تسعة
الرئيسية » صحة وعافية » الصحة النفسية » اللياقة النفسية : كيف تقوي عضلاتك النفسية وتتماسك داخليًا؟

اللياقة النفسية : كيف تقوي عضلاتك النفسية وتتماسك داخليًا؟

اللياقة النفسية هي القدرة على التعامل مع المثيرات بقدر من الحكمة دون السقوط في فخ العاطفة المضللة، في هذا المقال نتعرف على كيفية الارتقاء والمحافظة عليها.

اللياقة النفسية

اللياقة النفسية هي الحالة المزاجية التي تساعد على إدارة وتناول المثيرات المختلفة بقدرٍ من الحكمة ومعالجتها برصانة من أجل التوصل إلى الاستجابات المناسبة. ومن المهم للغاية بالنسبة للشخص الواعي أن يدرك ضرورة الحفاظ على اللياقة النفسية والتي لا تقل أهمية عن اللياقة البدنية؛ حيث توجد أيضًا بعض الإجراءات التي ينبغي اتباعها من أجل توفير الاستقرار النفسي وضمان سلامة ردود الأفعال واتخاذ القرارات المختلفة. ونظرًا لحيوية هذا الموضوع سوف نتعرف في السطور التالية على أهم الخطوات والممارسات التي تساهم في تدريب الذات وترويضها وتنمية مهارات ضبط النفس من أجل الوصول إلى درجة عالية من الصفاء الذهني تمكننا من اكتساب المزيد من الثبات الانفعالي.

ما هي اللياقة النفسية ؟ وكيف يمكن الحفاظ عليها؟

اللياقة النفسية مؤشر الوعي الذاتي

لا شك أن الاتصال الداخلي بالذات والتحدث معها يُعد أحد أهم الوسائل المستخدمة للارتقاء بدرجة اللياقة النفسية والحفاظ عليها؛ حيث يساهم الوعي الذاتي للإنسان في إدراك مسببات السعادة الشخصية أو على الأقل معرفة بعض الطقوس التي تساعد على تهدئة النفس والسيطرة على الأفكار لضمان النظرة الموضوعية إلى الأمور. وبطبيعة الحال، فإن الشخص الملم بدواخل نفسه والمدرك لمصادر السعادة أو الكآبة بالنسبة له سوف يحظى بفرصة رائعة من أجل التركيز على كل ما يُهَوِّن عليه لحظات الحزن والقلق ويلهمه الفرح والاطمئنان من ناحية، وتجاهل كل ما يسبب له حالة من الذعر والقلق ويزيد شعوره بالهم والغم من ناحية أخرى. لذلك عادةً ما يوصَى بضرورة تحديد كل هذه المؤشرات المهمة من أجل سهولة الانضباط والعودة سريعًا إلى المزاج الجيد مهما كانت الضغوط والمؤثرات.

التأمل فرصةٌ لالتقاط الأنفاس

إن ضغوط الحياة وتدفق تفاصيل الحياة اليومية على نحو مكثف عادةً ما يولد حالة من الارتباك والتشوش والفكري ما يؤدي إلى السقوط في فخ الانخراط العشوائي في التفاصيل دون إدراك الصورة الكلية ما يؤدي إلى الدخول في شبكة معقدة من العلاقات اللامنتهية ما يترتب عليه سوء الحالة المزاجية وتعكُّر صفوها وتكتسب الحياة الحياة إيقاعًا روتينيًا مملاً وتصير الأيام متشابهة وتصبح الساعات نسخًا كربونية لسابقاتها ولاحقاتها. كل هذه العوامل تؤثر بالتأكيد على اللياقة النفسية للإنسان، ومن ثَمَّ ينبغي اتخاذ بعض الإجراءات التصحيحية من أجل معالجة هذا الارتباك وذلك على النحو التالي:

ممارسة التأمل

لا شك أن التأمل يُعَد واحدًا من الممارسات التي تساعد على الاسترخاء وتهدئة الأعصاب والعودة مجددًا إلى الوضع النفسي الأولي الذي لم يُشَوَّه بعد، لذلك ينبغي على الشخص المرهق أن يقتطع من يومه نصف ساعة على الأقل للاختلاء بنفسه في مكان هادئ لممارسة التأمل والتنفس بعمق ومشاهدة المناظر الطبيعية المريحة للأعصاب أو الاستماع إلى الموسيقى الخفيفة المرطبة للنفس.

أخذ قسط من الراحة

قد يتطلب الأمر أن يأخذ المرء قسطًا كبيرًا من الراحة؛ حيث يُفَضَّل في هذه الحالة الاستمتاع بعطلة طويلة نسبيًا والسفر بعيدًا إلى أحد المقاصد السياحية للانعزال تمامًا عن جميع مثيرات الحياة اليومية؛ حيث يساعد ذلك على تجديد النشاط واستعادة الحيوية واسترداد القدرة على النظر إلى التحديات كافة بعين منتعشة وعقل حكيم.

الوقفة التنظيمية

إن التقاط الأنفاس عامل مهم من أجل ارتقاء اللياقة النفسية والحصول على حالة من الاستقرار النفسي؛ لذلك يجب إجراء ما يُسَمَّى بالوقفة التنظيمية من حين إلى آخر من أجل تقييم الفترة الماضية واستخراج الدروس المستفادة من جميع التجارب التي تم خوضها والاستعداد للتحديات المتوقعة خلال الفترة القادمة ووضع خطة محكمة واستراتيجية منهجية تضمن التعامل مع التفاصيل بدقة دون الإخلال بالإطار العام. إن الوقفة التنظيمية إجراء مهم من أجل الحفاظ على المسار المنشود ومطالعة خارطة الطريق والتأكد من مدى الالتزام بها.

الأنشطة المجددة لحيوية اللياقة النفسية

ينبغي ممارسة بعض الأنشطة بشكل دوري من أجل الحفاظ على اللياقة النفسية وتطويرها حيث تعد هذه الأنشطة هي أساس الصحة النفسية السوية. وفي النقاط التالية نقدم بعض الاقتراحات في هذا الصدد.

ممارسة الرياضة

تعتبر الرياضة من أهم الممارسات التي تساهم في الترفيه عن النفس نظرًا لارتباط الحالة الجسمية بالوضع النفسي؛ حيث تساعد الحركة على تجديد النشاط وممارسة أنشطة جديدة غير مألوفة ما يؤدي إلى إزالة جميع الشوائب النفسية العالقة جرَّاء الضغوط المعهودة. ويوصَى أيضًا بممارسة الرياضة في الهواء الطلق والأماكن المفتوحة من أجل استنشاق الهواء النقي والحصول على قدر كاف من الاسترخاء.

القراءة

لا يوجد خلاف على أهمية القراءة ودورها الرائد في الارتقاء بالمستوى المعرفي للإنسان وزيادة وعيه، وبالتالي تعتبر هواية القراءة من الممارسات الضرورية لكل من يعاني من مشاكل متعلقة بحالة اللياقة النفسية لأنها تعد متنفسًا ونافذة يمكن من خلالها الإطلال على عوالم مختلفة وتناول المزيد من المعلومات المفيدة أو معايشة لحظات ممتعة. ويمكن ممارسة القراءة سواء عن طريق الصحيفة اليومية أو قراءة كتاب يقدم معلومات مفيدة أو رواية تعرض أحداثًا شيقة تعزلنا مؤقتًا عن دوامات الحياة اليومية ما يساعد على إعادة شحن الحالة النفسية والاستعداد للعودة مجددًا بروح معنوية مرتفعة.

زيارة الأصدقاء

إن تبادل الزيارات مع الأصدقاء المقربين خلال عطلة نهاية الأسبوع تعد بمثابة خير خاتمة لأسبوع العمل المرهق، ومن ناحية أخرى يساعد هذا النشاط الدوري على الاجتهاد في التعامل مع تحديات الحياة اليومية على أمل الاستراحة والوقت الترفيهي المنتظر في نهاية الأسبوع ما يعطي فائدة مزدوجة.

الإفصاح عن المنغصات الداخلية

لا يوجد شخص لا يعاني من مشاكل أو منغصات في حياته؛ لذلك ينبغي التخلص من حالات الكبت النفسي من خلال الإفصاح عن تلك المنغصات إلى أحد الأصدقاء المقربين، وفي حالة ارتفاع درجة السرية لهذه المشاكل يمكن أن يكتبها الشخص في صورة مذكرات من أجل تفريغ شحنات الغضب والحزن عن طريق الكتابة حيث يساعد ذلك على التخفيف من ثقل هذه الهموم وتعزيز اللياقة النفسية وتدعيم روح المقاومة والصمود أمام أي تحديات أخرى.

متابعة الاهتمامات ومحفزات الشغف

تعتبر الاهتمامات ومثيرات الشغف هي الوقود الحقيقي لصحة اللياقة النفسية حيث يزيد هذا الأمر من حيوية العقل ويخلق متنفسًا صحيًا للمكبوتات المتراكمة ويعزز الطاقة الإيجابية التي يظهر تأثيرها في اللحظات الحاسمة لدوامات المشاغل اليومية حيث تتجلى روح الابتكار والتروي والرصانة في إدارة الأزمات وحل المشاكل. وربما تتمثل هذه الاهتمامات في هوايات يدوية خفيفة مثل إصلاح أو تفكيك التركيبات الميكانيكية أو ممارسة الحياكة أو متابعة أخبار الرياضة المفضلة أو أخبار الفن ومستجداته. كل هذه الأمور تعمل على تهوين وتذليل أي صعوبات نفسية والحصول على موقف عقلاني تجاه الحياة حينما يتطلب الأمر ارتداء ثوب الجدية والتحلي بالنظرة الحكيمة.

وهكذا يتضح لنا أهمية الحفاظ على اللياقة النفسية والحالة المزاجية من أجل مواجهة الحياة بشيء من العقلانية دون التأثر بأية مثيرات قد تخرجنا عن مسار الحكمة. وقد تعرفنا في هذا المقال على الإجراءات المهمة التي ينبغي اتباعها من أجل الحصول على المزيد من السلام الداخلي الذي يعيننا على مواجهة تفاصيل الحياة الخارجية وأحداثها التي تتطلب ذهناً صافيًا من أجل مواجهتها.

أحمد علام

كاتب ومترجم، أحب القراءة في المجالات الأدبية بشكل خاص.

أضف تعليق

4 − 1 =