تسعة
الرئيسية » الحيوانات » السيطرة على الإرادة : كيف تسيطر بعض المخلوقات على إرادة الأخرى؟

السيطرة على الإرادة : كيف تسيطر بعض المخلوقات على إرادة الأخرى؟

السيطرة على الإرادة موضوع غريب وشيق، تابع المقال لتتعلم كيف تقوم بعض الكائنات بالسيطرة على إرادة كائنات أخرى والتحكم فيها بشكلٍ كامل.

السيطرة على الإرادة

السيطرة على الإرادة، هي من أهم ما يميز الكائن الحي. القدرة على التحرك وأخذ القرارات بحبس رغبته هو فقط، هو ما يجعله حي وتعطيه هويته بالأساس. ومن يفقد السيطرة على الإرادة بداخله، يصبح إنسان تابع وهش وضائع بدون هوية. إلا إن هناك بعض الطفيليات والمخلوقات الأخرى، التي يمكنها التحكم في إرادة عوائلها. وتدفعه للقيام بما ترغب بها هي فقط. فمن هي، كيف تفعل ذلك، وهل هي قادرة على فعل المثل بالإنسان؟ أسئلة تجدها بهذا المقال.

ما هو مفهوم السيطرة على الإرادة وكيف تتحكم الكائنات بأخرى؟

مفهوم الإرادة

من أجل أن تدرس موضوع السيطرة على الإرادة ، فيجب أن تفهم معنى كلمة إرادة بطريقة فسيولوجية وليست نفسية. أي ما الذي يقوم به جسم الإنسان في سبيل التحكم في حركته لتحديد هوية هذا الإنسان. قد يقول البعض أن الأمر كله مرتبط بالعقل، ولكن حتى العقل يعمل بطرق معينة أهمها التفاعلات الكيميائية التي تحرك الخلايا العصبية، حتى يصل إلى الأمر إلى عملية معقدة من التفكير وأخذ القرار عن حرية وإرادة كاملة.

فهل حقاً الإرادة هي مجرد تفاعل كيميائي داخل دماغ الإنسان أو غيره من المخلوقات الحية؟ وإن كانت بتلك البساطة، سيكون موضوع السيطرة على الإرادة هو أمر سهل جدًا ويمكن التحكم به من الخارج، بالتحكم بتلك العمليات الكيميائية بسهولة. الحقيقية المؤسفة، إنها بالفعل كذلك. وهذا ما تتدل عليه مجموعة كبيرة من الطفيليات في الطبيعة، التي وبالسيطرة على الإرادة عند عوائلها، تجعلها طوع يديها، حتى إلى الموت.

قدرة الطفيليات المسيطرة على الإرادة

الطفيليات الفطرية، قد تبدو هشه ورقيقة من الخارج إلا إنها تمتلك قدرات كبيرة جدًا، لا تماثلها في القوة حتى أقوى الحيوانات المفترسة. يوجد 440 نوع من تلك الطفيليات في العالم، وتتجمع بشكل كبير في شرق وجنوب أسيا. ومن هؤلاء الطفيليات تأتي الأنواع التي تتمكن من السيطرة على الإرادة والحرية بشكل كامل، على أنواع كثيرة من المفصليات وبعض المجموعات الحيوانية الأخرى. مثل العناكب والحشرات وغيرها. ويبدو أن كل نوع من الطفيليات يتخصص في السيطرة على إرادة نوع معين من الحشرات أو الحيوانات. وليست الفطريات وحدها هي من تستخدم تلك الاستراتيجية التي لا مفر منها. لأن دورة حياة أي طفيلي، تحتوي على عدة مراحل متتابعة، ولكل مرحلة مكان تنمو فيه، ويتم تغير العوائل المستخدمة باستمرار. لذلك يجب على الطُفيل أن يتمكن من السيطرة على الكثير من الحيوانات المحتملة المختلفة. والأمثلة القادمة، ينطبق عليها هذا الكلام.

قصة واقعية عن ارتباط طفيليات قادرة على السيطرة على الإرادة بالإنسان

بعام 1993 تمكنت ثلاثة لاعبات صينيات من الفوز ببطولة العالم في الجري الحر، وبأرقام قياسية أيضًا. المثير للدهشة أن ما تشترك فيه هذه اللاعبات، أنهن يتناولن جرعات يومية من الفطر الطفيلي المسمى ” Ophiocordyceps unilateralis” الذي يصيب النمل. ومنهن كانت اللاعبة Wang Junxia. ولا نعرف بالتحديد تأثير الطفيليات، وما إذا كان لهم دخل مهم بقدرتهم الفائقة على الجري.

الطفيلي Ophiocordyceps unilateralis

حياة نملة “”Camponotus leonardi هي حياة بسيطة جداً وروتينية للغاية. ففي كل يوم تخرج مع جماعة النمل الأخرى، للبحث عن الطعام، تنظيف المنزل وبناءه، إطعام الصغار والاعتناء بهم. وتبقى دائمًا على طرق الأرضية، ولديها ممرات ما بيت بيتها والغابة، لا تخرج أبدًا عن هذا الروتين. إلا أنك فجأة تجد نملة تخرج من حدود وروتين الجماعة، للتسلق على شجرة عالية. ومن ثم عند ارتفاع معين فقط تذهب إلى طرف من غصن شجرة، وتبقى هناك تحت ورقة من الأوراق بشكل ملتصق، وتموت. هذا سلوك غير معتاد ومفاجئ على تلك النملة.

في الظاهر يبدو الأمر أنها مجرد نملة تائهة. إلا إن بعد وقت قصير سيبدو الأمر منطقيًا جدًا. بعدما تموت النملة سيخرج من رأسها عودة وكأنه تشبه النسغ النباتي. تلك العودة تحتوي على ما يشبه الثمرة في المنتصف، وكأنها ثمرة بنية اللون وتحتوي على أشواك. إنها في الحقيقة عبارة عن طفيلي يسمى Ophiocordyceps unilateralis. هذا الطفيل يدخل إلى عقل النملة، ويقوم بالسيطرة على الإرادة الكاملة لتلك النملة. ويوجه سلوكها بالكامل نحو خدمته هو فقط، ليأمرها وهي تنفذ. لم تبقى النملة كما كانت بهويتها، ولكنه أصبح طفيلي في جسد نملة.

العلماء لا يعلمون كيف يقوم هذا الطفيلي بتلك العملية بالتحديد. ولكن الهدف منها هو واضح جدًا. فهو يوجه النملة إلى حيث تكون البيئة مناسبة له جدًا للنمو. على ارتفاع 25 سم تقريبًا من الأرض. تحت ورقة من الأوراق، بالإضافة إلى الطرف الشمال الغربي للشجرة. فهكذا سيرتاح الطفلي، وتموت النملة في سبيل هذه الراحة.

دودة الكبد

من أجل أن تكمل دودة الكبد دورة حياتها، تمر بمرحلة النضوج. هذه المرحلة لا تحدث سوى بداخل جسم كائن أكل للعشب، مثل الأبقار أو الماعز. ولذلك هي أيضًا تسيطر على عقل السابق ذكرها، ولكن هذه المرة تأمرها بالتسلق إلى اعلى قمة النباتات العشبية. فتزيد فرصة الدودة في الوصول إلى بطن حيوان أكل للعشب، ولتكمل دورة حياتها. فتعيش مرحلة صغيرة من حياتها داخل تلك النملة، وتضحي بها بهدف الوصول إلى كائن جديد، وهكذا.

Hybotidae puckel fluga

في أمريكا الجنوبية يوجد هذا النوع من الذباب. هذا الذباب يضع بيوضه في الجزء الأمامي من النمل. وعندما تفقس البيوض وتصبح يرقات تنتقل إلى رأس النملة. فتبدأ بالتغذية على الدم والخلايا العضلية والعصبية، إلى أن تأكل كامل الدماغ. وفي هذه الأثناء تصبح تحركات النملة مريبة وغير طبيعية وكأنها مجنونة فهناك من يلعب بعقلها، تنتقل من مكان لأخر دون وجه معلومة، لمدة ما بين أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع. أخيرًا ينتهي عذاب النملة عندما تفرز اليرقات أنزيم معين، يفصل الرأس عن الجسم. وتتحول اليرقات إلى عذريات داخل الرأس.

Euryplatea nanaknihali: أصغر ذبابة بالعالم

في تايلند تم العثور على أصغر حشرة بالعالم، وهي ذبابة أصغر من ذبابة الموز بأكثر من خمس مرات بقليل. ولكن رغم هذا الحجم الضئيل إلا إنها بارعة في السيطرة على الإرادة . وتستغل النمل بطريقة وحشية، لا تقل وحشيتها عن كل الأساليب الماضية.

دودة تحول النملة إلى ثمرة شهية

Myrmeconema neotropicum”” هي عبارة عن دودة تكتمل دورة حياتها حين تعيش في جسم طائر. ولكن كيف تستطيع الوصول إلى هذا الطائر؟ هنا يأتي السؤال الأهم. تصيب تلك الدودة نوع من النمل العملاق يسمى “Cephalotes atratus”. وما قد ستلاحظه بشدة أن مؤخرتة تتضخم وتبدأ بالاحمرار بدرجة كبيرة. ومن ثم تغير النملة سلوكها لتصبح مجنونة تمامًا. لأنها تبدأ بتحرك مؤخرتها وذيلها يمينًا ويسارًا، وكأنها تنادي على الطيور وتستفذهم بلون مؤخرتها الأحمر الذي يشبه الثمرة الشهية على غصن شجرة. فتأتي الطيور المنجذبة بسهولة، وتأكل النملة. لتسقط الدودة في معدتها وتكمل دورة الحياة. حين يرمي الطير المصاب بروثه على الأرض، فإن النمل وبدون علم يقوم بأكل البيوض الموجودة بالروث هو وصغاره. فيصابوا بنفس الدودة مرارًا وتكرارًا، فتكون تلك الوجبة هي الوجبة الأخيرة قبل السيطرة على الإرادة الحرة والموت.

نبات التبغ

من الواضح أن الأمر لا يتوقف عند الحيوانات أو الحشرات فقط، بل النبات أيضًا لديه القدرة على السيطرة على الإرادة، ولكن على الأقل ليس بطريقة وحشية ومباشرة. فنبات التبغ يعاني من اليرقات التي تتغذى على العصارة السكرية التي تفرزها أوراقه. على الرغم من أن تلك المادة تحتوي على نسبة مضرة جدًا من النيكوتين، ولكن اليرقات لا تعير هذا الموضوع اهتمامًا كبيرًا، لأن جسمها يعرف جيدا كيف يتعامل مع النيكوتين. إلا إن نبات التبغ لم يبقى صامتًا ليموت دون أن يدافع عن نفسه، وهذا ما أثبته علماء من معهد ماكس بلانك. بتلك العصارة السكرية نفسها تقوم بإنتاج رائحة مميزة جدًا، عندها تتحول إلى فضلات. لينجذب النمل خاصة نحو تلك الرائحة، ليجد هناك اليرقات التي أكلتها ويأكلها هو. في تلك الحالة النبات يتخلص من اليرقات، والنمل يستفيد أيضًا. ولكن النبات هو من دفع وأمر النمل ليأكل اليرقات بتلك الرائحة المميزة.

نيجلرية دجاجية

هو كائن طفيلي من عائلة الهلاميات، يعيش في المياه بأنواعها، خاصة الأنهار والبرك الدافئة، وتتواجد بالقرب من المسابح والمحيطات القريبة من المصانع. هذا الطفيلي قادر على الدخول إلى أي كائن حي، حتى ولو كان إنسان، عن طريق الأنف. ومن ثم يتسلق الشبكة العصبية ليصل في الأخير إلى المخ. فيقوم بأكل الدماغ حرفياً، وهو قادر على إتمام أكل دماغ الإنسان في أسبوع واحد فقط. ويعاني المريض في أثناء ذلك إلى حالات من الجنون وفقد السيطرة على الجسد والهلوسات، وأمراض كثيرة ناتجة عن العقل الذي بدأ يفسد. فيبدأ سلوكه وكلامه بالتغير وكأنه لم يعد نفسه، لأن هناك طفيلي يقوم بالسيطرة على الإرادة الكاملة لهذا الإنسان. ويدخل إلى مرحلة الغيبوبة ثم الموت. 1% فقد من حالات المصابين يُكتب لها النجاة. في الولايات المتحدة الأمريكية سُجلت حالات وفاة 125 ألف شخص، بسبب هذا الطفيلي وحده.

الدودة الشريطية الوحيدة أو “Taenia solium”

قد تكون سمعت عن تلك الدودة الشريطية من قبل، وأكثر ما يُعرف عنها أنها تعيش في لحم الخنازير لتكمل دورة حياتها. ولكنها أيضًا قد تتواجد في الإنسان إن أكل لحم خنازير مصابة، وغير مطهية جيدًا. وهي بالفعل تعيش في العضلات والدماغ، وتضع هناك البيوض. عندما تفقس البيوض وتخرج اليرقات الصغيرة، تقوم بخلق فقاعات مائية حول نفسها، وتعيش فيها حتى تحمي نفسها، وقد تستمر لسنوات. إلا إن عندما تكبر تلك الفقاعات فهي بالتالي ستضغط على الخلايا العصبية بجانبها. فتمنع عملها أو انتقال السوائل داخل الدماغ. هذا الأمر يشكل تهديدًا على وظائف الدماغ التي تموت بالبطيء. فتبدأ نوبات من الصرع والهلوسة والجنون وعدم التحكم بالنفس والسلوك، كأعراض لتضرر الدماغ. ومن ثم يفقد المريض الوعي تدريجيًا، إلى أن يصل إلى الموت. وتنتشر الخنازير المصابة في قسم الكرة الأرضية الجنوبي، ماعدا اليابان وأستراليا.

دودة تقود بالسيطرة على الإرادة عند الحلزون

حتى الحلزون لا يبتعد عن شر تلك المخلوقات. فهناك دودة صفيحية تسمى “Leucochloridium paradoxum” تصيب الحلزونات. لا تقوم تلك الدودة بتغير سلوك الحلزون فقط، بل إنها تغير من شكل تكوين الحلزون نفسه. ليصبح شكله الجديد شبيه بالدودة البيضاء أو اليرقات الصغيرة. ويتغير سلوك الحلزون من الاختباء في الأماكن المظلمة، إلى البحث عن المناطق المضيئة المكشوفة والبقاء هناك بشكل متعمد. بذلك تصير فرصة اصطياده وأكله من قبل أحد الطيور، هي فرصة أكيدة وأتية لا محالة. وبهذا الشكل تكمل الدودة دورة حياتها، وتتكاثر داخل الطير المصاب. وتنزل البيوض في الروث الذي يتغذى عليها حلزونات أخرى.

Clinostomum marginatum”” الدودة الطفيلية على حياة الأسماك

هي عبارة عن طفيلي على شكل دودة، وهي تعيش الكبد، وتتكاثر في الطيور الأكلة للأسماك بالتحديد. عندما تتبرز الطيور المصابة في المحيطات والأنهار، تقوم الأسماك بأكل هذا البراز وهي لا تعرف أنه نهايتها ونهاية هويتها. لأن البراز يحتوي على البيوض التي تفقس داخل السمكة. عندما يكون عدد الديدان الصغيرة داخل السمكة مناسب، تقوم بالسيطرة على الإرادة الكاملة للسمكة. لتتحول السمكة إلى عبدة بالفعل، وتجبرها الدودة على السباحة بالقرب من الشواطئ، وعلى مقربة من سطح الماء. فيسهل جدًا التقاط الطيور لتلك السمكة وأكلها.

Glyptapanteles مع الفراشات الرقيقة

الرقة لا تنفع أمام هذا الطفيلي العتيد. هذا الطفيلي يضع بيوضه داخل يرقات الفراشات الصغيرة. وعندما تفقس، تخرج لتأكل هذه اليرقة الضعيفة من الداخل. ولكنها ماهرة، فتأكل ببطء ولا يصل الأمر إلى قتل الفراشة لأنه طعامها. في الأخير تتحول اليرقات إلى عذراوات وتلتصق كل مجموعة مع بعض على أحد الأغصان. ولكن طفيلي أو اثنين يبقوا داخل يرقة الفراشة التي أصبحت كبيرة بما يكفي الآن لتصبح حارس شخصي لباقي العذروات. وعندما تتعرض هذه المجموعة الجبارة إلى خطر حقيقي، تبتدأ الفراشة بدون وعي وسيطرة على تصرفاتها بالتلويح بأجنحتها. وتهتاج بجنون وكأنها تحمي صغارها لا أعدائها. إنها بالفعل تقوم بالسيطرة على الإرادة الحرة داخل الفراشة الرقيقة.

دبور الصراصير الزمردي

على الرغم من صغر الحجم والشكل الجميل الخارجي لهذا الدبور، إلا إنه خطير ويتغلب على صرصور في أضعاف حجمه بقدرته على السيطرة على الإرادة . يمتلك هذا الدبور خرطومان، الأول يغرزه في صدر الصرصور، والثاني يغرزه في عقله. الأول يفقد الصرصور السيطرة على الأطراف الأمامية من جسمه، فتنشل حركته تمامًا. الثاني يعتبر سم قاتل لأنه يجعل الصرصور طوع أمر الدبور بالكامل. ولا يتمكن من إبداء أي رد فعل مع إنه مازال حيًا. بذلك يمسك الدبور ضحيته وينقله إلى بيته. وهناك يضع بداخل الصرصور بيوضه. واليرقات التي تفقس منها تتغذى على هذا الصرصور من الداخل. وهو لا حول له ولا قوة، فيُأكل وهو حي.

مرض الكلاب

سواء الكلاب أو البشر لا يتمكنوا من مواجهة هذا الفيروس القاتل والأكثر خطورة بين الفيروسات. يصيب هذا الفيروس الكلاب أولًا، ليجعل الكلب طوع أمره ويستغله بكل الطرق، فيسلب إرادته بالكامل ويستعبده. لأنه يصيب أعصاب الكلب بأكملها، فيجعله همجي وعدائي بشكل غير طبيعي، رغم إنه لم يكن كذلك يومًا، ومحب للعض بطريقة استثنائية. ينتقل الفيروس إلى لعاب الكلب، ويجبر الغدد اللعابية من إفراز أكبر كمية من اللعاب. وعندما يعض هذا الكلب، إنسان، ينتقل الفيروس إلى هذا الإنسان. وإن لم يأخذ التطعيم المناسب فورًا سيكون مصيره أسوء من الكلب. لأنه يدمر الخلايا العصبية، ويفقد الإنسان التحكم في نفسه وتبدأ نوبات من الصرع والجنون ومحاولات العض أيضًا المتكررة. سواء الكلب أو الإنسان فإن المصير واحد، ألا وهو الموت بعد قدر من العذاب لا بأس به. يموت سنويًا بسببه 55 ألف شخص، و99% من الحالات تكون بسبب العض من الكلاب مباشرة دون علاج.

الملاريا و السيطرة على الإرادة

الملاريا هو كائن طفيلي يسيطر على الكائنات التي يعيش بداخلها، سواء البعوض أو البشر، حتى يخدموا رغبات هذا الكائن فقط. فعندما يصيب البعوضة، يجعلها أكثر عدائية من الأخريات فتزيد من عدد لدغاتها للكائنات الأخرى خاصة الإنسان، وهذا ما تشيره الأبحاث مقارنة بعدد اللدغات الطبيعية لباقي البعوض. وليس هذا فقط فالملاريا تعيش في أمعاء البعوضة، مما يجعلها مهددة بالخطر إن كلت البعوضة في وقت تطور نمو الملاريا الأولي. فتجبر الملاريا تلك البعوضة على عدم الأكل طوال فترة نموها الذي تحتاجه. إنها تسيطر بشكل كامل على البعوضة، فلا تأكل ولا تلدغ إلا حين يكتمل النمو، ومن ثم تصبح عدائية بشراهة. وعندها تنتقل الملاريا من البعوضة إلى الإنسان. والغريب أن هذا الإنسان يكون مسخر لحياة الملاريا، لأنها تسيطر على الوظائف الحيوية. فتجعل الإنسان عبد مهيأ لضمان بيئة مناسبة لتكاثرها. وهي تستغل ضعف خلايا الإنسان لتعمل على إعادة بناء نفسها. وبذلك فهي ترتبط بيولوجيًا بوجود الإنسان وملائمته خصيصًا لها.

الغريب والمدهش في الأمر أن الملاريا لا تختار ضحيتها عشوائيًا مثل ما تعتقد. فالبعوضة التي تلدغ الإنسان لا ترمي بنفسها عشوائيًا عليه. فكما ذكرنا، الملاريا تحتاج إلى عائل مناسب لها، لذلك تختار ضحيتها بعناية على حسب بعض العوامل وتجبر البعوضة على لدغ هذا الإنسان بالتحديد. العوامل هي الحرارة، غاز ثاني أوكسيد الكربون ونسبته، والرطوبة. في كل مرة تتنفس فيها، أو تتحرك فيها، فأنت تكشف نفسك أمام البعوض الذي ينجذب نحوك، على أنك ضحية محتملة لتحديد ما إذا كنت مناسب أم لا. أغلب البعوض لا يعير للضحية أي اهتمام ولا ينتقي الضحية، أما أنثى بعوض “Anopheles gambiae” والتي تسمى بعوض الملاريا، تختار دم الإنسان بالتحديد كغذاء لها، ولدها حس تذوق عالي. وقد تطير فوق قطيع كامل من الأبقار السمينة، وتذهب بالتحديد إلى راعي القطيع النحيف.

الإنسان لديه بكتريا تعيش على جلده، وفي المناطق المميزة مثل القدم وباطن الساق يتحول العرق في وجود البكتريا لأحماض دهنية لها روائح مميزة جدًا. تلك الروائح ونسبتها تختلف من شخص لأخر وعلى حسب مقدار النظافة الشخصية أيضًا، ولكنها بتأكيد مصدر جذب للبعوض. خاصة بعوض الملاريا الذي يستخدم تلك الرائحة في تميز الضحية المناسبة. وعلى ذلك يستخدم البعوض نفس الطريقة لجذب البعوض مرة أخرى للإنسان، حين تنتهي فترة احتياجه لهذا العائل قبل أن يموت. لقد أثبت العلماء بعام 2005 أن الملاريا تجعل الإنسان هو الأخر عبدها، ليخرج الكثير من الروائح التي تجذب البعوض لتعود إلى عائلها الأول مرة أخرى.

في القديم كان العلماء يعتقدون أن البعوض هو المذنب الأول في انتشار مرض الملاريا. أما اليوم فاتضح أن الملاريا هي التي تسيطر وتسخر البعوض والإنسان إلى حد سواء من أجل اكتمال دورة حياتها ومنفعتها هي وحدها. إنها بالفعل تقود بالسيطرة على الإرادة والسلوك والوظائف الحيوية عند عوائلها.

Toxoplasma gondiis يجعل الفأر يلعب بذيله أمام القط

هذا الطفيلي هو من وحيدات الخلية أي من أصغر الكائنات على هذا الكوكب، إلا إنه قوي جداً ويتحكم بعقل الفئران بالسيطرة على الإرادة. هذا الطفيلي يحتاج إلى القطط من أجل إكمال دورة الحياة. ولذلك هو يصيب الفئران، ويجعلها تفقد خوفها الطبيعي من القطط ورائحتها. فتلعب الفئران أمام القطط غير مبالية لها أبدًا وكأنها تستفزها. لتأكل القطة هذا الفأر ويبدأ طور جديد في حياة الطفيلي.

حتى الإنسان نفسه يقع ضحية السيطرة على الإرادة بسبب هذ الطفيلي. فإن أصاب رجلًا يدفعه إلى الغيرة المفرطة على النساء وعدم تقدير حجم الأخطار بشكل صحيح. فيؤدي هذا إلى موته بسبب وقوعه في المشاكل، وهذا ما أظهرته الأبحاث. حيث نصف المصابين من الرجال يموتون بسبب حوادث وتظهر عليهم تغيرات سلوكية تجاه النساء واضحة. أما إن أصاب سيدة، فهي تبدأ بالثقة في النفس بطريقة مبالغ فيها. وهذا التغير السلوكي المفاجئ دليل على السيطرة على الإرادة داخل عقل الإنسان.

بالنهاية عزيزي القارئ، إن الكون مليء بالمفاجآت، والمخلوقات التي تسيطر على الإرادة واحدة منهم. إنها مخلوقات عجيبة وخطيرة، وهي أقوى بذكائها وقدرتها بمن هم أقوى منها جسديًا وأكبر حجمًا.

سلفيا بشرى

طالبة بكلية الصيدلة في السنة الرابعة، أحب كتابة المقالات خاصة التي تحتوي علي مادة علمية أو اجتماعية.

أضف تعليق

أربعة × 1 =