تسعة
الرئيسية » اعرف اكثر » تعرف على » الكروموسوم المصنع : كيف تسنى للعلماء إنجاز تلك القفزة العلمية ؟

الكروموسوم المصنع : كيف تسنى للعلماء إنجاز تلك القفزة العلمية ؟

الكروموسوم المصنع هو خطوة شديدة التطور في فهمنا لعالم الوراثة والأحياء، نتعرف هنا على كيفية وصول العلماء لتصنيع الكروموسوم في المختبرات والمعامل.

الكروموسوم المصنع

الكروموسوم المصنع هو خطوة كان من الممكن التفكير فيها في الماضي على أنها ضرب من الخيال، يخطو علم الأحياء الاصطناعية والبيولوجيا الجزيئية وعلم الجينات أهم خطواتهم في السنوات الماضية، مع توقعات بعالم جديدتختلف نظرتنا لكل شيء، خصوصا فهمنا للحياة وأسئلتنا عن معناها وهدفنا فيها. ستعود من جديد أسئلة الحياة والموت، وستنبع فلسفات جديدة كسماء تظلل عالما من كائنات تراها الأرض لأول مرة في تاريخها، ربما، ويتحكم فيها العقل الأفضل الذي أنتجته الطبيعية، العقل البشري الذي يحاول جاهدا تخليص نفسه من كل قيد ونيل الحرية مهما كان الثمن. وها هو طريق يفتح له أبوابه أخيرا بعد طول طرق وتجريب، الأحياء الاصطناعية، وبعد محاولة تصنيع الجين المفرد ثم تصنيع تسلسل من الحمض النووي، ثم تصنيع جينوم البكتيريا على يد كريج فينتور، ها هو أول كروموسوم مصنع للخميرة بالكامل من مواد غير حية يتم إنتاجه في المعمل، هذه المرة بأيدي الطلاب!

الكروموسوم المصنع : القصة الكاملة له من الألف إلى الياء

الإعلان عن إنتاج أول كروموسوم مصنع للخميرة

جند مشروع أمريكي عشرات من الطلاب الجامعيين لرتق قطع الحمض النووي معا. استغرق العالم الجيني كريج فينتور 15 عاما و40 مليون دولار لتصنيع جينوم بكتيري. واليوم، قام فريق أكاديمي مكون في الغالب من طلاب جامعيين بالإعلان عن القفزة التالية في الحياة الاصطناعية: إعادة تصميم وإنتاج كروموسوم مصنع فعّال تماما من الخميرة المدعوة خميرة الخبّاز (ساكاروميس سيسفياي).

إنها من نوع الكائنات حقيقية النواة الذي يشمل الإنسان والحيوانات الأخرى، وتملك خميرة الخباز جينوما أعقد من بكتيريا فينتور. فالكروموسوم المصنع الخميري—الذي قُصت منه بعض تسلسلات الحمض النووي والعناصر الأخرى—بطول 272.971 زوج قاعدة، ويمثل حوالي 2.5% من الـ 12 مليون زوج قاعدة في جينوم خميرة الخبز. الباحثون، الذين أعلنوا إنجازهم في مجلة العلم، قاموا بتكوين جمعية دولية لإنتاج نسخة اصطناعية من الجينوم الكامل لخميرة الخبز في خلال 5 أعوام.

يقول فارين إيزاك، وهو مهندس بيولوجي في جامعة ييل بـنيو هافن بولاية كونيتيكيت، والذي كان مشتركا في العمل بالمشروع: “هذه مثال مدهش للغاية لا لتصنيع الحمض النووي فحسب لكن لإعادة تصميم كروموسوم مصنع حقيقي الخلية بالكامل. بإمكانك أن ترى أنهم يقومون بتعبيد الطريق بشكل منظم من أجل عصر جديد من البيولوجيا قائم على إعادة تصميم الجينوم.”

بدأ المشروع منذ بضع سنوات، حينما قرر جيف بيكه، عالم جيني في جامعة نيويورك، تصنيع جينوم خميرة الخبز بتغييرات أشد تطرفا من التي قام بها فينور وفريقه عام 2010.

حيث سبق وأن قامت مجموعة في معتد ج كريج فينتور في روكفيل بـماريلاند، بالتصنيع الكيميائي لجدائل قصيرة من الحمض النووي ورتقه معا لإنتاج نسخة من جينوم الحمض النووي لبكتيريا مايكوبلازما مايكويدز البالغ طولع 1.1 مليون زوج قاعدة. كتب فريق فينتور بعض العلامات المائية المكوّدة في تسلسل الجينوم تقوم بتهجي أسماء أعضاء الفريق بالإضافة للعديد من الاقتباسات الشهيرة. لن بالإضافة لهذه الألعاب وبضعة تغييرات أخرى، كان الجينوم الاصطناعي للمايكوبلازما مايكويدز مطابقا للتصميم الأساسي.

لكن في المقابل، فإن بيكه وفريقه قرروا أنه بقص بعض الخصائص من الجينوم لاختبار أهميتها سيتمكنون من تسويغ التكلفة والمجهود الرهيبين لإنتاج كروموسوم مصنع لخميرة الخبز بالكامل. يقول بيك: “لم أكن مرتابا في إمكانية إنجاح الأمر. كانت المسألة هي كيف نجعل هذا الكروموسوم المصنع مختلفا عن الكروموسوم العادي وندخل في التصميم شيئا سيجعله يستحق؟”

ابنِ جينوما!

قرر العلماء حذف تسلسلات معينة من الحمض النووي من الكروموسوم المصنع، مثل العناصر القادرة على التحرك خلال الجينوم المعروفة بالترانسبوزونات وأجزاء من الجينوم لا ترمز لبروتينات تدعى الإنترونز. أيضا قاموا بإدخال نظام مزج يقوم بخلط وإزالة الجينات لتوفير طريقة اختبار لـ ما إذا كان جين ما ضروريا من أجل البقاء.

كانت الخطة المبدئية هي التعاقد مع شركات تجارية مختصة بتصنيع الحمض النووي لإنتاج قطع كبيرة من جينوم خميرة الخبز يقوم بيكه باختيارها ثم تركيبها كلها مع لإنتاج الكروموسوم المصنع. لكن الطلب الأول، قطعة كبيرة عبارة عن حمض نووي بطول 90000 زوج قاعدة مواز لجزء من كروموسوم خميرة الخبز كلف حوالي 50000 دولار واستغرق عاما كي يصل.

يتذكر بيكه أنه فكر حينها: “سأموت قبل أن ينتهي هذا المشروع بوقت طويل!” لذلك قرر تحويل اتجاه تفكيره إلى طرق أخرى لتجميع امتدادات من الحمض النووي بطول الكروموسوم المصنع المطلوب.

أدرك أن حرم الجامعة يمتليء بالطلاب المهتمين بالدخول في مجالات البحث. لذا في صيف عام 2007 قام بتدريس أول كورس يدعى “ابن جينوما!” في جامعة جون هوبكينز في بالتيمور ماريلاند، ومن حينها تم تقديم هذه الدروس في أغلب الفصول الدراسية.

سيقوم كل طالب بتصنيع جزء خاص به من جينوم خميرة الخبز، وهو ما يعني رتق أطوال صغيرة جدا من الحمض النووي تم إنتاجها بواسطة آلة تصنيع الحمض النووي، فيقوم بتكوين أجزاء أكبر. هذه الأجزاء الأكبر يتم إدماجها بعد ذلك في الكروموسوم المصنع، قليل منها كل مرة، من خلال عملية تدعى إعادة التركيب المتماثل.

في النهاية، ينتج عن هذا الكروموسوم المصنع بالكامل. وأغلب الطلاب هم مؤلفون مشاركون في ورقة بيكه المنشورة في مجلة العلم التي تشرح تفاصيل تصنيع كروموسوم خميرة الخبز رقم 3.

وبالرغم من التغييرات التي أحدثوها به، إلا أن خلايا خميرة الخبز المحتوية على الكروموسوم المصنع نمت جيدا كأية خميرة طبيعية. يقول بيكه: “المدهش بشأنه هو أنه هناك أكثر من 50000 زوج قاعدة تم حذفه أو إدخاله أو تغييره في الكروموسوم المصنع البالغ طوله حوالي 250000 زوج قاعدة، ومع ذلك فهو يعمل. هذا تأثير باهر في الحقيقة.”

دفع عالمي

لا يزال الفريق يملك أفكارا لتجارب أكبر بكثير—تشمل تجربة تعتمد على إنتاج جينوم خميرة مصنع بالكامل. يقول بيكه: “سنكون قادرين حقا على استكشاف أعماق ما يمكن أن نفعله بالجينوم ومع ذلك يظل قادرا على إنتاج خلايا قادرة على الحياة والتعرف عليها كخميرة.”

من أجل إنتاج جينوم خميرة كامل من بدءا من نقطة الصفر، أدرج بيكه مشاركين من كل أنحاء العالم بما فيهم طلاب جامعيين. يستعرض كورس بناء الجينوم في جامعة تيانجان بالصين واحدا من الكروموسومات ال 16 المكونة ليجينوم خميرة الخبز، كما تقوم بهذا مجموعات في معهد بحوث الجينوم في شنتشن بالصين والإمبريال كولدج في لندن وعدد من معاهد الولايات المتحدة الأمريكية. يقول بيكه أن نصف تسلسلات الحمض النووي قد تم تصنيعها بالفعل.

يقول فينتور وزملاؤه في بيان مكتوب: “هذا العمل هو مثال رائع آخر لقدرة علم الأحياء الاصطناعية على اعتياد إعادة كتابة تسلسلات الكروموسوم الصناعي على نطاق ضخم. هذا العمل هو مقدمة وتوضيح لقابلية تنفيذ إعادة تصنيع أو تنفيذ كروموسومات أخرى.”

توم إيليس، عالم أحياء اصطناعية في الإمبريال كوليدج في لندن ويقود الجهود لإنتاج الكروموسوم المصنع رقم 11 لخميرة الخبز، يرى المشروع كرد مضاد على استخدام علم الأحياء الاصطناعية التجاري. “يوضح هذا الرد الأكاديمي ذا المصادر المفتوحة على ما فعله فينتور هو: دعنا ننشيء بعض المعامل وبها بعض الطلاب وهو سيقومون بالأمر نفسه. بإمكانهم تصنيع الكروموسومات أيضا.”

سارة إبراهيم

طبيبة وكاتبة ومترجمة من مصر

أضف تعليق

تسعة + ثلاثة =