تسعة
الرئيسية » مجتمع وعلاقات » تفاعل اجتماعي » التحرش بالأنثى : كيف يمكن للمرأة مواجهته وعدم السماح بحدوثه ؟

التحرش بالأنثى : كيف يمكن للمرأة مواجهته وعدم السماح بحدوثه ؟

أصبحت ظاهرة التحرش بالأنثى من الظواهر المقلقة جدًا في الآونة الأخيرة، لكن كيف تتعامل المرأة مع مشكلة التحرش بالأنثى وكيف تواجه المتحرشين بها؟

التحرش بالأنثى

التحرش بالأنثى هو مصطلح تردد على مسامعنا كثيرا خاصة في الآونة الأخيرة، ولكن هذا لا ينفي وجوده من قبل وإنما فقط الإعلان عنه، حيث ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي بنشره والإعلان عنه بشكل كبير وخاصة الفيس بوك الذي يتم التدوين عليه من قبل المتعرضات له بشكل دوري مما يجعلنا دائما في قلب الحدث، ولكن ما هو التحرش بالأنثى؟ هو أي فعل جنسي تنجم عنه مضايقة للشخص وتنتهك حريته وتشعره بعد الأمان والارتياح، التحرش بالأنثى متعدد ومتنوع وليس قاصرا على المرأة فقط، وسوف نحاول خلال المقال العرض والتحليل لعدة موضوعات مهمه مرتبطة به مثل: تعريفه، ومتى وكيف ظهر؟ أسبابه، أنواعه، وكيف يمكن التعامل معه على مستوى الأفراد؟ كيف نتعامل معه على مستوى المجتمع؟ ماذا عن القانون؟ حوادث تحرش من الواقع؟ رأي علماء النفس في ظاهرة التحرش؟ والتحرش بالأنثى في مصر على الأخص.

ملف كامل عن مشكلة التحرش بالأنثى

التعريف بالمصطلح

التحرش لغويا يعني الاستفزاز أو التطفل، وله تعريفات كثيرة ولكن يتفق الجميع أنه فعل أو سلوك يضايق الشخص ويشعره بعدم الأمان والمضايقة، وكما قلنا سابقا هو لم يوجد حديثا فقط، وإنما الإعلان عنه هو الذي انتشر حديثا، مصطلح التحرش بالأنثى يرجع ظهوره إلى معهد ماساشوستس للتكنولوجيا في تقرير تم تقديمه إلى رئيس المجلس عن التحرش بالأنثى كأحد موضوعات المساواة بين الجنسين، وتعد المرأة هي الأكثر عرضه ومعاناة من التحرش ثم يليها الأطفال. التحرش ربما يكون بالألفاظ أو بعض التصرفات ولكن في حالات أخرى يتحول إلى اغتصاب وهذا يشمل المرأة والطفل أيضا، وحوادث اغتصاب الأطفال كثيرة ومسجلة، ويتم اعتبار التحرش بالأنثى أحد أنواع العنف ضد المرأة.

أشكال التحرش بالأنثى

تختلف أشكال التحرش بالأنثى وتتنوع حسب الموقف والشخص والمكان، وتعد الأشكال الآتية هي الأكثر بروزا وتكرارا:

  • التحديق، ويعني النظر المتفحص في جسم الشخص والأجزاء الجنسية خصوصا، ويمكن اعتباره الأقل ضررا وإن كان ضررها النفسي موجود.
  • الإيحاءات، استخدام لغة الجسد وعمل بعض الحركات الجنسية مثل التقبيل أو اللحس أو فتح الفم أو تحسس الأجزاء الجنسية.
  • الأصوات، الإيحاءات اللفظية والصوتية مثل التصفير أو الهمس أو استخدام ألفاظ جنسية.
  • الملاحقة، وهي أن يتتبع المتحرش الشخص الآخر باستخدام سيارة وملاحقته أو تتبعه في السير وإلقاء الألفاظ الجنسية ومضايقته وهذه تنتشر ليلا في شوارع القاهرة وخاصة السيارات.
  • التعري، وهو يعني أن يقوم الشخص المتحرش بإظهار الأجزاء الجنسية أمام الشخص الذي يتحرش به، وفي مصر يحدث يوميا وفي الطريق العام، يحدث أن يمشي شخص ما في مكان تقف فيه فتيات بمفردها ويقوم بإظهار العضو الذكري رغبة منه في استثارة الطرف الآخر، وقد يجلس أحدهما في سيارته ويقوم بنفس الفعل.
  • اللمس، وهو الأكثر تداولا لسهولته وتوفر الظروف الملائمة له، ويشمل اللمس باليد والتحسس والإمساك لأماكن حساسة وينتشر في المواصلات العامة لضيق الأماكن بها، وكذلك في أماكن الانتظار في الشوارع.
  • هناك وسائل أخرى غير مباشرة تجري عن طريق الإنترنت أو من خلال المكالمات الهاتفية، وتشمل المعاكسات في التليفون وإرسال رسائل جنسية عبر الإنترنت.
  • وتعتبر الأشكال السابقة فردية إلى حد كبير يقوم بها شخص مقابل آخر، ولكن هناك تحرش جنسي جماعي وهو أن يقوم مجموعة من الأشخاص بملاحقة شخص والاعتداء عليه، وسجلت مصر العديد من الحالات المشابهة.
  • والاغتصاب الجماعي في الشارع المصري نهارا وفي أماكن مفتوحة خاصة فترة ثورة يناير 2011 وفي الأعياد والمناسبات العامة.

أسباب التحرش بالأنثى

يعتقد البعض أن التحرش بالأنثى نوع من أنواع الترفيه والتسلية، ويعتقد أيضا أنه يثبت رجولته من خلال هذا الفعل وإن كان هذا غرزا من الثقافة، ولكن أسباب التحرش مختلفة فيوجد أسباب خاصة بالشخص مثل:

  • تعرضه لاعتداءات جنسية في مرحلة الطفولة.
  • فقدان إحساس تقدير الذات.
  • إحساسه بالنقص والإهمال من الأبوين.
  • وجود تاريخ للشخص بإصابته ببعض الاضطرابات النفسية.

وهناك أسباب عامة ترجع إلى:

  • ثقافة المجتمع المغلوطة عن التمييز بين الجنسين.
  • مفاهيم الرجولة الخاطئة لدى المجتمع.
  • انتشار الإنترنت بصورة كبيرة مع عدم وجود ثقافة بحسن استخدامه.
  • تدني المستوي التعليمي والخلقي والقيمي للفرد.
  • والكثير من الأسباب الأخرى ذات الطابع الفردي والبيئي الخاصة بالمتحرش.

المرأة والتحرش

تتعرض المرأة المصرية للتحرش ليل نهار في العمل والشارع ومن فئات عمرية متعددة أيضا، تنشر الإحصائيات وتُعد التقارير عن التحرش بالأنثى وتتزايد النسب يوم عن يوم عن كم المضايقات التي تتعرض لها المرأة المصرية بشكل يومي مبالغ فيه، حتى أنك من الصعب أن تجد إحداهن لم تتعرض للتحرش من قبل، حيث أصبحت ظاهرة منتشرة ويتم التعايش معها. يبرر المجتمع حالة الانحلال الأخلاقي والإنساني للشباب بسبب بعدهم عن تعاليم الدين، انتشار الإنترنت على مدى واسع وسهولة التواصل بين الشباب والفتيات وانتشار مواقع الأفلام الإباحية. ولكن الغريب في الأمر هو تبرير المجتمع للتحرش ولصقه بالمرأة حيث تصبح هي من المتسببات أيضا في التحرش وكانت دعواهم في ذلك هو الزي الذي ترتديه فتيات اليوم ومساحيق التجميل وما إلى ذلك مما يثير الشباب في الشوارع ويؤدي إلى الكارثة.

التحرش في الجامعات

وهذه ظاهرة صادمة، أن تكون الجامعة التي هي منبر العلم والثقافة في المجتمع ومن المفترض أن يكونوا مرتاديها هم من صفوة الشباب ويتمتعون بثقافة عالية وأخلاق رفيعة، إلا أنها ليست خالية من حوادث التحرش بالأنثى بل ربما يمكننا اعتبارها مصدر مهم له، ومن المؤسف حقا أن تكون جامعة القاهرة بكل مالها من مكانة رفيعة يحدث بها تحرش جماعي لفتاه نهارا في العام الفائت اعتراضا منهم أنها ترتدي ملابس ضيقة للغاية، وقد رأيت الأمن وهو يصطحب الفتاه بعيدا عنهم بعدما لجأت إلى أحد حمامات الجامعة حتى تستطيع الهرب منهم، وهذا إن دل فإنه يدل على المستوى الثقافي الذي وصل له شباب هذا البلد. تسجيل وقائع التحرش داخل الجامعات كثير جدا. والآن هناك العديد من التحركات من خلال المجتمع المدني لوقف مثل هذه الممارسات، وتم تأسيس فرق داخل كل جامعة لمحاربة التحرش تجمع بين الشباب والفتيات.

كيف تتعامل المرأة مع المتحرش

عزيزتي المرأة لا تصمتي أبدا، مهما كان الوضع ومهما كانت الظروف، المتحرش هو حيوان في صورة إنسان، والتحرش جريمة معترف بها ويعاقب عليها القانون، لذلك حينما تتعرضين لمضايقات في الشارع لا تتركي الأمر وترحلي في صمت، بل قفِي ودافعِي عن حقك وحريتك. حينما تتعرضين لممارسة التحرش بالأنثى مثلما يحدث في الموصلات العامة عليكِ بعمل محضر إثبات للواقعة وأخذ حقوقك كاملة، وهذا هو الحل الوحيد للحد من هذه الظاهرة، فانتشارها يعود في الأساس إلى أن الفتيات يخفن من المجتمع ويصبرن على الظلم والإهانة ظنا منهن أنهن ضعيفات، ولكن الحقيقة ليست كذلك، يمكنك أن تفعلي ما تريدين وتحيي في أمان ولكن عليكِ حسن التصرف، لا تصمتي، أعلنِي رفضك وغضبك وثوري.

التحرش بالأنثى والأطفال

رغم كونه جريمة قانونيه وأخلاقية وإنسانية إلا أن فئة الأطفال لم تسلم منه، هؤلاء الملائكة الصغار يتم التحرش بهم والاعتداء عليهم جنسيا، ربما لأنها الفئة ألأضعف وربما لأنها الفئة التي لن تستطع في أغلب الأحوال التعبير أو الشكوى بشكل واضح وربما لأن الإدانة القانونية صعب توقيعها في حالات كثيرة، يتم التحرش جنسيا من قبل شخص بالغ أو مراهق من أجل متعته الشخصية ويكون ذلك عن طريق تحسس وملامسة الأجزاء الجنسية في الطفل وتصل إلى حد الاغتصاب، لذلك وجب على الآباء محاولة إكساب الطفل الثقافة الجنسية بشكل بسيط لكي يتعامل مع مثل هذه المواقف. انتشرت هذه الحوادث في مصر وما زالت منتشرة ولكن العجيب في الأمر شيئان: الأول، أن المتحرش غالبا من العائلة، والثاني، أنه يقتل الطفلة بعدما يعتدي عليها حتى لا ينكشف أمره.

القانون

التحرش بالأنثى جريمة يعاقب عليها القانون، ويتم محاكمة مرتكبيها سواء الفرد أو الجماعة، في المادة (306 أ، 306ب) بنص القانون المصري للعقوبات، تصل عقوبة المتحرش إلى السجن لمدة تتراوح من 6 شهور إلى 5سنوات وفي بعض الحالات يتم دفع غرامة مالية قدراها 50 ألف جنية. ولكن المشكلة ليست في وضع القوانين بقدر ما هي في تفعيلها، كما أن المتعرضات للتحرش تخاف من الإبلاغ عن الواقعة ويتم تهديدها من المتحرش نفسه لأنه ببساطة في الغالب ينتمي إلى فئة البلطجية، فتخشى تقديم بلاغ حتى لا يعتدي عليها أو على أحد من أسرتها.

رأي علماء النفس في التحرش

يعتبر علماء النفس التحرش بالأنثى اضطراب نفسي والمتحرش شخص مريض نفسيا يعاني من بعض الاضطرابات في الإدراك والسلوك، وربما خلل نفسي منذ الصغر أو التعرض لمشاهد عنيفة، أو تم استغلالهم جنسيا في مرحلة الطفولة أو التعود على مشاهدة الأفلام الإباحية. ويمكن علاج مثل هذه الحالات كل حسب تشخيص حالته. ولكن المشكلة الكبرى التي لا يتم الالتفات لها هي من وقع عليه فعل التحرش فهذا الشخص سوف يعاني نفسيا وبشكل كبير ومن ثم هو في حاجه إلى مساعدة عاجلة من معالج نفسي لأن مثل هذه الحوادث إن لم يتم معالجتها ربما يتحول الشخص نفسه إلى متحرش أكثر عنفا ودموية.

العلاج

كيف يمكننا معالجة ظاهرة التحرش بالأنثى؟

  • تفعيل القانون وجعله أكثر صرامة، تطبيق العقوبات بشدة وبمنتهى الحزم يجعل المتحرش أيا كان موقفه يفكر جيدا قبل أن يخطوا خطوة واحدة، ولكن ما يحدث أنه لا يجد أحد يطبق عليه القانون.
  • نشر الثقافة ورفع درجة الوعي المجتمعي لاحترام الآخر واحترام حريته، وهذا يتأتى من خلال إصلاح المنظومة التعليمية ونشر الوعي الثقافي من خلال المؤسسات المسؤولة ورجال الفكر والعلم.
  • تعليم الأطفال منذ الصغر ونشر الثقافة المبسطة لديهم بالموضوع حتى لا يصطدموا بالواقع فجأة، ولا يتم استغلالهم جنسيا، وهذا ما يحدث في أرض الواقع من حالات كثيرة ما بين تعدي جنسي إلى اغتصاب وقتل.
  • تعليم الفتيات الشجاعة والثقة بالنفس وعدم الخوف من المواقف التي تتعرض لها وإلمامها بطريقة التصرف الملائمة في الحالات المختلفة
  • الاهتمام بالموسيقى والفن لنمو المشاعر الإنسانية وسمو الروح وانتعاش القيم

وفي النهاية

رغم أننا شعب متدين بطبعه ورغم أننا شعب يدعي الفضيلة والأخلاق ويدافع عنها باستماتة ليل نهار، إلا أن الواقع يعكس خلاف ذلك تماما. فمثلا يبرر المجتمع سلوك المتحرش بملابس الفتاة، ولكن بعد دراسات تحليلية للموضوع اكتشف أن الفتيات التي ترتدي الزي الشرعي -كما شرعوه هم- يتعرضن لمثل هذه الانتهاكات التي تتعرض لها الأخريات، في مقابل أن الدول الأوربية تمشي المرأة في شوارعها شبه عارية ولا يتم التحرش بها بالشكل الفج الذي يحدث عندنا رغم تديننا! لذلك فالمشكلة هي مشكلة ثقافة، ثقافة المجتمع بأفراده متسخة وفي حاجة إلى تطهير أولا. ولكن كيف ونحن شعب التبريرات والرؤية الأحادية للأمور والنظر تحت الأقدام!

وموضوع آخر لا يقل أهمية، رغم وجود القانون إلا أننا لا نتحرك قانونيا إلى بعد وقوع الكوارث والحوادث، لا أدري لماذا لا تسن القوانين من البداية؟ لماذا دائما ننتظر الكارثة كي نتحرك؟!

ليزا سعيد

باحثة أكاديمية بجامعة القاهرة، تخصص فلسفة، التخصص الدقيق دراسات المرأة والنوع.

أضف تعليق

1 × 1 =