تسعة
الرئيسية » هوايات وحرف » الرسم على الجدران : كيف تعبر الرسوم الجدارية عن الرأي ؟

الرسم على الجدران : كيف تعبر الرسوم الجدارية عن الرأي ؟

الرسم على الجدران أحد أنواع ما يطلق عليه “فنون الشوارع” اليوم، ورغم أن هذا الفن من الفنون الحديثة، إلا أنه اكتسب زخمًا كبيرًا في الفترة الماضية، فلم ذلك؟

الرسم على الجدران

الرسم على الجدران قد انتشر كثيرًا في الآونة الأخيرة، وربما قد رآه الكثيرون منا قد رُسم على سورٍ قديم مهمل، أو على ظهر منزل، أو ربما على أسوار مدرسةٍ أو نادٍ أو حديقة، قد يكون الأمر جميلًا جدًا كأنك تنظر إلى قطعة جمالٍ عابرة، أو قد يكون ضارًا بالعين، أو ربما مجرد خربشاتٍ لا تقدر على فهمها، كتلك اللوحات التعبيرية التي لا تستطيع استشعار جمالها أو لا تفهم ما يعنيه الآخرون حين يقولون عليها “رائعة!”، ولكنك تفهم أن بالتأكيد هناك جمال مخفي لذا تتركها وترحل دون إبداء رأي، وأيًا كان هذا الأمر فإن الرسم على الجدران هو بالفعل قضية كبيرة، هو بلا شك فنٌ جميل في كثير من الأحيان، ولكن في أحيانٍ أخرى قد يكون مخالفًا للقانون لأسبابٍ سياسية، أو لأنه محض تخريب للتملكات العامة. ولكن كيف يكون الرسم على الجدران معبرًا عن الرأي؟!

الرسم على الجدران وطريقة التعبير عن الرأي من خلاله

ما هو فن الرسم على الجدران ؟

هو ترك بعض الرسومات الهادفة أو الغير هادفة على الجدران فيما يعرف بـ”الجرافيتي” أو فن الرسم على الجدران، وهو الرسم على غالبًا على الممتلكات العامة، مثل الحدائق، القطارات، أو السلالم، ولكن تقييده بالجدران لشيوع الرسم على الجدران أكثر من غيره، وهو نوع من أنواع “فن الشارع” الذي قد يكون فن الفسيفساء، الجداريات، أو فن الضوء، وقد يُمارس هذا الأمر بإذنٍ من صاحب الجدار وإن كان الجدار تابعًا لأي ممتلكٍ عام يكون الإذن من الحكومات، وربما يكون الرسم بغير إذن مما قد يعرض صاحب للرسم للمخالفة والعقوبة، وهذا الرسم هو فن بالطبع لأنه يعتمد على الألوان والزخارف والرسومات والحروف وتداخلها، ويستخدم لهذا النوع من الفن أدواتٍ خاصة، لأن الرسم على الجدران ليس مثل الورق بالطبع، وكلمة “جرافيتي” هي في الأصل تعني “الخدش”، وهي عند اليونانيين بمعنى “الكتابة”، وقد انتشر مؤخرًا، وغالبًا لا يُعرف رسام تلك اللوحات الرائعة، ولكن من يرسم الجرافيتي يكون إما لغرض نشر الفن لذاته، وجعل الأشِياء تبدو أكثر جمالًا، أو ربما لعرض رأي سياسي، أو بغرض الدعاية لشيء معين، فقد يقع عقد بين الشركة والفنان، أو ربما لمجرد إثارة الشغب وتخريب الممتلكات، حيث أطلق عليه البعض “فن تشويه الممتلكات”. وربما قد ارتبط هذا الفن بموسيقى الهيب هوب في نيويورك، ربما لأن ظهور فن الجرافيتي أو الرسم على الجدران بمظهره الحديث قد ظهر بالتزامن مع ظهور حضارة الهيب الهوب، في نفس الوقت الذي كان فيه أوائل الرسامين على شغفٍ بتلك الموسيقى فحدث ارتباط ما بين الاثنين.

كيف بدأ الرسم على الجدران ؟، وما السبب في وجوده قديمًا وحديثًا؟

الرسم على الجدران قديم قدم الحضارة الإنسانية، والتي حاولت التعبير عما تمر به، وعن حياتها عن طريق تلك الرسومات العشوائية على الجدران، والتي بدأت بأشكال مرسومة تحولت فيما بعد إلى حروف، والتي تطورت إلى كتابة والتي بدورها تطورت لتصل إلى الورق، لذا فإن النقش على الجدران هو الصورة الأولية للكتابة والرسم، فقد ظهر في الكهوف، وعلى جدران المعابد في الحضارات القديمة، مثل الحضارة الإغريقية واليونانية، والحضارة الفرعونية، ولكن الفن المعروف بالجرافيتي، وظهوره بتلك الصورة المتعارف عليها مؤخرًا كان في عام 1920م، وقد بدأ في أمريكا في أواخر عام 1960م، حيث استخدم حينها كشكلٍ من أشكال التعبير عن الرأي، لأن الناشطين السياسيين قد استخدموه للفت نظر الرأي العام إليهم، وللتعبير عن رأيهم، وأيضًا ظهر جليًا في سبعينات القرن الماضي على يد الأفارقة في أمريكا الذين قد عانوا كثيرًا من العنصرية، والفقر، فكانوا بالإضافة إلى موسيقى الراب كانوا يرسمون على الجدران والقطارات وغيرها للتعبير عن رأيهم، مما جعل الأمر يبدو مخالفًا للحكومات والتي عملت على قمع هذا الفن لينتقل إلى أوروبا، ثم يعود مرة أخرى في أمريكا، وتأتي عليه فترات من الركود نتيجة القمع، وفترات أخرى من النشاط، ولكنه لم ينطفئ بل استطاع أن يعزو العالم خاصةً مع ارتباطه بفن الهيب الهوب، كما أقيمت من أجله المعارض التي تعبر عن هذا الفن، وتثبت أهميته وتنشره حول العالم.

ما هي أنواع الجرافيتي ؟ وما هي الأدوات المستخدمة لكل نوع؟

هناك نوعان من الجرافيتي، أحدهما النوع المرسوم، والآخر هو النوع المكتوب، والنوع الأول المرسوم يعد النوع الأكثر انتشارًا حول العالم، ويعبر فيه الأشخاص عن آرائهم واتجاهاتهم عن طريق الرسم، وقد يكون مجرد زخارف هندسية، أو مجرد رسومات جميلة، أو دعائية، وهذا النوع يحتاج إلى وقتِ ومجهود.. ويستخدم لهذا النوع أدواتٍ خاصة مثل “بخاخة البوية” التي تعتبر الأداة الرئيسية، ولها ألوان عديدة،  وهذه المادة ضارة جدًا بالتنفس لذا فإنه يجب وضع أقنعة على الوجه لتجنب تنفس هذه المادة لذا فإن الأقنعة تعتبر من الأدوات لأنه من الضروري جدًا الابتعاد عن هذه المادة في بالبخاخات فربما تؤثر جهازك التنفسي، وأيضًا القفازات مهمة لأن المادة قد تؤثر على الجلد، ويقال أنها قد تسبب الفشل الكلوي لأنها سامة، كما أن تلك القفازات أيضًا تستخدم لمنع تواجد آثار من صاحب الرسم تدل عليه، إذ أن معظم رسامين الجرافيتي يعملون على إخفاء هويتهم خاصةً إن كان الرسم مخالفًا، وأيضًا هناك أغطية تساعد في التحكم في مساحات الرش تسمى “كابز”، وهي تركب على البخاخ لتساعد في التحكم في كمية الطلاء المتدفقة، بأن يكون نحيف أو عريض، ومنها ما يستخدم لرسم الظلال. والنوع الآخر من الجرافيتي وهو “التوقيع” وهذا النوع قد يستخدم لكتابة اسمك، أو اسم عصابة مثلًا، أو كتابة عبارات معينة ومقصودة لهدف معين، فغالبًا ما يستخدم هذا النوع للتخريب، لأنه انتشر بانتشار العصابات وما إلى ذلك، وقد تكون عبارات جميلة كالتي تكتب على جدران المدارس الحكومية والخاصة والتي توضع بإذن صاحب الممتلكات، ويستخدم لهذا النوع من الجرافيتي أدوات غير أدوات الرسم الأولى، فيستخدم مثلًا “قلم البوية” وهو قلم ماركر معروف، كما أنه يتوفر بأكثر من 120 لون، وهناك علب معبئة ببوية وذو منفذ إسفنجي، وهي مصنعة خصيصًا لفن الجرافيتي، وأفضل هذه الأدوات يأتي من شركة “مونتانا” الألمانية التي تأتي الأولى في تصنيع تلك الأدوات، وتليها شركة “مونتانا” الأسبانية.

كيف يكون الرسم على الجدران تعبيرًا عن الرأي؟ وهل يعد فنًا أو مجرد تخريب للممتلكات؟

لقد ذكرنا أن لهذا الفن أسماء عديدة، فمنها الرسم على الجدران، أو الجرافيتي، أو فن تشويه الممتلكات، ولكن يبقى هذا الأمر فنًا جميلًا وإن رآه أحدهم مجرد تشويه أو تخريب للممتلكات، فما يألفه البعض لا يألفه البعض الآخر، وهو في الواقع طريقة عبقرية وجميلة لاستغلال الفن في التعبير عن الرأي، خاصةً في المجتمعات التي يكون فيها القمع والعنصرية من ركائزها الأساسية، مثل ما فعله الأفارقة في بداية الأمر في أمريكا والتي تنتشر فيها العنصرية بطريقة كبيرة، ولكن ربما يخرج الأمر عن الحدود، فقد يأتي أحدهم ليفعل هذا على بناية خاصة، أو ربما يرسم أو يكتب بعض الأشياء الغير لائقة، لذا فكان من الأفضل وضع حد وقوانين لهذا، الأمر الذي جعل بعض الحكومات تفرد للجرافيتي أماكن مخصصة للرسم، مما أعتبره أنا أمرًا عبقريًا، ومن المضحك أن هذا تمامًا ما تفعله الأم مع طفلها الذي يرسم على جدار غرفته لتعطيه هي ورقة لتشغله بالرسم عليها، وفي بعض البلدان قد طبقت غرامات لهذا الأمر، وبعيدًا عن الجرافيتي، هناك أمر يزعج أكثر من الرسم على الجدران وهو الدعايات الانتخابية التي بالفعل تعد تشويهًا للممتلكات الخاصة والعامة، وعلى الرغم من أن الكثير من تلك الدعايات غير قانونية، إلا أنها تتواجد بكثرة، ومن الصعب التخلص منها أيضًا إن كانت ملصقات لتترك أثرًا عند انتزاعها، لذا فإن مجرد الرسم ربما يكون فنًا جميلًا في ذاته، ولكن وضعه دون حدود أو قوانين يعرض للكثير من الشغب، ولكن الأمر لا يخلو من المجازفة إن تطلب الأمر.

تشجيع الفن والموهبة أهم من فرض القوانين لمنعها تمامًا، بل يجب استغلالها وتوظيفها بطريقةٍ تفيد الغير، كما أنه يجب أن نجد طريقًا لفلسفة التعبير عن الرأي، دون تشويه للممتلكات، ودون قمعٍ لهذا، ومن الجميل أن يعبر كل عن رأيه بطريقته الخاصة، دون أن يضر غيره، أو نفسه!

رقية شتيوي

كاتبة حرة، خريجة جامعة الأزهر، بكلية الدراسات الإسلامية والعربية، قسم اللغة العربية.

أضف تعليق

2 × 5 =