تسعة
الرئيسية » مجتمع وعلاقات » تفاعل اجتماعي » كيف نواجه العنف في المجتمعات الشرقية ونقلل من أضراره؟

كيف نواجه العنف في المجتمعات الشرقية ونقلل من أضراره؟

رغم أن العنف في المجتمعات الشرقية أمر مشترك مع سائر دول العالم في أسباب انتشاره ودوافعه والآثار المترتبة عليه، إلا أننا يجب أن ننظر بنظرة فاحصة أكثر لأسباب العنف في المجتمعات الشرقية ، ويجب أن نبحث أيضًا عن سبل القضاء عليه ومواجهته.

العنف في المجتمعات الشرقية

العنف في المجتمعات الشرقية يشترك مع العنف في سائر بلاد العالم في صفات تكاد تكون واحدة، لكن لكلٍ منها أسباب ودوافع تختلف عن الأخرى، ووسائل تختلف من بيئة لبيئة، ويدفع لاستمرارها في المجتمعات النامية أناس لهم أغراض يختلفون عن أمثالهم في بلاد العالم المتقدم، لكن لكلٍ منهما وصف واحد لا يمكن أن يتغير، حتى وإن تغير موقع المنفِذ والمنفَّذ فيه العنف، وللعنف أضرار لا يمكن تفاديها إذا استمر انتشاره في المجتمعات، وتتفاقم تلك الأضرار بغياب الرؤية الواضحة الساعية لاكتشاف بؤره والحد من انتقاله كالسرطان في جسد المجتمعات؛ لذا وجب على كلٍ منا أن يبحث عن أسباب انتشار العنف في المجتمعات الشرقية، وإقامة وِرش عمل مكثفة لبحث سبل القضاء عليه في مهده، أو سبل مواجهته إذا انتشر واستفحل.

أنواع العنف في العالم

عادةً ما يتبادر إلى أذهاننا- حال نطقنا كلمة العنف- العنف المادي، الذي يستخدم فيه منفذوه كافة وسائل الإكراه المادية من سلاح وذخيرة حية وقنابل يدوية وإلكترونية وأسلحة خفيفة وثقيلة، والوسائل المعنوية من أجهزة إرسال وتلفاز ومنتجات متلفزة ومذاعة ومقروءة؛ بهدف إحداث تغيير في بلد ما جبرا دون إرادة أصحاب وسكان وحكام هذا البلد، ونغفل أو نتغافل أن للعنف درجات ورُتب مبدؤها من التعامل الخاطيء من الأبوين في المنزل والمدرسين في المدارس والمعاهد، ومنطلقها التعامل السيئ من موظفي الأجهزة الحكومية، الذين ألهبت البيروقراطية قلوبهم، وأكلت من إنسانيتهم وشربت، مع المواطنين، ومغذيها الإهمال والإقصاء والتهميش والوحدوية في التعامل مع المواطنين من قِبل الحكومات والأنظمة المختلفة.

أبشع أنواع العنف

ولعل أبشع أنواع العنف في المجتمعات الشرقية هو العنف المستخدم ضد الأطفال في صغرهم، الذي يدمر فطرتهم، ويمحو من مخيلتهم محاسن الدنيا، وتجعلهم يختصرون رؤيتهم لمن يفوقونهم سنًا ومكانة وقدرة في البطش والإجبار والاستغلال، دون النظر في الجانب المضيء من تعاملات الناس، التي تجعل الأطفال- الذين لما يبلغوا بعدُ سن الثامنة عشر- قرناء للتنمية، ومبشر للنهضة والقيام بمستقبل الأمة العربية في المشرق، وينقسم العنف ضد الأطفال إلى مجموعة مختلفة- حسب الأمم المتحدة- فهناك العنف البدني والجسدي واللفظي والنفسي، ويحمل كل قسم منها في ذاته بابا من التشوهات النفسية والجسمانية التي لا تندمل بمرور الوقت.

العنف ضد الأطفال في الشرق

ويصل العنف في المجتمعات الشرقية ضد الأطفال مبلغه متمثلا في انتشار عمالة الأطفال، التي تهدر طفولة الأبناء، وتضيِّع عليهم فترةً لا يمكن تعويضها في مراحلهم العمرية المختلفة التالية، ما يسبب آثارا قد يُعالج بعضها مثل الندوب والحروق والجروح والإرهاق الجسدي، وقد لا يُعالج أكثرها مثل الخوف والتوتر وعدم الثقة في النفس وبُطء التحصيل والفهم وتدهور المستوى التعليمي، وقد يصل حد الآثار إلى العُزلة والانطوائية والميل إلى النفس والبعد عن الاختلاط والتدافع، بل والتفكير في الانتحار والتخلص من الحياة بأكملها، وحسب إحصائيات المنظمات الحقوقية والمراكز البحثية فإن طفلا على الأقل من بين أربعة أطفال يتعرض للتعذيب والعنف في العالم، مؤكدين أن العنف ضد الأطفال لا يقتصر على منطقة دون أخرى.

العنف ضد المرأة

ويعد العنف ضد المرأة، التي تُعد نصف المجتمع والمربية للنصف الآخر، هو النوع الثاني والخطير من العنف في المجتمعات الشرقية بشكل خاص وفي كافة المجتمعات المتقدمة والنامية على السواء؛ إذ إن العنف ضد المرأة قائم على عنصرية نوعية منهيٍّ عنها في جميع الشرائع السماوية، ومجرَّمةٍ في كافة المواثيق الدولية، وللعنف ضد المرأة يحمل آثارا سلبية على المرأة والمجتمع على حدٍ سواء؛ لما لها من تأثير فعال على النشء في شتى مراحله وجميع الأماكن التي يتواجد فيها، وحسب المنظمات الحقوقية فإن 35% من نساء العالم يتعرضن للعنف الجسدي والنفسي على يد أحد أقربائهن، بينما يتعرض نحو 30% من النساء للعنف على يد شريك حياتهن.

أسباب انتشار العنف في المجتمعات الشرقية

تتعدد الأسباب المُفضية إلى انتشار العنف بكافة أشكاله، سواء أكان عنفا جسديا أو نفسيا أو كان عنف بالمعنى الدارج لدى عامة الناس والمعروف بالإرهاب، ومعرفة الأسباب هي الطريق الأولى للوصول لحل لأي مشكلة كما يقول المناطقة، وتأتي على رأس أسباب انتشار العنف في المجتمعات الشرقية والغربية على حدٍ سواء:

الجهل

وقد يظن البعض أن الجهل سبب غير متوفر في الدول الغربية- رغم انتشار الإرهاب بها- إلا أنه أعظم الأسباب، فعلى الرغم من عِظَم المدنية وانتشار ثقافة القراءة والكتابة واستخدام الإنترنت، فإن الجهل بالعواقب والمآلات، والجهل بخطورة الإرهاب والعنف والديكتاتورية المغلفة بالديموقراطية هي من أخطر الجهل المؤدي لانتشار العنف في المجتمعات الشرقية والغربية على السواء.

البعد عن اتباع التعاليم الدينية

وإقصاء التعاليم الدينية وعدم اتباع ما جاء في الكتب المقدسة يجعل عقول الناس في شتات من أمرهم، ويُحسِّن لهم القبيح- كما يفعل إبليس في عقول العاصين المذنبين- ومن التعاليم الدينية أن الله محبة، وأن القتل جريمة محرمة في كافة الأديان تستوجب القصاص لمنع انتشارها، وأن الدين المعاملة وأن التعامل مع الأطفال يجب أن يكون برحمة، والتعامل مع النساء يجب أن يكون برفق.

العنصرية

انتشار العنصرية القائمة على الرؤية الذكورية، خاصة في المجتمعات والدول النامية، التي يكثُر فيها أعداد المواطنين المتخطين حد الفقر، وتتواجد العنصرية الذكورية بكثرة في المجتمعات التي ينتشر فيها مبدأ العار، وتزداد فيه النظرة الدونية للمرأة، حتى ولو كان ذلك لا يظهر للعلن، وقديما كان وأد البنات صفة رئيسية من صفات العرب الجاهليين، وذكر القرآن ذما صريحا لأصحاب هذه العادة التي ما انقطعت إلا بمجيء الإسلام.

الظروف الاقتصادية السيئة

كما تؤثر الظروف الاقتصادية السيئة في انتشار العنف في المجتمعات الشرقية وغيرها، لكن في الشرقية والنامية كثيرة، ويضطر من يعاني من ظروف مادية صعبة إلى ارتكاب أفعال لا تمت لإنسانيتهم بصلة؛ من أجل الحصول على مكاسب لا يمكن تحقيقها إلا بتلك الأفعال التي لا يقرها شرع أو دين.

كيف نواجع العنف في المجتمعات الشرقية؟

زيادة الوعي الديني بين أفراد المجتمع، والتأكيد على إنسانية الأديان، وأن الشرائع لم تأتِ إلا بالسلم والخير والرحمة والعطف والاحتواء، وأن العنف ما هو إلا وليد وساوس الشياطين، وكيد الخائنين الذين لا يريدون إلا الدسَّ لخلق الله، ويجب على العلماء والوعاظ والقساوسة أن يجعلوا السماحة جزءا من عظاتهم اليومية والأسبوعية.

مواجهة الجهل بكافة أشكاله، والجهل لا يُواجَه إلا بضده، والعلم غاية الحياة، وأمر الله في أول آيات القرآن نزولا على قلب رسوله محمد- صلى الله عليه وسلم- ومبتغى العارفين بالدنيا والآخرة، ومواجهة الجهل سبيل ضروري لمكافحة العنف والإرهاب، وبين الجهل والعنف علاقة طردية إذا ارتفعت حظوظ أحدهما ازداد قرينه بالضرورة، والعلاقة بين العنف والعلم علاقة تضاد فأيهما ارتفع انخفض قرينه.

نشر ثقافة المساواة في الحقوق والواجبات بين الجنسين، وزرع قيمة التساوي بينهما في الحقوق والواجبات، وأن لكلٍ منهما دور مكمِّل للآخر، وأنه لا غناء لطرف عن طرف، وتعميم هذه الأفكار لتشمل المجتمع بأسره، فلا يحق لأحد أن يفرض على أحد رأيا إلا برأيه ومشورته، حتى لو كان أباه.

محمد الجداوي

أضف تعليق

عشرين − إحدى عشر =