تسعة
الرئيسية » مجتمع وعلاقات » تفاعل اجتماعي » محترفي التسول : كيف نكتشفهم ونمتنع عن مساعدتهم ؟

محترفي التسول : كيف نكتشفهم ونمتنع عن مساعدتهم ؟

هناك الكثير من الأشخاص المحتاجين في هذا العالم، لكن أيضًا هناك الكثير من مدعي الحاجة أو محترفي التسول كما يقال عنهم، نبين لك كيفية اكتشاف محترفي التسول .

محترفي التسول

بين محترفي التسول وحقيقتهم.. كثيراً ما تقابلهم، على ناصية كل شارعٍ أو تحت كوبري أو على أحد السلالم على جانب الطريق أو في المواصلات أو على أبواب الجامعة أو مقرّ عملك؛ بل وربما على باب بيتك!. يتفننون في تحريك مشاعرك وأسرِ ناظريْك إلى حالهم التي يُرثى لها، متخفين في ثيابِ الحاجة والاضطرار. وربما لو أحسنوا العملَ مثلما أحسنوا ادّعاء عدم قدرتهم عليه لصاروا من أثرياءِ بلادهم؛ لكنهم لما وجدوك ووجدوني يسهُل عليهم أن يخدعونا بمظاهر لا تكلفهم الكثير في حبْكها؛ آثروا أن ينعموا بتلك الفرصة على ما تجلبه لهم من الآلاف في أسبوعٍ واحد!. إن “التسوّل” ناشئ بالأصل من الحاجة والحرمان والفقر والبطالة والمشكلات الاجتماعية التي ينتج عنها هروبُ الطفلِ أو البنت أو الزوجة إلى الشارع بسبب اضطهادِ البيتِ لها وعدم اكتراث الأهل إلى شعور المتضررين من أبنائهم، فلما لم يجدوا في بيوتهم أماناً ولا احتواءً؛ لجئوا إلى الهروب من الواقع المر إلى واقع أمر منه. هذا بكل تأكيد لا يبرر التسول ولكنه يوضح أنّ المجتمع مسئول وعاملٌ أساسي في تعزيز الظاهرة وانتشارها أو الحد منها وتحجيمها. فإن المجتمع الذي لا يحترفُ احتواءَ ناسِه ينتجُ لنا احترافاً من نوعٍ آخر.. على شاكلة محترفي التسول .

أفضل الطرق لاكتشاف محترفي التسول

صور وحِيَل محترفي التسول

يجبُ عليك أن تكون كيّساً فطنا لكل ما قد يحتالُ فيه هؤلاء من محترفي التسول والتذلل، وتعرف كل جديدٍ في عالمهم المليء بالخدع التي سرعان ما يكتشفها العقلاء بقليلٍ من بذل المجهود وإعمال العقل قبل السقوط في شباكهم. للأسف الشديد ستجدُ من النساء من محترفي التسول عددا مهولاً يرتدين النقاب ليجذبوا اهتمامك وعطفك، ولِيجدْنَ فيه شيئا يخفي وجوههن من أعين الناظرين؛ فكن حذراً للغاية.

البعضُ الآخر يوهمك أنه يعاني من إعاقة ما بدنياً أو عقلياً ويلح عليك في الطلب حتى تدفعه عنك سريعاً ببعض المال فتظنّ أنك نجوْت منه ومن جنون عقله وأنه كان سيؤذيك، وفي المقابل هو يعلم جيدا ماذا يفعل ففاز منك بما كان يرجو ويطلبُ وها هو يفعلها مع غيرك وغيرك حتى إذا رأيت جيبه آخر اليوم لوجدتَّ فيه ما يفوق مرتبك بعد عملٍ متعبٍ وشاق طول الشهر!

الجانبُ الأبشع من حيَل محترفي التسول هو استغلالُ الأطفالِ الذين تم خطفهم من أهليهم أو تمّ جمعهم من الشارعِ لصالحِ سماسرة التسول وتجار الأطفال. يخرج الطفلُ من ذاك المكان غير الآدمي الذي يُسكنه فيه سيّده رغما عنه ومعه عشراتُ الأطفالِ غيره ليجلبوا المالَ من كل مكان وبكل الأساليب التي تعلموها من سيدهم المبتزّ، ثم إذا كانت نهايةُ يومهم عادوا بآلاف الجنيهات بدون أدنى درجة من المبالغة، ورموها في حجر معدوم الدين والضمير والمروءة والأخلاق، ثم يحين وقت نومهم لأن في الصباحِ لديهم مهامٌّ كثيرة وجيوب جديدة تنتظرُهم.

من الجدير بالذكر أنَّ التسول تحول من ظاهرةٍ إلى مهنةٍ وحرفةٍ يجني بها المبتزّون أضعافَ ما يجنيه العاملون بالمصانع والمهندسون في الشركات والأطباء في المجمعات الصحية. حيثُ وصل عدد المتسولين في مصر وحدها إلى ثلاثة ملايين متسول!. وجديرٌ بالضحك الهيستيريّ والغرابة الشديدة أن تعرف أن قبضت الشرطةُ في المغرب على متسولةٍ اكتشفوا أن ثروتها من التسول فقط بلغت 13 مليون!!.. فهل عرفتَ حجم المصيبة حقاً؟

الأوْلى بالعطاء والأشد حاجة من محترفي التسول !

على الجانب الآخر ستجدُ فقراء تحسبهم أغنياء من التعفف، يأكل الفقر أكبادهم ويكوي الجوعُ أحشاءهم وتضطرهم الحاجةُ إلى النوْم بلا لقمة واحدة على مدار أيام، لكنهم لا يسألون الناس إلحافا ولا يرضون الذل ولا الدّنية وكذلك لا يأكلون إلا يما يجودُ الله به عليهم حلالا خالصا.

في إحدى الزيارات إلى بيْت فقير يعاني الحاجة الشديدة ولا عائل لهم إلا الله، أخبرتني ربّة البيت أنّها والله لا تذوق اللحم إلا مرة في العام، ولا تذوق الطعام إلا مرة في اليوم، ولا تشعل النار على أكل يشبع البطنَ إلا مرة في الأسبوع، وأنها لا تسأل الناس أبداً إلا أن تأخذ من إحدى جاراتها بضعة جنيهات وتردها إليها عاجلاً، وتذكرُ لي أنه صار من العاديّ أن تنام على كوبٍ من الماء لم تتجرع غيره طول اليوم!.
وعلى هذا فإنها أقربُ مني ومنك أيها القارئ إلى الشكر على النعمة والرضا بقضاء الله والحمد على نعمائه والصبر على ابتلائه.

ولو شاءت هذه الأم الفقيرة المتعففة عن السؤال أن تكون من أربح محترفي التسول بعد ساعةٍ من الآن لصارت أغناهم؛ بسبب حالتها التي يُرثى لها لكنها اختارت غنى القلبِ راضية مرضية، بعيدة عن غنى الجيبِ بالسحت وأكل أموال الناس بالباطل. أليست تلك هي الأحقُّ بمالكَ فعلاً؟

واجبنا نحو المحتاجين حقاً ونحو محترفي التسول

وإن كان النوعَ الأول بكل تأكيدٍ أوْلى بالنّهر من المجتمع ومحاولة اكتشافهم وكشْف حيَلهم الكاذبة في جلب التعاطف والمال الذي لا حق لهم فيه بأيِّ وجْه. فإن النوع الآخر هو الأجدر بصدقتك وسخائك، بل لو استطعتَ أن تعطيَه أفضل ما تملك، فافعل. لأنهم يحتاجون ويكدّون ويتعبون في جلب الرزق وإن كان جُنيهاً واحداً في اليوم ولا يرضون أن يكون فضلاً عليهم من أحد لأن عزة نفوسهم تأبى إلا الكسب الحلال والتعفف عن سؤال الناس.

إن الذي يكذبُ لو لم يجد من يصدقه لكفّ عن الحديث، وإن الذي يستضعف الناسَ لو وجد الناسَ أقوياءَ لا يخافون منه لارتدع، وإن الذي ينهبُ من الناسِ أموالهم لو وقف له الناسُ بالمرصادِ لكفّ عن أفعالة الدنيئة؛ وكذلك فإن محترفي التسول لو لم يجدوا منك اهتماماً ولا مني ميْلاً إلى العاطفة على حساب العقل ووزنِ الأمور، ووجدوا أن أموالَنا صارت تذهب إلى مستحقيها بالفعل وأننا صرنا لا ننخدع ولا تخيل علي عقولِنا أفعالُهم الذليلة؛ لكفّوا عن السؤال وتوجّهوا إلى الرزق الحلال راجين منه الكسْب والعيْش الكريم. وليسّر الله عليهم أحوالهم وملأ جيوبهم بالمال وأبصارهم بالنور وقلوبهم بالغنى الحقيقي.

دور الدولة في إنهاء الظاهرة

إنه من الضروريّ جداً بالنسبة لهذه المشكلة أن تواجَه بردعٍ وحزمٍ من المسئولين في الدولة، تارةً بإصدار قوانين شديدة وعقوبات صارمة على هؤلاءِ وتطبيقها بلا هوادةٍ، وتارةً بتعنيف الأسرِ التي يخرج منها هؤلاء لأنهم المسئول الرئيسيُ والسبب الأساسيّ في تفشّي هذا الوباء.

كذلك أيضا يجبُ على الدولة وبمساعدة منظمات المجتمع الأهلي ودور الرعاية النفسية والاجتماعية أن يعيدوا تأهيلهم بالعلم والعمل واقتلاعِ تلك الظاهرة من جذورها والقضاء عليها بحملاتٍ مجتمعية ورسمية، وتوعية بما يقومون به وبكيفية التعرف عليهم وبوسائل الإبلاغ عنهم ومن ثَم أخذهم ثُم إعادةِ إطلاقهم في المجتمعِ ولكن هذه المرة كعاملين وليس متسولين كما كان من قبل.

ينبغي بالضرورة المُلحّة والأهمية الشديدة أن ننقذ الأطفالَ من هذا الوحش المرعب الذي يقضي على طفولتهم وبراءتهم بعيداً عن أماكنهم الصحيحة التي ينبغي أن يكونوا فيها من مدارس وبيوت وأندية ترفيهية.
يجب على المجتمع بأسرِه أن يسارعَ في الحد من تفاقم سرطان هذا العصر ووباء ذاك الزمان بكل الوسائل الممكنة. ولْتتخيل أن الطفل البريء الذي تراه يمد يده إليك بملابس رثة ووحش مخيف ينتظره آخر اليوم، هو ابنُك أو أخوك الصغير.. ساعتَها سيكون ردُّ فعلك أكثر منطقيّة وعقلانية وأسرعَ في إعادة الأمور إلى مجراها الصحيح.

يوسف الدموكي

شابٌ لم يكمل العشرين بعدُ لكنّه يستلهمُ من ملامح الشيوخِ ومن تفاصيل الجدران القديمة ومن تعاريج الحواري والأزقّة، عُمرا يساوي أضعاف عمره الحقيقي.. يتنفّس بالكتابة.. فتارة قلوب الناس له حِبرا يكتب به.. ثم تارةً قلوب الناس قرطاسا يبوح فيه.

أضف تعليق

تسعة + ستة =