تسعة
الرئيسية » تعليم وتربية » لغات » كيف نحمي اللغة العربية من خطر ضياع الهوية الوطنية ؟

كيف نحمي اللغة العربية من خطر ضياع الهوية الوطنية ؟

ضياع الهوية الوطنية خطر يهدد ملايين المتحدثين باللغة العربية، التي هي لغة القرآن، والتي حفظها الله تعالى من خلال حفظه للقرآن الكريم، ومع الانفتاح على العالم وانتشار العديد من الثقافات واللغات، أصبح ضياع الهوية الوطنية واردا إن لم نتصد لذلك.

الهوية الوطنية

لقد ميز الله تعالى الإنسان على سائر مخلوقاته بالنطق والكلام، أصبحت اللغة تعني هوية الشخص وكينونته، حيث هي وسيلته للتعبير عن نفسه وشرح أفكاره وتوجهاته، لذلك فإن الثبات على اللغة يحول دون ضياع الهوية الوطنية ، ومن هنا يأتي اعتزاز الفرد بلغته التي تمثل هويته الوطنية، ويعمل على حمايتها ونقلها للأبناء والأحفاد. لقد درس الغرب في مطلع القرن العشرين أسباب تفوق العرب، وقدرتهم على التوسع في أوروبا وآسيا حتى وصلوا إلى الصين، وكشفوا في دراستهم أن السبب يرجع إلى إتقانهم للغة العربية وهم في سن صغيرة، في كتاب القرية، حتى أنهم يحفظون القرآن الكريم ويختمونه وهم دون السادسة من العمر، وبقدر تمكنهم من اللغة بقدر تماسك عقيدتهم وقوة انتمائهم الديني والوطني، ومن هنا بدأت الحرب على اللغة العربية، ووضعت الخطط من أجل إضعافها والنيل منها، واعتمدوا في سبيل تحقيق ذلك على وسائل عديدة، سوف نتناولها بالتفصيل في مقال اليوم.

استمرارية اللغة العربية

واللغة العربية هي اللغة التي كرمها الله وحفظها من خلال كونها لغة القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من أمامه أو من خلفه، ويعتز ملايين المسلمين والعرب حول العالم بلسانهم الذي هو لغة القرآن الكريم، وتقع عليهم مسئولية الحفاظ عليها ونقلها للأجيال الناشئة، حيث أن الحفاظ على اللغة يعني الحفاظ على الهوية والانتماء للوطن، فهناك ما لا يقل عن 25 لغة تنقرض سنويا من أصل ستة آلاف لغة موجودة في العالم، ومن المتوقع أن تندثر ثلاثة آلاف لغة مع نهاية القرن الواحد والعشرين.

لذلك يعتبر الاهتمام باللغة الأم خير حافظ لها من ضياع الهوية الوطنية ، فقد حرص المستعمر أثناء فترات الاحتلال للدول العربية على تهميش اللغة العربية ونشر لسان الاستعمار، ونشر التعامل به في كافة المصالح، والتأكيد على جعله لغة أساسية في المدارس، لأن الاستعمار يدرك جيدا أن اللغة الأم هي وسيلة ربط المواطن بوطنه وثقافته وهويته وأسلوب حياته، وأن تهميش وإهمال اللغة من شأنه أن يسلخ الشخص تدريجيا عن ثقافة بلده وتاريخها، فتضعف الروابط وينهار الانتماء، فاللسان العربي يجمع مئات الملايين من البشر ما بين مسلم وعربي، جمعتهم جميعا لغة القرآن فاجتمعوا على عقيدة واحدة وقيم راسخة.

ومن عجائب الأمور أن يعيد التاريخ نفسه، وأن تتعرض الدول العربية مرة أخرى في وقتنا الراهن لهجمة استعمارية جديدة متمثلة في نشر ثقافة الغرب ولغاته عن طريق التغلغل في التعليم بحجة العولمة، وأن النهضة والمستقبل مرهون بتعلم اللغات الأجنبية، وليس في ذلك عيب، ولكن العيب الحقيقي أن يأتي ذلك على حساب الاهتمام باللغة العربية، والاهتمام بإعداد مدرس اللغة العربية على مستوى عال من الإعداد والتمكن حتى يخرج لنا جيلا متشبعا بلغته حريصا عليها والأهم من ذلك أن يشعر بحبه واعتزازه بلغته العربية.

استخدام اللغة الإنجليزية في التدريس للنشء

ويعتبر انتشار المدارس الأجنبية التي تقتصر في دراستها على اللغات الأجنبية، وتعلي من خلالها دور الغرب وتأثيره الحضاري على العالم، وتركز على نشر ثقافته وأفكاره وتوجهه، واعتبار اللغة العربية مجرد لغة ثانوية يتم تدريسها على استحياء يخفي عظمتها وفنونها وما تحمله من كنوز الثراء والتعبير، فيصبح التفكير غربيا، والطموح غربيا، وينظر في المقابل لكل ما هو عربي نظرة دونية تحمل من التحقير أكثر مما تحمل من التوقير والتقدير، ومن هنا يأتي الخطر الحقيقي الذي يتسبب في ضياع الهوية الوطنية وافتقاد أساليب فهم الدين الصحيح الذي يقوم على إتقان اللغة العربية، خصوصا مع إهمال الإعداد الجيد للمعلم، وتطوير أساليب وطرق التدريس التي تجعل من دراسة اللغة العربية متعة حقيقية، وتخلق مشاعر الارتباط والحب الحقيقي مع اللغة.

مسئولية الوالدين تجاه النشء لتلافي خطر ضياع الهوية الوطنية

الأسرة هي المدرسة الأولى للنشء، وعن طريقها يتعلم أصول اللغة وإتقانها، وقد أطلقت على لغة أي مجتمع اللغة الأم لأن الطفل يتعلم لغته الأولى منذ كان جنينا في رحم أمه ويصل إليه صوتها في الكلام والغناء والحكايات وخلافه، ثم يتعلم منها بعد الولادة كلماته الأولى إلى أن يتقنها وتصبح جزءا من كيانه ووجوده، وعلى الآباء الاستمرار في أداء دورهم في حماية الهوية الوطنية بتعزيز حب اللغة والتعامل بها وتنميتها، وألا ينساقوا للتعامل مع الأبناء باللغات الأجنبية بغرض تأكيد إتقانهم لها، وإنما لابد من السعي إلى تمسكهم بالتعامل من خلال لغتهم العربية، وتوفير وسائل إكسابهم المزيد من استيعاب اللغة وحبها من خلال تشجيعهم على القراءة، وتوفير مصادر الكتب المختلفة التي تنمي معارفهم وتؤكد العلاقة بينهم وبين لغتهم، فاللغة بالنسبة للإنسان هي كل موروثه الثقافي والحضاري، ومجموعة العادات والتقاليد والقيم التي يتوارثونها أبا عن جد، فيحسن الأبناء الكلام والتعبير باللغة، ولابد أن يستوعبوا خطر بعدهم عن لغتهم الأم والتأثير السلبي لذلك عليهم سواء من الناحية الدينية أو الهوية وارتباطهم بالوطن.

وقد كان لانتشار التعليم الأجنبي مخاطر جسيمة نوجزها في الآتي:

تميع روح الانتماء للوطن وقيمه وثقافته، وانقسام المجتمع إلى مجموعة ثقافات مختلفة حسب المدرسة التي درس فيها الطالب، فيكون من الطبيعي أن يكون خريجو المدارس الأمريكية مختلفون عن المدارس الصينية واليابانية والفرنسية وهكذا لنصل في النهاية إلى مجتمع فقد ترابطه وضاعت هويته.

استخدام اللغة الأجنبية في المراسلات والمصالح الحكومية

أيضا لوحظ في بعض الدول العربية التي توسعت مؤخرا في الأنشطة التجارية والسياحية العالمية، واستعانتهم بعمالة أجنبية، أن أصبح من مسوغات التعيين في الوظائف المختلفة إتقان اللغة الأجنبية كتابة وقراءة، وأن يكون المتقدم من خريجي المدارس الأجنبية، كما أصبحت المراسلات الحكومية في معظم مؤسسات ومصالح الدولة باللغة الأجنبية، حتى العلامات الإرشادية في الطرق باللغات الأجنبية، ويمنع العاملين من التعامل باللغة العربية على أساس أن معظم معاملاتهم مع الأجانب الوافدين إلى البلاد بغرض العمل أو السياحة.

وقد ترك هذا الأمر أثرا عميقا على مستوى اللغة العربية ومكانتها لدى المواطنين، واصبحوا يشعرون بأن لغتهم الأم أصبحت هامشية في معاملاتهم، مما أدى لاضمحلال شعورهم بالانتماء، وصل إلى حد غياب الثقة بالنفس وضياع الهوية الوطنية .

ومع الوصول إلى تلك النتيجة البائسة، فقد أصبح لزاما الانتباه لخطورة تلك المشكلة، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بالحفاظ بالهوية الوطنية من خلال إعادة اللغة العربية للمكانة اللائقة بها، والتصدي لأسباب ضياع الهوية الوطنية ، وألا يكون الاهتمام باللغات الأجنبية على حساب اللغة العربية، خصوصا بعد اكتشاف ظهور أجيال جديدة ضعيفة في القراءة السليمة والكتابة الصحيحة، بما ينسحب على ضعف انتمائهم الوطني والديني أيضا.

خطوات توفير الحماية من ضياع الهوية الوطنية

وقد أثبتت الدراسات أن أساليب الحماية من ضياع الهوية الوطنية يكون عن طريق إحياء الاهتمام باللغة الأم ويتم ذلك على عدة محاور هي:

التعليم

وذلك بعودة اللغة العربية للمكانة اللائقة بها، ولتعود كلغة أولى، وإعداد المدرس إعدادا جيدا، وتزويده بطرق التدريس الحديثة، وإعداد الوسائط التعليمية التكنولوجية التي تتلاءم مع طرق التدريس الحديثة، بحيث يقبل الطالب على الدراسة بتجاوب واهتمام.

التشجيع على القراءة

عن طريق الاهتمام بمكتبات المدارس، وتخصيص حصص خاصة بالمكتبة واستعارة الكتب، والاهتمام بالقراءة المسموعة حتى يتعود الطلاب على النطق السليم للكلمات، وكيفية التعبير عن معاني الكلمات.

الاهتمام بحصص التعبير

وتعويد الطلاب على الصياغة الجيدة للأفكار وحسن ترتيبها، والتدريب على الكتابة الصحيحة من الناحية الإملائية واللغوية.

تنظيم المسابقات

سواء في القراءة أو الكتابة من أجل إخراج أجيال قوية في مجال اللغة، واكتشاف المواهب الواعدة التي تستحق الصقل والتعهد لتحقق نجاحات في المستقبل.

إلزام المدارس باللغة العربية

إلزام مدارس اللغات، والمدارس الدولية بالاهتمام باللغة العربية، وتخصيص عدد حصص كاف لتدريس كافة أفرع اللغة المختلفة، وأيضا ضرورة التأكيد على تدريس العلوم الإنسانية مثل الفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع، باللغة العربية، وأيضا التاريخ والجغرافيا والتربية القومية.

الإعلام

لا شك أن للإعلام دور هام في تأكيد الهوية الوطنية، والتعبير عنها بشتى الوسائل المسموعة والمرئية والمقروءة، ولابد من الاعتماد على مجموعة مؤهلة من الإعلاميين الأكفاء ليكونوا مثالا للإعلامي الملتزم بقضايا وطنه، ويقوم بحمايته من ضياع الهوية الوطنية .

ويتم ذاك عن طريق الإعداد الجيد للبرامج التي تركز على الجوانب القومية، والقضايا المجتمعية، مستخدما لغة عربية سليمة، والالتزام بالاستخدام الصحيح للغة والبعد عن استخدام اللهجات المحلية بدعوى الوصول لرجل الشارع البسيط، بل أنه من الواجب الارتقاء بالشريحة الدنيا من المجتمع لتتعود على استخدام اللغة الفصحى المبسطة، لتتذوق حلاوتها وتتفاعل معها، فيزيد في تأكيد هويتها وانتمائها الوطني.

دور الدولة في حماية اللغة من أجل الحفاظ على الانتماء والهوية

وحتى تعود اللغة العربية لمكانتها كلغة الهوية والقرآن الكريم، لابد أن تهتم الدولة بتأكيد هذه المكانة بتعميم استخدامها في كافة الدوائر الحكومية والخاصة، وإجراء اختبارات في اللغة العربية قبل التعيين في الأعمال المختلفة، أسوة باختبارات اللغة الأجنبية التي تعقد للمتقدمين للأعمال المختلفة، فمن المؤسف حاليا أن تجد الإعلامي يخطئ في الكلام باللغة الفصحى، ونطق العديد من الحروف، والأكثر صعوبة من ذلك أن هذا التراجع في اللغة قد وصل أيضا إلى فئة المحامين ومنصات القضاء، وتكتشف ذلك عند سماعك لمرافعة محام، أو النطق بالحكم في قضية ما وتكتشف كم الأخطاء اللغوية، مما ينذر بخطر جسيم، فإن نطق كلمة بشكل خاطئ قد يغير مفهوم الحكم ويتسبب في ظلم شخص بريء.

أيضا اشتراط التخاطب باللغة العربية مع الجهات الرسمية وأن تكون كافة التعاملات والمراسلات باللغة العربية، وحتى الجهات والشركات الجنبية تلزم بإرفاق نسخة من مراسلاتها باللغة العربية، وذلك من أجل ضمان احترام الجميع للغتنا العربية.

وقد انتبه علماء اللغة العربية لذلك الخطر، فأطلقوا المزيد من التحذيرات والاستغاثات بضرورة حماية اللغة العربية، وكان أقواها الاستغاثة التي أطلقت مؤخرا من القاهرة، من خلال المؤتمر الذي عقدته منظمة اليونسكو في القاهرة تحت عنوان ” لغة الطفل العربي في عصر العولمة”، وكان مكان انعقادها في جامعة الدول العربية، حيث أطلق أكثر من 500 عالم وخبير في اللغة العربية استغاثة تنبيه وتحذير من المنحدر الذي تهوي فيه اللغة العربية بما يهددها بالفناء، وبالتالي أن نفقد كعرب أهم مقومات وحدتنا وهو لساننا العربي ووسيلة التفاهم والترابط بيننا.

هكذا نكون قد القينا الضوء على أهمية اللغة في تأكيد الهوية الوطنية، وتعرفنا على الإجراءات الواجب اتخاذها من أجل حماية المجتمع من ضياع الهوية الوطنية ومن أجل الحفاظ على اللغة سواء في مراحل التعليم المختلفة، أو عن طريق الإعلام، أو المؤسسات الحكومية، وكيفية العناية بالنشء من أجل إعداد أجيال تعتز بهويتها ولغتها ووطنها.

نرفانا إدريس

احب التطلع والاستطلاع واكتشاف الجديد اهوى المطالعة والكتابة في كل المواضيع التي تثير إنتباهي.

أضف تعليق

15 + 19 =