تسعة
الرئيسية » حياة الأسرة » حياة زوجية » الزواج بالإكراه : كيف يؤدي الإكراه على الزواج إلى فشل العلاقات ؟

الزواج بالإكراه : كيف يؤدي الإكراه على الزواج إلى فشل العلاقات ؟

ينتشر الزواج بالإكراه في العديد من بقاع العالم، خصوصًا بلادنا العربية، ورغم ما لهذه المشكلة من تبعات كثيرة خطيرة، إلا أن الكثيرين ما يزالون يمارسونها.

الزواج بالإكراه

الزواج بالإكراه هو من ضمن الكوارث التي من الممكن أن تحدث لأي شخص على الإطلاق، وللأسف يكون السبب الرئيس وراء هذه المشكلة هم الأسرة والمجتمع المحيط. الزواج هو أهم منظومة بشرية على مر التاريخ، ففي الزواج أنت لا تبني أسرة جديدة أو تكون زوج أو زوجة فقط، ولكن الفكرة ككل هي أن الزواج هو ما يبقي وجود البشر حتى هذا الوقت. ففي الزواج الإنسان يذهب نحو الاستقرار والهدوء والراحة النفسية، والأطفال والمسئوليات والأهداف الحياتية والشعور بالذات. منظومة نفسية كاملة لكلا الشريكين تُحقق من خلال فكرة الزواج وليس الأمر مجرد عُرس، وأفراح وليالي ملاح. ولذلك أهم شيء في فكرة الزواج أن يكون الشريكين على وفاق حتى لا يعاني أحد منهم من الأخر، ولا يكون الزواج عبارة عن حمل وثقل وشيء سلبي في حياة كل واحد منهم.

ومن هنا نصل إلى فكرتنا الأساسية، أن الزواج بالإكراه هو كارثة بكل المقاييس. لأن كل الذي تكلمنا عنه في السطور السابقة لن يحدث وسيتحول الزواج إلى أكثر شيء بشع حدث للإثنين. وتكون هناك كوارث بالنسبة لطوائف معينة من الناس، التي لا تمتلك إمكانية الطلاق، فيتحول الزوجين إلى سجينين في حياة بعضهما الأخر، وكل واحد منهم مرتبط بشخص لا يطيقه أبداً. ولو كان يوجد أطفال فسوف يتأثرون نفسياً على المدى الطويل من هذه العلاقة.

الزواج بالإكراه ودوره في الكثير من المشاكل الاجتماعية

طرق الزواج بالإكراه

الطريقة الأولى والأكثر استخداماً تكون عن طريق الإلحاح والضغط على العزاب. وهناك عبارات وجمل معتادة تُقال كل يوم للشاب أو الشابة، ولا سيما يكثر هذا الكلام جداً لو هناك عريس مُتقدم لأحدى الشابات، أو لو وجدت أم الشاب فتاة جيدة تعجبها وتريده أن يتزوجها حتى لا يأخذها أخر. فتجد الأهل يستخدمون فكرة الضغط على الأطراف ويقولون للفتاة أنها كبرت ويجب عليها أن تتزوج، ولو قالت لا، يسألونها ما السبب وراء الرفض. لأن في بلادنا الشرقية سيدخل رفض الفتاة للزواج الشك في قلوب الأهل، ويبدئوا في توقع أنها على علاقة مع أحد أخر مثلاً. وهذا يكون غير مقبول حسب العادات والتقاليد الشرقية، ومن هنا تبدأ الصراعات بين البنات والأهل. ومن الناحية الأخرى بالنسبة للشباب، فيلعب الأهل على وتر الرجولة ويقولون للشاب أنك رجل ويجب أن تتزوج حتى لا يقول الناس أنك لست برجل. وهكذا حتى يحدث في الأخير أن يتم الضغط على شاب وشابة ليتزوجوا بعضهم البعض وهم لا يعرفون ولا يريدون هذا الزواج من الأساس.

الطريقة الثانية هي مباشرة أكثر وتُستخدم بنسبة كبيرة في البيئات ذات التعليم السطحي أو الجهل المنتشر. فيكون هذا المجتمع ذكوري بطريقة مباشرة وكلية ولا يوجد أي أراء لدى المرأة، أو البنت. ولذلك لو فكرت فقط الفتاة أن تقول لا لزوج قد وافق عليه الأهل، فيحدث أن ينوب الفتاة وابل من الضرب والإهانة والقمع لا يحتمله الرجل نفسه. ولكن الذي يحدث يكون نوع من الغصب الفعلي، وتكون هذه هي سنة الحياة في هذا المكان، وحتى لو فكرت البنت أن تهرب أو تذهب لمكان أخر فغالباً سيبحثون عنها ويقتلونها. وقد يقول البعض أن هذه الأشياء كانت تحدث قديماً أما الآن فنحن في القرن الواحد والعشرين ولا أحد يفعل ذلك، ولكن الحقيقة، أن هناك تقارير عالمية حسب منظمة اليونيسيف عن العنف ضد المرأة، وبنسبة تزيد عن ال20% من أسباب ضرب الفتيات هو لغصبهن على الزواج بالإكراه من أشخاص لا يريدن الزواج منهم.

الطريقة الثالثة للزواج بالإكراه هي عن طريق الأذى النفسي، وهذه الطريقة خبيثة وجارحة لأبعد الحدود. حيث يكون البطل فيها غالباً السيدات الكبار الذين يبدئون في التطفل على الفتاة ولماذا لا تريد أن تتزوج فلان ومن ثم يبدئون في جرحها بالكلام. وأن يقولوا لها أنها ليست أنثى وأنها ستبور قريباً لو استمرت على طريقة تفكيرها هذا ولن ينظر لها أحد. وعندما تتعدى الثلاثين سيظن الناس أنها ليست شريفة لأنها ترفض الزواج من الرجال المحترمين. ومن ثم يبدئون أن يقارنوها بالفتيات التي في عمرها وكيف أن لهن أبناء طوال القامة وفي حين أنها لم تتزوج حتى الآن. وغالباً هذه الطريقة في الزواج بالإكراه تكون مؤلمة جداً لنفسية الفتيات، حيث أنها لو رضخت ستظل طول عمرها مشوهة نفسياً ولا تعترف بالزواج سوى أنه مجرد إرضاء للآخرين. أما لو صممت على موقفها فكلام الآخرين سيعلق في عقلها دائماً وسيؤثر فعلاً عليها، فجرح الكلام صعب جداً وقد تستطيع أن تظهر متماسكة في كل وقت ولكن بينها وبين نفسها هي تشعر بالسوء والجرح الدائم.

ومن بعد هذه الطرق الثلاث للزواج بالإكراه، غالباً في معظم الأوقات تتم الزيجة ويحدث بعد أن تُغصب الفتاة لأجل الزواج. هناك نتائج لهذه الزيجة وليست مجرد نتائج عادية أو أعراض جانبية للحياة، بل نحن نتكلم عن نتائج مدمرة في الحياة المجتمعية. حيث أن المرأة التي هي عِماد المجتمع وقاعدة الأسرة، تكون عبارة عن سلعة وهي تشعر بذلك. ومن هنا ينتج لنا أسرة وأطفال وزواج تعيس جداً، وفي النقط التالية سنعرف سوياً ما هي هذه النتائج المدمرة.

بعد الزواج بالإكراه لن توجد عاطفة

كذبوا من قالوا إن الرجال لا يريدون الحنان، أو لا يهتمون بالعواطف، فالرجال بشر والبشر عاطفيين. والعاطفة مصدرها ومنبعها الأساسي هو المرأة، وبما أن المرأة تكون مغصوبة على هذا الزواج فهي غالباً لا يكون لديها الرغبة في أن تعطي مشاعر لهذا الزوج، التي هي مغصوبة على تحمله لمجرد أن المجتمع حولها سجنها في ذلك. وبما أن الرجل لن يجد منها أي تبادل عاطفي سيبدأ غالباً في التعامل معها بطريقة سيئة في المقابل، وغالباً تكون الطريقة عبارة عن ضرب وإهانة وشتيمة. حتى يقول الرجل لنفسه أنه يسيطر على الأمور، لأن الأنثى تعرف جيداً كيف تجعل الرجل يشعر أنه لا يمتلك مشاعرها إذا أرادت والرجل يحب أن يشعر أنه يمتلك زوجته كلياً، عاطفياً وجسديا. وفي الزواج بالإكراه فهو يمتلكها جسدياً، ولكنه لن يمتلكها عاطفياً ومن هنا الرجل لن يشعر أنه يسيطر، فيبدأ في اللجوء إلى القوة كرد فعل داخلي منه نحو مقاومة المرأة عاطفياً له. مما يزيد كراهية المرأة له أكثر ومن هنا يبدأ الانحدار الأسري في الظهور وتبدأ المشاكل الزوجية في التفاقم إلى أن يمل الزوج من هذه المرأة التي تشعره أنه كريه ولا تعالجه عاطفياً. فيلجأ إلى أن يطلقها لأنه في عقله يقنع نفسه أنه أخذ منها جسدها وهذا يكفيه ولتذهب هي بعواطفها بعيداً إلى أهلها.

الزواج بالإكراه ينتج عنه الطلاق الداخلي

الزواج بالإكراه لن يعطي الزوجان سوى الانفصال الداخلي، والشعور بالبعد كل منهم عن الأخر. وبعدما رأينا أن العاطفة تكون معدومة، حتى لو كان المرغم رجل، فالرجل أيضاً لو كان مكرهًا على زواج فهو لن يعطي مشاعر، فلن يكون هناك علاقة من الأساس. ولكن قد يحدث حمل للمرأة، وهذا يكون بمثابة أسوء شيء قد يحدث لهؤلاء الاثنين، ببساطة لأن الطفل الذي سيولد ليس ذنبه أن أباه وأمه كانوا مكرهين في زواجهم. وعندها يتراجع الطرفان ويصبران على فكرة الطلاق الكلي أو الانفصال الكلي، تقديراً لهذا الطفل الذي سيولد وأن ليس له ذنب. وهنا تجد أن هناك نوع أخر من الطلاق ظهر في البيت وهو الطلاق الداخلي، حيث يبدأ كل واحد من الزوجين يعيش حياة منفردة بعيداً عن الأخر تماماً، وكل ما يربطهم ببعض هو الطفل لا أكثر ولا أقل. وكمظاهر لهذا النوع من الطلاق أن ينام كل زوج على سرير مختلف أو غرفة مختلفة، وأن يكون لكل واحد منهم حياته المستقلة التي لا يسأل الأخر عنها. عدم الاهتمام بصورة نهائية وباتة كأن الطرف الأخر ليس سوى شخص ثقيل الظل، وربما يعتقدون الأزواج أن هذا النوع من الطلاق يريح البال وفي نفس الوقت لا يؤثر في نفسية الطفل.

نفسية الطفل

نفسية الطفل التي تنتج من الزواج بالإكراه غالباً تكون نفسية مشوهة. فالطفل ينشأ في بيئة دائماً متوترة، لا توجد محبة، الأب والأم يتشاجران ويصرخان دائماً، أو يرى أبيه يضرب أمه أو أمه تشتم وتضرب أبيه. أو يرى أن الحياة بين أبيه وأمه ليست سوى علاقة صامتة ليس لها أي روح، لا يوجد معنى للمشاركة والفرح. سيكبر الولد على أنه يرى الزواج منظومة فاشلة هذا أولاً، ثم ثانياً سينشأ داخل نفسية الطفل نوع من أنواع المرض النفسي، أو الوسواس القهري، أو عدم المحبة أو العصبية الزائدة. غالباً سيكون غير متفوق دراسياً وسيكون عنيف مع الآخرين، لأنه سيكون فاقد للاتزان في حياته. والمرض الأهم والأكثر خطورة على الإطلاق هو أن بنسبة تتعدى ال50% من مدمنين المخدرات حول العالم أبوهم وأمهم منفصلين. وإن كان هذا يدل على شيء فهو أن عدم الاتزان النفسي يسبب عدم القدرة على التحكم في الإرادة الشخصية بشكل طبيعي. ولذلك يكون الشخص قابل للإدمان أكثر من غيره، لأن إرادة هؤلاء الناس تكون ضعيفة جداً.

الزواج بالإكراه يؤدي إلى الخيانة الزوجية

الزواج بالإكراه سيقتل العواطف لدى الزوجين، ولذلك الاحتياج العاطفي سيكون ملح لدى الطرفين لأنهم لا يلبون احتياجات بعضهم العاطفية. بل الأكثر من ذلك من الممكن أن يرغم الرجل امرأته على العلاقة الحميمية، ومن هنا تكون أزمة عاطفية أكبر بين الاثنين. وكل هذا يتراكم مع السنين والأيام والشهور مما ينتج نوع من أنواع الحرمان، وقاعدة علم النفس تقول إن استمرار الحرمان في الحاجات الأساسية للإنسان تؤدي إلى “الكبت”. والكبت هو الدافع الأول للخيانة، حيث أن الضغط يولد الانفجار والكبت النفسي هو عبارة عن زيادة الحرمان عن طاقة الاحتمال. فيضطر الإنسان لسد الحاجة بطرق بديلة أو طرق غير شرعية، التي هي الخيانة الزوجية.

أسباب الخيانة

المشكلة هنا أن هناك الكثير يعتقدون أن الخيانة هو أمر لا يحدث كثيراً بين المتزوجون في بلادنا الشرقية. ولكن هناك تقرير خرج من محكمة الأسرة في جمهورية مصر العربية يفيد أن أكثر من 60% في حالات بلاغات الخيانة الزوجية وطلب الخلع يكون سببها أن الزوج مسافر أو غير موجود لسد حاجات السيدات المتزوجات. أيضاً هناك تقرير أخر في أمريكا عن أسباب خيانة الأزواج، بالنسبة للمرأة كان السببين الرئيسيين هما الانتقام من الرجال لأنهم يعلمون أن هذا يؤلمهم عاطفياً وذهنياً والسبب الأخر كان لعدم توافر العاطفة بين الزوجين. أما بالنسبة للرجال فكان السبب الرئيسي هو عدم اهتمام النساء بهم وبما قد يفعلون أو كيف سيخونوهم، فالنساء لا تهتم والرجال في المقابل لا تجد من يتمسك بهم.

أخيراً عزيزي القارئ الزواج بالإكراه لن يفيد أحد على الإطلاق، والمظلومين هم المتزوجين. فلا تكرهون أحد ولا تسمحون لذلك بأن يحدث بينكم، ولو فرض وكانت هناك حادثة مثل هذه تحدث أمامك، حاول بكل الطرق اللطيفة والمحترمة والنقاشية أن تتدخل في الموضوع لئلا تكون هناك مشاكل في المستقبل بالنسبة للجميع.

سلفيا بشرى

طالبة بكلية الصيدلة في السنة الرابعة، أحب كتابة المقالات خاصة التي تحتوي علي مادة علمية أو اجتماعية.