تسعة
الرئيسية » تعليم وتربية » التعليم في فنلندا : كيف أصبح التعليم في فنلندا الأفضل عالميًا ؟

التعليم في فنلندا : كيف أصبح التعليم في فنلندا الأفضل عالميًا ؟

فنلندا أحد بلدان شمال أوروبا، تتميز فنلندا بارتفاع مستويات المعيشة، والتقدم، والديمقراطية، والأمان، أيضًا التعليم في فنلندا يصنف على أنه الأفضل في العالم.

التعليم في فنلندا

نسمع كثيرًا عن أفضلية التعليم في فنلندا ، وكيف استطاع أن يحتل مركزًا عالميًا بين الدول، ومثالًا يحتذى به كذلك، على الرغم من أن هذا البلد قد عانى الكثير من الحروب العالمية، والصراعات السياسية قديمًا والانهيار الاقتصادي.. إلا أنه استطاع أن يقفز عاليًا بمستوى الثقافة والتعليم ليصبح بلدًا ذو وعي ثقافي كبير، بل أن تجربته تلك عن التعليم أصبحت تجربة عالمية ناجحة تدرس، ويسأل كثيرًا عن أسرارها، وتلك التجربة كانت سببًا في جعل فنلندا بلدًا ذو اقتصاد معرفي كبير بعد أن كانت تعتمد في اقتصادها على الزراعة بشكلٍ كبير.

كيف تصدرت نظم التعليم في فنلندا التعليم العالمي ؟

عن جمهورية فنلندا

هي بلد تقع في شمال أوروبا، في المنطقة الفينوسكاندية، وهي أقل بلدان أوروبا كثافة حيث يبلغ عدد سكانها 5.5 مليون نسمة، رغم أنها ثامن أكبر دولة أوروبية مساحةً، وعاصمتها هي “هلسنكي” الذي يعيش فيها حوالي مليون شخص.. يحدها من الشمال النرويج، وروسيا من الشرق، والسويد من الغرب، وكانت فنلندا قديمًا جزءًا من السويد، ولكنها استقلت عن روسيا بحكمٍ ذاتي فيما بعد، وانضمت إلى الاتحاد الأوروبي.. وفنلندا الأفضل عالميًا من حيث الصحة، والبيئة السياسية، والتعليم، وغيرها.. وأيضًا من أكثر البلاد استقرارًا في العالم وفقًا لاستطلاع نيويورك تايمز لعام 2010م.

لماذا أخذ التعليم في فنلندا منحنى آخر؟

كانت فنلندا تعاني انهيارًا اقتصاديًا، كما أن التعليم بها كان سيئًا للغاية، بل كانت تقع الأسوأ في تصنيف قائمة الأمم المتحدة، فمثلًا الأطفال بعد سن السادسة لم يكونوا يكملون تعليمهم الدراسي، وقد يذهب البعض إلى المدارس الخاصة، والبعض الآخر إلى المدارس الشعبية والتي لم تكن لها كفاءة عالية، ولكن فنلندا لم ترضَ عن هذا الوضع وقررت تغييره، كما توصلت إلى أن تغيير الوضع الاقتصادي في البلاد لم يكن ليتم إلا عن طريق تغيير وضع التعليم في فنلندا. وبالفعل تم تغيير نظام وسياسة التعليم كليًا في فنلندا والذي قفز ليكون الأفضل عالميًا، وبهذا استطاعت أن تحقق الرخاء في جميع النواحي الاقتصادية والسياسية، والصحية، وأصبحت من أكثر الدول استقرارًا.. لأن التعليم هو حجر الأساس الذي يبنى عليه كل شيء.. وبدأت بالفعل خطوات عملية لذلك، بداية من حملة “لن ننسى الطفل” لأن الطفل هو البداية، وشعار “تعليم بلا نهاية” وبهذا استطاعت فنلندا أن تجعل نسبة الذين أنهوا التعليم الإلزامي 99%.. بعد أن كان الأطفال لا يكملون تعليمهم في سن مبكرة –كما ذكرت- و95% منهم أنهى تعليمه الثانوي، و90% منهم توجه إلى التعليم ما بعد الجامعي.

النظام الحالي للتعليم في فنلندا

فنلندا قد غيرت نظام التعليم فيها كليًا فبدأت بالمصاريف، حيث جعلت التعليم فيها مجاني تمامًا، بحيث لا يتكلف الأهل ماديًا من أجل تعليم أبنائهم، لذا فإنه لا يتم فرض رسوم دراسية على الطلاب، كما يتم تقديم لهم وجبات مجانية، وهذا ليس خاصًا بأبناء فنلندا فقط، بل هو أمرٌ يشمل الأجانب أيضًا. وأيضًا تتكفل الدولة بالكتب المدرسية في مرحلة التعليم الابتدائي، والأساسي، ووسائل النقل لمن يقطن بعيدًا عن المدرسة بأكثر من 3 كيلو متر، بخلاف التعليم الثانوي الذي يدفع فيه الطالب رسوم الأدوات المدرسية، والكتب.. ولكن يبقى دخول المدرسة، والتعليم ذاته مجاني، وبينما تجعل فنلندا التعليم مجانيًا جعلته إلزاميًا أيضًا حتى مرحلة التعليم الأساسي، ومن ثم فإن الدولة تضمن مجانية التعليم في باقي المراحل حتى الجامعية، بغض النظر عن حال الطالب من سنٍ أو وضعٍ اجتماعي أو مادي، وأيضًا وجد التعليم الخاص الذي احتل مكانةً عالية في نظام التعليم الفنلندي، حيث يتم تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة جنبًا إلى جنب مع التعليم العادي، وبهذا يتم دمج الطلاب مع بعضهم لتحقيق مبدأ المساواة، كما أن المدارس الخاصة لا تتواجد إلا نادرًا، وأخذ تصريح لفتحها أمرًا بغاية الصعوبة، وأيضًا فإن القانون لا يسمح لها بأخذ مقابل مادي من الطلاب، وتقدم لها الحكومة الدعم المادي كما تقدمه للمدارس الحكومية، لأن التعليم في فنلندا موحد في كل مكان، وأي مدرسة، فلا تجد طفلًا يرتدي زيًا مدرسيًا مثلًا يختلف عن الطفل الآخر، بل إن الأطفال يأتون بملابسهم العادية، كما أنه لا يوجد مدارس أهلية كثيرة، وقد كانت في فترة هذه المدارس مخالفة تمامًا، وأيضًا لا توجد مدارس لأصحاب المواهب والكفايات، ومن الغريب أن نجد أن عدد ساعات الدراسة في فنلندا أقل بكثير من عدد ساعات الدراسة في كثير من الدول، حيث أن في البلاد الأخرى يلتحق الأطفال من سن الخامسة ويكون اليوم الدراسي كاملًا، في حين أن التعليم في فنلندا يبدأ من سن السابعة، ويقضي الأطفال فيه نص يومٍ دراسي، ويستمر في هذه المرحلة حتى يصل إلى سن السادسة عشرة عامًا، وهو التعليم الإلزامي، بعكس النظام السائد في البلاد الأخرى والتي يتنقل فيها الطالب في مراحل عديدة، ابتدائية وإعدادية، وثانوية.. وبهذا فإن الطالب يبقى في مرحلةٍ واحدة، في نفس المدرسة دون تغيير، ولكن بالطبع يتغير نظام التعليم باختلاف السن.

فمثلا في السنوات الدراسية الأولى من 7: 12 عام نجد مدرسًا واحدًا لكل فصل، ولكن في السنوات الأخيرة نجد مدرسًا لكل مادة، ويتنقل الطلاب بين المدرسين في فصولٍ متعددة، ومع قلة عدد ساعات الدراسة فإنه توجد العديد من العطل، وأيضًا لا توجد واجبات مدرسية كثيرة، فالطالب يقضي فقط 5 ساعات على الواجبات المدرسية، ويصل التدريس إلى 25 ساعة، كما أنه لا توجد اختبارات للطلاب خلال السنوات الأولى، ولكن تقييم أداء المدارس يتم عن طريق اختيار 10% من كل شريحة عمرية، ويتم اختبارها.. وتبقى النتائج سرية لغرض التحسين.. ويبدأ التعليم الثانوي من سن 17 عام ويختار فيه الطالب إما التعليم المهني، أو المدرسة العليا التي تعده كي يلحق بالجامعة، وتستمر هذه المرحلة من 3 إلى 4 سنوات، يمكن اختصارها أو تمديد المدة وفق حاجة الطالب، أو تقييم المدرسة للطالب، وقد يسمح باجتيازها في أقل من ثلاث سنوات ولكن بشرط أن يجتاز الطالب 75 دورة دراسية كحد أدني، بمعدل ثلاث ساعات لكل دورة، ويلتحق 60% بالثانوي العام، و40% بالتعليم المهني، -وكما ذكرت- هذا التعليم مجاني بحيث تتكفل الدولة بنفقة التعليم ووجبة، عدا المواد الدراسية، والكتب.. وعند الانتهاء من هذه المرحلة فإن الطلاب يخضعون لاختبار ثانوية عامة.. وهناك التعليم الجامعي في فنلندا حيث يوجد في فنلندا حوالي 20 جامعة، والتي تعد من أفضل الجامعات في العالم، وعندما نتحدث عن التعليم في فنلندا فإننا لن ننظر إلى الطالب فقط، بل سيكون علينا أن نتحدث عن الطرف الآخر من المعادلة وهو المعلم، فإنك إن أردت أن تكون معلمًا هناك فلن يكون الأمر سهلًا، فإن المعلم لا يتم إرساله ليتعامل مع الطلاب مباشرةً بعد التخرج من الجامعة، ولكنه يكمل دراسة الماجستير من خلال برنامج يحظى بالدعم أيضًا من الحكومة، بخلاف معلمين الروضة، ومع هذه المشقة والتعب فإن المعلم يحظى بمكانةٍ عالية وتقدير، ويقضي في الفصل 4 ساعات تساعده على إعداد الدروس، ووضع الخطط، والأفكار التي تساعده في مهمته مع الطلاب، والمشاركة في التطوير.. ومن الرائع أن هذا النظام كان بالفعل ناجحًا حيث أن نسبة الرسوب لم تتعد الـ2%، واستطاعت فنلندا أن تصبح الأفضل عالميًا في مجال التعليم.

كيف أصبح التعليم في فنلندا الأفضل عالميًا؟

ترجع أفضلية التعليم في فنلندا إلى العديد من الأسباب، ولكن البداية تكمن في أن كل فرد في فنلندا يدرك تمامًا أهمية التعليم والذي يعتبره غاية، وليس فقط وسيلة للحصول على وظيفةٍ مثلًا، كما أن الأهالي تدرك أهمية التعليم والقراءة وتزرع حب التعلم في أبنائها، فنجد شبكة متكاملة تهتم بهذا الأمر من الحكومة إلى المدارس والأهالي والطلاب، فلا يوجد سبيل إلا لتقدم هائل في هذا الأمر.. كما أن التعليم في فنلندا يقوم على التركيز على عملية التعلم بدلًا من التركيز على تحصيل الطلاب، وتمكنهم من المواد الدراسية، والنجاح والرسوب، كما أنها ترحب بأي طريقة جديدة للتطوير في التعليم، كما أن التعليم في فنلندا يركز على المعلم بحيث يتم اختياره بدقة وبعد أن يخضع لدرجة الماجستير تجعل المعلم قادر على التعامل مع الطلاب، والتطوير، والابتكار.. ويدل على هذا علاقة المعلم بالطلاب الجيدة الذي يستطيع أن بينيها معهم، ويكسب ثقتهم، كما أن المساواة بين الطلاب في مراحل التعليم المختلفة تجعل الطفل يشعر أنه ينتمي لمجتمع يحقق العدالة، والاستقرار، دون النظرة الطبقية من شخصٍ لآخر، ومجانية التعليم تعطي مساحة للأهالي بأن يهتموا بالطفل وتعليمه عوضًا عن الانشغال بدفع التكاليف والمصاريف، وتتيح الفرصة إلى كل طفل مهما كانت طبقته الاجتماعية في أن يتعلم كأي طفل آخر، وأيضًا ارتفاع أجور المعلمين لما يبذلونه من جهد في هذه المنظومة، وأيضًا ساعات العمل القليلة، والعطل الكثير تدل على أن التعليم في فنلندا يركز على الكيف وليس الكم، إذ عمق المضمون الدراسي أهم من كميته، كما أن القلق الدراسي معدوم تمامًا إذ أن انعدام الاختبارات في السنوات الأولى يجعل ثقة الطالب تزداد، وأيضًا قلة الواجبات المدرسية، بحيث يتاح للطالب أن يقضي وقته في الاستكشاف والتجربة عوضًا عن إمضاء ساعاتٍ طويلة في عمل الواجبات المدرسية.

وبهذا تتحقق أركان النجاح في فنلندا من التكفل بحاجيات الأسرة والطفل إلى المعلم.. حتى ينتج عن هذا طالب يساعد في النهوض ببلده، وهذا كله لم يحدث بالطبع في يومٍ وليلة، فإن تجهيز معلمين وإعدادهم وتوعية الشعب لمثل هذا النظام الحديث تطلب سنواتٍ عديدة، وعندما استطاعت فنلندا التوصل إلى أساس المشكلة وهو التعليم، وصدقت العزم في حلها، وجدت السبيل إلى ذلك، وأصبحت الأفضل عالميًا في التعليم.

رقية شتيوي

كاتبة حرة، خريجة جامعة الأزهر، بكلية الدراسات الإسلامية والعربية، قسم اللغة العربية.

أضف تعليق

4 × واحد =