تسعة
الرئيسية » اعرف اكثر » تعرف على » الملكة حتشبسوت : كيف أقنعت حتشبسوت الرجال بتوليها الحكم؟

الملكة حتشبسوت : كيف أقنعت حتشبسوت الرجال بتوليها الحكم؟

الملكة حتشبسوت من أشهر الملكات اللاتي تربعن على عرش مصر، فكيف كان لها القدرة على إثبات مكانتها كملكة على العرش؟ هذا ما سنسلط عليه الضوء في مقالنا.

الملكة حتشبسوت

تعتبر الملكة حتشبسوت من أقوى حكام مصر على مر العصور، واعتبرت فترة حكمها نقطة تحول محوري في تاريخ مصر القديم. وتنتمي ملكتنا إلى الأسرة الفرعونية الثامنة عشر، وهي خامس من تولى حكم مصر من أسرتها. ورغم أنه قد مر على عرش مصر عدد من الملكات اللاتي حكمنها سواء بصفتهن الشخصية أو كقرينات لملوك، إلا أن الملكة حتشبسوت هي أكثرهن نجاحاً وتأثيراً، حيث امتد حكمها خمسة عشر عاماً، وتشهد لها آثارها المعمارية الفريدة بعظمة حكمها واهتمامها بالثقافة والفنون فضلاً عن حالة الرخاء التي تميزت بها سنوات حكمها لمصر. والغريب في الأمر، فإن الملكة حتشبسوت قد صورها النحات المصري القديم في بداية حكمها على صورة امرأة، ولاحقاً أضفى عليها ملامح ذكورية، وأبرز عضلاتها ووضع لها لحية مستعارة، كتلك التي كان يستخدمها الفراعنة الذكور، ولعل ذلك إشارة إلى حزمها في الحكم.

الملكة حتشبسوت قصة امرأة وصلت إلى أعلى هرم السلطة في مصر

كيف أقنعت الملكة حتشبسوت الرجال في مصر بتوليها الحكم؟

كانت حتشبسوت أولى أبناء الملك تحتمس الأول من الملكة أحموس، من الأسرة الفرعونية الثامنة عشر، تزوجت الملكة حتشبسوت من أخيها تحتمس الثاني وأنجبا ابنة واحدة، الأميرة نفروع رع، على أن تحتمس الثاني قد أنجب من جواريه ابناً آخر هو تحتمس الثالث. وحسب التقاليد الملكية الفرعونية، كان يتوجب أن تنتقل السلطة بعد وفاة الملك تحتمس الثاني إلى ابنه تحتمس الثالث، إلا أنها استطاعت أن تحتفظ بالعرش.

وفي سبيلها للحصول على عرش مصر، لجئت الملكة حتشبسوت لحيلة ذكية، فقالت للكهنة أنها حلمت بأن الإله آمون قد جاءها في الحلم ونصبها على العرش بصفتها من أبناء آمون، وعلى الفور وافق الكهنة على جعلها ملكة على عرش مصر.

رغم أن حكم مصر كان يعتمد على رضا الكهنة بالدرجة الأولى، إلا أن الشعب لم يتقبل ببساطة أن تتولى حكمها امرأة، كما كان حول مقتل زوجها الملك تحتمس الثاني الكثير الغموض حيث اتهمها بعضهم بقتله للوصول إلى العرش، إلا أن تلك التهمة لم يكن عليها أي دليل. فضلاً عن ذلك فإن قدرتها على الحكم، وحنكتها في التدبير كان لها أكبر الأثر في تقبل المصريين لحكمها بل ورضاءهم عن ذلك فيما بعد.

وكانت مقاومة الشعب، أو بعضهم لحكمها دافعاً لها إلى الحكم بيد من حديد، حيث أنها قامت ببعض التغييرات المظهرية، مثل ارتداء الملابس الشبيهة بالرجال، قص شعرها، استخدام الذقن المستعارة، استخدام الألقاب الذكورية، في محاولة منها لإظهار قوتها أمام الشعب، وفرض الهيبة على البلدان المجاورة، ولتقول للجميع لست بتلك المرأة الضعيفة، أنا الفرعون الحاكم ابن آمون.

وصولها إلى القمة

ولا شك في أن نشأتها كان لها الأثر الأكبر في ذلك، فقد كانت الابنة الكبرى لوالدها الملك تحتمس الأول، وكانت تشاركه الحكم في أواخر أيامه، وكانت تطمع في الحكم، لكن كهنة المعبد كان لهم اليد الطولى في تولي أخيها-زوجها فيما بعد العرش فقبعت كزوجة وملكة أم انتظاراً للفرصة.

وطوال فترة زواجها كانت تمارس الحكم من وراء الستار، فقد كان زوجها تحتمس الثاني ضعيفاً، على أن ابنه تحتمس الثالث لم يكن كذلك، فقد أبرم الكثير من المؤامرات مع كهنة آمون للحيلولة دون تولي الملكة الحكم، إلا أنها استطاعت تحقيق ذلك، وفي سنة 1404 ق.م، أعلنت الملكة حتشبسوت، ملكة على مصر العليا ومصر السفلى، وفرعوناً حاكماً لمصر والأراضي التابعة لها في الخارج.

ومن علامات تقدير الشعب لها، ما كان يطلقه عليها في أغاني مديح الفرعون، حيث كانت تحمل لقب حورس الأنثى، كما كانت تحمل الكثير من الألقاب مثل ابنة الشمس، صديقة آمون، حورس الذهبي، مانحة السنين، إلهه الإشراقات، هازمة جميع البلدان، محيية القلوب، السيدة القوية. وها هنا وصلت الملكة حتشبسوت إلى القمة، والتي تربعت عليها ما بين 15-21 عاماً حسب تقديرات المصادر التاريخية.

إنجازات الملكة حتشبسوت

قامت الملكة حتشبسوت بإنجازات إدارية وسياسية كبيرة، وكانت لها الفضل في النهضة الشاملة التي شهدتها مصر القديمة في تلك الفترة، وقامت بتكوين جيش قوي لا يقهر، وأرسلت عدداً من الحملات الاستكشافية إلى مختلف البلدان للتعرف على الحضارات المجاورة والنقل عنها. فضلاً عن ذلك، شهدت مصر في تلك الفترة نشاطاً تجارياً كبيراً حيث كان لمصر علاقات تجارية قوية مع مختلف دول الشرق، ولا يمكن للتجارة أن تنشط إلا في ظل حالة من الرخاء والسلام ودفعها ذلك إلى عقد صداقات مع كل الدول المجاورة لمصر، ورغم قوة جيشها وشهرته إلا أنه لم يحدث في فترة حكمها حرباً حقيقية، عدا بعض الحملات التأديبية التي أرسلتها إلى فلسطين والشام والنوبة، والتي خرجت تحت قيادة زوج ابنها تحتمس الثالث. وهنا يتضح لنا تفكير الملكة حتشبسوت، وكيف أنها وجدت أهمية كبرى في النهضة بالبلاد بدلاً من إضاعة المال والجهد وأفراد الجيش في حروب لا فائدة منها، وبدلاً من ذلك اتعبت السلام طريقاً للوصول إلى هدفها، وجعلت من المعاهدات الدبلوماسية والاتفاقيات التجارية صك أمان من غدر الشعوب المجاورة، والتي كانت ترى في الاستفادة والتبادل التجاري بينها وبين مصر سبيلا أكثر ضماناً من الحرب مع دولة ذات جيش جرار وملكة قوية.

معبد الملكة حتشبسوت وقصة أخرى

يعد معبد الملكة حتشبسوت أو ما يطلق عليه الدير البحري من أعظم الآثار الفرعونية والتي لا تزال حتى الآن موضع للاستكشاف والبحث والدهشة في الوقت نفسه. هذا المعبد بناه المهندس سننموت، والذي يعتقد أنه كانت تربطه قصة حب غامضة بالملكة حتشبسوت، وكما أبدع المهندس سننموت في تشييد معبد الملكة حتشبسوت، فإنه أبدع أيضاً في بناء مقبرتها، حيث أنشئ فيها نفقاً طويلاً وقام بتصميم مقبرته على نفس شكل مقبرتها، لتربطهما علاقة أبدية في العالم الآخر!

وعام 1457 ق.م توفت الملكة حتشبسوت، ويقال أنها لم تكن وفاة طبيعية، وأنها قد قتلت في صراع على العرش، وبعد تقدم الوسائل العلمية الحديثة، وتشريح مومياتها تبين أن سبب وفاتها إصابتها ببعض الأمراض مثل السكري، السرطان والتي لم يكن لها علاج في ذلك الوقت. ودفنت الملكة حتشبسوت في مقابر وادي الملوك في مدينة الأقصر بصعيد مصر.

خاتمة

رغم مرور آلاف السنين، إلا أن الحضارة الفرعونية لا تزال تحمل العديد من الأسرار والقصص والحكايات، بعضها يدور حول الغزوات والحروب والبعض الآخر حول قصص الحب، وغيرها حول الصراع على العروش وتوطيد دعائم الحكم. لم يكن عرش مصر بالعرش السهل الذي يمكن للحاكم الوصول إليه، وإن وصل فعليه أن يدعم حكمه ويرضي الكهنة والشعب، ويحمي البلاد من العدوان الخارجي. حقاً فعلتها الملكة حتشبسوت ونجحت في جعل مصر دولة قوية ذات جيش حامي، لكن بدون خوض أي معركة، وجعلت من علاقاتها في ذلك الوقت اللبنة الأولى في الدبلوماسية التي عرفناها في الحياة السياسية الحديثة، وأقامت الكثير من الاتفاقيات السياسية والتجارية وعلاقات الصداقة الثنائية مع دول الجوار.

تركت الملكة حتشبسوت آثاراً تشهد بالمستوى الاقتصادي والاجتماعي الذي شهدته مصر في عهدها، والتي لا تزال مزاراً سياحياً يأتي إليها السياح من جميع أنحاء العالم، ليشاهدوا الملكة الفرعون التي تربعت على العرش لما يقارب من ربع قرن. ويمكن أن نعتبر كذلك أن الملكة حتشبسوت كانت أولى المدافعات عن حقوق المرأة، ويكفي لها أنها خاضت معركة ضد المجتمع الذكوري منذ سنوات ما قبل التاريخ، لتثبت بأن المرأة مساوية للرجل ويمكن لها الحكم والإدارة بكل احترافية مثلها مثل الرجل. وليس الأمر كذلك فحسب، فإن الملكة حتشبسوت تعتبر مؤسسة النهضة المصرية في العصر الفرعوني، والذي لم تشهده مصر حتى عصر محمد علي، مؤسس مصر الحديثة.

نادية صالح

كاتبة مقالات ومدونة، عملت في عدة مواقع عربية، الكتابة هوايتي ومتنفسي.

أضف تعليق

خمسة × ثلاثة =