تسعة
الرئيسية » صحة وعافية » الصحة النفسية » آلام الماضي : كيف تهرب من آلام وذكريات الماضي السيئة ؟

آلام الماضي : كيف تهرب من آلام وذكريات الماضي السيئة ؟

كلنا نحمل داخلنا بعضًا من آلام الماضي ، ذلك الماضي الذي لا يريد أن يزول مهما حاولنا، في هذه السطور سنعطيك وصفة مضمونة للتخلص منه.

آلام الماضي

إذا كان عمرك فوق العشرين، فأنت من الأشخاص الذين لديهم فرصة عالية للإصابة ببعض الأزمات السابقة والتي تركت علامتها بداخلك عن طريق آلام الماضي التي لا تُنسى. بالطبع هناك احتمالية ليست بالصغيرة لمن هم أصغر سنا من العشرين أن تكون لديهم آلام الماضي الخاصة بهم، ولكنني حقا أتمنى ألا يكون أحدا قد تعرض منذ تلك السن الصغيرة إلى آلام تعذب روحه مثل آلام الماضي تلك. وحقيقة أننا نتحدث بمثل هذه الثقة حول احتواء كل منا على شيء يؤلمه من ماضيه، هي لأن آلام الماضي هي أمر حتمي علينا، وهي الطريقة التي نتعلم بها دروس الحياة وتصقل بها قوتنا واحتمالنا. ولأننا نخطئ كثيرا ولم نولد بكامل المعرفة التي تؤهلنا لعدم الفشل إطلاقا. وأيضا في كثير من الأحيان، انعدام الفشل لا يعني انعدام آلام الماضي ، فكثيرا ما تكون تلك الآلام في هيئات أشياء ليس بأيدينا دخل فيها. فكيف نتخلص إذا من آلام الماضي الحتمية تلك؟ هذا هو ما سنخرج ببعض الأجوبة فيه في نهاية هذا المقال.

وصفة سحرية للتخلص من آلام الماضي

كيف تتكون آلام الماضي ؟

آلام الماضي هي كل تلك الأشياء السيئة التي تحدث لنا دون دخل أو بدخل منا. وتختلف شدة تلك الآلام تبعا لكل حادثة وشدتها. فهناك الآلام البسيطة التي تترك بعض الندوب التي تنغز في القلب ثانية كل حين ثم تنجلي آثارها بعد ذلك سريعا، وهناك تلك الآلام التي تتربع داخل قلوبنا وتسبب صداعا مستمرا لها وكأنها احتكرت كل آلام الماضي لصالحها. هذه الأحداث قد تكون فقدان شخص عزيز جدا علينا وكان سندا وعونا دائمين لنا. أو فقدان النصير والعضد الذي كان يشجعنا دائما على المضي قدما. أو خيانة صديق أو حبيب. أو فشل في أمر تحبه حبا جما. أو تجارب سيئة أو أي شيء عندما نعود بذاكرتنا إليه نشعر بالألم ويصيبنا الحزن. وتختلف طريقة استقبال وتعامل كل فرد منا لكل نوع من تلك الصدمات. فهناك من بحسن التعامل معها بحيث تترك أقل الضرر الممكن، وهناك من تغلب عليه مشاعره فتجعله محتجزا وأسير آلام الماضي تلك لفترات طويلة. ولكن ما هي أضرار أن تكون أسيرا لدي آلام الماضي الخاصة بك؟

ما هي أضرار آلام الماضي ؟

هؤلاء الذين يتمكنون من مجابهة الصدمات والتحكم في الخسائر الناتجة عنها يكونون أكثر قدرة على مواجهة الحياة والمضي قدما دون وجود عائق أو مرساة تسحبهم إلى أسفل كلما أرادوا الترقي في حياتهم. بعض هذه المشاكل سنحاول إجمالها في السطور التالية من هذا المقال.

قتل الإبداع

أكبر المشاكل والأضرار التي ستواجهك إذا كنت من هؤلاء الذين تتحكم بهم آلام الماضي الخاصة بهم وتتمكن تلك الآلام من إبقائهم تحت طابع الحزن والألم، هي أنهم يفتقدون معظم معاني السعادة في حياتهم، وتبدأ أرواحهم في التآكل شيئا فشيئا حتى يصبح كل شيء خال من المعاني بالنسبة لهم. خطورة تلك المشكلة هي أن الفرد كلما أصبحت الأشياء حيادية أو باهته بالنسبة له لن يكون لديه مبررا كافيا لبذل مجهود يخصها أو تحمل مشقة في عناء إتمامها. هذا سيقتل روح الإبداع بداخل ذلك الفرد وسيقلل من كفائته وقد يؤثر سلبا على عمله أو حياته وكذلك على المحيطين به. وهذا سيؤثر على المنظومة العملية والاجتماعية بشكل ملحوظ.

الإصابة بالاكتئاب

إذا تطورت أعراض النقطة السابقة ووصلت إلى عدم الاكتراث تماما، في هذه الحالة يمكن أن يقال بأن الشخص وصل إلى حالة الاكتئاب. الفرق بين تلك المشكلة والمشكلة السابقة هي أن في المشكلة السابقة يكون الشخص فاقدا لمعنى ما يفعله –وهو أمر غير صحي- ولكنه لا زال قادرا على فعله بغض النظر عن جودة ما يفعله. لا زال قادرا على الاستيقاظ في الصباح وفعل ما اعتاد على فعله كل يوم. الفارق الوحيد هو أنه لم يعدد يشعر بشيء كما في السابق. المشكلة الحالية هذه، وهي الاكتئاب، تكمن مشكلتها في أن الشخص يفقد حتى الرغبة في الاستيقاظ ويبدأ في الشعور بعدم جدوى فعل أي شيء وحتى عدم جدوى نفسه أو حياته بأكملها. تلك المرحلة تكون خطيرة جدا وقد يصل بها الحال إلى المرض النفسي الذي سيتطلب الخروج منها جهدا وطاقة كبيرين جدا من الشخص نفسه ومن جهات طبية مختصة.

تألم من حولك

المشكلة الثالثة لا تتعلق بهذا الشخص هذه المرة، وإنما تتعلق بهؤلاء المحيطين به والذين يهتمون لأمره كثيرا، وتظهر هذه المشكلة جلية عندما يكون ألم الفرد هو ألم شخصي أو أمر لا يشاركه فيه أحد آخر. ففي هذه الحالة لا يتمكن المحيطون بذلك الشخص من الشعور بما يشعر أو تفهم ما يحدث له، وأقصى ما يكون بإمكانهم فعله هو تفهم مشاعر حزنه ومحاولة مواكبتها وإيجاد طرق للتغلب عليها. لكن هذا الأمر لا ينجح دائما إذا كانت آلام الماضي لذلك الشخص هي أقوى من محاولاتهم مجتمعة فتتسبب في إفشال تلك المحاولات. هذا الأمر يصيب هؤلاء المحيطين المهتمين لأمر ذلك الشخص بالعجز وخيبة الأمل، وهذا الأمر يؤثر سلبا جدا عليهم إذا كانوا يهتمون لأمر هذا الشخص كثيرا. وربما تسببت آلام ماضي ذلك الشخص في خلق التجارب السيئة لهؤلاء المحيطين فقط لمجرد أنهم حاولوا مساعدته.

الطاقة السلبية

هذه المرة لا يتعلق بهؤلاء الذين يهتمون لأمرك، وإنما لهؤلاء الذين يحيطون بك عموما سواءا اهتموا لأمرك أو لا. ما يحدث عندما يغلب عليك طابع الحزن والهم هو أن هذا الآثر يتخذ هيئة طاقة سلبية كبيرة تتحكم في حياتك وتنبعث منك وكأنها تطبع هالة مهيبة حولك. تلك الهالة السلبية المنبعثة منك بإمكانها أن تؤثر سليا على هؤلاء المحيطين وتغيير حالاتهم المزاجية إلى السيئ دون حتى أن يدرك أحدهم كيف ولماذا حدث هذا. وهذا الأمر يطلق عليه “عدوى المشاعر” في علم النفس. فأنت كلما زادت قوة مشاعرك كلما كانت أكثر قدرة على فرض سيطرتها في المحيط الذي تتواجد فيه. وإذا كانت تلك المشاعر هي مشاعر سلبية كالحزن والهم والغم، كلما أصبحت الدائرة المحيطة بك سلبية وكلما كان تأثيرها أسوأ عليك أولا وعلى المحيطين بك ثانيا.

هذه هي الأضرار التي تنشا عندما تترك نفسك أسيرا لدى آلام الماضي ولا تحاول إيجاد الطرق المختلفة للخروج من آلامك وأحزانك. وهذه أشياء يجب عليك دائما وضعها في اعتبارك ومحاولة اتخاذها أسبابا للخروج من المواقف السيئة التي تمر بك. فإن لنفسك عليك حقا ولمن يحبونك عليك حقا ولمن يحيطون بك حقا. فلا تدع تلك الآلام تتحكم فيك أنت ومن حولك وحاول أن تكون قويا من أجل نفسك أو لا ومن أجل هؤلاء الآخرين ثانيا. كيف إذا تصبح قويا وتتخلص من آلام الماضي تلك؟ هذا هو ما سنخبرك به في السطور القادمة.

كيف تتخلص من آلام الماضي؟

كما أوضحنا سابقا أن آلام الماضي هي من الأشياء التي تقتل الروح والنفس وتنشر عدوى الحزن والكآبة في الأرجاء. وما نحن على وشك قراءته في السطور القادمة هي بعض الطرق التي قد تساعدك في التخلص من عبء حمل آلام الماضي أو التخفيف منها على الأقل. ولكن المشكلة هي أن هذه الخطوات لن تساعد في أي شيئ إلا إذا كان لديه النية والعزيمة مسبقا في التخلص من عبء وآلام ماضيك. فانفض عنك وجعك وحزنك وارغب بجدية أن تصبح أفضل حالا ثم ابدأ في القراءة.

احصل على هواية

أحد أكثر الأسباب التي تجعلنا محاصرين بآلام الماضي هي أننا نترك الوقت اللازم لتذكرها، ولأننا نترك مساحات في عقلنا للتألم بها. ربما سيكون عليك أن تبدأ في اكتشاف مواهبك وإيجاد موهبة ستأخذ البعض من وقتك وبالتالي مساحة من عقلك مما سيقلل فرص التفكير في هذه الأشياء التي تؤرقك. ربما تكون الموهبة لديك مسبقا ولكنك لا تعطيها اهتمامها، أو ربما لا تكون قد أدركت ما هي موهبتك بعد فستبدأ حينها في رحلة مليئة بالتجارب في الهوايات المختلفة التي ستنغمس فيها حتى تعرف ما الذي يستهويك. والحصول على هواية جيدة لا يمكن أن يكون أمرا سيئا على أية حال.

انغمس في العمل

إذا كانت الوظيفة التي لديك هي وظيفة اخترتها بإرادتك وتحب العمل عليها، اجعل هذا إذا الطريق لملء أية ذرة فراغ في وقتك. اغمر نفسك بالعمل كلما شعرت بتلك الآلام تحاوطك وتلك المشاعر تحاول السيطرة عليك. يقولون بأن نفسك إذا لم تشغلها بالحق شغلتك هي بالباطل، فاشغل نفسك ووقتك ويومك بأشياء لا تترك مساحة لتذكر أي شيء قاس أو مؤلم مررت به.

استجب لمحاولات الآخرين

ربما كان الأمر صعبا جدا، ولكن حاول أن تقدر محاولات هؤلاء الذين يحبونك ويحاولون التخفيف عنك. استجب لدعواتهم بين الحين والآخر. حاول الاندماج بينهم حتى إذا لم تكن روحك حاضرة في هذا الاندماج. استمتع بصحبتهم بدون روح على أمل أن تستمتع بروح ذات يوم. لا تخذل محاولاتهم ولا تخذل نفسك بحبس نفسك داخل دائرة الحزن تلك. وذكر نفسك دائما بان هذا لن يجلب عليك سوى المزيد من الأسى.

حاول التقرب من خالقك

تكمن فكرة وجود الخالق في وجود قوة عليا تصبح أكثر هدوءا واطمئنانا بمجرد الشعور بوجودها. قوة أنت على ثقة بأنها لن تخذلك وإن بإمكانها محو الألم من داخلك ومساعدتك على الوقوف مرة أخرى. قوة هي أكبر من أن تتركك وحيدا في بحر الألم هذا. لذلك حاول أن تتقرب دائما من خالقك سواءا كنت غارقا في بحر من الألم أو مستمتعا بحياة مليئة بالسعادة والأمل. فالثقة والأمان والهدوء لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون أمورا سيئة. وسواءا اختلفت في مفهوم الإيمان أو الشك، سيكون المطلق الوحيد هو أن فكرة وجود قوة عليا تهتم لأمرنا وترعانا هي فكرة مريحة وبإمكانها إضفاء بعض الهدوء إلى قلبك.

احصل على تجارب جديدة

إذا كانت التجارب القديمة هي السبب في حزنك وآلامك، حاول إذا أن تجد تجارب جديدة سببا في فرحك وسعادتك. حاول أن تبدأ شيئا جديدا أو تحصل على صداقات جديدة أو تسافر إلى أماكن جديدة. لا تجعل تجاربك السابقة تقف حاجزا أمام الحصول على تجارب جديدة. وتذكر دائما أن حياتنا تكونها الأشياء الجديدة، وإذا لم تحصل على شيء جديد فلن يكون في حياتك سوى ما فيها الآن، وهي مشاعر الألم والحزن تلك. فمهما كانت سوء التجارب التي مررت بها، تذكر دائما بأن لا طريق أمامك سوى محاربتها بتجارب جديدة. لأن البديل لن يكون أي شيء سوى المزيد من مشاعر الألم والحزن تلك. فابدأ إذا في إيجاد الفرص الجديدة والأشياء الجديدة وادخلها وأنت مليء بالثقة والأمل أن شيئا ما سيتغير. قد تفاجأ من كمية الأشياء التي تحدث من مجرد التحلي بالأمل واليقين. أشياء أقل ما يقال عنها هي أنها سحرية.

هذه الخطوات السابقة هي خطوات قد تساعدك في رحلتك للتخلص من آلام الماضي. ولكن في النهاية علينا أن نعترف بأن تلك الآلام تكون شديدة ومؤلمة وبإمكانها دفع شلال دموع إلى عيوننا عند تذكرها. لذلك لا تبتأس إذا حزنت أو تألمت لتلك الذكريات، فهذه هي طبيعتنا وما يجب علينا فعله. فقط تذكر بألا تدع تلك المشاعر تسيطر على حياتك بأكملها.

أفنان سلطان

طالبة جامعية، أهوى القراءة واعتدت الكتابة كثيرا منذ صغري. على أعتاب التخرج ولا أدري بعد ماذا سأفعل.