تسعة
الرئيسية » العمل » في العمل » كيف تفرق بين الرشوة والهدية في العمل وما الهدف من كل منها؟

كيف تفرق بين الرشوة والهدية في العمل وما الهدف من كل منها؟

الرشوة والهدية نوعين من العطايا قد يحصل عليهما أي موظف خلال العمل، لكن أحدهما فقط متاح ومقبول أما الآخر فقد يؤدي إلى مشاكل.

الرشوة والهدية

من البديهي أن يعرف الموظف بشكل لا غبار عليه الفارق الحقيقي بين الرشوة والهدية ، فالأمر ببساطة يُشبه الشعرة بين الحق والباطل، ولا يُمكن بأي حال من الأحوال أن تُقطع تلك الشعرة، وإلا فكل الموظفين قد يُصنفوا كمرتشين، وهو أمر تُجرمه الأخلاق ويُحاسب عليه الشرع والقانون كذلك، فالرشوة، وهي الشيء الغير مباح بالطبع، فعل شيطاني خالص، ولا تأتي إلا ويصحبها نوع من أنواع التساهل والاستهتار في أحد المصالح العامة لصالح شخص غير جدير، كل ذلك فقط لأنه قد دفع الرشوة إلى موظف عديم الأخلاق، على العكس تمامًا من الأخلاق التي يُمكن إدراجها تحت بند التقدير المعنوي والشكر على مصلحة ما، عمومًا، كثر الحديث عن الرشاوي والهدايا حتى أصبح الأمر يختلط فعلًا على الناس، ولا يعرفون حقًا هل ما تم قبوله من الموظف رشوة أم هدية، أصلًا الموظف بات ينخدع في الأمر ويُخدع من الراشي، ولذلك، دعونا في السطور القادمة نتعرف سويًا على كلا الأمرين وكيفية التفريق جيدًا بينهما.

ما هي أُسس الرشوة؟

لكي يكون الأمر واضحًا للمتلقي فنحن بحاجة ماسة لتوضيح كل عنصر من عناصر هذا الموضوع، الرشوة والهدية ، وما هي الأسس التي بناءً عليها يُمكن تصنيفه، ولتكن البداية مثلًا بالرشوة، باعتبار أنها الأكثر تجريمًا والأكثر كذلك تعرضًا للتزييف والخداع، فتلك الصفة يُمكن وضع أسس تُحددها وتبينها، وعلى رأسها التوقيت.

توقيت الرشوة

توقيت الرشوة يحدد كثيرًا من وصفها، فإذا جاء شخص ما وقدم لك شيء ما كحافز أو هدية على قيامك بعمل، أنت في الأصل لم تقم به، وليس من المفترض أن تقوم به، فهذا يعني ببساطة أنه يُعطيك رشوة كي تُسهل له عمله، ويعني أيضًا أنك مطالب بالرفض على الفور ودون أي تفكير.

كيفية التقديم

كيفية تقديم الرشوة كذلك تُعد من الأسس التي توضحها، فمثلًا، عندما يُعطيك شخص ما هدية، لمصلحة سوف تقضيها له دون أن يكون ذو وجه حق بها، وتكون تلك الهدية ممنوحة لك بشكل مستتر وبعيدًا عن أعين الآخرين، فهذا يوضح وضوح الشمس أنه يفعل أمر خاطئ، وهو إعطائك رشوة على وجه التحديد.

قيمة الرشوة

قيمة الرشوة أيضًا لا يُمكن أن تمر عليك مرور الكرام، فالراشي، الذي يُريد منك مصلحة كبيرة وهامة، سوف يحرص على أن يُعطيك قيمة كبيرة لم تكن لتفكر بها، وفي هذه الحالة عليك أن تُفكر في شيء هام جدًا يستحق التفكير، وهو أنه كيف يُعطيك كل هذا القدر إذا كان يطلب منك شيء عادي وغير مُجرم؟ بالتأكيد هو يعرف أنك ترتكب خطأ، ويعي تمامًا أن عليه منحك الثمن المناسب لارتكاب مثل ذلك الخطأ الشنيع، والذي ربما يختلط عليك ولا تتمكن من اكتشافه.

تواطؤ المرتشي

تواطؤ المرتشي بلا شك يكشف كون الأمر مجرد هدية أم أنه فعلًا رشوة تُقدم دون وجه حق، فعندما تعرف أن الشخص الذي أمامك سوف يستفيد من المصلحة التي ستُقدمها له في حين أنه غير جدير بالاستفادة به فهذا يعني أنه من الواجب عليك منعه من نيل ما يريد ورفض ما يقدمه لك نظير تسهيلك للأمر، أما إذا قبلت وأخذت فقد تواطأت، وهذا لا يدع مجالًا للشك في أن ما أخذته للتو ليس سوى رشوة.

ما هي أُسس الهدية؟

أيضًا بالنسبة للهدية فثمة بعض الأسس التي يُمكننا من خلالها الحكم على الشيء المقدم إذا كان هدية أو رشوة، وبالرغم من أن تلك الأسس يتفق أكثرها مع الرشوة إلا أن الأمر كما ذكرنا في البداية مجرد شعرة صغيرة بين شيء وشيء آخر، ولكي تستبين تلك الشعرة فعلينا أن نعرف هذه الأسس، والتي على رأسها التوقيت أيضًا.

توقيت الهدية

توقيت الهدية كذلك قد يجعل منها هدية وقد يجعلها في أقل من لحظات رشوة، فمثلًا، عندما يدخل عليك شخص في عيد ميلادك أو أي مناسبة شخصية حاملًا في يده هدية فسوف يكون من الجنون أن تظن بأن ما يحمله رشوة، أصلًا ما محل كلمة رشوة من الإعراب في مثل هذه الظروف! بل هي هدية ولا شيء آخر، كما أن الرشوة من قواعدها الأساسية أن يكون وقتها غير مناسب بالمرة، أو لا يحمل أي مناسبة تستحق، وهذا هو أهم الأسس على الإطلاق.

قيمة الهدية

أيضًا من ضمن أسس الهدية أن قيمتها تناسب المناسب، فمثلًا في عيد الميلاد قد تكون تورته أو هدية لا تتجاوز المئتين جنيه، وإذا أردنا مزيدًا من التحديد يُمكننا القول إن الهدية تتوقف قيمتها على شيئين، الأول هو الحالة المادية لمقدم الهدية، والثاني هو الحالة المادية والاجتماعية أيضًا لمن يأخذ تلك الهدية، فمثلًا، إذا كنا نتحدث عن شخص يمتلك متجر لبيع الأدوات الحاسوبية فلا يُمكن أبدًا أن تكون هديته حاسوب، لأن قيمتها لن تضيف شيء، وفي نفس الوقت إذا نظرنا إلى موظف راتبه خمسة آلاف جنيه ويُقدم هدية بقيمة عشرة آلاف جنيه، فهل هذا منطقي؟

كيفية التقديم

أيضًا نجد كيفية تقديم الهدية تدل دلالة واضحة على كونها هدية لا شك فيها، فمثلًا عندما يقدم شخص لشخص هدية فإن مكانها سوف يكون أمام الناس، لأنه في الغالب أن تكون مناسبتها عامة ويعرفها الجميع، أما إذا حدث عكس ذلك فإنه يُعتبر مفتاحًا لفتح باب كبير من الشك والريبة.

الفرق بين الرشوة والهدية

تحدثنا فيما سبق عن أسس الرشوة والهدية، والقواعد التي يجب أن تكون متوافرة حتى نقول إن ذلك الشيء هو هدية، والقواعد التي إذا لم تتوافر تكون الهدية بمثابة رشوة، ولكي نكون واضحين فإننا سوف نذكر بعض الطرق التي لا يُختلف عليها في التفريق بين الرشوة والهدية ، وعلى رأسها مثلًا الأثر المتروك.

الأثر المتروك للرشوة والهدية

عندما يحصل الشخص على هدية فإن الأمر سوف يكون عادي بكل تأكيد، بمعنى أنه لن يكون ثمة خوف من توابع تلك الهدية أو حتى قلق من العقبات التي ستنشأ بسببها، وذلك الآن الأمر ببساطة يتم أمام الله والعباد، الجميع يعرف يقينًا أن فلان قد قدم إلى فلان هدية، لكن على العكس تمامًا نجد الذين يحظون بالرشوة يعانون من التأثير الذي تتركه بداية من الخوف الشديد من الفضيحة مرورًا بالخوف من العقاب الإلهي، فالنبي الكريم قد قال في حديثٍ شريف أن الله قد لعن الراشي والمرتشي، وليس هناك شيء كما نعرف بالتأكيد أكبر وأخطر من لعنة الله لعباده، ولهذا فإن الخوف من الرشوة والتأثير السلبي يكون حاضرًا طوال الوقت، وهذا هو أول فرق بين الرشوة والهدية .

المساهمة في الفساد

مهما كانت الطريقة التي يأخذ بها الراشي الرشوة، ومهما كان المكان الذي تحدث فيه تلك العملية المجرمة، فإن كلا الشخصين، الراشي والمرتشي، قد أثرا بشكل سلبي في هذا المجتمع وساهما في زيادة حجم الفساد به، وعلى العكس تمامًا نجد ما يحدث مع الشخص الذي يحصل على هدية، فالأثر الذي يتركه ذلك الأمر هو المساهمة في زيادة درجة الحب بين الناس، وزيادة درجة الحب يعني زيادة درجة التعاون، وزيادة التعاون يعني خلق مجتمع أفضل متكامل، أترون كيف يسير الأمر؟ إنه على النقيض تمامًا، فبدلًا من الفساد ثمة نهضة وتقدم، ولا ننسى الحديث الشريف للنبي الكريم حيث يقول تهادوا تحبوا، وهل يعيش الناس على هذه الأرض لأجل شيء آخر بخلاف الحب؟

المستحقون وغيرهم

الفارق الكبير جدًا بين الرشوة والهدية أنها تضع مسافة فاصلة بين الذين يستحقون والذين لا يستحقون، فمثلًا الهدية، نحن نمنحها لشخص نحبه، أو على الأقل يمر بمناسبة خاصة يهمنا جدًا أن نشارك بها بأي شكل من الأشكال، وهذا الشخص بالطبع جدير بالحب وبتقديم هدية مناسبة له، وعلى العكس تمامًا نجد الشخص المرتشي لا يستحق هذه الرشوة، هو فقط قد قام بتسهيل أمر ما لشخص لا يستحقه، في النهاية هو لم يفعل الصواب، وإنما منح شيء غير مستحق وحصل نظيره على شيء غير مستحق أيضًا، ومن هنا نجد أن الناس تلقائيًا يتهمون الشخص الذي تظهر عليه الأموال والتحسن المفاجئ بأنه مرتشي، حتى ولو لم يكن مرتشي في الحقيقة فإن الوصف يطاله بسبب تغيره حالته الاجتماعية والمادية.

كره الناس وحبهم

بلا أي فواصل، تجد الناس يكرهون الشخص المرتشي ويهتدون إليه حتى دون أي مجهود في البحث، فسبحان الله، تكون سيمات المرتشين على وجوههم وواضحة أكثر من أي شيء آخر، وتلقائيًا ينظر المجتمع لهذا الشخص بأنه قد نال ما لا يستحق وأيضًا تسبب في أذيتهم بسبب رشوته، ولهذا فإنه يستحق كرههم بجدارة، والحقيقة أن حب الناس عند الذين يفهمون الحياة جيدًا أفضل من أي شيء آخر، حتى ولو كان ذلك الشيء هو المال، حب الناس أصلًا يجلب الأموال.

متى تعد الهدية رشوة؟

بعد التحدث عن أسس الرشوة والهدية وطرق التفريق بينهما فإن السياق بالطبع يستوجب تحديد الوقت أو الكيفية التي يُمكننا القول من خلالها أن الهدية قد تحولت إلى رشوة أو العكس، وطبعًا لا يحتاج الأمر إلى تفكير للقول بأن تغير نية الشخصين يجعلان الهدية العادية رشوة.

تغير نية الشخصين

المقصود بتغير نية الشخصين أن يعرف الشخص الذي يأخذ الهدية والشخص الذي يقدمها كذلك بأنه ثمة شيء خاطئ مفهوم من قِبل الطرفين، فصاحب الهدية يعرف أنه لا يهدي الشخص الذي أمامه، ويعرف أن الشخص الذي أمامه يعرف ذلك، إذًا ثمة نية تم تغيرها لتصبح استقبال وانتظار رشوة بدلًا من الهدية، وهنا تعد الهدية رشوة بلا شك.

وجود حالة إجبار

بالتأكيد كل شخص مُخير في تقديم هدية أو عدم التقديم، فإذا كنت تمتلك مناسبة خاصة فلا يُمكنك أن تجبر الآخرين على تقديم هدية لك بسبب هذه المناسبة، ففي النهاية أنت لا تملك الحق في ذلك الطلب، كما أنك لا تملك اللوم كذلك، لكن إذا كان ثمة شيء ما سوف يتوقف على تقديم هذه الهدية، خاصةً إذا كان ذلك الشيء يتعلق بتسهيل مصلحة من المصالح العامة، فهذا بالتأكيد يُخرج الهدية من إطار الهدية ويجعلها رشوة بلا جدال.

ختامًا، يجب علينا جميعًا أن نتحرى الحق في مسألة الرشوة والهدية بالذات، وذلك لأن المجتمع حاليًا أصبح يعاني من مشكلة اختلاط مفاهيم شديدة، وقد يعتبر فعلًا الرشوة هدية والهدية رشوة، وإذا لم نكن منتبهين جيدًا فسوف نقع في الخطأ من الناحية القانونية والشرعية كذلك.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

12 − سبعة =