تسعة
الرئيسية » اعرف اكثر » منوعات » كيف بدأ فن الشارع وما هي أهم المدن التي بها هذا الفن؟

كيف بدأ فن الشارع وما هي أهم المدن التي بها هذا الفن؟

فن الشارع هو مفهوم رسخه بسطاء المجتمع وفنانوه الفطريين ليثبتوا بذلك بأن الفن لا قواعد صارمة تحكمه، ولكن ما يجول بخواطرنا هو فن إذا أحسن التعبير عنه، فما هو؟

فن الشارع

فن الشارع هو مصطلح يتم إطلاقه بشكل محدد على أشكال الفنون البصرية التي يتم إنشاؤها بالشارع وتحديدا بالأماكن العامة مثل فن الملصقات والنحت والجرافيتي، وفكرة فن الشارع ترتكز بشكل رئيسي على التحليق خارج السرب والابتعاد عن أماكن الفن التقليدي، وتنفيذ الأعمال الفنية بدون وجود حسيب أو رقيب يحتذي دوما بقواعد صارمة محفوظة ومعلبة، يُذكر أن فن الشارع قد ظهر للمرة الأولى عام 1980 على هيئة فن الكتابة على الجدران، ومن المميزات الكبرى التي يحظى بها فن الشارع هي الالتحام بشكل مباشر مع الجمهور بدون وجود حدود ، وقد كان هدف فن الشارع دائما وأبدا هو جذب الانتباه لقضية مجتمعية هامة، أو نشر القيم الجمالية.

فن الشارع في العالم

فن الشارع ينتشر تقريبا في كل بلاد العالم ولكن ليس بنسب متساوية؛ ففي المدن الأوربية على سبيل المثال تمتلئ الجدران برسومات فنانيين وكل رسمة تلقي الضوء على قضية سياسية أو مجتمعية معينة وعلى الرغم من فوضوية الرسومات في الكثير من الأحيان إلا أنها محبوبة من الجماهير، ومن أشهر فناني الشارع العالميين “بيسترول” الذي يقوم باستغلال الأماكن المهمشة في مدينته ووكينغهام بالمملكة المتحدة وذلك لرسم لوحات تقوم بزرع النور والأمل داخل سكان الحي وتبث روح الجمال في أرواحهم، وقد تم استخدام فن الشارع من أجل الاحتجاج السياسي على قرارات بعينها وذلك كما حدث عام 2012 عندما اقترحت المفوضية الأوربية لصيد الأسماك قرارا بفرض حظر على صيد الأسماك التي تعيش في قعر المحيط، وقد عارضت كل من أسبانيا وفرنسا هذا القرار، وعليه توحد عدد كبير من فناني الشارع من كل مدن أوربا وحاربوا فقط بألوانهم وذلك من أجل تمرير القرار والضغط على أسبانيا وفرنسا ومنع الصيد في أعماق البحار، وقد قام الفنانين بعمل فني ضخم شمل كلا من لشبونة ومدريد وباريس ولندن وبروكسل وروما. وقد ساهم فن الشارع بشكل كبير في دعم الجمعيات الخيرية وذلك مثلما حدث مع جمعية ” أولي يونغ” البريطانية التي ساعدها فنانين رسم الشوارع في حملتها لجمع التبرعات من أجل مشروع طبي لمعالجة الأطفال.

فن الشارع في مصر

فن الشارع في مصر أكثر ثراءا منه في أي بقعة أخرى من دول العالم؛ فقد شهد هذا الفن أكثر من مجرد ملصقات أو جرافيتي؛ ففي مصر وقبل عشرات السنوات تجسد فن الشارع في لاعب البيانولا وصاحب الربابة والزفة الصعيدي وفرقة حسب الله وأصحاب السير الشعبية وكذلك العروض المرتبطة بالطقوس الدينية مثل الموالد وغيرها من الفنون التي كانت تجوب شوارع المدن والقرى والنجوع، وقد أعادت ثورة 25 يناير 2011 فن الشارع مرة أخرى بكل قوة ولكن هذه المرة في صورة ملصقات ورسم على جدران الشوارع من أجل توثيق الأحداث السياسية التي جرت خلال أيام الثورة.

في أغسطس 2014 وتحديدا في ميدان عبد المنعم رياض بدأت حملة” هنلونها” برعاية طلبة كلية الفنون الجميلة بجامعة حلوان، حيث قام الطلاب بتلوين أعمدة كوبري السادس من أكتوبر، وامتدت الحملة لتشمل مناطق أخرى مثل منطقة تل العقارب بحي السيدة زينب بمصر القديمة، ومستشفيات الأطفال وحي الزمالك، وقد ذاع صيت الحملة بشكل كبير حتى اتصل مندوب الرئيس يدعوهم لمقابلة الرئيس السيسي الذي طلب منهم تلوين كوبري الجلاء بتمويل من وزارة الشباب والرياضة، ولكن المشروع لم يكتمل بسبب ظروف البيروقراطية والروتين الحكومي، وهنا يجب إلقاء الضوء على حقيقة مهمة وهي ضرورة أن يكون فن الشارع بعيدا إلى حد كبير عن المؤسسات الحكومية حيث أن الاثنين ضدان نادرا ما يجتمعان؛ ففي حين يسعى فن الشارع إلى كسر الروتين والتقليد والمألوف، ترسخ المؤسسات الحكومية هذه المفاهيم بكل قوة.

فن الشارع في تونس

فن الشارع بدأ بالانتشار في تونس عقب اندلاع ثورة الياسمين التي كانت خطوة أولية لاندلاع باقي ثورات الربيع العربي، وبدأت ظاهرة فن الشارع في البروز في الشارع التونسي في محاولة موازية لبناء واقع فني يرتكز على القيم الجديدة التي جاءت بها الثورة، ومحاولة للانتقال إلى ثقافة فنية ذات أبعاد اجتماعية وسياسية عميقة، ومن أشهر ممارسات فن الشارع في تونس جمعية ” أهل الكهف” أو مجموعة” شدونا” التي امتد نشاطها إلى مدينة صفاقس التونسية، وجمعية ” كيف- كيف” وهناك أيضا ممارسات جاءت بشكل فردي من بعض الفنانين الشباب مثل الفنان” زاد” الذي قام ببعض الرسومات الجدارية والتي شملت مناطق متعددة من الجمهورية بعد إسقاط نظام بن علي، مثل تلك الجداريات التي زينت شارع ” الحبيب بورقيبة” أو ساحات الاعتصام في “سيدي بوزيد” و” القصبة” ومن تلك الجداريات يتجلى لنا بشدة مفهوم فن الشارع بعد الثورة ذلك الفن الذي تجاوز عن سلطات القمع والمنع والردع، ذلك الفن الذي قرر ترك المرسم والنزول للشارع وأعلن أن فكرة الفن للجميع وأن الرسام لا يعيش في برج عالي يتطلع على مجتمعه من مكان مرتفع، وبالإضافة إلى فن الجداريات والرسم في الشارع عرفت تونس نمط آخر من فن الشارع تجلى ببهاء في ظاهرة الغناء في الشارع وفق قواعد موسيقية جديدة لا تلتزم بالمألوف وظهر بشكل أساسي كي يكسر كل الحواجز المجتمعية ويعزز الموسيقى الثقافية بعيدا عن الفن الرسمي حيث الغناء في الشارع قريبا من الجماهير وملتحما بها، ويُذكر أن هذا الفن قد تسرب إلى الشارع على أعقاب ظواهر الاحتفال بالنصر جراء سقوط النظام السياسي السابق بالبلاد، وبعد أن سكنت وهدأت وتيرة الاحتفالات لاحظ الجماهير والفنانين معا أن الغناء بالشارع قد أضاف الكثير من جو الألفة والبهجة والدفيء والخيال والبسمة، ولذا قرروا ترسيخ الظاهرة حيث أدركوا بأن الشارع هو رحم المبدعون والحالمون، رحم الديمقراطية والحرية.

فن الشارع في المغرب

فن الشارع في المغرب يرتكز بالأساس على الفن التجريدي متجسدا بشكل رئيسي في رسم الجرافيتي، وجدير بالذكر بأنه في الوقت الذي كان فيه رسم الجرافيتي في مصر وتونس مرتبط بالحدث السياسي الغاضب وذلك على غرار جرافيتي ميدان التحرير بمدينة القاهرة، ففي المغرب جاء الجرافيتي معبرا عن حياة الإنسان المغربي ودواخله النفسية والوجدانية، ويمتاز فن الشارع في المغرب بأنه ملئ بالألوان والأنماط الثقافية كما أنه منتشر على مساحات واسعة، وعلى عكس الوضع في مصر وتونس عادة ما يتم رسم الجداريات التونسية بالشوارع بأمر من السلطات الرسمية، ومن أشهر مجموعات رسامين الشارع بالمغرب “جمعية الألتراس” وهو مشجعي كرة القدم والمعروفين بولائم المتطرف لفريقهم الرياضي، ويلاحظ أن جدران الشوارع المغربية تعج برسومات الألتراس ويُذكر أن مجموعات الألتراس لا تقبل أي معونات مادية من أي جمعيات أخرى ويأتي تموليها ذاتيا.

خاتمة

يتجلى لنا بوضوح أهمية فن الشارع حيث رفع قيمة كبيرة كل المجتمعات الإنسانية بحاجة إليها وهي قيمة الفن الجميع، والشارع هو براح يساع كل أطياف المجتمع، والغضب السياسي والإحساس بالظلم المجتمعي من الممكن أن يتم التعبير عنه برسم لوحات تعج بالألوان وذلك عوضا عن تفشي قيم الكراهية والتعصب.

أسماء

محررة وكاتبة حرة عن بعد، أستمتع بالقراءة في المجالات المختلفة.

أضف تعليق

16 + 1 =