تسعة
الرئيسية » الحيوانات » الكلب هاتشيكو : كيف أصبح الكلب الياباني مثلاً في الوفاء لصاحبه؟

الكلب هاتشيكو : كيف أصبح الكلب الياباني مثلاً في الوفاء لصاحبه؟

ربما لم تسمع من قبل عن قصة الكلب هاتشيكو التي ألهمت صانعي السينما إنتاج فيلم عام 2009 لتكريم اسم الكلب الذي ضرب أروع الأمثلة في الوفاء لصاحبه.

الكلب هاتشيكو

كل منا يعلم أن الوفاء هو ما يكون بين الأبناء تجاه آبائهم، وبين الآباء وأفراد عائلتهم وبين الأصدقاء وبعضهم أيضًا، لكن هناك نوع آخر من الصداقة والوفاء وهو الخاص بالحيوانات، والتي جسدها الكلب هاتشيكو الذي ظل ينتظر صديقه لمدة 10 سنوات متكاملة، ضاربًا بذلك أروع الأمثال في الوفاء والصداقة التي لا تشوبها المصالح، فبالرغم من كونه مجرد حيوان لكنه قدم للإنسانية درسًا في الصداقة وأسمى معاني الرُقي في التعامل مع الغير، لدرجة أن قصته باتت تتداول داخل أروقة المدارس وغيرها للتدليل على الإخلاص والوفاء وحب الصداقة مثل ما فعل هاتشيكو في طوكيو اليابانية في بدايات القرن الماضي، فكانت تلك الصداقة التي لم تنتهي بمجرد وفاة مالك الكلب البروفيسور هتسابورو أوينو، بل ظل الكلب ينتظره لمدة 10 سنوات في انتظار عودة صديقه من جديد، حتى توفي هاتشيكو وذاع سيطه في كل دول العالم، وليس في اليابان وحدها، وبدأت الأحزان تدب في أرجاء طوكيو وعلى وجه من عرفوا هذا الكلب منذ أن كان يأتي إلى محطة القطار برفقة صديقه والذي ظل على هذه العادة بعد وفاة هتسابورو، وإلى أن توفي هو أيضًا.

قصة وفاء الكلب هاتشيكو لصاحبه التي تحولت إلى فيلم سينمائي

بداية صداقة الكلب هاتشيكو والبروفيسور هتسابورو

منذ أن دخل الكلب الياباني هاتشيكو إلى ضواحي طوكيو وتعرف على صديقه البروفيسور هتسابورو أوينو في عام 1924، وقد بدأت حالة من الصداقة القوية تزداد بينهما، وهو ما وضح من خلال مصاحبة الكلب يوميًا للبروفيسور هاتسبونو وهو خارجًا من منزله إلى محطة القطار في اتجاهه إلى عمله، وأيضًا من خلال انتظاره له أمام باب محطة القطار في نهاية اليوم وهو عائد من عمله، لتبدأ من هنا رحلة الوفاء والصداقة بينهما، تلك العادة التي لم ينقطع عنها هاتشيكو طوال ما يقارب الـ 11 عامًا، منذ أن بدأت الصداقة بينهما في 1924 وحتى توفي الكلب في 1935، ولعل معاملة البروفيسور هتسابورو الذي كان يعمل أستاذًا في قسم الزراعة في جامعة طوكيو، لكلبه ورفيقه هاتشيكو هي ما صنعت منه صديقًا مخلصًا له حتى بعد وفاته، ومن اللافت للنظر هنا هو مدى تأثر واستفادة كافة الجيران والمارة الذين لاحظوا الصداقة القوية بينهما من هذا الدرس الكبير، حتى ارتبط أيضًا عدد كبير من رفقاء البروفيسور هتسابورو والذين كانوا يسافرون معه من وإلى محطة القطار بالكلب هاتشيكو، لدرجة أنه بعد وفاة هاتسبونو حرص عدد كبير من المواطنين على تقديم الطعام لهاتشيكو الذي يجلس يوميًا أمام محطة القطار ليتأمل وجوه جميع من يخرجون من محطة القطار المعروفة باسم شيبويا في انتظار اللحظة التي ينتظرها منذ 10 سنوات وهي رؤيته لصديقه.

وفاة البروفيسور هتسابورو وبداية معاناة هاتشيكو

ظل هاتشيكو على عادته التي يمارسها يوميًا وهي الذهاب والإياب مع صديقه البروفيسور هتسابورو إلى محطة القطار، حتى جاء اليوم الحزين الذي لم يكن الكلب يتمناه، فمثل عادته ذهب الكلب إلى محطة القطار مساءً حتى يصطحب صديقه ويعودا إلى منزلهما لكن الصدمة كانت عندما لم يظهر هتسابورو مع جميع من خرجوا من محطة القطار، لكن البروفيسور هتسابورو لن يصل أبدًا إلى محطة شيبويا مرة أخرى فقد توفي أثناء عمله بعد أن أصيب بجلطة دماغية توفي على إثرها مباشرة وكان ذلك في عام 1925، وقد أصبح الأمر صعبًا على الجميع وبدأ السؤال يتردد من الذي لديه القدرة على إخبار هاتشيكو بأن صديقه قد توفي ؟، تلك الحيرة والصدمة التي دخل بها هذا الكلب جعلت الجميع ينظر إليه برأفة شديدة إلى حد وصل إلى تعاطف جميع ساكني هذه المنطقة معه، خاصة مع ذهابه يوميًا إلى محطة القطار في انتظار بارقة الأمل، في ذلك التوقيت حاول البعض أن يصرفوا هاتشيكو من أمام محطة القطار بسبب تردده اليومي هناك، لكن كل هذه المحاولات لم تنجح وسط إصراره على الوفاء لصديقه، الذي ظل ينتظره لمدة 10 سنوات مستمرة، لدرجة أن تعود الجميع على رؤية الكلب يوميًا وبدأ البعض يقدم له الطعام بصفة دائمًا حتى ذرفت دموعهم من حالة هذا الكلب الذي رفض أن يكون على ناكرًا لصداقته مع البروفيسور هتسابورو.

وفاة الكلب هاتشيكو أمام محطة القطار

لسنوات طويلة استمرت معانات الكلب هاتشيكو وسط تعاطف كافة من يروه، وتحولت هذه العاطفة إلى لمحة إنسانية استفاد منها كافة أبناء تلك المنطقة، بعد أن لمسوا في موقفه ملمحًا تاريخيًا في الوفاء واحترام الصداقة، فمنذ أن بدأت صداقتهما وكانت هناك علاقة وطيدة تربطهم ببعض وهو ما كان يتضح بشدة من علاقاتهما في محطة القطار، فما كان يفعله الكلب أثناء لقائه بصديقه أثناء عودته من العمل كان يشبه من فقدته عائلته والتقى بهم بعد سنوات طوال، لكن هاتشيكو ظل محافظًا على تلك المشاعر التي كنت تربطه بالبروفيسور هتسابورو وذلك حتى توفي أمام محطة القطار في عام 1935 بعد انتظاره لصديقه لمدة 10 سنوات، ولو كان بإمكانه انتظار أكثر من ذلك لفعل لكن الموت حال بينه وبين ذلك، حيث جاءه الموت ذات يوم وهو ينتظر قدوم صديقه في المساء وأُطلقت روحه إلى السماء، ومنذ ذلك الحين وتحولت تلك المنطقة التي توفي بها هاتشيكو إلى معلمًا ومزارًا تاريخيًا لعدد كبير من السياح والعشاق والأصدقاء المنتظرين الذين باتوا يقصدونه من عدد كبير من بقاع الأرض باعتباره شاهدًا على واحدة من أبرز قصص الوفاء والإخلاص في الصداقة.

تكريم هاتشيكو

منذ أن بدأت قصة وفاء الكلب هاتشيكو والبروفيسور هتسابورو تنتشر بشكل كبير في اليابان وبدأ البعض يتحدث حول ضرورة عملية تجسيد هذه القصة الواقعية في كتب تاريخية وأفلام وثائقية، لكن وقبل عام بالتحديد من وفاة هذا الكلب المُخلص بدأ عدد من الفنانين اليابانيين يقومون بمحاولات جدية لتكريمه، خاصة بعد أن تأثروا بقصته وبوفائه الشديد، وقام بعض منهم بعملية نحت تمثال خاص به وعلى الفور تم وضع هذا التمثال أمام محطة القطار وذلك في حضور الكلب هاتشيكو الذي سطر قصة ستظل محفورة في ذاكرة التاريخ، لم يتوقف التكريم عن ذلك وبعد وفاته وبالتحديد عام 1948 قام فنان آخر بصنع تمثال جديد له ولكن هذه المرة تم صنعه من البرونز، وتم استبداله بالتمثال القديم، وبعدها أطلق على محطة قطار مسمى مخرج هاتشيكو، وقد تحولت هذه المنطقة بذلك إلى مزارًا يتردد عليه الكثير من المواطنين حول العالم، بجانب ذلك فلم تتوقف المجلات والكتب والإذاعات والفضائيات عن الحديث حول قصة وفاء هاتشيكو، وتم تجسيد هذه القصة من خلال فيلم ياباني تم إخراجه في عام 1987 وقد أطلق على الفيلم اسم هاتشيكو مونوكاتاري والذي لقى رواجًا كبيرًا في اليابان والعديد من الدول الخارجية أيضًا، لم يتوقف الأمر عند ذلك وتم في 2009 أمركة هذا الفيلم وتحول الفيلم إلى أمريكا وانتشر بصورة كبيرة في الولايات المتحدة، وخلال أحداثه نجح الفيلم في تجسيد هذه القصة بصورة مؤثرة للغاية زادت من واقعية الفيلم.

الوفاء والصداقة ليس بالضرورة أن تكون بين شخصين، لكن هناك من المواقف الحياتية بين الحيوانات والإنسان ما ساهم في تجسيد قصص يتوقف عندها التاريخ، ولعل قصة وفاء الكلب هاتشيكو التي استمرت لما يقارب الـ 10 سنوات لصديقه هتسابورو واحدة من قصص الوفاء التاريخية التي وقعت بدايات القرن الماضي وما زالت بقاياها عالقة في الأذهان حتى الآن.

محمود الشرقاوي

محرر صحفي، عضو نقابة الصحفيين، متخصص في الشأن الإقتصادي والسياسي ومحرر قضائي لعدد من المواقع الإخبارية.

أضف تعليق

2 × 4 =