تسعة
الرئيسية » اعرف اكثر » منوعات » كيف ساهمت هدي شعراوي في تحسين وضع المرأة العربية؟

كيف ساهمت هدي شعراوي في تحسين وضع المرأة العربية؟

هدي شعراوي امرأة مصرية وناشطة نسوية، عانت من التمييز العنصري في طفولتها، وعاشت ثقافة الحريم التي منعت المرأة من الإطلاع على العالم الخارجي، كابدت هدي شعراوي وذاقت الكثير، وعكس نساء جيلها قررت أن تقاوم وتفعل شيئاً، وقد فعلت، هنا نبذة من تاريخ النضال الطويل.

هدي شعراوي

كانت هدي شعراوي (1879 – 1947) ناشطة نسوية مصرية لم تؤثر فقط على نساء مصر، بل أثرت على نساء العالم العربي بأكمله.كانت هدي شعراوي رائدة في العمل النسوي والمطالبة بحقوق المرأة، ظهرت هدي لتنير العالم المتعسف والمقيد لنساء الطبقة العليا كما أوضحت في كتابها عصر الحريم الذي نُشر عام 1987. نشأت هدي شعراوي في مجتمع ذكوري يهمش المرأة ويعزلها عن العالم الخارجي، فقد كانت كل النساء تخرج من منازلهن مرتديات البراقع، فقراء كانوا أو أغنياء، حيث كانت تلك هي الثقافة السائدة آنذاك، ليست بين نساء المسلمين فقط بل بين نساء المسيحيين واليهود أيضاً، كثقافة عامة في ذلك الوقت، وهنا سنتعرف أكثر على هذه الشخصية المميزة.

حياة هدي شعراوي قبل الكفاح

كانت هدي ذكية منذ الصغر وتعلمت في سن مبكر جداً عكس قريناتها في ذلك الوقت، ودرست الكثير من المواد، كما استطاعت أن تتحدث الفرنسية والتركية والعربية، وحدث كل ذلك كفرصة استثنائية لها، لم تعهدها البنات في عصرها، وذلك لأن لديها أخ ذكر يتعلم وتتعلم معه، وكان المدرسين يأتون إلي المنزل لأنها كانت تنتمي إلي طبقة أرستقراطية. وفي الثالثة عشر من عمرها، تزوجت هدي شعراوي من ابن عمها وولي أمرها بعد أبيها، على باشا شعراوي، والذي كان يكبرها بأربعين عاماً، وفي الحقيقة أنها قد أجبرت على هذه الزيجة، واضطرت أن تذعن. وفي حفل زفافها تم الاتفاق أن ينص عقد الزواج بأن تكون هدي هي الزوجة الوحيدة لابن عمها على شعراوي، لأنه كان متزوج من قبل ولديه ثلاثة أولاد، ولكنها اكتشفت انه قد عاد لزوجته الأولي بعد عام من زواجهما، فانفصلت هدي شعراوي عنه بشكل مؤقت، أي أنها ستظل متزوجة ولكن لن تعيش معه لفترة من الزمن حتي تستطيع أن تنسى وتستعيد نفسها ثانية، وظلت هكذا لمدة سبع سنوات، وقد عادت إلي زوجها وهي في عمر الاثنان والعشرين بعد أن ضغط عليها أهلها، وأنجبت هدي ولد وبنت بعد ذلك.

حياة هدي شعراوي كناشطة نسوية

في الفترة التي انفصلت فيها هدي عن زوجها استطاعت أن تكون مستقلة، خاصة بعد وفاة أبيها، فواصلت تعليمها واندمجت في الأنشطة الثورية، وكونت بعض الصداقات مع مثيلاتها من النساء. في بدايات القرن العشرين بدأت النساء تأخذ أدواراً جديدة وتحبو في بدايات العمل النسوي بسرية وتدريجية، واستطعن أن يخرجن من منازلهن مع الاحتفاظ بالثقافة العامة للمجتمع آنذاك، وبدأت الناشطات النسويات يعتبرن الحجاب أداة تمويهية للعمل النسوي. في عهد هدي شعراوي كانت المؤسسات الدينية هي المسيطر الرئيسي على الجمعيات الخيرية، فاستطاعت هدي شعراوي وزميلاتها أن يقمن بإنشاء بعض المؤسسات للأعمال الخيرية، وكان ذلك خطوة هامة لفتح أدوار اجتماعية جديدة للمرأة. سافرت هدي شعراوي إلى أوروبا للشفاء بعد وعكة صحية نزلت بها، وانبهرت من كل ما رأت وتمنت أن تكون لمصر ثقافة شبيهة بالثقافة الأوربية في كل شئ، غيرت هدي شعراوي أسمها طبقاً لأسم زوجها كالأوربيات، فكان اسمها الأساسي هدي سلطان، ولما تأثرت بما رأت من حضارة الغرب، سمت نفسها نسبه لزوجها على الطريقة الأوروبية.

التأثر بالحياة الأوربية

عندما عادت هدي إلي مصر قامت بعدة أنشطة نسوية لتحسين وضع المرأة منها أنها أنشأت مجلة “الإيجيبسيان”، التي صدرت باللغة الفرنسية، وأنشأت جمعية فكرية في القاهرة، كانت تلك المرة الأولي التي تلقي محاضرة فيها، وتحدثت في محاضرتها الأولي عن الحجاب بجرأة غير معهودة لنساء عصرها، وقارنت بين نساء أوربا ونساء مصر، وبمرور الوقت أصبحت هناك منتديات تتحدث فيها النساء وتقابل ضيوف أجانب لتبادل الرؤى والثقافات. ووجدت النساء مشكلة كبيرة في الحديث في العلن بسبب تضييق الحريات والقيود التي تلاقي المرأة من كل جانب، وبشكل عام كان للنساء الأجانب حرية أكبر ومجال أوسع في الحديث والتعبير عن الرأي، وكانت هدى شعراوي مضطرة للتخفي لأن ظهورها كان سيسبب لها مشكلات كثيرة، فاستطاعت أن توصل بعد ذلك صوتها عن طريق زميلاتها اللاتي تحدثن عن الإسلام لأنه السبيل الوحيد للتخلص من العادات التي تقيد المرأة وتظلمها.

كانت كل هذه الآراء تنشر من منازل النساء على هيئة مذكرات، وكان صداها أكبر من المكان الذي تنشر فيه، وبمرور الوقت قامت هدي شعراوي وجمعيتها بالأقدام على التعبير عن الرأي النسوي في الصحف والمجلات ومحاولة نشر الوعي وتغيير آراء الناس الرجعية، فقد أردن التأكيد على أن التمييز بين الذكر والأنثي هو عنصرية نابعة من المجتمع وليست من الدين في شئ. وتدريجياً اتخذت هدي شعراوي موقفاً محايداً تجاه النقاب وطالبت هي وزميلاتها بالحق في الحياة والتعليم والعمل.

مزيداً من الإنجازات لنسوية مصر الأولي

عندما تم تعيين الوفد المصري من قبل زعماء الحركة الوطنية، وعند نفي سعد زغلول، كان زوج هدي شعراوي نائباً لحزب الوفد، قامت هدى شعراوي بحشد جمع نسائي لأول مرة في تاريخ مصر تنديداً بما يفعله البريطانيين من قمع واضطهاد للمصريين، وما قامت به من قبض للزعماء الوطنيين. عام 1920 تم إنشاء لجنة الوفد المركزية الخاصة للسيدات، وبالتأكيد فإن من رأستها هي شعراوي، وكان نتيجة للحرب العالمية الثانية والدمار الذي سببته أثر في توطيد علاقة الحركة الثورية للوفد بالحركات النسائية وجمعياتها. في تلك الفترة توفي على شعراوي زوج هدى شعراوي ورغم ذلك لم تتوان عن نشاطها واستمرت في كفاحها الوطني ضد الإنجليز، وطالبت بتحرير سعد زغلول بعدما تم نفيه. عام 1921 عند استقبال سعد زغلول من المنفى قامت هدي بخطوة جريئة وغير مسبوقة من قبل إذ أنها قامت بخلع حجابها وداسته بقدمها، هي وصديقة لها، وظلت سافرة بدون حجاب، وقامت بعض النساء بالتصفيق بينما قام البعض الآخر بخلع حجابهن مثلها.

حياة أكثر كفاحاً

بعد الاستقلال كان فعلاً صادماً أن يتجاهل الدستور المصري دور الحركة النسوية في الاستقلال والتحرير، ولم تسكت هدي شعراوي وكثفت جهودها كثيراً، فأنشأن مجلة المرأة المصرية التي استهدفت الجمهور العربي بأكمله نساء ورجال، لترسيخ دور المرأة المصرية والمطالبة بالحقوق المهدرة، وتوسيع القاعدة للحركة النسوية، وبالفعل استطاعت أن تجمع بين الحركة الإسلامية والنسائية على حد سواء، وقمت بالدفاع عن حقوق فلسطين أيضاً. قامت هدى شعراوي بعدة إنجازات وأنشطة، ولم تتوان طوال حياتها عن الكفاح وتحسين وضع المرأة، بالإضافة إلي أنها كونت اتحاد مصري نسائي، وكانت عضوة في الاتحاد النسائي العربي طالبت بعدة حقوق لرفع شأن المرأة ومساواتها بالرجل، منها:

  • أنها طالبت بتقييد حق الطلاق.
  • طالبت بأن تساوي المرأة سياسياً مع الرجل وبالأخص الانتخاب.
  • طالبت بأن تكون المراحل الأولية من التعليم مشتركة بين البنات والبنين.
  • قدمت أي اقتراح لمجمع اللغة العربية بتقديم اقتراح بإلغاء نون النسوة في اللغة العربية.
  • تقييد تعدد الزوجات، إلا في استثناءات محددة.
  • قابلت شخصيات عالمية هامة مثل موسوليني وأتاتورك ولاقت دعمهم ومتابعتهم لما تقوم به من بعيد.

موقف هام في حياة ناصرة حقوق المرأة

هدي شعراوي موقف هام في حياة ناصرة حقوق المرأة

قد يقوم إنسان بالدفاع عن مبدأ ويدعو الجميع إليه، ويعتقد أنه أكثر الملتزمين به ولكن عندما تضعه الظروف في مأزق ما يتخلى عن كل مبادئه وينسي كل ما نادي به من قيم. بعد كل الكفاح بالدفاع عن حقوق المرأة والمطالبة بالاستقلال والكفاح الوطني تضع الأقدار هدي شعراوي في موقف صعب للغاية، خاص بابنها. شاهد ابنها، محمد على شعراوي، مطربة تغني على المسارح تدعي فاطمة سري، فطلب التقرب منها ولكنها أبت مراراً، فأخذ يتبعها في كل الحفلات والمسارح، حتي أثار الشبهات حولها ودفع الصحافة لأن تكتب عن هذه القصة، وغضب طليق المطربة من هذا التشهير وقرر من أن يحرمها من رؤية أولادها، ولم يخنع محمد شعراوي إلا بعد أن شعر أنه يمكن أن يؤذيها بما يفعله. فكتب لها مبلغاً كبيراً من المال مقابل كل الوقت الذي قضاه معها، وشعرت بالإهانة ومزقت الشيك، فاعتذر لها بشدة وعرض عليها أن يتزوجا بعقد عرفي ولكنها أبت وقالت أنها تريد زواجاً شرعياً، فطلب منها مهلة حتى يخبر والدته.

وكانت فاطمة قد حملت في هذا الوقت وقررت الإجهاض، ولكن أخبرها الطبيب أنه قد فات الأوان وأن هذا الفعل سيتسبب في إنهاء حياتها. قام محمد شعراوي بتوقيع أقرار منه أن هذه الفتاة ابنته وانه تزوج من فاطمة سري، ولما علمت هدي شعراوي بالأمر ثارت بشدة وقالت أنه يريد القضاء عليها بما يفعله، ولم تسكت على هذا بل أشعلت الحرب على ابنها وزوجته فكانا يسافران هرباً منها، حتي عادت فاطمة سري وأخفت ابنتها حتي لا يلحقها أذي، ولما عاد زوجها من السفر طلب منها ورقة الإقرار فأعطتها له، ولكن الحقيقة أنها أعطته نسخه مطابقة للورقة الأصلية فقط.

بعد ذلك هرب على شعراوي من زوجته وكلما أتصلت به سبها وعنفها وأنكر معرفته بها، فأرسلت فاطمة رسالة قوية لهدي شعراوي تطلب فيها أن تعترف بحق حفيدتها التي أنكرها أبنها، فكيف تكون هي المدافعة عن حقوق وحياة المرأة وتتهاون في حق حفيدتها في أبسط حقوقها، وذكرت فاطمة أن هذه رسالة تحذيرية قبل أن تبدأ عملها مع المحاكم، وأن حقها محفوظ. ولكن هدي شعراوي لم تهدأ وثارت من جديد ضد فاطمه سري وبدأت الحرب في المحاكم، وأخذت هذه القضايا فترة كبيرة واهتمام من قبل هدي، ولكن كالمتوقع انتصرت فاطمة سري، وأثبتت حق أبنتها، وخضعت شعراوي للقضاء.

وفاتها

في عام 1947 بينما كانت هدى شعراوي تكتب بياناً في فراشها إذ كانت مريضة، كانت تطالب من العرب أن يقفوا صفاً واحداً إزاء قرار تقسيم فلسطين، ماتت بالسكتة القلبية.

رحلت هدي شعراوي تاركة ورائها عدة أعمال عظيمة في الكفاح لحق المرأة في العيش والحياة والكفاح الوطني وجوانب أخري عديدة، وقد تم إصدار كتاب لها اسمه “مذكرات هدى شعراوي” حيث يجمع كل ما نشرته من مذكرات في الأعداد المتسلسلة من مجلة حواء، كما حازت طوال مرحلة كفاحها على أوسمة ونياشين من أماكن متفرقة تقديراً لجهودها المثمرة في عدة مجالات.

تم تسمية عدة أماكن وجمعيات وميادين باسمها، وكتب الكثيرين عن كفاحها الطويل، ورغم ذلك كله كانت وجه انتقاد للعديد من المتشددين المسلمين الذين يرون أنها قامت بدور خاطئ لأنها أفسدت المرأة بدعوها للتحرير وخلعها للحجاب، ولكن على كل تبقي هدي شعراوي رمزاً نسوياً قوياً في التحرير ضد العدو والإيمان بالحرية، ولولا دورها لكانت مصر قد فقدت الكثير.

وفاء خيري

قارئة نهمة محبة للأدب وشغوفة بالكتابة والتدوين، أرغب في إثراء المحتوي العربي على الإنترنت للأفضل.

أضف تعليق

6 + ثمانية =