تسعة
الرئيسية » مجتمع وعلاقات » الشخصية » كيف تكتسب برودة الأعصاب وتجعل من الصعب إثارة غضبك؟

كيف تكتسب برودة الأعصاب وتجعل من الصعب إثارة غضبك؟

هناك الكثير من المواقف التي يحتاج الإنسان فيها إلى برودة الأعصاب ، حتى لا ينفلت بالأفعال واللسان ويتحول الموقف إلى مشكلة تدوم وتكون مصدر إزعاج كبيرة للشخص.

برودة الأعصاب

الحل الأمثل لتجنب سلبيات الغضب هو برودة الأعصاب. غضب الشخص أحيانًا قد يؤدي إلى الموت، في حين أن دراسات إحدى الجامعات الأمريكية أثبتت أن الذين لا يعيرون الاهتمام لأي شيء، ويتعاملون مع المواقف الصعبة بأعصاب باردة وغير متأهبة، هم أكثر عمرًا من الأشخاص العادية. ليس ذلك فقط، بل هم أقل عرضة للإصابة بالأمراض المزمنة مثل أمراض القلب ومرض السكري ومرض الضغط العصبي. ومن هذه الدراسات نفهم أن برودة الأعصاب هو أسلوب حياة، وهذه الصفة من المهم جدًا أن يتحلى بها معظم الناس في وقت الغضب العارم. لأن الغضب الشديد يؤدي إلى رد فعل عنيف، وردود الفعل العنيفة لن تثمر خيرًا على الإطلاق.

هل يمكن تعلم برودة الأعصاب؟

نعم يمكن بالطبع. ولكن هذه الصفة تحتاج منك أن تكون على قدر كافي من المسئولية والنضج والالتزام. حيث يمكن للغضب أن يسيطر، ولكن برودة الأعصاب تحتاج إلى أن يكون عقل الإنسان أعلى من مشاعر الغضب بداخله. وهذه مهمة صعبة جدًا.

كيف تكون شخصًا بارد الأعصاب؟

سؤال مهم وحيوي جدًا. فالأمر ليس سهلًا أن يرى الشخص، شيئًا يستفزه ويصمت، أو لا يأبه على الإطلاق. عقل الإنسان مصمم على أن يقاوم الخطر. فيدافع الإنسان عن مبادئه، أو عن ماله، أو عن مزاجه أحيانًا أخرى، عندما يحدث ما يثير عقله. حتى يشعر بالأمان ويتخطى كل المشكلات التي يواجها. أما برودة الأعصاب فهي عبارة عن تقليل اهتمام العقل بحل المشكلات المحيطة والتركيز على الذات أكثر من المشاكل وحلها. وهذا يعطي إمكانية للعقل أكثر في أن يركز على الحل وليس على المشكلة.

برودة الأعصاب تحتاج لأن تفكر 5 ثواني

برودة الأعصاب تعتمد على التأني في كل شيء، حتى في التفكير. لو تكلم شخص مع إنسان هائج بطريقة محتدة سيحتد هو أيضًا ويبدأ نزاع. ولكن الشخص بارد الأعصاب لا يأبه، بل ومن خلال هدوء أعصابه وحكمة قوله قد يجعل من يتكلم معه بحدة، يهدأ ويحترم نفسه دون اللجوء لنزاع. ومن ضمن الخدع الجميلة لأن يكون الشخص بارد الأعصاب هي محاولته أن يضع خمس ثواني قبل أي جملة ينطقها، حتى لو كانت جاهزة، فهذه الطريقة ستجعل كل جملة تُقال، مرشحة ترشيح عقلي، وليست جملة عفوية. ومن هذا المنطلق تكون ردود الفعل أيضًا مرشحة وليس هائجة. فتتكون المرجعية العقلية عند الشخص، بفضل الخمس ثواني كفرصة للتفكير. ولا ضرر من زيادة الخمس ثواني، لو كان الكلام صعب ويستأهل رد مناسب وعبقري، ينهي الجدال ويحفظ الحق.

لا تسمح للضغوط بالتراكم

كي يمتلك الشخص برودة الأعصاب فالأفضل ألا يسمح للضغوط بالتراكم عليه نفسيًا. فهناك دراسات عدة أجريت في العالم العربي، مثل عام 2010 في فلسطين عن علاقة الضغط النفسي بالعمل. وأوضحت الدراسة أن كلما كان العمل يحتوي على ضغط نفسي أكثر، كلما كان الموظف أكثر عنفًا في ردوده تجاه المخدومين. أيضًا لوحظ أن هناك بعض الموظفين من كثرة الضغوط قرروا الاستقالة من العمل نهائيًا.

برودة الأعصاب تحتاج من الإنسان أن يتخلى عن الأفكار السلبية أولًا بأول ولا يراكم المشكلة داخله. لأنه مهما كان الشخص قادر على تخطي المشاكل بأعصاب هادئة، سيجعله الضغط النفسي في يوم ما غير قادر على السكوت. ولذلك كي تكتسب أعصاب هادئة دومًا، فرغ مشكلاتك. وهذا قد يكون بالخروج مع الأصدقاء، أو عن طريق سماع الموسيقى، أو عن طريق الإجازات الطويلة التي تذهب فيها إلى بلاد مختلفة وأماكن جديدة. هذه الأماكن والتجديد الذي ستراه سيشتت أعصابك جدًا عن الضغوط، وستتفرغ تدريجيًا عن طريق النسيان. والسعادة ستحل مكان الحزن الناتج من الضغط. لذلك يجب على الشخص أن يستخدم العطلات الرسمية أفضل استغلال. ليكون هادئ الأعصاب دومًا.

كيف تحافظ على برودة الأعصاب؟

هذا سؤال مهم جدًا، لأنك حتى لو كنت شخص يستطيع أن يكون بارد الأعصاب، فهناك مشكلة سوف تواجهك وهي كيفية الحفاظ على برودة الأعصاب هذه طوال الوقت. حتى لا تتحول برودة الأعصاب إلى كتمان وضغط نفسي وتؤذيك فيما بعد.

تخلص من التفكير باستمرار

لا يجب التفكير في الشيء بطريقة زائدة عن الحد. لو كانت هناك مشكلة في العمل، فيجب أن تُترك مشاكل العمل للعمل، ولا تأخذها معك البيت. بل يجب أن يتخلص العقل تلقائيًا من التفكير في مشاكل العمل بقية اليوم. لأن التفكير المستمر سيجعل من حياة الإنسان عصبية. أما في المقابل، الشخص الذي يترك كل مشكلة في مكانها الطبيعي، فهو الأفضل في حل المشكلات، لأن عقله أكثر ترتيبًا. لذلك عندما تخرج من مشكلة لا تجتر كثيرًا أحداث المشكلة، بل فكر في حلول. لو لم تجد حلول، إذًا لا تتعامل مع الأمر بشكل مستمر بل خذ وقت راحة من المشكلة. ثم ارجع لها مرة أخرى وخذ الأمر بهدوء وسكينة ومبدأ أن لكل مشكلة حل. وبهذه الطريقة مع الوقت ستجد أنك تتعامل مع جميع المشاكل من حولك بنوع من أنواع برودة الأعصاب لأنك تعلم أن هناك حل. وفقط يحتاج إلى وقت.

لا تجاور العصبيين

بالتأكيد برودة الأعصاب تحتاج لأن يكون الإنسان وسط جو هادئ، وجود الشخص وسط بيئة عصبية، لن يكون مريح. وسيجعل أي إنسان يميل إلى أن يكون عصبي هو الأخر. أما لو تجنبت الحوارات المحتدة والأشخاص العصبية، فهذا الأمر سيكون مريح وعملي جدًا. وستتمكن دومًا من معرفة كيفية التعامل في أوقات العصبية. عند الهروب من هذه الحوارات والعصبية، وبعدها تجد نفسك في موقف يجرك إلى العصبية والهيجان، سيعمل عقلك على الهروب من هذه العصبية كذلك. وستجد نفسك تتعامل مع المشكلة أو الشخص بطريقة باردة وهادئة جدًا.

خذ قسط نوم كافي

دراسات أمريكية أثبتت في العقد الأخير، أن النوم يؤثر جدًا على العقل البشري، ومزاجية الإنسان. حيث إن الذين يأخذون أقساط نوم متباعدة وقليلة فهم غالبًا متقلبين المزاج وعاطفيين. على عكس الذين يأخذون أقساط نوم عادية ومنتظمة، فهم مستقرين المزاج، وهذا يدعم برودة الأعصاب. لتكون الشخص الهادئ الذي تريده، تحتاج إلى النوم بطريقة منتظمة. ولو حدث خلل في نومك واستمر أكثر من شهر، سيتغير مزاجك بطريقة مستمرة وتصبح كثير الصراخ وسريع الغلط والغضب.

برودة الأعصاب قد تثير بركان من غضب الآخرين

الوجه الأخر لبرودة الأعصاب، هو تأثير هذه الصفة على الآخرين. فمثلما هناك أشخاص من الجيد التعامل معهم ببرودة أعصاب، هناك أشخاص آخرين تستفزهم برودة الأعصاب بطريقة كبيرة، وتؤثر عليهم سلبًا. وذلك يكون للأسباب التالية.

عدم الاهتمام

هناك من يعتبر أن الشخص بارد الأعصاب هو غير مهتم بالمشكلة من الأساس. مما يثير استفزازه فيرى البارد على أنه مهمل وغير مبالي ولا يُعتمد عليه. خصوصًا فيما يخص المشاعر والوظائف. من جهة المشاعر لأنها غالبًا أغلى ما يمتلكه الإنسان، ولو وجد شخص أن الأخر يتعامل معه ببرود فهذا سيتحول إلى شعور بالاستهانة مما سينبت شعور بالكراهية تجاه الشخص بارد الأعصاب. أيضًا في الوظيفة، مديرين العمل لا يحبذون الشخص الهادئ بطريقة مبالغ فيها. لأن هذا الهدوء يتصوره المدير أنه تكاسل.

البطء في حل المشكلات

برودة الأعصاب في حل بعض المشكلات، لا تكون التصرف الصحيح. وأكبر مثال على هذه الحالات هي وظيفة الطبيب. فهناك الكثير من الحالات الحرجة تتطلب من شخصية الطبيب عدم الهدوء وترك الحالة. بل يجب أن يكون الطبيب سريع البديهة والتصرف. الشخص بارد الأعصاب لا يعول عليه أحد في حل المشكلات، وذلك لأنه يأخذ وقت أكثر من اللازم. وهذا التصرف يعطي إيحاء بقلة تقدير المشكلة، مما يجعل من برودة الأعصاب صفة سلبية في هذا الوقت.

سلبيات برودة الأعصاب في الحب

الحب هو أعظم شعور يبحث عنه جميع البشر في المطلق. وبناء على هذا الشعور يفترض أن يكون هناك تبادل للعاطفة بين أطراف أي علاقة عاطفية. ولكن في حالة وجود شخص يقدم مشاعر الحب والعاطفة والاحترام، والشخص الأخر بارد الأعصاب ولا يبادل الطرف الأول كل هذه المشاعر والتقدمات، هنا نتحدث عن مشكلة كبيرة جدًا في العلاقة العاطفية. والسبب الرئيسي هنا هو برودة أعصاب الطرف الثاني. مما يجعل الطرف الأول يشعر بعدم الحب والتنازل عن الكرامة، وأن هذه العلاقة من طرف واحد. مما يصيبه بالملل وعدم الاكتراث للطرف الأخر والتوقف عن تقديم الحب. فيُحكَم على العلاقة العاطفية بالموت.

أسباب برودة الأعصاب المستمرة

الألم النفسي هو أول مسبب مباشر لبرودة الأعصاب. ما يحدث للشخص المتألم نفسيًا بشكل بشع، دون مساعدة من أحد لتخطي هذا الألم، هو تغيير كبير في عملية استيعاب العقل للأحداث المحيطة. حيث تتراكم النتائج السلبية للألم النفسي في صورة عقد نفسية، وفي صورة كراهية، وأيضًا في صورة لامبالاة. مما يجعل الشخص غير مهتم نهائيًا بأي أحداث خارجية تحدث للآخرين. فهناك صراع نفسي داخلي لدى الشخص المتألم نفسيًا يستنفذ طاقة الاستيعاب والاهتمام لعقل الشخص نفسه. وكمثال بسيط على هذه الحالات، هم مرضى الاكتئاب. مريض الاكتئاب يصاب بحالة من اللامبالاة. ويصبح بارد الأعصاب وغير قابل للاجتماعيات، فقط لأنه يتألم داخليًا حسب اختلاف سبب الألم.

طبيعة المجتمع أيضًا سبب رئيسي في برودة الأعصاب. فطبيعة بعض البلاد هي الهدوء الزائد عن الحد. وأغلبية هذه البلاد تكون ضمن البلاد الغنية والتي لا يوجد فيها كثافة سكانية كبيرة، مما يجعل المشاكل لديهم قليلة. أو البلاد الباردة ودرجات حرارتها منخفضة، فلا يوجد احتكاك كبير بين السكان. مما يؤدي في الأخير إلى أن عقلية هذا المجتمع تأخذ الأشياء جمعًا على محمل الهدوء والعقلانية. وقد تمت دراسة على عدد من المنتحرين في سويسرا، وهي إحدى هذه البلاد الغنية وبها كثافة سكانية قليلة. فوجدوا أن متوسط عدد المنتحرين مماثل للبلاد الفقيرة. وعندما حللوا نفسية هؤلاء المنتحرين، وجدوا أن سبب الانتحار هو عدم وجود المشاكل، والحياة أصبحت مملة بالنسبة لهم، فشعروا ببرودة الحياة، وعدم وجود سبب للعيش من أجله فقرروا الانتحار. ومن هذه الدراسة نستنتج أن المجتمعات الغنية مصابة ببرودة الأعصاب وقلة المشاعر أكثر من المجتمعات المزدحمة.

ختام

أخيرًا برودة الأعصاب قد تكون نعمة وقد تكون نقمة. ولذلك على الشخص أن يوازن في كيفية التعامل مع الأمور والناس من حوله، فلا يجب أن يكون بارد الأعصاب بطريقة مطلقة. لأن هذا سيجعل الإنسان مثل الآلة. ولا يجب في المقابل أن يكون الشخص عاطفي ومزاجي بطريقة مطلقة.

أيمن سليمان

كاتب وروائي، يعشق منهج التجريب في الكتابة الروائية، فاز ببعض الجوائز المحلية في القصة القصيرة، له ثلاث كتب منشورة، هُم "ألم النبي (رواية)، وإنها أنثى ولا تقتل (رواية)، والكلاب لا تموت (مجموعة قصص)".

أضف تعليق

14 + أربعة عشر =