تسعة
الرئيسية » اعرف اكثر » تعرف على » الانشطار النووي : كيف يحدث ؟ وما الفرق بينه وبين الاندماج ؟

الانشطار النووي : كيف يحدث ؟ وما الفرق بينه وبين الاندماج ؟

الانشطار النووي هو تفاعل كيميائي على مستوى الذرات يطلق كمية هائلة جدًا من الطاقة التي من الممكن استخدامها لأغراض متعددة، وهو ما نستعرضه هنا بالتفصيل.

الانشطار النووي

مَن منا لم يسمع من قبل عن الطاقة النووية والقنابل النووية و الانشطار النووي ؟ مَن منا لم يسمع عن قنابل الهيدروجين ولم تعتله الحيرة؟ مَن منا لم يفاجأ من القنبلة التي سقطت على هيروشيما وتغير العالم من بعدها وأصبحت الحروب ليست بالأسلحة ولا بالرجال وكثرتهم ولكن بالعلم؟ الطاقة النووية، مفهوم ظهر في عصرنا حديثا وأصبحت كل دول العالم تتنافس لمعرفته ومعرفة كل خباياه وكأنه السبيل للسيطرة على العالم، حتى إنه أصبح فرعا من العلم بمفرده وله دراساته وعلومه ودارسيه، الفيزياء النووية ذلك العلم الذي يمكننا من الإمساك بزمام الأمور ويعطينا فرصا متعادلة في الانتصار، ذلك السلاح الفتاك الذي أنهى دولة كاملة في ظرف دقائق معدودة. ما المقصود بهذه المصطلحات الغامضة من انشطار نووي أو اندماج نووي؟ وكيف يحدث؟ وكيف ينتج كل تلك القوة المدمرة؟ هذا ما سيتناوله مقالنا وأكثر من تفاصيل مبهمة عن هذا العلم المستجد.

الانشطار النووي : من الألف إلى الياء

الانشطار النووي

هذا المصطلح الذي تبادر إلى أذهاننا كثيرا في الآونة الأخيرة ولم نفهمه أو ندركه. الانشطار النووي هو انشطار نواة الذرة إلى نصفين نتيجة اصطدامها بنيوترونات متعادلة الشحنة الكهربية وينتج عن ذلك طاقة مهولة إذا لم يتم السيطرة عليها قد تؤدي إلى دمار هائل.

اكتشاف اليورانيوم والأحداث التي تلته

في عام 1934 كان اليورانيوم هو آخر عنصر تم اكتشافه في الجدول الدوري، وأراد العالم الفيزيائي الإيطالي فيرمي أن يقذف بنيوترون جديد في نواة ذرة اليورانيوم ظنا منه أنه بذلك سوف يصنع عنصرا جديدا يضاف إلى الجدول الدوري، وقد أوحي له بتلك الفكرة من أفكار أرسطو قديما في أن بإمكاننا تحويل المادة إلى مادة أخرى كما حاول الكثيرون في القرون الوسطى أن يحولوا الرصاص إلى ذهب، لكن نتيجة تجارب فيرمي كانت مخالفة لكل التوقعات؛ حيث نتج عن التجربة كمية طاقة كبيرة جدا ونواتين ومجموعة من النيوترونات، ظن فيرمي أنه بذلك استطاع صنع العنصر الجديد في الجدول الدوري وكُتب عنه في الصحف أنه اكتشف العنصر الجديد في الجدول الدوري، ولكن تأتي الصاعقة حين يكتشف أن العنصر الذي نتج من هذه التجربة ما هو إلا نظير من نظائر عنصر اليورانيوم؛ حيث معروف أنه عنصر من العناصر المشعة والعناصر المشعة يمكن أن توجد في أكثر من صورة باختلاف الوزن الذري لكل صورة وعرفت هذه الصور بالنظائر، وما نتج من تجربة فيرمي هو نظير آخر من عنصر اليورانيوم وليس عنصر جديد غير معروف، ولم يتمكن فيرمي من التعرف على ما نتج من تجربته.

التعرف على التفاعل

ثم جاء عام 1938 وتمكن العالم الألماني إدا نوداك من التعرف على نتيجة التفاعل ووصف ما حدث وأعطى له مصطلح الانشطار النووي ؛ حيث انشطرت نواة ذرة اليورانيوم الثقيلة الكتلة إلى نواتين متوسطتي الكتلة ومجموعة من النيوترونات، واكتشف العالم إدا أن مجموع كتل المواد التي دخلت التفاعل أكبر من مجموع كتل المواد الناتجة من التفاعل وينص قانون حفظ الكتلة أو قانون بقاء المادة على أن ” عند حدوث أي تفاعل كيميائي فإن مجموع كتل المواد المتفاعلة يساوي مجموع كتل المواد الناتجة من التفاعل”، ولكن هناك فقد في الكتلة، وهنا طبق العالم إدا قانون النسبية الخاصة لأينشتاين الذي وضعه عام 1905 فيما يعرف بقانون ” تكافؤ الكتلة “، وينص هذا القانون على أن “الفقد في الكتلة أثناء التفاعل يتحول إلى طاقة”، وتحسب كمية الطاقة الناتجة من العلاقة الرياضية:
“الطاقة = الكتلة المفقودة * مربع سرعة الضوء”.

مبدأ الطاقة

وسرعة الضوء تساوي 3 * 810 م/ث، إذن طبقا لهذا القانون فإن أي كتلة مفقودة مهما كانت صغيرة جدا ينتج عنها كمٌ هائل من الطاقة، ولكن اكتشف إدا أن النيوترونات المتحررة من النواة المنشطرة تعمل على انشطار باقي النوى الناتجة من الانشطار، وبذلك فإن انشطار كل نواة ينتج عنه نيوترونات متحررة تعمل على شطر النوى المنشطرة وتستمر هذه التجربة إلى أن ينفجر المفاعل النووي الذي تحدث بداخله هذه التجربة فيما يعرف بـ ” التفاعل المتسلسل “، وهذا التفاعل المتسلسل هو ما ينتج القنبلة النووية التي تستطيع تدمير أي دولة في دقائق معدودة، حيث أن كل انشطار نووي يحدث لكل نواة مفردة يجعلها تفقد كتلة تتحول لطاقة مقدارها تقريبا 174 مليون إلكترون فولت وهذه القيمة هي مقدار الطاقة الناتجة عن انشطار نواة واحدة ولكن تعمل النيوترونات الحرة على انشطار النوى الناتجة من التفاعل ويستمر إنتاج الطاقة مع كل انشطار يحدث حيث ينتج عنه فقد في الكتلة، إلى أن ينتهي التفاعل بانفجار المفاعل النووي فيما يعرف بالقنبلة النووية.

كيف يستخدم الانشطار النووي كمصدر للطاقة

كما عرفنا من قبل أن الانشطار النووي يدخل في سلسلة من التفاعل تنتهي بانفجار المفاعل، ولكنه يستخدم أيضا كمصدر للطاقة فكيف يحدث ذلك؟ يزود المفاعل النووي بألواح من الكادميوم ويوضع في حوض به ماء تحت ضغط مرتفع، يحدث الانشطار وينتج عنه نيوترونات بطيئة تعمل على إحداث مزيد من الانشطارات ولكن تعمل ألواح الكادميوم على امتصاص النيوترونات فيقل عدد النيوترونات داخل المفاعل النووي وبذلك نستطيع السيطرة على عدد الانشطارات التي تحدث ونأخذ منها ما يكفينا من الطاقة فقط، وليس كما يحدث بداخل القنبلة النووية حيث لا يتم السيطرة على التفاعل المتسلسل.

الاندماج النووي

فهمنا من الانشطار النووي أنه انشطار نواة عنصر ثقيل إلى نصفين، ولكن هنا في الاندماج النووي يحدث العكس؛ حيث تندمج نواتان صغيرتان لإنتاج نواة عنصر آخر، ولكن في الانشطار النووي يحدث أن ينتج منه نظير آخر فقط للعنصر الذي انشطرت نواته، هنا في الاندماج النووي تستخدم عناصر خفيفة لحدوث الاندماج، ومن المعروف أن أخف عنصر هو الهيدروجين فيتم اندماج نواتين من ذرات الهيدروجين لإنتاج عنصر الهيليوم، ولكن المستخدم في هذا التفاعل هو الديتوريوم وهو عنصر الهيدروجين ولكن يحتوي على نيوترونين.

يحدث هذا التفاعل في الشمس والنجوم وهو المصدر الأساسي لطاقة الشمس والنجوم والحرارة بداخلهم، قد يخيل للبعض سهولة هذا التفاعل لتوافر عناصره كما أن ليس له مخلفات تسبب ضررا للبيئة لأن عنصر الهيليوم الناتج من التفاعل ليس عنصرا مشعا، ولكن كمية الطاقة الحرارية اللازمة لمثل هذا التفاعل كبيرة جدا وتبلغ 710 درجة مئوية للتغلب على قوى التنافر بين النواتين، كما أنه يجب أن يحدث التفاعل تحت ضغط مرتفع، وينتج من هذا الاندماج النووي عنصر الهيليوم مع نيوترون حر وكمية طاقة كبيرة: 21H + 21H = 32He + 10n + طاقة.

كمية الطاقة الناتجة من اندماج نواتين فقط تساوي 2% فقط من الانشطار النووي لنواة عنصر يورانيوم، ولكن بمقارنة كمية الطاقة الناتجة عن واحد كيلوغرام من الهيدروجين وكمية الطاقة الناتجة من واحد كيلوغرام من اليورانيوم نظرا لأن كتلة اليورانيوم كبيرة فإن كمية الطاقة من واحد كيلوغرام هيدروجين ستكون أكبر بكثير لأن الهيدروجين أخف عنصر معروف، وكمية الحرارة الناتجة من هذا التفاعل هو المصدر الأساسي لطاقة النجوم؛ لذا فإن أمريكا والاتحاد الأوروبي وحديثا الصين يعملون على صنع تلك الطاقة على الأرض وتسخيرها لكي يستخدموها كمصدر للطاقة، ولكن نظرا لأن الطاقة الحرارية الناتجة من ذلك التفاعل لا يمكن السيطرة عليها لم ينجح أحد في تنفيذ قنبلة هيدروجينية كاملة في المعامل بعد.

جدير بالذكر أن هناك عدة تجارب لتنفيذ مثل تلك القنبلة ولكن كلها باءت بالفشل ولم يستطع أحد السيطرة عليها.

علاقة الانشطار النووي بالاندماج النووي

كما ذكرنا من قبل أنه لصنع الاندماج النووي يلزم وجود طاقة كبيرة جدا؛ لذا يستخدم الانشطار النووي لتوليد الطاقة اللازمة لإحداث مثل هذا التفاعل، حيث تتكون القنبلة الهيدروجينية من قنبلة نووية في القلب وحولها غلاف من الهيدروجين، تعمل القنبلة النووية على توفير البيئة اللازمة لإحداث الاندماج النووي لنوى ذرات الهيدروجين منتجة عناصر الهيليوم التي تكون في الغلاف الخارجي للقنبلة.

وبذلك نكون أوضحنا مصطلحات الانشطار النووي والاندماج النووي والقنابل النووية والهيدروجينية، ويستمر صراع الإنسان نحو الطاقة والوصول للنجوم من أجلها، حتى لو تسبب ذلك في خراب ودمار لا يستطيع تفاديه ولا إصلاحه، ما زالت كل الدول تتنافس للحصول على أقوى سلاح يجعلها المسيطرة حتى لو كان هذا السلاح تهديد حقيقي لكوكب الأرض بأكمله، أصبح العلم الآن هو المسيطر، هو نقاط الضعف والقوة.

بسنت محمود

اكتب عن مواضيع عديدة . من هواياتي القراء والسفر والأنترنيت