تسعة
الرئيسية » مجتمع وعلاقات » الشخصية » التفكير الخرافي : كيف ينشأ التفكير الخرافي؟ وكيف يمكن القضاء عليه؟

التفكير الخرافي : كيف ينشأ التفكير الخرافي؟ وكيف يمكن القضاء عليه؟

التفكير الخرافي هو التفكير المضاد للتفكير العلمي، وهو ينشأ في البيئات التي ينتشر فيها الجهل والتخلف، إليك تحليل للتفكير الخرافي وكيفية القضاء عليه.

التفكير الخرافي

التفكير الخرافي من أنواع التفكير التي نجد أنها موجودة في عالمنا اليوم، والذي يمكننا أن نعتبره مناقضًا للتفكير العلمي. حيث أن التفكير العلمي يعتمد على التجربة والاستنتاج، في حين أن التفكير الخرافي لا يدعم التجربة أو الاستنتاج، بل إنه يعتمد على ما يقوله الناس فقط دون محاولة التأكد منه. ويتفق كلًا من التفكير الخرافي والتفكير العلمي في أنهما يتناولان ظاهرة معينة، لكن كما ذكرنا الفارق يتمثل في كيفية التعامل مع هذه الظاهرة. لذلك يعتبر التفكير الخرافي من المشاكل التي تواجهنا في المجتمع في الوقت الحالي، وفي هذا المقال سنتحدث أكثر عن كيف ينشأ لدينا، وكيف يمكننا القضاء عليه.

التفكير الخرافي وكيفية القضاء عليه

كيف كانت بداية ظهور مصطلح التفكير الخرافي لدى العرب؟

يُقال أن كلمة الخرافة في اللغة بدأت قديمًا لدى العرب من خلال رجل عُرف باسم “خرافة.”

هذا الرجل غاب عن أهله لفترة من الوقت، وعندما عاد إليهم مرة أخرى، أخبرهم أنه خلال فترة غيابه كان يعيش مع الجن. لم يصدقه القوم بالطبع، وأصبح كل حديث غير قابل للتصديق بالنسبة لهم يُطلق عليه اسم خرافة.

ومن هنا بدأ التفكير الخرافي في الظهور، وأصبحنا نجد العديد من الظواهر التي ترتبط بهذا النوع من التفكير، حيث لا توجد أي أدلة تدعم الكلام الذي يُقال، أو تجعله قابلًا للتصديق من المستمع.

العرب مثلًا لديهم العديد من الخرافات المشهورة، والتي سوف نتحدث عنها في الفقرة التالية.

أشهر الخرافات لدى العرب

في المخزون التاريخي للعرب، يمكننا أن نجد العديد من الخرافات المشهورة لديهم. بعض هذه الخرافات يعرف الجميع أنها ليست إلا مجرد خرافات.

لكن توجد خرافات أخرى موجودة في عالمنا العربي، يصنفها البعض تحت بند التفكير الخرافي في حين يصنفها آخرون على أنها أمور حقيقية.

من أشهر الخرافات التي يعرفها العرب هي “الغول، العنقاء” والتي يعتبرون أنها من ضمن المستحيلات الثلاثة، التي تضم معهما “الخل الوفي”.

الغول هو تصور لوحش مفترس من الخيال، وكثر ذكره في القصص والحكايات، لا سيما بين الأمهات اللاتي يرغبن في إخافة أطفالهن من أجل النوم. أما العنقاء فهي تصور خيالي أيضًا لطائر يمكنه أن يعود إلى الحياة مرة أخرى من خلال رماده، كما أنه يحدث له حالة من الاحتراق الذاتي عندما تنتهي دورة الحياة الخاصة به.

أيضًا من الأشياء التي تندرج تحت التفكير الخرافي كلًا من “السلعوة، النداهة.” وكلاهما تصور لحيوان مفترس أنثوي، حيث أن الأولى تقوم بخطف الرجال والفتك بهم، وأحيانًا تتزوجهم وتنجب منهم أولادًا، وقد تعيدهم مرة أخرى بعد سنوات. في حين أن الثانية تتمتع بدرجة عالية من القسوة، لأنها مجرد أن تخطف الرجال، فإنها تفتك بهم وتقتلهم.

وهناك اعتقادات أخرى لدى العرب، مثل الإيمان بالخرزة الزرقاء، وأنها تساهم في طرد الحسد.

كيف ينشأ التفكير الخرافي لدى الناس؟

عندما ذكرنا في البداية أنه يوجد أساس مشترك يجمع بين التفكير الخرافي والتفكير العلمي، وهو أن كلاهما يتناولان ظاهرة، لكننا أكدنا على الفارق بينهما، والذي يتمثل في أن كل ما يأتي بعد ذلك في التفكير الخرافي ما هو إلا كلام بدون أي وسيلة للتأكيد، بل هي مجرد اعتقادات لدى الأشخاص، ولا يوجد ما يدعمها.

لذلك ليس غريبًا أن تجد أن هناك ظاهرة معينة، هي في الأساس ظاهرة طبية مثلًا، لكن الناس يتناولونها على أنها شيء خرافي. حتى أنه العديد من الأشياء الطبية التي لم يكن يفهمها الناس في وقتها، بدأوا يتعاملون معها تعامل التفكير الخرافي من خلال إطلاق الأحكام عليها دون تأكيد.

مثلًا هناك مرض معين يصيب الإنسان، وأعراضه تجعل البعض يعتقد أن صاحبه يرغب في تناول لحوم البشر، ومن هنا بدأت فكرة آكلي لحوم البشر في الانتشار على نطاق أوسع من نطاقها الصحيح.

وفي غياب التفكير العلمي لدى الناس، ووجود شخص يتناول ما يُقال بالتحليل والنقد، حتى يصل في النهاية إلى تفسير صحيح، فإن احتمالية أن يتم تصنيف الظاهرة تحت التفكير الخرافي احتمالية كبيرة جدًا.

أيضًا من أسباب ذلك هو نقص الوعي والمعلومات لدى الشخص المتلقي، مما يجعله غير قادرٍ على التحقق من المعلومات التي يسمعها، وأن يحدد إن كانت هذه المعلومات صحيحة أو لا. وعلى الرغم من كل ذلك، فإنه في بعض الأحيان تجد أشخاصًا يؤمنون بهذه الخرافات، ويكون من الصعب أن يقتنع أحدهم بتغيير هذه القناعة. لذلك سوف نتحدث في الفقرة القادمة عن أسهل الطرق التي يمكنها أن تساعدنا في فعل ذلك.

كيف يمكن القضاء على التفكير الخرافي بشكل صحيح؟

والآن بعد كل ما ذكرناه عن التفكير الخرافي وأشهر الخرافات لدى العرب، يمكننا أن نتساءل عن كيفية القضاء عليه. لأن وجود هذا النوع من التفكير قد يؤدي إلى وجود مشاكل كبيرة في بعض الأحيان، لا سيما إن كانت الاعتقادات الخاطئة المنتشرة ترتبط بظواهر تؤثر على حياة الناس.

يجب أن تدرك بأن القضاء على التفكير الخرافي يحتاج إلى مجهود، بناءً على درجة الوعي الموجودة لدى الشخص الذي تنوي الحديث معه، فأحيانًا قد تجد نفسك تتحدث مع شخص لا يملك قدرًا من التعليم يمكنه من تمييز الصواب والخطأ، وتكون قابليته للاقتناع بشيء جديد صعبة جدًا، لأنه يؤمن بالأشياء التي أخذها بالوراثة عمن سبقوه.

الأمر ليس مستحيلًا بالتأكيد، لكنه يحتاج إلى قدر كبير من المحاولة، ولذلك سوف نتحدث الآن عن هذا الأمر، وسوف نذكر الأشياء التي نحتاج إليها من أجل القضاء على التفكير الخرافي بشكل صحيح وإلى الأبد.

توضيح الخطأ في النظرية الأصلية

لا يمكنك أن تبدأ في الحديث مع شخص وتخبره بأن قناعاته خاطئة، دون أن توضح له الخطأ الموجود بالفعل في هذه القناعة.

وبالتالي أول شيء عليك فعله، هو أن تحدد الجزء الخاطيء في النظرية الأصلية والذي يحتاج إلى التعديل، ثم بعد أن تفعل ذلك، يجب عليك أن تفكر في شيئين: الشيء الأول هو ما الذي دفع الشخص إلى الاعتقاد بأن هذا صواب، لأنه كما ذكرنا قد ينشأ التفكير الخرافي لدى الشخص بالوراثة، وبالتالي فإنه قد لا يملك سببًا من الأساس سوى ذلك الموروث، والشيء الثاني هو أن الخطأ قد يرتبط بنظرية علمية أخرى، مع فهم خاطيء لمكونات هذه النظرية.

على سبيل المثال، والذي يمكننا أن نستدل به على التفكير الخرافي من هذه النقطة، هو الاعتقاد قديمًا بأن الأرض هي مركز الكون، وأن الشمس وبقية الكواكب تدور الأرض. في حين أن العلم أثبت لاحقًا، بدايةً من اعتقاد كوبرنيكوس العالم المعروف، أن الأرض ليست مركزًا للكون، وأن الشمس هي مركز لمجموعتنا من الكواكب. لكن ما دفع البعض للاعتقاد هو أنهم حصلوا على هذه الفكرة بالوراثة، والبعض الآخر ظن هذا الأمر بسبب قناعته بدوران الكواكب والشمس حول الأرض، والصواب هو أن الأرض والكواكب تدور حول الشمس، وبالتالي هذا التشابه في عملية الدوران أدى إلى ظهور هذا الخلط.

مخاطبة الناس على قدر عقولها وعدم التعالي

من الأشياء التي ستواجهك أثناء محاولتك للتعامل مع التفكير الخرافي لدى الآخرين، هو أن المستوى التعليمي لبعضهم قد يكون مستوى ضعيف في الأساس، وبالتالي هذا ما يدفعهم في الغالب إلى الاعتقاد الخاطيء.

لذلك يجب عليك أن تعمل على مخاطبة هؤلاء الأفراد على قدر عقولهم، حتى تكون قادرًا على التأثير فيهم حقًا، وأن تقنعهم بما تعتقده من أفكار. فإذا كنت ترغب في الحديث عن ظاهرة طبية، فإن حديثك مع الأطباء سيختلف تمامًا عن حديثك مع العامة عن نفس الظاهرة.

كذلك ما دمت تؤمن بأهمية القضاء على التفكير الخرافي فتجنب أن تجعل الآخرين يعتقدوا بأنك ربما تتعالى عليهم، لأن استجابتهم لك في هذه الحالة ستتأثر أيضًا.

تذكر دائمًا أنه من الأشياء التي تساعد الآخرين على القناعة بالأفكار، هو شعورهم بأنك تريد مساعدتهم بالفعل.

وبالتالي عندما تبدأ في الحديث، عليك أن تعمل على انتقاء مصطلحاتك التي سوف تستخدمها، وألا تجعل الأمور معقدة أبدًا، وأن تبسط من كلامك. وهذا ليس عيبًا على الإطلاق، ولا يقلل من أهمية ما تقول، لكنه يساعد على التأثير في الآخرين، ويجعلهم يشعرون باحترامك لهم.

الصبر

هذه النقطة في القضاء على التفكير الخرافي هي استكمال للنقطة الماضية، وهي ضرورة أن تتمتع بدرجة عالية من الصبر في الحديث مع الآخرين.

فمن المتوقع أنك سوف تتعرض إلى العديد من الأسئلة حول ما تدعو إليه، وسيبدأ الناس في مقارنة ما تقوله لهم، مع الموجود لديهم بالفعل.

وبالتالي قد تبدو هذه الأسئلة ساذجة جدًا بالنسبة لك، لكنها بالنسبة لهم هامة جدًا، لأنه في الوقت الحالي من أصعب الأشياء لدى البعض هو تغيير قناعاتهم القديمة، ومهما ظننت الأمور بديهية، لكنها قد لا تكون كذلك بالنسبة لهم.

كل هذه الأشياء قد تؤثر على حماسك ورغبتك في القضاء على التفكير الخرافي بالسلب، نتيجة شعورك بأن الأمور معقدة، وأنها تحتاج إلى مجهود كبير. وفي الواقع الأمر فعلًا يحتاج إلى مجهود وصبر، لكن أنت لديك هدف ترغب في تحقيقه، لذلك عليك أن تستعين بالصبر دائمًا في محاولة فعل ذلك.

توفير مصادر يمكن للشخص الوثوق بها

في الواقع قد تكون هذه الخطوة هي من أصعب الخطوات التي يمكنك القيام بها، وذلك للأسباب التي ذكرناها في النقاط الماضية، مثل قوة الاعتقاد الموجود لدى الشخص، وثقته التامة في مصدر هذا الاعتقاد.

وبالتالي فإن محاولتك القضاء على التفكير الخرافي من خلال مواجهة هذه المصادر، سوف يجعلك مطالبًا بأن تقدم مصادر أقوى، بل ويمكن للشخص أن يثق بها حقًا، وأن يضعها في مقارنة مع الموجود لديه.

ومن هنا تأتي المشكلة، وهي صعوبة اقتناع الشخص بمصادر جديدة، مع تنازله عن المصادر القديمة.

وهنا يأتي دورك أنت، ومحاولاتك المستمرة لأن تجعل الآخرين يثقون بك وفيما تقوله لهم. وبالتالي مع توفيرك للمصادر المناسبة، والتزامك بما ذكرناه في الخطوات الماضية، فإنك تضع نفسك في الطريق الصحيح لإقناعهم، ومن ثم إمكانية القضاء على التفكير الخرافي للأبد.

القضاء على التفكير الخرافي من الأمور الهامة التي نحتاج إليها في حياتنا، لأن وجود اعتقادات خاطئة لدى البعض، في الكثير من الأوقات يسبب مشكلة للمجتمع ككل، ويجعل بعض الظواهر الخاطئة تنتشر بين الأفراد، مما يعود علينا بالسلب، ويجعلنا ندرك أهمية أن نسعى دائمًا إلى القضاء على الخرافات.

التفكير الخرافي سيظل من أنواع التفكير التي نجدها في عالمنا العربي، ما دامت هناك مشكلة في تعليم الأفراد ووعيهم، وبالتالي فإن مسئولية القضاء عليه تقع على عاتقنا نحن، ولذلك إن كنت ترغب في المساهمة في أداء هذا الدور، فكل ما عليك فعله أن تقرأ الخطوات الموجودة في هذا المقال، من ثم تبدأ في تطبيقها في الواقع.

معاذ يوسف

مؤسس ورئيس حالي لفريق ثقافي محلي، قمت بكتابة رواية لكنها لم تنشر بعد.

أضف تعليق

16 − ستة =