإن المناقشات العقلانية لا تعتبر الطريق المثالي لحل مثل هذا الموقف. لذلك فإنه ينبغي إجراء المفاوضات على مستويين مختلفين. المستوى الموضوعي البحت الخاص بالحقائق، ثم المستوى الخاص بالمفاهيم البشرية والمشاعر الإنسانية. عوضا عن هذا، فإنه من المستحيل أن يتم الفصل بين كلا المستويين. لذا، فإنه يتعين عليك أن تضع في اعتبارك أن هناك مستوى خاص بالعلاقات الشخصية وهذا بالإضافة إلى الحقائق. الأمر الذي قد يؤدى إلى الكثير من الخلافات وسوء التفاهم الذي يعيق الطريق أمام الموافقة . علاوة على هذا، فإنه يتعين عليك معالجة بعض المشاعر مثل الغضب والخوف. وهو الأمر الذي يتطلب منك الاستعداد ومعرفة الطرف الأخر حتى لا تفكر فقط في الحقائق ولكن لكي تضع في اعتبارك الأشخاص امعالجة بعض المشاعر مثل الغضب والخوفلذين تجري معهم عملية المفاوضات.

أساليب التفاوض الخمسة

قم بالتحضير الجيد قبل أن تخوض عملية المفاوضات

لا تجلس على طاولة المفاوضات وأنت غير مستعد. إن التحضير للمفاوضات يعنى ضرورة معرفة الكثير حول الحقائق المتوفرة سلفًا قدر الإمكان. لذلك ينبغي جمع كافة المعلومات التي تستطيع جمعها وكذلك دراسة كافة البيانات عن قرب. قم بمعرفة المزيد من المعلومات حول الأشخاص الذين سوف تتعامل معهم وكذلك السياق الخاص بالمفاوضات من أجل الوصول إلى الموافقة .

فعلى سبيل المثال قم بطرح الأسئلة الآتية: ما هي الدوافع التي تحرك الطرف الأخر؟ وما هي المصالح والأهداف التي يسعى لتحقيقها؟ وهل هذا الطرف يتمتع بالاستقلالية في اتخاذ القرار أو أنه يتعين عليه مراعاة مصالح رؤسائه وشركائه أو زوجته؟ وهل توجد ظروف دينية أو شخصية أو سياسية يتعين عليك معرفتها؟ فكلما زادت معرفتك، كلما زادت قدرتك على تفهم الطرف الآخر. وهو الأمر الذي يساعد كل منكما على الوصول إلى حل بناء. وعلى العكس فإنه كلما قلت معرفتك، كلما انتهت المفاوضات بالخلاف حول مسائل غير واقعية بناء على انحيازات وتكهنات ومشاعر خاصة.

كذلك لا تقلل من قيمة التفاصيل اللوجستية للمفاوضات. وعلى سبيل المثال: متى وأين سوف يتم عقد هذه المفاوضات؟ هل في مكتبك؟ أم في المنزل؟ أم على أرض محايدة؟ وماذا عن الاجتماع في حد ذاته. كيف له أن يتم؟ هل يتم عن طريق الهاتف أو وجه لوجه أو حتى في حضور مجموعة كبيرة؟. كذلك ما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه الوقت؟ هل سيشكل موعد التنفيذ النهائي أي نوع من الضغوط أو هل سيضر هذا الموعد بمصلحة المفاوضات؟ ومن خلال استثمارك للوقت في دراسة هذه التفاصيل والتحضير بشكل كامل للمفاوضات، فإن ذلك سوف يساعدك على خلق مناخ إيجابي، يستطيع كلا الطرفين من خلاله أن يشعروا بالراحة. وهو الأمر الذي يساعد على تحسين فرصك في الحصول على الموافقة وعقد مناقشات بناءة بدلا من المكوث طويلا في نفس الموقف المبدئي.

قم بتحديد خياراتك المتاحة وفهمها قبل البحث عن أية حلول للمشكلة

يتمتع كل طرف من الطرفين المتفاوضين برؤية واضحة حول شكل النتيجة التي يمكن أن تتمخض عنها عملية التفاوض، وبناءً عليه  فإنهم يحضرون مسودات عقود على أمل إقناع الطرف الآخر الموافقة عليها. إلا أن مثل هذه الحلول مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالفشل، ذلك لأنها لا تتمتع بالتوازن بطبيعتها وهذا يرجع إلى كونها مبنية على موقف خاص بطرف واحد فقط.

عوضًا عن هذا، فهي نابعة من منظور ضيق للغاية بحيث لا تستطيع تقديم حل واقعي يخدم مصالح الطرفين. بالإضافة إلى أنها تطرح عرض أحادي الجانب على طاولة المفاوضات بحيث لا يتم طرحه للنقاش المفتوح لبحث كافة أنواع الحلول الممكنة و الموافقة فقط على الحل الذي يرضي كلا الطرفين. وعلى سبيل المثال: تخيل قيام شخص بطرح مثل هذا السؤال “من الذي يستحق في اعتقادك أن ينال جائزة نوبل للأدب في العام القادم؟”. وفى الغالب، فإنك لن تقوم على الفور بطرح أي اسم، ولكنك سوف تقوم بتجميع عدد من أسماء المرشحين وتختار واحد منهم عقب تفنيدك لكافة الأسباب التي تساعده على هذا. وهذه هي الطريقة الأفضل التي يتعين عليك إتباعها في بحثك عن النتائج التي يمكن أن تتمخض عنها المفاوضات.

قم بالتفكير في المفاوضات كعملية مكونة من مرحلتين مختلفتين. المرحلة الأولى، وهى المرحلة التي تقوم فيها بتحديد الحلول الممكنة وبعدها يمكنك الموافقة على شيء محدد. كما يتعين عليك عدم الخلط بين كليهما، لذلك قم تنفيذ الخطوات التالية: ابدأ من خلال تحديد المواقف المتطرفة والبحث في العديد من التصورات المختلفة مع مراعاة كافة التفاصيل. كن مبدعًا عن طريق القيام بوضع التصورات على رسومات وعقد جلسات العصف الذهني وكذلك عليك أن تسأل الخبراء وما إلى ذلك. قم بممارسة التفاوض مثل ممارستك لأحد الألعاب التي تحبها حتى يتسنى لك الوقوف على المواقف الأكثر تطرفا. وعلى سبيل المثال، يمكنك طرح الأسئلة الآتية في حال كان الأمر متعلقًا بالسياسة: “ماذا عسى الليبراليون أن يفعلوا؟ كذلك ماذا عسى المحافظين أن يفعلوا؟” وسوف تصل إلى حلول ممكنة بعد القيام بتنفيذ الخطوات سالفة الذكر.

والمرحلة الثانية، هي مناقشة الخطوات السابقة ومحاولة الوقوف على بعضها والتي يمكن الموافقة عليها وقبولها من جانب الطرف الآخر أيضا.

اتخذ قراراتك بناءً على معايير موضوعية واضحة

لا تساعد النوايا الطيبة ولا المقترحات التي تمت صياغتها بشكل كامل على دفع المفاوضات إلى الأمام في مسارها الصحيح. وهو ما يترتب عليه عدم الموافقة من جانب الطرف الآخر، ومن ثمّ التعاطي معها بشكل دفاعي أو هجومي عنيف. لذلك فإنه يتعين عليك أن تجد المعايير الصحيحة التي تؤسس عليها قراراتك، كذلك يجب أن تتسم هذه المعايير بالوضوح والموضوعية بحيث لا يكون هناك مجال للتفسير الخاطئ من أي من الجانبين.

وعلى سبيل المثال، لا يمثل الحصول على سعر عادل للمنزل هو السعر المستهدف سواء بالنسبة للبائع أو للمشتري. ولكن يجب تحديد السعر العادل بناء على بعض الأمور مثل متوسط السعر للمتر المربع وحالة المسكن وكذلك الأسعار الخاصة بالمنازل المشابهة في نفس المنطقة. حيث تعتبر كل هذه المعايير موضوعية وقابلة للاختبار.لذلك فإن كلا الطرفين ينبغي عليهم عند إجراء المفاوضات أن يفصحوا عن معاييرهم الخاصة بتقييم جودة الحل المطروح. وليس من الضروري أن تتطابق معايير كل طرف مع الأخر ولكنها يجب أن تتسم بالموضوعية والقابلية للفهم وإمكانية الوصول إلى الموافقة .

علاوة على هذا فإنه لا ينبغي أبدًا أن تستسلم لممارسة الضغوط أو التهديدات. وفى حال قدم إليك أحدهم سعرًا قائلا “هذا هو عرضي الأخير”، حينها يتعين عليك وببساطة أن تسأل عن المعايير الخفية، وعلى سبيل المثال: “لماذا تعتبر أن هذا سعر عادل؟”. وفى الغالب، فإنه لن يكون هناك أي نوع من المقاييس التي يمكن تجربتها أو محاولة استخدامها ولا معايير ذهبية أو معايير تم استخدامها في السابق ويمكن الاعتماد عليها الآن. وعلى الرغم من هذا، فإنه يتعين عليك أن تحاول باستمرار لإيجاد معايير موضوعية لتأسيس قراراتك عليها.

وعندما يكون من الصعب عليك أن تجد المعايير الصحيحة، فإنه يتعين عليك على الأقل أن تتأكد من صياغة قرارك بشكل سليم لكي تقترب من الموافقة قدر الإمكان. إن هذا الملمح المهم من ملامح المفاوضات يمكن تفهمه حتى في رياض الأطفال والذي يتم فيه تعليم الأطفال مبدأ “أنا أقطع وأنت تختار”. وهي الطريقة التي يتم فيها تقطيع الكعكة بين طفلين، بحيث يقوم الطفل الأول بتقطيع الكعكة ولكن يتعين عليه أن يكون عادلا، ذلك لأن الطفل الثاني يقوم باختيار النصف المفضل له.

قم بالمبالغة في طلب أكثر مما تتوقع الحصول عليه خلال المفاوضات

تمثل هذه القاعدة أهمية كبيرة في أساليب التفاوض الناجحة، وهي قاعدة المطالبة بأكثر مما يتوقع الشخص أن يحصل عليه. فعندما تبدأ مفاوضاتك بهذه المبالغة فربما تتمكن بالفعل من كسب الموافقة على ما تطالب به بالفعل وتهدف للوصول إليه. كذلك فإن هذا المبدأ يعطيك مساحة أوسع في عملية التفاوض، ويدعم ويقوي من قيمة عرضك الذي تقدمه. بالإضافة إلى أنه يمنع الوصول إلى طريق مسدود بين الأطراف الداخلة في التفاوض. وأخيرًا سنجد أن الاعتماد على هذا المبدأ سووف يمنح الطرف الآخر شعورًا بأنه قد حقق انتصارًا أو فوزًا ولو بقد ضئيل، دون أن يخرج من التفاوض وكأنه خاسر فقط.

فعندما يكون هدفك هو طلب أقصى ما هو متوقع، فإن عرضك المبدئي إذا كان مبالغًا فيه، قم بتقديم بعض المرونة وهو ما سوف يشجع الطرف الآخر على التفاوض معك. وكلما كنت على عدم معرفة بالطرف الآخر كلما كان عليك أن تبالغ في مطالبك، لأنك سوف تكسب حينها ثقة هذا الشخص الغريب والذي سيقدم لك تنازلات أكبر وتحص على الموافقة .

لا تقبل أبدًا بأول عرض يتم تقديمه إليك خلال التفاوض

اجعل دائمًا التردد والدهشة هما رد الفعل الذي تعطيه للطرف الآخر على عروضه المقترحة، وعندها سوف تلاحظ أن الطرف الآخر لديه استعداد لتقديم مزيد من التنازلات الجديدة نتيجة لهذا التردد. بينما إذا لم تقم بإظهار شئ من هذا الرفض وعدم الرضى والدهشة، فإن الطرف الآخر لن يكون مرنًا في عروضه، بل سيتوقع أنك مقبل على الموافقة على عروضه التي يقترحها. لذلك فإن القاعدة المهمة في هذا الجانب هي أن ترفض دائمًا العرض الأول الذي يتم اقتراحه خلال عملية المفاوضات.

فعندما تبدي الموافقة على العرض الأول فإن هذا الأمر سوف يثير شكوكًا لدى الطرف الآخر وقد يفترض أن ما كسبه في المفاوضات ما هو إلا خسارة حدثت له. فعندما تطلب من رئيسك في العمل على سبيل المثال، زيادة في المرتب، وتحصل على الموافقة منه بشكل سريع دون رفض أو تردد مبدئي أو دهشة، فعندها لن تشعر بالرضى لأنك سوف تلوم نفسك بسبب عدم طلب المزيد وأنك تستحق أكثر مما حصلت عليه.

إن الأسباب التي قد تدفعك إلى تقبل أول عرض يتم تقديمه إليك في المفاوضات، هي أن يكون لديك بشكل مسبق عدة أفكار وتصورات للمكاسب التي يمكنك الحصول عليها. وبالتالي عندما يكون العرض الأول الذي تم تقديمه إليك اكبر مما توقعته وتصورته بشكل سابق، فإنك سوف تتقبله وتقع تحت إغرائه بشكل مباشر وسريع. لذلك عليك أن تتعلم عدم الوقوع تحت هذا النوع من الإغراء من خلال عدم بناء تصورات وتوقعات مسبقة تعيق قدرتك على إبداء الدهشة وعدم الموافقة على العرض المقترح بشكل مبدئي.

خاتمة

إن كل شيء مبني على المفاوضات، لذلك عليك أن تتعلم كيفية التفاوض بالشكل الصحيح؛ فالمفاوضات والصراعات ليست مجرد ألعاب خاسرة. لذلك ينبغي عليك أن تتوخى خوض غمار الحرب والصراعات الطويلة وهذا بسبب تكلفتها الباهظة وعائدها الضعيف. وبدلاً من هذا يجب عليك أن تحاول تفهم ومخاطبة المصالح الخفية لكل الأطراف. وكلما كنت ملتزمًا بالحقائق ومتذكرًا أيضًا أنك تتعامل مع بشر، كلما كنت قريبًا من الحصول على الموافقة . ولقد حاول هذا المقال أن يقدم إليك مجموعة من الحيل والأدوات التي يمكن استخدامها لتحقيق النجاح في أي تفاوض أو صراع تخوضه، ويمكن تلخيصها في الآتي:

  • ضرورة تحديد الخيارات المتاحة قبل البحث عن الحلول.
  • حاول دائمًا أن تجد المعايير الموضوعية التي تؤسس عليها قرارك.
  • عليك القيام بالتحضير والاستعداد الجيد حتى يمكنك التفاوض بشكل ناجح.
  • قم برفض وعدم تقبل أول عرض يتم تقديمه إليك في التفاوض.
  • قم بطلب أكثر مما تتوقع الحصول عليه بشكل مبالغ فيه، لكي تتم الموافقة على ما تريده بالفعل.

إن المفاوضات هي أحد وسائل التواصل، لذلك يتعين عليك الانصات والالتزام بالحديث عن الحقائق. ومع ذلك يمكننا القول بأنه لا يمكن لأدوات التفاوض على أفضل تقدير أن تضمن لك النجاح.

محمد السيد

باحث أكاديمي ومترجم - ماجستير آداب جامعة القاهرة.

أضف تعليق

20 − ثلاثة عشر =